تحریر المجله المجلد 2

اشارة

شماره بازیابی : 51-81060

وضعیت نمایه سازی : اطلاعات ثبت

شماره کتابشناسی ملی : 2870819

عنوان و نام پديدآور : تحریر المجله، تالیف آیةاله فقید محمدحسین آل کاشف الغطاء

مقطع و رشته تحصیلی : قضائی. عربی

ملاحظات: اين كتاب در كتاب فروشى نجاح در تهران و كتابفروشى فيروزآبادى در قم افست شده است.

مشخصات نشر : عراق. نجف اشرف، المكتبة المرتضوية.1359. ج 5

مشخصات ظاهری : 1146 ورق.

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

الكتاب الأول

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

كلمة امام المقصود

ذكرنا اننا لما وجدنا مجلة (الأحكام العدلية) هي المرجع الأعلى و التي عليها المعول من زمن الأتراك إلى اليوم ليس في خصوص العراق بل في عامة الأقطار العربية و غيرها، و وجدناها لأول نظرة في أشد الحاجة الى التنقيح و التحرير كتبنا (الجزء الأول) و أجزنا للمطبعة نشره و تقديمه إلى (كلية الحقوق) و اساتذتها الاعلام و سائر علماء الحقوق و الفقه و نقباء الشرع و القانون و كافة رواد العلم و التحقيق من الطلاب و المعلمين و كانت محتويات (الجزء المتقدم) لا تعدو ان تكون واحدة من ثلاث شرح. أو انتقاد. أو استدراك. يعني شرح بعض مشكلاتها، و الإيماء الى عثراتها، و ضم بعض موادها إلى أخواتها و ليس الغرض من كل ذلك سوى ان نسد فراغاً و نكمل نقصاناً و نستدرك فائتاً، إتماماً للفائدة، و إعظاماً للمنفعة فان أجدت فيما افدت فالمنة للّٰه وحده، و الا فيكفي حسن النية، و سمو المقصود، و ما توفيقي إلا باللّه عز شأنه و من عنايته استمد التوفيق لإتمام بقية الاجزاء على النهج المتقدم أو أقوم قيلا، و انهج سبيلا، و قصار انا ان التمحيص و النقد أحب إلينا فيما نكتب من الإطراء و الحمد.

ص: 4

[تتمة كتاب البيوع]

الباب الثالث في بيان المسائل المتعلقة بالثمن

الفصل الأول في بيان المسائل المترتبة على أوصاف الثمن و أحواله
[مادة: 237] تسمية الثمن حين البيع لازمة، فلو باع بدون تسمية ثمن كان البيع فاسداً

هذا الحكم ضروري بعد الذي عرفت من ان البيع مبادلة مال بمال يعنى انه نسبة و اضافة بين مالين و هل يعقل تحقق الإضافة بدون طرفين و كذا لو كان فعلا و انفعالا فإنه فعل يتعلق بشيئين و جعل أحدهما مكان الآخر و عليه فحق التعبير ان يقال: لو باع بغير ثمن لم يقع بيع، لا انه كان فاسداً و قد تكرر بيان ان الثمن و المثمن من مقومات البيع و أركانه نعم لو كان الثمن مجهولا كان بيعاً و لكنه فاسد، فتدبره كما في.

(مادة: 238) يلزم ان يكون الثمن معلوماً.

و قد عرفت اعتبار المعلومية فيه و في المثمن في خمسة أمور. الوجود و الحصول و الجنس و الوصف و القدر. فلو حصل الجهل بشي ء منها كان البيع فاسداً.

(مادة: 239) إذا كان الثمن حاضراً فالعلم به يحصل بمشاهدته و الإشارة اليه و ان كان غائباً يحصل ببيان مقداره و وصفه.

ص: 5

المشاهدة لا تكفي إلا إذا كان الثمن أو المثمن غير مكيل و لا موزون و لا معدود و قد تقدم انه لو باع صبرة حنطة لا يعلم مقدارها فالبيع عندنا باطل و مثله الكلام في الثمن فلو اشترى منه وزنة حنطة بقبضة دراهم لا يعلم عددها كان باطلا، نعم عند أرباب (المجلة) الذين يجوزون بيع الجزاف يكون صحيحاً و لكن لا معنى حينئذ لقولهم في المادة السابقة و أمثالها مما سبق انه (يلزم ان يكون الثمن معلوماً) و دعوى انه يصير بالمشاهدة معلوماً واضحة المنع، فليتدبر.

(مادة: 240) البلد الذي يتعدد فيها نوع الدينار المتداول إذا بيع فيه شي ء بكذا دينار و لم يبين نوع الدينار يكون البيع فاسداً.

هذا صحيح و الفساد جاء من جهة الجهالة و لكن يناقضه حكمهم في المادة اللاحقة (241) إذا جرى البيع بعدد معلوم من القروش كان للمشتري ان يؤدي الثمن من اي نوع شاء إلخ .. إذ لا فرق في ذلك بين القروش و الدنانير إذا كانت أنواع كل منهما رائجة غير ممنوع تداولها سواء كانت متحدة القيمة أم لا.

(مادة: 242) إذا بين وصف الثمن وقت البيع لزم المشتري ان يؤدي الثمن من نوع النقود التي وصفها.

مثلا- لو عقد البيع على ذهب مجيدي أو انكليزى إلخ لزم ان يؤدي من النوع الذي وصفه.

هذا أيضاً صحيح و من الغريب ما في مادة «243» لا يتعين الثمن بالتعيين في العقد مثلا- لو أدى المشتري للبائع ذهباً مجيدياً في يده ثم اشترى بذلك الثمن شيئاً لا يجبر على أداء ذلك الذهب بعينه بل له ان

ص: 6

يعطي ذهباً مجيدياً من ذلك النوع غير الذي أراه إياه.

إذا كان البيع من حيث الثمن شخصياً فلا إشكال في انه يتعين و إذا لم يدفعه بعينه كان للبائع الفسخ، نعم لو كان كلياً فله ان يدفع اي فرد شاء من ذلك النوع و لا يتعين الذي كان في يده، و من هنا يعرف الحال في مادة «244» فإن البيع ان كان شخصياً تعين ما شخصه من الليرات مثلا أو أبعاضها و ان كان كلياً كان له دفع الأبعاض الا ان تنقص قيمتها عن الكل مثلا- إذ اشترى بخمسة دنانير فله ان يدفع عشرين ربع دينار الا ان يكون قيمتها أقل من خمسة دنانير مجتمعة كما يتفق ان الفرط مبذول و المجتمع عزيز و هو يختلف باختلاف الأزمان و البلدان و غيرها، فليلاحظ.

الفصل الثاني في بيان المسائل المتعلقة بالبيع بالنسيئة و التأجيل
اشارة

قد سبق ان إطلاق العقد يقتضي كون الثمن نقداً و هذا هو الأصل في العوضين كما في مادة (251) و كان حقها ان تتقدم الا ان يقيد أو يكون عرف يقتضي التأجيل كما في تلك المادة ثم ان جعل المثمن مؤجلا فهو السلم و ان جعل التأجيل في الثمن فهو النسيئة كما في مادة (245) البيع مع تأجيل الثمن و تقسيطه صحيح و يجري هذا في الكلي و في الأعيان فيجوز ان يجعل الثمن عيناً من النقود أو غيرها و يشترط تأجيل دفعها الى سنة أو أقل أو أكثر و يلزم في النسيئة تعيين المدة

ص: 7

و ضبطها بالأشهر أو السنين كما في قوله تعالى (إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى) فإذا جعله لمدة غير معلومة كمجي ء الحاج أو هبوط الأمطار أو نحو ذلك بطل البيع من أصله لبطلان ركنه و هو الثمن و منه يعلم مادة «247 و 248» و من الجهالة المفسدة ان يشترط المشتري دفع الثمن للبائع إذا باع ما اشتراه من الغير.

(مادة: 249) إذا باع نسيئة بدون مدة تنصرف المدة إلى شهر واحد فقط

يصح هذا ان كان هناك عرف خاص في بلد المتبايعين بحيث ينصرف الإطلاق اليه و الا فهو ممنوع أشد المنع و لا فرق بين الشهر و اليوم و السنة فيكون باطلا.

(مادة: 250) يعتبر ابتداء مدة التأجيل و التقسيط المذكورين في عقد البيع من وقت تسليم المبيع

فلو حبسه البائع سنة اعتبر أول السنة التي هي الأجل من يوم تسليم و للبائع حينئذ ان يطالبه بالثمن الى مضي سنة من وقت التسليم أو سنتين من حين العقد.

هذا محل منع بل مقتضى القاعدة اعتبار الابتداء من حين العقد سيما مع اشتراط تأجيل تسليم المبيع أو التماهل في قبضه من المشتري الا ان يكون عرف خاص هناك، فليتدبر.

ص: 8

الباب الرابع في بيان المسائل المتعلقة في الثمن و المثمن بعد العقد

اشارة

و يشتمل على فصلين

الفصل الأول في بيان حق تصرف البائع و المشتري بالمبيع بعد العقد و قبل القبض
(مادة: 252) البائع له ان يتصرف بثمن المبيع قبل القبض مثلا لو باع ماله من آخر بثمن معلوم له ان يحيل بثمنه دائنه.

الثمن اما ان يكون كليا في الذمة أو يكون عينا شخصية فإن كان كليا جاز ان يتصرف البائع به قبل قبضه و تعينه بان يبيعه أو يهبه من المشتري أو غيره غايته ان هبته للمشتري إسقاط و له ان يحيل دائنه عليه فيصير المشتري مشغول الذمة لدائن البائع و لا يعقل هنا التلف قبل القبض اما لو كان عيناً شخصية فإن تلفت قبل القبض كان التلف على المشتري كما عرفت سابقاً و ينحل العقد كما في تلف المبيع قبل القبض و مع وجودها فللبائع أن يتصرف بها كيف شاء قبل القبض و بعده لأنه قد ملكه بالعقد و لا تتوقف ملكيته على قبضه.

نعم هي ملكية متزلزلة و لكنها لا تمنع من التصرف و بالتصرف تكون مستقرة و لازمة كلزومها بالقبض.

ص: 9

(مادة: 253) للمشتري ان يبيع المبيع لآخر قبل قبضه ان كان عقارا و الا فلا.

لا فرق عندنا في صحة تصرفات المشتري في المبيع قبل القبض بين ان يكون عقاراً أو غيره كما عرفت من تحقق الملكية بمجرد تمامية العقد و هي كافية لصحة التصرف و أقصى ما يتصور في الفرق بين العقار و غيره ان العقار لا يعرضه التلف قبل القبض غالباً فتكون الملكية مستقرة بخلاف غيره و لكنك خبير ان هذا على فرض تسليمه لا يمنع من التصرف لان مصحح التصرف هو مطلق الملكية لا الملكية المطلقة و هو واضح.

نعم قد تقدم في بعض المواد ان الطعام بل مطلق المكيل و الموزون ورد النهي عن بيعه قبل قبضه و عمل أكثر أصحابنا بذلك و اختلفوا بين قائل بالتحريم فقط و بين قائل بالفساد أيضاً، و هذا أمر تعبدي و القواعد لا تقتضيه، فليتدبر.

الفصل الثاني
(مادة: 254) للبائع أن يزيد مقدار المبيع بعد العقد

فالمشتري إذا قبل في مجلس البيع الزيادة كان له حق المطالبة بتلك الزيادة و لا تفيد ندامة البائع فلو اشترى عشرين بطيخة بعشرين قرشاً ثم بعد العقد قال البائع أعطيك خمساً اخرى و قبل المشتري هذه الزيادة في المجلس أخذ خمساً و عشرين بطيخة بعشرين قرشاً، اما لو قبل بعد المجلس فلا يجبر البائع على إعطاء الزيادة.

ص: 10

هذا حكم كيفى و قول خرافي لا ينطبق على شي ء من الأصول و القواعد فان العقد إذا تم و وقع على صورة فقد انتهى كل شي ء و ليست الزيادة الخارجة عن العقد الا وعد مستقل له ان يفي به و له ان لا يفي، نعم حيث انهما ما داما في مجلس العقد لهما خيار المجلس فيمكنهما حل العقد الأول و إيقاعه جديداً بصيغة أخرى على الخمسة و عشرين فيجب الوفاء به و لكنه خلاف الفرض فليتدبر و مثله الكلام بعينه في مادة «255» من انه للمشتري زيادة الثمن و انه ملزوم بها و ان وقع العقد على أقل منها، و الجميع جزاف فافهم ذلك.

(مادة: 256) حط البائع مقداراً من الثمن المسمى بعد العقد صحيح و معتبر في موضع جازت فيه الزيادة إلخ

جميع هذه المواد من هذه المادة إلى آخر هذا الفصل مادة (261) لا مجال لها عندنا معشر الإمامية أصلا و العقد يلزم على ما وقع عليه من مقدار الثمن و المثمن لا يزيد بعد العقد و لا ينقص سواء حصل التقابض بينهما أم لا، و ليس الحط من الثمن بعد العقد أو الزيادة فيه أو في المثمن إلا هبة للزائد أو إسقاط من الثمن المسمى اى إبراء و هكذا، اما العقد الواقع الجامع للشرائط فلا يتغير و لا يتبدل عما وقع عليه و لا يحول و لا يزول، نعم يمكن إزالته بالفسخ من جهة خيار المجلس أو غيره من أنواع الخيارات و يعقدون عقداً آخر على الزائد أو الناقص، و ليس البيع بعد وقوعه يبقى كيفياً يتلاعب المتبايعان به كيف ما أرادا بل هو أمر إلزامي و تعهد دائمي، و عليه فقد سقط البحث في جميع تلك المواد المبنية على هذا

ص: 11

الأساس المتلاشي فتدبره جيدا.

و يترتب على ما ذكرناه من ان دفع الزيادة في الثمن أو المثمن يكون هبة ابتدائية ان له الرجوع فيها في المجلس و بعده قبل القبض و بعده الا ان يكون هناك أحد الملزمات للهبة المعروفة، اما حط بعض الثمن أو كله فقد عرفت انه إسقاط و إبراء و انما يتحقق هذا حيث يكون الثمن كلياً في الذمة اما لو كان عيناً خارجية فلا معنى للحط أصلا، و لعل الى بعض هذا تشير مادة (260) فتأملها جيداً.

ص: 12

(الباب الخامس) في بيان المسائل المتعلقة بالتسليم و التسلم

اشارة

و فيه ستة فصول

الفصل الأول في حقيقة التسليم و التسلم و كيفيتهما
(مادة: 262) القبض ليس بشرط في البيع

قد مر عليك ان العقد هو الإيجاب و القبول و إذا حصلا بالشرائط المعتبرة فقد صار المبيع للمشتري و الثمن للبائع فيجب على كل منهما ان يدفع الى الآخر المال الذي انتقل اليه فالقبض و الإقباض أي التسليم و التسلم من آثار العقد و ثمراته لا من أركانه و مقوماته إلا في موارد مخصوصة للدليل الخاص كبيع الصرف بالنسبة إلى النقدين و بيع المسلم بالنسبة إلى الثمن و الهبة فإن القبض في هذه الموارد ركن لا تحصل الملكية إلا به بخلاف سائر أنواع البيوع فإنها تحصل بالعقد و يكون المبيع في يد البائع كأمانة يجب دفعها الى صاحبها و هكذا الثمن عند المشتري، و قد سبقت الإشارة إلى انه ليس أحدهما أولى بالمبادرة بالدفع من الآخر فان تبرع أحدهما أو سبق وجب على الآخر الدفع و ان تشاحا أجبرهما الحاكم على التقابض و توهم بعض انه يجب على المشتري متى تم العقد ان يسلم الثمن إلى البائع أولا ثم يسلم البائع المبيع اليه كما نصت عليه (المجلة)

ص: 13

هنا، و بعضهم عكس فأوجب على البائع تسليم المبيع حتى يستحق قبض الثمن، و الحق ما عرفت من عدم ترجيح أحدهما على الآخر بعد حصول الملكية لكل منهما دفعة واحدة و لكل من الوجهين اعتبارات ظاهرة و لكنها غير معتبرة كما لا يخفى على المتدبر.

(مادة: 263) تسليم المبيع يحصل بالتخلية و هو ان يأذن البائع للمشتري بقبض المبيع مع عدم وجود مانع من تسلم المشتري إياه

هذه المسألة (اعني مسألة القبض) من مهمات مسائل البيوع أو أمهاتها و قد شاع في كلمات فقهاء الفريقين ان القبض هو التخلية و هو من الغرابة بمكان فإن التخلية سواء من البائع للمبيع أو من المشتري للثمن غير القبض فكيف يفسر عمل شخص بفعل الآخر فتخلية البائع مبيعه غير قبضه للثمن و قبض المشتري غير تخلية بين البائع و بين الثمن ثم ان التخلية أشبه بأمر عدمي فإنها عبارة عن عدم المنع أو عدم المانع فكيف يكون تفسيراً للقبض الذي هو أمر وجودي و هو التسلم و التسليم و «الحاصل» ان كلام الفقهاء في التخلية مشوش لا يكاد يتضح وجهه و قد جرت (المجلة) على هذا المجرى من غير إمعان و تمحيص، و تحقيق المقام ان كلا من البائع و المشتري يلزمه قبض و إقباض (أي يلزم البائع تسليم المبيع و تسلم الثمن، و يلزم المشتري تسليم الثمن و تسلم المبيع) حيث لا يكون كل منهما مقبوضاً أو بحكم المقبوض كما في الدين و نحوه، و لكن القبض و الإقباض و ان شئت فقل التسليم و التسلم من كل منهما يختلف باختلاف ما يقع عليه البيع فقد يتحقق الإقباض بالتخلية و الاذن فقط و قد

ص: 14

لا يتحقق الا يوضعه في يده أو في صندوقه كما ان القبض قد يحصل بصرف علمه بالتخلية و قد لا يحصل إلا بأخذه بيده و بين هذين الحدين أنواع و اشكال يتحقق بها القبض و الإقباض و تندرج أنواع القبض تحت عنوان واحد و هو الاستيلاء على الشي ء و السلطنة عليه كما يجمع جميع أنواع الإقباض التسليط و التمكين فقد يتحقق التسليط بصرف التخلية و قد يحتاج معها إلى شي ء آخر، و لما اختلفت الأنواع المحققة للقبض و المحققة للإقباض اختلفت تعبيرات الفقهاء و كل واحد نظر الى جهة و ناحية فعبر بها حتى بلغت الأقوال في بيان القبض حسب ما ذكره بعض اعلامنا المتأخرين على ما اتخطره إلى ثمانية و عند التحقيق فهي من باب اشتباه المصداق بالمفهوم و لكل من القبض و الإقباض مفهوم انما الاختلاف و التعدد في محققاته و مصاديقه المختلفة فاقباض أراضي الزراعة هو تخليتها و اعلام المشتري بتفريغها و هذا محقق لإقباضها و تسليط البائع كما ان علم المشتري و سكوته محقق لتسلمها و قبضها سواء تصرف فيها ببعض أنواع التصرف أم لا و لكن هذا المقدار لا يكفي في مثل الدار أو الدكان و الخان بل و البستان حتى يدفع اليه المفتاح مثلًا كما ان علم المشتري بتفريغها لا يكفي في تسلمه و قبضه حتى يأخذ المفتاح أو يتصرف بنحو من التصرفات و هكذا الى ان يصل الأمر في مثل الأمتعة و الدراهم و الدنانير التي لا يكفي في إقباضها رفع اليد عنها بل لا بد من وضعها بين يدي المشتري، و تسلمه لها ان يقبضها بيده أو يضعها في جيبه و نحو ذلك كما ان الدابة إقباضها دفع زمامها و تسلمها أخذ الزمام أو الركوب أو سوقها امامه أو أخذ اذنها و أمثال ذلك، و هكذا الكلام

ص: 15

في المكيل و الموزون و لكن ثبت بالأدلة الخاصة أن كيل الطعام قبض يعني ان المشتري إذا قال للبائع كل لي وزنة حنطة فكالها كان ذلك بمنزلة قبض المشتري فلو تلف بعد الكيل كان تلفها عليه لا على البائع و لو لا الأدلة الخاصة لم نقل بأنه قبض بل قبض الطعام و المتاع عرفاً هو نقله و حمله من مكان البائع إلى مكان آخر يختاره المشتري و على كل فالقبض الذي يترتب عليه ذلك الأثر المهم و هو برأيه البائع من الضمان هو عبارة عن التسلم و الاستيلاء الذي هو فعل المشتري لا التخلية التي هي من فعل البائع.

و «المراد» من القبض هنا هو القبض العرفي لا اللغوي الذي هو الإمساك باليد و ليس للشارع فيه اصطلاح خاص قطعاً فما هو الا القبض العرفي الذي قد عرفت جوهر معناه و جامع افراده، نعم يبقى الإشكال في موارد الشك في تحقق القبض و لا ريب ان الحكم هو عدم ترتب آثار القبض بمقتضى الاستصحاب، مثلًا- إذا اشترى مائعاً من دهن و نحوه و أخذ البائع يصبه في وعاء المشتري فاتفق ان عرض للإناء ثقب في أسفله و صار الدهن يسيل في الأرض من غير علم و لا تفريط ففي مثل هذا يقع الشك في تحقق القبض و عدمه نظراً الى ان صبه في إناء المشتري تسليم فلا ضمان عليه أوان استيلاء المشتري لم يحصل بعد فهو تلف قبل القبض فيكون على البائع، و مثله لو قال بايع الدابة للمشترى: خذها، و أرسل الزمام من يده و قبل ان يأخذها المشتري أو يركبها شردت أو ماتت، و أقصى مبالغ الدقة في هذه

ص: 16

الفروع و الفروض ان يقال: ان برأيه البائع من الضمان هل هي منوطة بتسليمه فقط أو بتسليمه و تسلم المشتري أيضاً أو ان تسلم المشتري يحصل بمجرد تسليط البائع و تمكينه أو يحتاج إلى عناية منه بتصرف أو استيلاء أو نحوه و حل هذه العقدة و ان كان لا يخلو من صعوبة و تحتاج الى مزيد تتبع و استقراء للنصوص و كلمات الأصحاب و لكن من البعيد جداً اناطة ضمان شخص و عدمه بعمل شخص آخر و عدمه فتدبر ذلك.

اما قبض البعض فلا ريب في انه يترتب عليه حكمه فإذا تلف الباقي في يد البائع كان عليه ضمانه و يثبت بعده خيار تبعيض الصفقة و جميع مواد هذا الفصل تعود واضحة بعد البيان المتقدم، نعم المادة الأخيرة (277) قبض المشتري المبيع بدون اذن البائع قبل أداء الثمن لا يكون معتبراً الا ان المشتري لو قبض بدون الاذن و هلك في يده أو تعيب يكون القبض معتبراً، فيها إجمال و تعقيد مخل بالغرض المقصود، و تحريرها- أنه لما كان من المعلوم ان الغرض من تسليم البائع المبيع هو حصوله في يد المشتري و لذا لو كان في يده قبل البيع بعارية أو وديعة سقط وجوب التسليم فكذا لو قبضه المشتري بدون اذن البائع و تسليمه فقد حصل الغرض المهم من التسليم و هو الحصول في يد المشتري و سقط الضمان عن البائع و صار تلفه على المشتري فقد صار هذا القبض معتبراً من هذه الناحية (أي ناحية سقوط الضمان)، ثم ان هذا القبض العاري عن الاذن ان كان بعد دفع الثمن إلى البائع فهو قبض معتبر من جميع الجهات و جميع

ص: 17

تصرفات المشتري فيه تكون صحيحة نافذة، اما لو كان قبل دفع الثمن فالقبض المزبور و ان كان معتبراً من حيث إسقاط الضمان و لكنه غير معتبر من حيث نفوذ تصرفات المشتري فيه فلو باع أو رهن أو وهب وقف على إجازة البائع لأن له حق حبسه الى ان يقبض الثمن فيكون تصرفات المشتري موقوفة لأنها وقعت على متعلق حق الغير فهي أشبه بالفضولي و بيع الراهن للعين المرهونة و ان لم تكن منه.

هكذا ينبغي ان تحرر المسائل و للّٰه المنة وحده.

الفصل الثاني في المواد المتعلقة بحبس المبيع

خلاصة هذا الفصل قد تقدمت في الأبواب السابقة حيث أوضحنا ان المشتري له ان يحبس الثمن حتى يقبض المبيع و للبائع ان يحبس المبيع حتى يقبض الثمن فان تبرع أحدهما فبادر الى التسليم وجب على الآخر الدفع و سقط حق الحبس و ان تشاحا أجبرهما الحاكم على التقابض، و حق الحبس طبعاً انما هو في غير بيع النسيئة بالنسبة إلى الثمن و في غير بيع السلف بالنسبة إلى المثمن و في غير الموارد التي يكون الثمن مقبوضاً للبائع أو المبيع مقبوضاً للمشتري و إذا بادر أحدهما بالتسليم فان دفع الثاني فذاك و إلا فله استرجاع ما دفع لان حق حبسه لم يسقط بالكلية بل سقوطه مراعى بدفع الآخر فإذا لم يدفع كان له الاسترداد إلا إذا صرح بإسقاطه مطلقا

ص: 18

و بهذا تظهر الخدشة في مادة (281) إذا سلم البائع المبيع قبل قبض الثمن فقد أسقط حق حبسه و ليس للبائع ان يسترد المبيع من المشتري، و باقي المواد واضحة.

الفصل الثالث في حق مكان التسليم

تحرير هذا الفصل ان المتبايعين ان علم كل منهما ان المبيع الشخصي في محل غير بلد العقد و أطلقا البيع فالإطلاق يقتضي تسليمه في محل المبيع الا ان تكون هناك قرينة أو عرف خاص يقتضي خلاف ذلك، و ان جهل كل منهما ذلك أو جهل المشتري فإطلاق العقد يقتضي تسليمه في بلد العقد كما لو كان كلياً و الا كان للمشتري الخيار فيهما، هذا كله مع الإطلاق و الا فالشرط هو المتبع و ما ذكرناه هو حاصل المواد الثلاث (285، 286، 287) و من الغريب هنا الذي لا يعرف وجهه ما نقله بعض الشراح عن بعضهم من أنه- إذا باع البائع الحنطة و هي في أرضه و اشترط تسليمها في مكان معين صح البيع و لزمه تسليمها حيث شرط الا إذا اشترط حملها و نقلها الى دار المشتري فان ذلك يفسد البيع انتهى.

اما الثمن فان كان كلياً و أطلق فحقه التسليم في بلد العقد و ان كان شخصياً فمثل ما تقدم في المبيع الشخصي و يكون الخيار للبائع مع جهله، فتدبره.

ص: 19

الفصل الرابع في مئونة التسليم و لوازم إتمامه

ليس في هذه الناحية من البيوع قاعدة مطردة يمكن الاعتماد عليها بقول مطلق و إيكال ذلك الى عرف البلد في غير موارد الشرط أتقن و أحسن كما في مادة (291) و حيث يكون هنالك عرف خاص أو عام أو شرط فلا إشكال إنما الإشكال حيث لا يكون هناك شي ء من تلك الأمور التي يصلح الاعتماد عليها و تشاحا فيمكن ان يجعل المناط ان كلما يتعلق بالمبيع فهو على البائع و كلما يتعلق بالثمن فهو على المشتري و أحسن من ذلك ان يجعل المدار على المصلحة و المنفعة فإن كانت للبائع فمصارفه عليه و ان كانت للمشتري فعليه و يعرف صاحب المصلحة بطلبها و ان كانت لهما فعليهما و لعل منه ما شاع في هذه العصور من ان اجرة كتابة الأوراق و السجلات و الطوابع بل و تسجيل البيع في (الطابو) كله على المشتري لأنه لمصلحته و إتقان ملكيته و هذه الضابطة و ان لم تكن مطردة كلية فلا إشكال في أنها توافق الغالب و لا يشذ منها الا النادر.

ص: 20

الفصل الخامس في بيان المواد المترتبة على هلاك المبيع
اشارة

تكرر ذكر هذا الحكم المستفاد من النبوي (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه) و قد مرت الإشارة إليه قريباً في مادة (277) و قد ذكرنا في الجزء الأول معنى هذه القضية و تطبيقها على القواعد و ان التلف يكشف عن انفساخ العقد قهراً حتى يرجع المبيع قبل التلف الى ملك البائع و يكون تلفه منه و مثله تلف الثمن و القاعدة الكلية هنا هكذا- كل مال تلف في يد مالكه قبل العقد فهو عليه كما ان تلفه بيد من ملكه بالعقد يكون عليه.

(مادة: 295) إذا قبض المشتري المبيع برضا البائع ثم مات مفلساً قبل أداء الثمن ليس للبائع استرداد المبيع بل يكون مثل الغرماء

اتفقت الإمامية أن المفلس الذي لا تفي أمواله بديونه و حكم الحاكم بمنعه من التصرف في أمواله ليقسمها على الغرماء بالنسبة فتوزع أمواله بالحصص الا الغريم الذي يجد عين ماله فإنه يأخذها عيناً و لا يضرب مع الغرماء و هذا و ان كان مخالفاً للقواعد و لكن النصوص و الفتاوى متطابقة عليه و يكون لازم ذلك انفساخ العقد كقضية التلف قبل القبض، اما إذا مات الرجل و كانت تركته لا تفي بديونه و وجد بعض الغرماء عين ماله فإنه لا حق له بأخذها بل يضرب مع الغرماء، نعم لو كانت أمواله تفي بديونه

ص: 21

فله أخذ عين ماله إذا أراد، و منشأ الفرق هو النصوص الخاصة عندنا و عبارة (المجلة) مطلقة و الحق هو التفصيل كما ذكرناه.

الفصل السادس فيما يتعلق بسوم الشراء و سوم النظر

هذه القضية ليست من مسائل البيوع و لكنها من هوامش البيع و رتوشه و هي مسألة مهمة و تعرف عندنا بمسألة «المقبوض بالسوم» و حاصل ما افادته (المجلة) ان المقبوض بالسوم (اي ما قبضه إنسان من المالك لينظر فيه) فاما ان يشتريه بالثمن الذي اتفقا عليه أو برده فلو اتفق أنه انه تلف في يد القابض فإنه مضمون عليه لا بالثمن الذي اتفقا عليه لعدم وقوع العقد حسب الفرض بل بالمثل ان كان مثلياً و بالقيمة ان كان قيمياً، و لا فرق عندنا في الضمان بين ان يعينا قيمته أم لا فما ذكرته (المجلة) بقولها (اما إذا أخذه بدون ان يبين و يسمي له ثمناً كان ذلك المال امانة في يد المشتري فلا يضمن إذا هلك أوضاع بلا تعد مثلًا- لو قال البائع للمشتري ثمن هذه الدابة ألف قرش اذهب بها فإن أعجبتك اشترها فأخذها ليشتريها فهلكت لزمه قيمتها للبائع، اما إذا لم يبين الثمن بل قال خذها فإن أعجبتك اشترها فأخذها على انه إذا أعجبته يقاوله و يشتريها فبهذه الصورة إذا هلكت بلا تعد لا يضمن) لا وجه له على التحقيق لوحدة ملاك الضمان و هو قاعدة اليد و من الوهم الزائف تخيل انها في الصورة الثانية

ص: 22

امانة فان البائع لم يقصد دفعها له بصفة الامانة و الوديعة، و قد سبق أول قواعد [المجلة]- ان الأمور بمقاصدها- و القصارى ان كل إنسان قبض مال غيره ليشتريه سواء اتفقا على قيمته أم لا فهو مقبوض بالسوم و مضمون على القابض بقاعدة اليد، فتدبره جيداً.

نعم لو برء القابض الذي يريد النظر للشراء من عهدة الضمان و رضى المالك فلا ضمان لو تلف بغير تعد لان المالك قد أسقط حقه و لكنه مبني على صحة إسقاط ما لم يجب كصحة ضمانه و هو محل بحث و نظر و ان كان الأصح عندنا صحته و مما ذكرنا يظهر البحث في مادة (299) ما يقبض على سوم النظر و هو ان يقبض مالا لينظر اليه أو يريه لآخر سواء بين ثمنه أم لا فيكون امانة في يد القابض فلا يضمن إذا هلك بلا تعد فان المقبوض على سوم النظر ان قبضه لينظر فيه ليشتريه فهو من المقبوض بالسوم يضمنه مطلقا إذا تلف لانه قبض معاوضة اي مبني على التعاوض و ان قبضه لا للشراء فلا ضمانه لأنه امانة و كذا قبض الدلال و السمسار لانه وكيل أو شبهه فلا ضمان مع عدم التعدي.

ص: 23

(الباب السادس) في الخيارات

اشارة

أعلم ان أبواب الخيار من أهم مباحث البيوع و هي المضمار الذي يتسابق فيه فرسان الفقاهة و مهرة التحقيق، و كثير من أعلام الإمامية أفرد لها كتباً مستقلة في التأليف، ذاك لأن فيها المجال الواسع للدقة، و عمق النظر، و براعة الصناعة و التحقيق، حيث انها تبتنى على مزيج من الأدلة من عقل و نقل، و عرف و تقاليد، يعني. شرع و اعتبار و عادة و علماء الشرع رضوان اللّٰه عليهم منا و من الجمهور في تعداد أنواع الخيارات بين مقل و مكثر، بين من ذكر ثلاثة و بين من زادها على عشرين، و المتوسطون بين من ذكر سبعة كما في (شرائع) المحقق و بين من اقتصر على سبعة كالشهيد الأول في (اللمعة الدمشقية) و «المجلة» اقتصرت أيضاً على سبعة، و حيث ان الأصل و القاعدة في البيع بل في عامة العقود عدا ما خرج بالنص القاطع هو اللزوم و عدم جواز فسخ العقد بعد وقوعه صحيحاً مستجمعاً بشرائطه، و لكن إحاطة علم الشارع الحكيم و رعاية الشريعة لدقائق الحكمة اقتضت تشريع الخيار في العقود اللازمة قلعاً لمواد الفتنة بين البشر و قطعاً لأمراس الشجار و الخصومات فيما بينهم فإن الإنسان قد تدعوه خاطرة الى بيع ماله فيجري العقد عليه باختياره ثم يندم فيتطلب العلل و التخريجات من مضايقة العقد فقد يحدث النزاع و الشجار بين المتعاقدين فشرع الخيار لقطع مادة هذا الشجار، و افساحاً

ص: 24

لمجال التروي و التفكير فيما هو الصالح. و لكن تداركا لذلك و لكي لا تذهب مكانة العقد، و تسقط قيمته بالتلاعب، حسب الخواطر و الأهواء جعل الخيار مقيداً بقيود، و محدوداً بحدود، لئلا يقع الاشتمار و الفوضى و تنعكس الآية، و تنقلب الحكمة.

و مما لاخفاء فيه ان تعدد أنواع الخيار، و اختلاف أسمائه، و تغاير نسبه و إضافاته، انما هو لاختلاف أسبابه، و البواعث التي قضت بجعله بعد ان كان هو خلاف الأصل و العمومات كما عرفت.

و الأسباب كثيرة و لكن يجمعها على التحقيق ثلاثة أنواع فان موجب الخيار اما لأمر يعود الى أحد العوضين كنقص و نحوه، و ذلك كخيار العيب و الغبن و الرؤية و التأخير و نحوها و اما لأمر يعود الى العقد من حيث حدوثه، و أصل وجوده، و هو اما ان يكون يجعل الشارع كخيار المجلس و خيار الحيوان، و اما ان يكون بجعل المتعاقدين أو أحدهما كخيار الشرط أو شرط الخيار. و بعبارة أوجز ان الخيار اما ان يكون شرعياً أو طبيعياً أو وضعياً فالأول كخيار المجلس و الحيوان، و الثاني كخيار العيب و الغبن و نحوهما فإن طبيعة العقد تقتضيه و الثالث ما يكون بوضع المتعاقدين و جعلهما كخيار الشرط أو شرط الخيار، ثم الخيارات بجميع أنواعها اما ان يكون الخيار فيها لكل واحد منهما أو لواحد منهما أو لغيرهما منفرداً عنهما أو معهما أو مع أحدهما كما يجوز ان يكون الغير جماعة أو فرداً مجموعين أو متفرقين على نحو الاختيار أو الخيار أو الاستيمار، و لكل واحد من هذه الأنحاء احكام شخصية و آثار ربما يأتي التنبيه عليها في مواردها إن شاء اللّٰه

ص: 25

الخيار

الخيار اسم مصدر من الاختيار، و أصل المادة الخير و ان اندك لحاظه في أكثر مشتقاتها و هو- لغة و عرفاً- معنى يرجع الى حرية الإرادة و عدم الملزم بأحد طرفي الفعل و الترك و ان من له الخيار له الأخذ بخير الأمرين من الفسخ و الإمضاء، و- شرعا- سلطنة على فسخ العقد، و أثره رجوع كل مال الى صاحبه في باب المعاوضات و ما يتاخمه في غيرها- أو حق استرداد العين و أثره و انحلال العقد و رجوع كل مال الى صاحبه و تظهر الثمرة بين الاعتبارين في مواضع: منها صورة تلف العين فعلى الأول يبقى الخيار لانه حق في العقد و أثره حينئذ يظهر بدفع المثل أو القيمة و على الثاني يزول لزوال موضوعه، و لذا قد يعد التلف من مسقطات الخيار عند بعض كما يسقط حق الرجوع بالهبة عند الجميع.

و «الخيار» حق مالي يصح نقله و انتقاله كما يصح إسقاطه و المصالحة عليه كعامة الحقوق المالية. و هذا هو حكمه العام الذي يلحقه من حيث كونه خياراً، كما ان لكل واحد من أنواعه أحكاما تخصه من حيث خصوصيته مثل كونه خيار مجلس أو خيار حيوان أو غير ذلك.

و حيث ان خيار المجلس مقدم طبعاً على سائر الخيارات المجعولة شرعا فالأنسب تقديمه وضعاً فنقول قد عرفت ان مستند

ص: 26

(خيار المجلس)

هو الحديث المستفيض عند عامة المسلمين (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) و هو و غيره من أحاديثنا الخاصة مستند القول بخيار المجلس عند فقهائنا إجماعا اما فقهاء المذاهب فقد انشطروا في هذه القضية شطرين فأنكرته الحنفية و المالكية و تأول الأولون الحديث تأويلا- الطرح خير منه كاجتهاد في مقابل النص حيث قالوا على ما نقل عنهم: خيار المجلس لا يثبت الا بالشرط فإذا ثم العقد بينهما من غير شرط الخيار أصبح لازما سواء أقاما بالمجلس أو تفرقا و انما الذي للعاقد في المجلس بدون شرط هو خيار القول فإذا قال البائع بعتك فله ان يرجع قبل ان يجيبه المشتري انتهى و يحملون الحديث تارة على ان له خيار المجلس بالشرط و اخرى على ان له الرجوع قبل الإيجاب. و هذا من الغرابة بمكان فان الحديث يقول البيعان بالخيار لا البائع فقط ثم ما معنى اقحام التفرق و تعليق الخيار عليه و «بالجملة» فصراحة الحديث و وضوح معناه كاف في درهم.

أما «المالكية» فقد اعترفوا بان الحديث صحيح بل و صريح و لكنهم قالوا ان عمل أهل المدينة على خلافه و عملهم مقدم على الحديث و ان كان صحيحاً و هذا شي ء لا نعرفه و لا ندري كيف عمل أهل المدينة يطرح الحديث أو ينسخه و عهدة ذلك عليهم، و قد زادوا على الحنفية حيث أفسدوا العقد

ص: 27

مع شرط الخيار في المجلس و الحنفية أجازوه اما «الشافعية و الحنابلة» فقد عملوا بالحديث و اثبتوا لكل من المتبايعين بعد تمامية العقد خيارا في المجلس الى ان يفترقا بالأبدان فإذا افترقا وجب البيع كما في ذيل الحديث على ما في بعض الروايات و أفرط الشوافع في ثبوت هذا الخيار فقالوا لو اشترط عدمه بطل الشرط و العقد لانه من مقتضيات العقد و كل شرط ينافي مقتضى العقد باطل و مبطل و اعتدلت الحنابلة كالإمامية و قالوا انه يسقط باشتراط سقوطه فلو قال بعتك بشرط ان لا خيار لأحدنا في المجلس فقال قبلت صح العقد و الشرط و دعوى كونه منافيا لمقتضى العقد ممنوعة و انما هو مناف لإطلاقه كما سبق تحقيق ذلك في الجزء الأول و هذا اعني شرط عدمه أحد مسقطات خيار المجلس عندنا و عند الحنابلة كما ان التفرق هو المسقط الثاني و التصرف هو المسقط الثالث عندنا و عند الشافعية و الحنابلة و التلف عند بعض هو الرابع ثم ان الشافعية قصروا هذا الخيار على عقود المعاوضات بشرط ان يكون العقد مما يفسد بفساد أحد العوضين كالبيع و الإجارة لا النكاح الذي لا يفسد بفساد المهر و ان يكون على عين لازمة فيخرج الإجارة و ان لا يكون التملك قهريا فيخرج الشفعة فينحصر مورده بالبيع المطلق و السلم و الهبة المعوضة و الصلح في بعض أنواعه.

أما عندنا فحيث ان خيار المجلس من المجعولات الشرعية لا تقتضيه طبيعة العقد و لا اشترطه المتعاقدان فيتبع في سعته و ضيقه الدليل و هو يقول «البيعان» فيختص بالبيع و لم يقل المتعاوضان و نحوها حتى يعم.

و كما يسقط هذا الخيار بشرط عدمه في متن العقد كذلك يسقط

ص: 28

بإسقاطه بعد العقد قبل تفرقهما و لكن المسقط الأعظم لهذا الخيار- هو التفرق من المجلس اي مجلس العقد سواء كانا مجتمعين فيه أو متفرقين في بناء أو صحراء متقاربين أو متباعدين فلو تبايعا واحدهما في مصر و الآخر في بغداد بالهاتف و نحوه كان لهما الخيار حتى يقوم أحدهما أو كل منهما من مكانه و كذا لو كان كل واحد منهما على مركوب من دابة أو سفينة أو سيارة و جرى العقد بينهما فالخيار ثابت لهما حتى يصدق عرفا افتراقهما و لكن العبرة بالتفرق الاختياري لا القهري فلو فرق بينهما ظالم قهرا فان منعهما أيضاً من التخاير لم يسقط خيارهما الى ان يزول القهر عنهما فاما ان يفسخا العقد حينئذ أو يمضياه و ان لم يمنعهما و تفرقا بدون فسخ لزم العقد و سقط الخيار و لو أخذ أحدهما قهراً مع منعه و بقي الآخر في مجلس العقد فهل يبقى خيار كل منهما أو يزول خيارهما معا أو يبقى خيار المقهور دون الآخر وجوه أو أقوال أقربها الأول و لو كان الموجب و القابل واحداً فالمدار لو قلنا بثبوت الخيار و عدم انصراف الدليل عن مثله على قيامه من مجلس العقد، اما لو عقد و هو باق في مكانه فله ان يفسخ ان كان ذا سلطة على العقد و الفسخ هذه نبذة يسيرة من خيار المجلس و احكامه و اختلاف الفقهاء فيه و لعلماء الإمامية فيه أبحاث طويلة و تحقيقات جليلة، لا مجال لسردها في هذا المختصر

ص: 29

(الخيار الثاني) خيار الحيوان

و يظهر ان هذا الخيار من مختصات الإمامية لم أجد له ذكرا عند فقهاء المذاهب، و هو أيضا من المجعولات الشرعية و أحاديث ائمۀ أهل البيت (ع) به مستفيضة مثل رواية علي بن أسباط عن الرضا (ع) الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري و صحيحة ابن يسار قلت له ما الشرط في الحيوان قال ثلاثة أيام للمشتري قلت و ما الشرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا، و من هنا ذهب الأكثر إلى اختصاص هذا الخيار بالمشتري و تكاد تكون نصاً فيه صحيحة ابن رئاب عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع أولهما كليهما قال الخيار لمن أشتري نظرة ثلاثة أيام فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء و لكن ذهب جماعة من الاعلام إلى ثبوته للبائع و للمشتري لصحيحة محمد بن مسلم المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا و لعل المراد أن المنتقل اليه الحيوان بايعا كان أو مشتريا ثمنا أو مثمنا يكون له خيار و بهذا يحصل الجمع بين الاخبار كما في صحيحة أخرى لابن مسلم المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام فإن التعبير بصاحب الحيوان مشعر بعدم الاختصاص بمشتري الحيوان بل يعم بايع ماله بالحيوان و تكون تلك الاخبار خصت المشتري بالذكر لان

ص: 30

الغالب ان الحيوان مما يشترى لا مما يشترى به و على كل فأصالة اللزوم في العقود تقضي بعدم ثبوت هذا الخيار لبائع الحيوان بغيره و الاخبار غير واضحة فيه ان لم تكن واضحة بخلافه و حكمة هذا الجعل و التشريع لا تقتضيه فإن الحكمة في هذا الحكم ان خيار المجلس لما كان عادة لا يكفي للاطلاع على خفايا مزايا الحيوان و خصوصيات صفاته فإن مشتري الفرس مثلا لا يمكنه الاطلاع عادة على كونها حرونة أو ذلولا و صعبة القياد أو سهلة إلى كثير من أمثال هذا الا باختبارها في ركوبها و الغارة عليها و لا يعرف مقدار أكلها و صبرها عن الماء الا بيومين أو ثلاث على الأقل فلذلك جعل الشارع في الحيوانات أعم من الإنسان كالعبد و الجارية أو غيره من أنواع الحيوان خيارا زائداً على خيار المجلس افساحا في المجال لكشف الحال و تفصياً عما يوجب الندم و تداركا لما يخشى من التورط و هذا كله إنما يأتي في من انتقل اليه الحيوان لا من انتقل عنه و لا يذهب بك الوهم الى ان خيار العيب يغني عن هذا الخيار فإن القضية هنا ليست قضية عيوب أو نقص في الخلقة بل قضية أوصاف تختلف بها الرغبات حسب اختلاف المشارب و الأذواق فرب شخص يرغب في الجارية السريعة الانتباه مثلا و رب أخر يكره ذلك و هكذا و النظائر كثيرة و قد اختلفوا في ان مبدأ هذا الخيار من حين العقد أو من حين التفرق و على الأول فلو مضت ثلاثة أيام و لم يفترقا زال خيار الحيوان و بقي خيار المجلس و على الثاني لو افترقا بعد ثلاثة أيام كان له ثلاثة أخرى

ص: 31

و على الأول يكون قد انتهى الخيار ان و ظاهر الأدلة قد يلوح منها الأول و الاعتبار أدل على الثاني. و يسقط هذا بشرط سقوطه في متن العقد و بإسقاطه بعد العقد و بالتصرف الدال على الرضا بالعقد و إمضائه لا مطلق التصرف، و الفروع هنا أيضاً كثيرة و المباحث واسعة و فيما ذكرنا مع اختصاره كفاية.

الخيار الثالث خيار الشرط
اشارة

و هذا الخيار مما اتفق عليه الفريقان و الأدلة عليه عموما و خصوصاً مستفيضة و يكفي من العمومات النبويان (الشرط جائز بين المسلمين) و (المؤمنون عند شروطهم) و أمثالها، و كان حق التعبير ان يعبروا عنه بشرط الخيار لا خيار الشرط لان المراد به هنا ان يشترط الخيار في ضمن عقد البيع أو غيره بان يقول: بعتك بشرط ان يكون لي خيار الفسخ إلى ثلاثة أيام أو شهر مثلا، فهو عبارة عن اشتراط الخيار، اما خيار الشرط فهو عبارة عن ان يشترط أحد المتعاقدين على الآخر شرطاً فلا يفي به فيكون له خيار تخلف الشرط فلو قال: بعتك بشرط ان تأتيني يوم الجمعة فقبل و لم يأته يوم الجمعة فإن للبائع الخيار ان يمضي العقد أو يفسخه فحق هذا ان يسمى خيار الشرط اي خيار تخلف الشرط و ما نحن فيه (شرط الخيار) و يعبر بعض فقهائنا عن ذلك بخيار الاشتراط، و مهما كان فالأمر في التسمية سهل. و المهم هنا (أولًا) ان

ص: 32

تتذكر ما مرت الإشارة إليه سابقاً من ان الخيار في العقد ليس معناه توقف العقد في تأثيره الملكية و النقل على انقضاء زمن الخيار كما قد ينسب الى بعض أعاظم علمائنا وفقا لبعض علماء الجمهور بل المتفق عليه عندنا ان العقد الصحيح إذا وقع انتقل المبيع إلى المشتري و الثمن إلى البائع غايته ان صاحب الخيار له ان يفسخ هذا العقد و يحله فتعود ملكية كل مال الى صاحبه و عليه يترتب النماء و المنافع في المدة بين العقد و الفسخ فان نماء المبيع تلك المدة إلى المشتري و نماء الثمن فيها للبائع، نعم لو اشترط كل منهما خلاف ذلك و ان تكون منافع كل مال لصاحبه الأول فيكون كما لو باعه- مسلوب المنفعة تلك المدة أمكن الجزم بالصحة و سيأتي في مادة (308) ما ينافي ما ذكرناه من كون العقد التام هو المؤثر و (ثانياً) ان مدة الخيار يجوز ان تتصل بالعقد فيشترط الخيار له من حين العقد إلى سنة، و يجوز ان تنفصل فيشترطه في شهر بعد سنة من العقد و لا مانع من صيرورة العقد جائزا بعد لزومه فان الشروط تعمل أكثر من هذا، و «ثالثاً» يجوز ان يشترطا الخيار لواحد منهما أو لكليهما أو لأجنبي معهما أو مع أحدهما على نحو الاستقلال أو الاشتراك أو المؤامرة أي يكون الشرط ان له الأمر بأن يفسخا أو يمضيا لا ان يكون له ذلك بنفسه و الى بعض هذا أشارت (المجلة) في مادة (300) يجوز ان يشترط الخيار بفسخ البيع أو إجازته مدة معلومة لكل من البائع و المشتري أو لأحدهما دون الآخر، و أهم ما في هذه المادة هو لزوم كون مدة الخيار معلومة بعدد الأيام أو الأشهر أو السنين فلو لم يعين بطل الخيار

ص: 33

بل ربما يقال ببطلان العقد أيضاً كل ذلك للغرر و بيع الغرر باطل قطعاً و ما يقال من ان الغرر موضوع عرفي و ترى العرف بالوجدان يؤجلون ديونهم و كثيراً من معاملاتهم الى الحصاد و موسم التمر أو الرز أو غيرهما و لا يعدونه غرراً و تقدم العقلاء على مثله في الكثير من المقامات مدفوع بان المعلوم من مجموع الأدلة الشرعية ان الشارع لا يصحح المعاملات التي يدخلها مثل هذه الجهالة و يتطلب المعلومية الحاسمة لكل مواد احتمال التشاح الخصومة و ان أقدم عليها العرف تسامحاً منهم ثم يقعون في الخصومة و الندامة و بعد ذلك و قد نراهم يتشاحون في اليوم أو اليومين فضلا عن الشهر و الشهرين في انقضاء الخيار و بقائه و بقاء أجل الدين و انتهائه فهم يتورطون في البدء تسامحاً و يتشاحون في النهاية شحاً و حرصا و الشارع الحكيم لا يرضى بمثل ذلك و أحكامه مبتنية على الحكمة التامة، و المصلحة العامة، و اقدام العقلاء لا يخرجه عن كونه غرراً فإنهم قد يقدمون على الغرر استرسالا و تختلف مراتب العقول و لذا العاقل الرصين لا يقدم على مثل ذلك و كم للعقلاء العاديين من هفوات و خطيئات هي مثار الفتن و الخصومات و لعل هذا مراد جدنا (كاشف الغطاء) طاب ثراه حيث يقول «دائرة الغرر في الشرع أضيق منها في العرف» و الظاهر ان مراده أنها أضيق حكما و الا فالشارع لا يجوز اي غرر كان و العرف ما أكثر ما يرتكبون مواضع الغرر، نعم قد يتسامح الشارع في بعض المواضع التي يتسامح العرف بها أيضاً مثل اختلاف المكاييل و الموازين و الحبتين و الثلاث و أمثال ذلك مما لا يكون غالباً مثاراً للخصومة و التشاح

ص: 34

و لا يعتني بنقصه و زيادته الضئيلة عامة الناس فليس المدار على مطلق الجهالة بل الجهالة التي يتطرق منها احتمال الخصومة و الجدال و الا فإن مدة خيار المجلس مجهولة و لم تقدح جهالتها لأنها ليست مظنة للتخاصم و يؤيد ما ذكرنا من مداقة الشارع في موارد الجهالة و تشديده في اعتبار المعلومية خبر غياث «لا بأس بالسلم في كيل معلوم إلى أجل معلوم لا يسلم الى دياس أو الى حصاد» .. مع ان السلم الى الحصاد و الدياس هو المتعارف عند عامة الناس لا سيما الجاهلين بأحكام الشرع، و من هنا يتضح لك عدم الفرق في الحكم بالبطلان بين عدم ذكر مدة أصلا أو ذكر مدة غير معينة فيقول: بعتك و اشترطت الخيار لي أو بذكر مدة و لا يعينها أصلا فيقول اشترطت الخيار لي في مدة أو يعينها بصفة مجهولة كمجي ء الحاج و الحصاد و نحوها، و ذهب جمع من علمائنا إلى صحة الصورتين الأوليين و جعل مدة الخيار فيها ثلاثة أيام و ادعوا ورود الاخبار بذلك و لم يعثر الباحثون في كتب الحديث و المتخصصون بعلم الدراية و الرواية على خبر واحد فضلا عن الاخبار و لعل أولئك حملوه على خيار الحيوان المقدر في الأدلة بثلاثة أيام و هو قياس لا يعملون به سيما مع وضوح الفرق بين المقامين نعم ورد من غير طرقنا ان حنان بن منقذ كان يخدع في البيع لشجة اصابته في رأسه فقال له النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلّم «إذا بعت أو ابتعت فقل لا خلابة و جعل له الخيار ثلاثة أيام» و هو كما ترى ضعيف سنده و أضعف من ذلك دلالته فالأصح البطلان في الجميع.

اما المادة التي بعدها مادة (201) كل من شرط له الخيار في البيع

ص: 35

يصير مخيراً بفسخ البيع أو إجازته في المدة المعينة للخيار. فكأنها بيان لصحة جعل الخيار لغيرهما و كان يكفي عنها ان بضم إلى المادة المتقدمة لفظة «أو لأجنبي» و نحوها و لا حاجة الى عقد مادة مستقلة لها. و الخيار المجعول بالشرط للأجنبي تابع لجعلهما في الكم و الكيف و سائر الجهات على نحو الأصالة في نفسه أو الوكالة عنهما أو إصدار الأمر عليهما أو على أحدهما مع اعلامهما أو إعلام أحدهما بل حتى مع عدم علم كل واحد منهما بحضورهما أو حضور أحدهما أو حضور شخص آخر أو أشخاص أو عدم حضور أحد، و كما يحصل الفسخ بالقول كما في مادة «302» يحصل بالفعل أيضاً كما لو باع البائع المبيع أولا لشخص آخر مع قصد الفسخ و الا كان لغواً كما في مادة «303 و 304» و لا نمنع الزيادة المتصلة من الفسخ طبيعية كانت كالسمن و طول القامة و قوة البدن أو غير طبيعية كالصبغ و غرس الأشجار و نحوها.

نعم لو فسخ البائع مثلا كان للمشتري قلعها أو أخذ ثمنها من الفاسخ اما المنفصلة فقد عرفت ان نماء المبيع قبل الفسخ للمشترى و نماء الثمن للبائع و إذا أجاز في البعض و فسخ في الآخر كان له خيار تبعض الصفقة.

«مادة: 305» إذا مضت مدة الخيار و لم يفسخ أو لم يجز من له الخيار لزم البيع و ثم،

سواء كان عالماً بانقضاء المدة أو جاهلا أو غافلا و سواء تركه لعذر أو لغير عذر حتى لو جن أو أغمي عليه و أفاق بعد المدة لم يكن له الفسخ لانه حق مقيد يزول بزوال موضوعه.

ص: 36

«مادة: 306» خيار الشرط لا يورث فإذا كان الخيار للبائع و مات في مدته ملك المشتري المبيع و إذا كان للمشتري فمات ملكته ورثته بلا خيار.

الظاهر ان هذا قول الحنفية أما عندنا فجميع الخيارات تورث لأنها حق مالي فيشمله النص القائل «ما ترك الميت من حق فهو لوارثه) و الى هذا ذهبت الشافعية و المالكية أما غيرهم فقد فصلوا فجعلوا الإرث لبعض الخيارات دون بعض و لم نجد لهذا التفصيل من دليل غير عليل.

«مادة: 307» إذا شرط الخيار للبائع و المشتري معاً فأيهما فسخ في أثناء المدة انفسخ البيع و أبهما أجاز سقط خيار المجيز فقط و بقي الخيار للآخر الى انتهاء المدة.

أوضح و أوجز من هذا ان يقال: إذا كان الخيار لكل من البائع و المشتري فاجازة أحدهما لا تسقط حق الآخر بل له الفسخ الى انتهاء المدة.

«مادة: 308» إذا شرط الخيار للبائع فقط لا يخرج المبيع عن ملكه بل يبقى معدوداً من جملة أمواله

فإذا تلف المبيع في يد المشتري بعد قبضه فلا يلزمه الثمن المسمى بل يلزم أداء قيمته للبائع يوم قبضه.

هذا إلغاء للسبب التام عن تأثيره من دون سبب و لا مانع، و قد عرفت ان الخيار لا يمنع العقد التام عن تأثيره، غايته انه يحدث الملكية المتزلزلة لا انه لا تأثير له أصلا.

نعم هنا قاعدة أخرى تقدم ذكرها في أوائل (الجزء الأول) و هي

ص: 37

ان التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له، فلو كان الخيار للبائع فقط و تلف المبيع في يد المشتري فان تلفه يكون على المشتري، و قد ثبت هذا الحكم على خلاف القواعد بالنص الخاص و لا محيص من حمله على ان التلف يكشف عن تحقق الفسخ القهري قبله فيرجع ملكية المبيع إلى البائع و يكون مضموناً على المشتري بمثله أو قيمته و يأخذ ثمنه الذي دفعه و هذا تكلف و تعسف ألجأنا توجيه الدليل اليه، و لعل أرباب (المجلة) تبعاً للحنفية و غيرهم لما وجدوا ان ضمان الشي ء للغير لا يجتمع مع ملكيته و كيف يمكن كون العين ملكاً لإنسان و هو يضمن مثلها أو قيمتها لغيره لذلك التزموا في قضية التلف في زمن الخيار ان المبيع مثلا لم ينتقل عن البائع إذا كان له خيار بل هو معدود في أمواله و لهذا يضمنه المشتري لو تلف في يده و يدفع للبائع المثل أو القيمة، و لكنهم بهذا التدبير فروا من سيّئ الى أسوء و هو التزام كون العقد غير مؤثر مع انه عقد جامع للشرائط، فاقد للموانع بل و أسوء من هذا أيضاً هو ان العقد الواحد حينئذ يؤثر من ناحية و لا يؤثر من أخرى، فإن الثمن يخرج من ملك المشتري الذي لا خيار له و يدخل في ملك البائع و لكن المبيع لم يخرج من ملك البائع فوقعوا في ثلاث مخالفات، عدم تأثير العقد الصحيح، و تأثيره من جهة دون اخرى، و اجتماع العوض و المعوض في ملك شخص واحد و هو البائع، فإنه ملك الثمن و المثمن أيضاً باق في ملكه أو بقاء المال بلا مالك ان قلنا بخروج الثمن من ملك المشتري الذي لا خيار له و عدم دخوله في ملك البائع كما قال به بعض فقهائهم خلافا لصريح (المجلة)

ص: 38

و على كل حال فلا دخل لهذا بقضية بقاء المبيع على ملك البائع الذي له الخيار بعد صدور العقد الصحيح منه الذي هو حسب الفرض سبب تام للنقل و الانتقال كما مر توضيحه قريباً فليتدبر.

اما فقهاؤنا فقد عالجوا القضية بما أوردناه لك من الالتزام بالانفساخ القهري في توجيه الدليل قالوا «ان العقد يفيد الملكية للبائع ذي الخيار بالنسبة إلى الثمن و للمشتري الذي لا خيار له بالنسبة إلى المثمن على حد سواء و لكن لو تلف المال في يد من لا خيار له- أي المشتري- مثلا سقط خيار البائع و كشف التلف بحكم قاعدة (التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له) عن الانفساخ القهري و رجوع المبيع الى ملك البائع قبل التلف آناً ما فيكون تلفه بيد المشتري مضمونا عليه و يدفع للبائع المثل و القيمة و يسترد ثمنه المسمى بحكم الفسخ المفروض و هكذا الكلام في عكسها و كون الخيار مختصاً بالمشتري و تلف الثمن في يد البائع و هذا كما قلنا لا يخلو من تعسف و لكن لا محيص منه و هو أهون بكثير مما التزم به أرباب (المجلة) تبعاً لفقهائهم و من هذا البيان كله اتضح الكلام في مادة (309) إذا شرط الخيار للمشترى فقط خرج المبيع من ملك البائع و صار ملكاً للمشتري فإذا هلك المبيع في يد المشتري بعد قبضه أو هلك في يد البائع بعد ان قبضه منه المشتري و أودعه عنده يلزمه أداء ثمنه المسمى للبائع فإن المبيع لما استقرت عليه ملكية المشتري لعدم خيار للبائع كان تلفه عليه و يدفع للبائع الثمن المسمى، جريا على مقتضى العقد، هذا على طريقة القوم و لكن مقتضى قاعدة (ان التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له) كون

ص: 39

التلف هنا على البائع الذي لا خيار له و يسترد المشتري منه الثمن المسمى كل هذا في التلف السماوي، اما إذا كان بإتلاف فالمتلف ان كان هو البائع و هو صاحب الخيار فهو في الحقيقة تصرف عملي، و فسخ فعلي فيجب عليه ان يرد الثمن المسمى إلى المشتري، و ان كان الخيار للمشتري فخياره باق ان شاء فسخ و استرد المسمى من البائع و ان شاء أمضى و أخذ المثل و القيمة منه، و ان كان المتلف هو المشتري و الخيار له فقد أسقط خياره بإتلاف العين و لزم العقد و استقر ملك البائع للمسمى و ان كان الخيار للبائع فهو أيضاً على خياره فان فسخ رد المسمى و أخذ المثل أو القيمة و ان أمضى استقر له ملك المسمى و ان كان المتلف أجنبيا بقي الخيار لصاحبه فان كان هو البائع و أجاز ملك المسمى و رجع المشتري بقيمة المبيع على الأجنبي و لو فسخ رد المسمى إلى المشتري و رجع بالقيمة و هل يرجع بها على الأجنبي أو على المشتري أو يتخير وجوه يظهر مداركها بالتأمل كما يظهر الحال لو كان صاحب الخيار هو المشتري فسخ أو أجاز.

بقي في المقام أمور يجدر التنبيه عليها.
الأول-: ان القدر المتيقن من مورد قاعدة (التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له) هو الخيارات الزمانية

أعني مالها زمان تمتد فيه مثل خيار المجلس و الشرط و الحيوان أما غير الزمانيات كخيار العيب و الغبن و الرؤية و أمثالها فيشكل جريان القاعدة فيها سيما على القول بفورية تلك الخيارات إذ ليس هناك زمان حتى يتصور وقوع التلف فيه و كلمات

ص: 40

أصحابنا في المقام مختلفة بين من يظهر منه التعميم و بين مصرح بالتخصيص و بين متوقف، و بالرجوع الى الاخبار التي تحصلت منها القاعدة يترجح منه عدم التعميم

الثاني-: ان مورد القاعدة أيضاً هو البيع الشخصي فإنه هو الذي يتضح فيه حصول التلف و عدمه،

اما الكلي فلا معنى لتلفه و اما المصداق الذي يتحقق به قبض الكلي فهو و ان كان قابلا للتلف و لكن ليس هو المبيع بل سقوط الكلي به من باب المعاملة الضمنية الارتكازية في قيامه مقام المبيع و ليس في هذه المعاملة خيار.

و (بالجملة) فما تعلق الخيار به لا يلحقه التلف و ما يلحقه التلف لا خيار فيه، اللهم الا ان يقال ان المصداق في نظر العرف هو عين الكلي المبيع فمتعلق الخيار و التلف بنظر العرف شي ء واحد و ان كانا بدقة الفلسفة شيئين فليتأمل.

و في مطولات كتب الأصحاب في هذه الأبواب بحوث سحيقة و تحقيقات دقيقة يضيق عن جرعتها لهوات هذه المختصرات.

الثالث-: في التنازع

إذا ادعى أحدهما انه شرط خياراً أو ان مدته زائدة أو ان صاحب الخيار امضى العقد و أنكر الآخر فالقول في جميع ذلك قول المنكر و إذا اتفقا على الخيار و مقدار المدة و اختلفا في انقضائها لجهل تاريخ مبدئها يقدم قول مدعي بقائها للاستصحاب و إذا تنازعا في الفسخ و الإجازة فإن كان في المدة قدم قول ذي الخيار لقاعدة (من ملك شيئاً إلخ ..) و ان كان بعدها قدم قول المنكر.

ص: 41

(استدراك و تكملة)

خيار الشرط كما عرفت هو أن يشترط البائع أو المشتري خيارا لهما أو لأحدهما أو لثالث و هو اما ان يكون مطلقا و هو الذي تقدم الكلام فيه و اما ان يكون مقيدا بحال بان يقول اشترط ان يكون لي الخيار بعد شهر ان جاء ولدي من السفر في هذا الشهر فان جاء كان له الخيار و الا فلا، و من هذا النوع البيع المضاف الى خياره المسمى عند الإمامية (ببيع الخيار) و عند فقهاء المذاهب (بيع الوفاء) و قد عقدت له (المجلة) فصلا مستقلا سيأتي، و قد سبق انه بيع صحيح عندنا يترتب عليه آثار البيع سوى أنه عقد خياري جائز،، و اعتبار رد الثمن في هذا الخيار يتصور على أنحاء (1) أن يكون الخيار تعليقاً أو توقيتاً منوط برد الثمن فلا خيار له قبل الرد و له الخيار بعده أي له حق الفسخ فلا ينفسخ ان لم يفسخ و يكون الثمن قبله عند البائع كأمانة الى أن يفسخ فيملكه و المراد بالرد إيصاله إلى البائع أو وكيله أو وليه أو وصيه أو حاكم الشرع إذا امتنع (2) ان يكون له الخيار في كل جزء من المدة المعينة مقارنا للرد و الفرق بينه و بين الذي قبله ان الخيار هناك بعد الرد فلا خيار قبله و هنا في كل زمان و لكن مع الرد (3) أن يكون الرد فسخا منه فعليا أو انفساخا قهريا بحيث متى ردا نفسخ اما لأنه إنشاء فسخ أو لأنه ينفسخ قهرا نظير شرط المسبب و النتيجة (4) أن يكون الرد شرطا لوجوب فسخ البائع فمتى رد المشتري وجب

ص: 42

على البائع أن يفسخ و يرجع الى الإقالة فان لم يفعل تسلط المشتري على الفسخ و حاصل الفرق بين هذا البيع الخياري و شرط الخيار المعروف أي المطلق هو أن المشتري في شرط الخيار يفسخ فيسترد الثمن و هنا يرد الثمن فيفسخ فالرد هنا سبب الفسخ و الفسخ هناك سبب للرد فتدبره، و في هذه الرشفة من خضم مسائل هذا البحث كفاية عن الخوض في لججها الزاخرة اما تصويره و حقيقته عند القوم فسيأتي إن شاء اللّٰه.

(الفصل الثاني) خيار الوصف
(مادة: 310) إذا باع مالًا بوصف مرغوب فظهر خاليا عن ذلك الوصف كان المشتري مخيراً ان شاء فسخ و ان شاء أخذه بجميع الثمن المسمى،

و يسمى هذا الخيار خيار الوصف، مثلا لو باع بقرة على أنها حلوب فظهرت غير حلوب يكون المشتري مخيراً، و كذا لو باع فصاً ليلا على أنه ياقوت أحمر فظهر أصفر تخير المشتري.

ليس لهذا الخيار ذكر في كتب فقهاء الإمامية المتداولة و ليس هو إلا شعبة من خيار الاشتراط التي مرت الإشارة إليه فإن الوصف المذكور في العقد ان ذكر نحو الشرط كان لازما و تخلفه يوجب الخيار و ان ذكر لا على نحو الشرطية بل على نحو التعريف أو الترغيب لم يكن تخلفه موجباً لشي ء من خيار أو غيره و كان من قبيل الدواعي التي لا اثر

ص: 43

لحصولها أو عدمه أصلا مثلا لو اشترى أرضا بداعي جعلها بستاناً يتخيل أنها صالحة لذلك فتبين انها لا تصلح إلا للزراعة لم يكن له حق الفسخ بخلاف ما لو شرط ذلك في متن العقد و قال اشتريتها بشرط صلاحيتها للبستان فان له خيار تخلف الشرط لو ظهر عدم صلاحيتها لذلك و دليله أدلة الشروط مثل (المؤمنون عند شروطهم) و غيره مما يدل على وجوب الوفاء بكل شرط مقدور لا يخلف كتاب اللّٰه و لا ينافي مقتضى العقد و نظراً لكون المقام يتأسس على دعائم الأوصاف و الشروط و في من مباحث المعاملات المهمة و لم أجد حسب ما وقفت عليه من كتب الفريقين من أعطاها حقها من البحث و التحقيق و وصل الى محدد الجهات من تخومها الشاسعة و دل على عروة اتصالها بالعقود و مكانتها منها و كيفية ارتباطها بها و الفرق بين الاولى و الثانية فنقول و اللّٰه المستعان بلطفه.

ان الأوصاف هي عبارة عن الأعراض القائمة بموضوعاتها الخارجية التي يعبر عنها الحكماء بما يكون وجودها في أنفسها عين وجودها في موضوعاتها المستقلة في أنفسها و ذلك كالكميات و الكيفيات من عوارض الأجسام و كالملكات و السجايا و الأحوال من عوارض النفوس و المدارك أما الشروط التي تستعمل في هذه المسارب و تقرن بالعقود و الأوصاف فيراد منها تارة المعنى الأعم من الأوصاف و الأحوال و المبادي و الافعال و الغايات و أحوال الغايات و النتائج، و أخرى المعنى الأخص أعني خصوص الاعمال، و قد مرت الإشارة في أوائل (الجزء الأول) الى ان هذه الأوصاف هي الدواعي و البواعث إلى الرغبة في اقتناء موصوفاتها

ص: 44

و هي و ان كانت لا تقابل بالاعواض و لكن باعتبارها تختلف الاعواض زيادة و نقصاً بل بالنظر إليها تبذل الأعواض في الأعيان فالدار انما تشتريها باعتبار صلاحيتها للسكنى و الدابة للركوب أو النسل أو المنافع الأخرى من الصوف أو اللبن و لو تجردت عن كل ذلك لم تبذل بإزائها أي ثمن و لا تنبعث بك الرغبة إلى أخذها و لا مجانا و هكذا جميع الموجودات انما تنبعث الرغبات إليها بالنظر الى صفاتها و حالاتها لا بالنظر الى ذاتها و هذه الأوصاف التي هي ملاك المالية و منشأ حصول الرغبات في الجدة و الملك قد تذكر في العقد على العين التي انبعثت الرغبة إليها باعتبار تلك الأوصاف و قد لا تذكر فان لم تذكر في العقد كانت دواعي صرفة و أغراضاً مجردة لا أثر لتخلفها و عدمه لا في خيار العقود و لا غيره (و إنما يحرم الكلام و يحلل الكلام) و ان ذكرت في متن العقد على نحو الشرطية أو على نحو التقييد فقد صارت جزء من المعاوضة الخاصة بمعنى ان الالتزام الخاص الوجداني الذي أنشأه العاقد قد تعلق بالمعاوضة بين المالين الخارجين و هما الدرهم و هذا الثوب المخيط أو العبد الكاتب مثلا و ليست الكتابة و الخياطة هنا قد التزم بها بالتزام لنفسها بل بنفس الالتزام المتعلق بالمعاوضة الذي حصل بنفس العقد فلزوم مثل هذا الوصف أو الشرط لا يحتاج الى التمسك بعموم (المؤمنون عند شروطهم) بل يكفي فيه عمومات أدلة البيع و وجوب الوفاء بالعقود و ليس مفاد العقد فيما نحن فيه الا تمليك المبيع المعين بالعوض المعين اى التزام البائع للمشتري بتمليك العبد و كونه كاتبا أو كون الثوب مخيطاً فإذا انكشف

ص: 45

عدم تحقق الوصف لم تبطل المعاوضة من رأس لأنها بين المالين المشخصين و هما حاصلان موجودان و انما يبطل اللزوم و وجوب الوفاء بالعقد لأنه إنما وقع على تلك الكيفية الخاصة أعني مبادلة المالين و كون أحدهما بتلك الصفة الخاصة لا على نحو التقييد الوحداني و لا على نحو الالتزام الاستقلالي حتى يبطل على الأول بقاعدة (المقيد عدم عند عدم قيده) بلحاظ البساطة و يكون التزاما ثانيا على الثاني بل على نحو الالتزام أو وحدة الالتزام و تعلقه بأمرين كوحدة الدال و تعدد المدلول، و وحدة الإشارة و تعدد المشار اليه و مع تخلف أحدهما لا تبطل الدلالة على الآخر. نعم حيث ان وجوب الوفاء ورد على ذلك العقد الخاص و بعد زوال الخصوصية لا يبقى وجوب الوفاء و لكن المعاوضة التي حصلت في ضمن ذلك العقد لا داعي لبطلانها بعد تحقق أركانها، فتبقى جائزة و أمرها إلى المتعاقدين أو الى من له الشرط فسخاً و إمضاء. و رفعاً و إبقاء، و معنى رضا المشتري بغير الكاتب أو غير المخيط إسقاط حقه من الوصف الذي التزم له البائع به و قضية الشروط و الأوصاف في الاعراض تشبه قضية تبعض الصفقة في الأعيان فيكون كالتزام جديد بينهما يجب الوفاء به و لذا ليس له الفسخ بعد الرضاء و إمضاء العقد، و أما الإشكال بأنه لا معنى لتعلق الالتزام بالوصف في العين الشخصية لأنه اما حاصل فلا معنى لتحصيل الحاصل أو معدوم فيستحيل الالتزام بوجوده حين العقد، فمدفوع بان الالتزام هنا ليس بمعنى فعله و تحصيله بل بمعنى كونه في العهدة يعني ان البائع يجعل على عهدته كون الوصف حاصلا في الخارج متحققاً في الموصوف و أثر

ص: 46

هذا الالتزام يظهر فيما إذا انكشف عدم تحققه بتسلط المشتري على الفسخ و يستحق استرجاع ثمنه و لا حق له بمطالبة الأرش لما عرفت مكرراً من ان الأوصاف لا تقابل بالاعواض و ان زادت بها قيمة العين بل هي قوام القيمة، أما العيوب و أخذ الأرش لها فذاك أمر آخر سيأتي تحقيق الكلام فيه إن شاء اللّٰه.

هذا كله في الأوصاف بمعنى الإعراض، اما الافعال و الغايات و هي الشروط بالمعنى الأخص كما لو باعه العبد و اشترط عليه ان يعتقه أو شرط عليه انعتاقه أو باعه الدار و اشترط عليه ان يملكه الكتاب أو يكون الكتاب ملكاً له فحقيقتها انها التزامان في عقد واحد و بعبارة أجلى ان الألفاظ حينئذ قد دلت على التزام عقدي و التزام شرطي فالشرط في ضمن العقد مثل قوله بعتك الدار و اشترطت لك ان أهبك الكتاب عبارة عن التزامين مختلفي الأسلوب و الصورة متحدي الجوهر و الحقيقة بخلاف الوصف فإنه التزام واحد بأمرين و لما كان الشرط التزاماً خارجا عن العقد لم يكف في لزومه ما دل على وجوب الوفاء بالعقد بل كانت قاعدته التي يعتمد عليها أدلة الشروط مثل (المؤمنون عند شروطهم) و بناء العقلاء و أمثالها، و هو و ان كان خارجاً عن الالتزام العقدي الا أنه مرتبط به أشد الارتباط و أثر هذا الربط ان العقد اللازم بدون حصول الشرط يعود جائزا،،، و سر ذلك ان لزوم العقد وقع منوط بحصول الشرط و مع عدم حصوله ينتفي لزومه و وصفه لا حقيقته و ذات و مرجع هذا التقييد في الحقيقة إلى تعليق لزوم العقد على حصول الشرط

ص: 47

و أدلة الشروط تقضي بلزوم هذا القيد و وجوب الوفاء به تكليفاً و وضعاً فلو امتنع من عليه الشرط من الوفاء به أو تعذر الشرط عليه كان لمن له الشرط ان يفسخ لارتفاع اللزوم بارتفاع قيده. و لو لا هذه النكتة الدقيقة و السر العميق لكان مقتضى القواعد بادئ بدء ان يبطل العقد بتمامه عند عدم حصول شرطه لأنه وقع على المجموع المركب و الكل ينتفي بانتفاء بعض اجزائه فهو نظير الشرط في باب العلل و الأسباب حيث يقولون (المشروط عدم عند عدم شرطه) و لكن من ذلك الطريق الدقيق و الوجه اللامع حكمنا مع ارتفاع الشرط ببقاء العقد الذي حقه ان يرتفع بارتفاعه و يبطل ببطلانه، و من هنا جاز ان نقول ان فساد بعض الشروط لا يستلزم فساد ما أنيطت به من العقود لأن الشروط التزامات ثانوية في التزامات العقود فالعقد و الشرط من حيث الالتزام لا هو هو و لا منفصل عنه بل متعلق فيه و مرتبط به أشد الربط،، ثم ان كان الشرط فعلا من الافعال وجب إيجاده و ان كان غاية و نتيجة كشرط صيرورة العبد حرا و الكتاب وقفاً و الدار لك ملكا و قلنا بصحة مثل هذه الشروط وجب الالتزام بتحققه و ترتيب آثاره و يكون العبد حراً كما لو أعتقه بالصيغة المخصوصة، لا ان يملك و يعتق و يوقف و مثل هذه الشروط لا يتصور تخلفها مع قابلية الموضوع نعم تخلفها يكون بنحو آخر، و لبعض اعلامنا المتقدمين كلمة في هذا البحث لعلها تشير الى بعض ما ذكرنا حيث يقول (و اشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد و قد علق عليه العقد) اهو لعل المراد علق عليه لزوم العقد و الا فالتعليق

ص: 48

في العقود مبطل عند علمائنا كلمة واحدة، فلا جرم ان المراد تعليق لزوم العقد و كثيراً ما يعبرون عن اللزوم بالعقد لارتباطهما و تلازمهما في الغالب خصوصاً في البيع.،،. و كان حق هذا البحث ان يذكر في مباحث الشروط و لكن ذكر الأوصاف التي تقابل الشروط سحبنا اليه (و الألماس يتلألأ إنما وضع) ليس مكان أحق به من مكان، فتدبره و اغتنمه فإنك لا تجد هذه الرقائق في غير هذه المهارق و المنة للّٰه وحده.

و نعود الى بحث المادة التي في متن (المجلة) إذ تقول-: إذا باع بوصف مرغوب فظهر خالياً كان المشتري مخيراً إلخ .. و أقول لملك تفطنت الى ان قضية الأوصاف لا دخل لها بالوصف المرغوب ان كان المراد المرغوبية عند النوع و في الغالب كما يظهر من تمثيلهم بالبقرة الحلوب فان باب الأوصاف و الشروط تدور مدار الرغبات الشخصية فقد يكون لإنسان غرض في الوصف الغير المرغوب عند العموم كما لو اشترط كون البقرة غير حلوب لانه يريدها للحرث أو السقي لا للبن و النسل مثلا فإذا ظهر انها حلوب كانت على خلاف رغبته و نقيض شرطه فلا يمكن إلزامه بها و قد التزم له البائع بغير هذا الوصف فلا محيص من ان يكون له الأخيار و مثل ذلك لو اشترى عبداً و اشترط كونه أميا و هو وصف غير مرغوب عند النوع فإن القراءة و الكتابة صفات كمال في العبد و غيره و لكنه يريده أميا كي لا يطلع على إسراره و مراسلاته فلو ظهر أنه يقرأ و يكتب كان له الخيار طبعا، فلا معنى بل لا وجه لتقييد الشروط و الأوصاف بكونها مرغوبة مع ان أدلة الشروط عامة و الاعتبار يساعد

ص: 49

على عمومها فافهم ذلك و تدبره، و التقييد بكونه (ليلا) غالبي لا احترازي فإن المدار في ثبوت الخيار على عدم علم المشتري ليلا كان الشراء أو نهارا

(مادة: 311) خيار الوصف يورث إلخ ..

قد عرفت ان جميع الخيارات عندنا موروثة و يحتاج كيفية إرثها و أحكام إرث الخيار و تفاصيله الى بيان واسع ربما يأتي له محل آخر إن شاء اللّٰه

(مادة: 312) المشتري الذي له خيار الوصف إذا تصرف في المبيع تصرف الملاك بطل خياره.

تقدم في القواعد العامة ان كل تصرف دال على الرضا بالعقد و إمضائه فهو مسقط سواء كان من قبيل تصرف الملاك أم لا و هذا وسط بين من قال كل تصرف مسقط و من قال خصوص تصرف الملاك مثل بيعه أو رهنه أو وقفه و نظائرها مما يتوقف صحته على الملكية أو اذن المالك. و لم تذكر (المجلة) ان خيار الوصف هل هو على الفور أو التراخي يعني هل أنه بمجرد علمه بفوات الوصف يلزمه اما الفسخ أو الإمضاء فإذا لم يبادر إلى أحدهما سقط خياره أم له ذلك متى شاء، و قد سبق ان الأصل هو الفورية في جميع الخيارات الا ما ثبت تراخيه بالدليل على التراخي سيما مع أنه لا يخلو من لزوم الضرر على البائع حيث يبقى الأمر مهملا الى وقت غير معلوم، نعم الفورية ليست على الدقة الحقيقة بل فورية عرفية لا يقدح فيها الساعة و الساعتان.

ص: 50

(الفصل الثالث) خيار النقد
اشارة

ذكرنا ان الفقهاء في تعداد أنواع الخيارات بين مقل و بين مكثر فبعضهم قصرها على ثلاثة و بعضهم زادها على عشرين و لكن أكثرها متداخلة يدخل بعضها في بعض فلو أرجعنا كل فرع إلى أصله لم تزد على ثمانية أو تسعة مما ذكروه و شاهد ذلك هذا الخيار الذي جعلوه أصلا برأسه و هو على الصورة التي ذكروها ليس إلا من فروع خيار الاشتراط فإنه عبارة عن اشتراط أداء الثمن في وقت معين و لذا لا يوجد في شي ء من كتب فقهاءنا فإنه بطبيعة إطلاق العقد مستغنى عنه ضرورة ان الإطلاق يقتضي تسليم الثمن نقداً فان لم يدفعه كان له الخيار متى شاء في المدة المعينة و في غيرها، نعم في أخبار أئمتنا سلام اللّٰه عليهم في هذا المقام خيار أصيل يعرف عند علمائنا (بخيار التأخير) و هو أن البائع مع إطلاق العقد و عدم تسليم المبيع و عدم قبض الثمن ينتظر المشتري الى ثلاثة أيام فهو في هذه الثلاثة لازم عكس خيار الحيوان ثم يصير بعد الثلاثة جائزاً ان شاء فسخ و ان شاء بقي على الانتظار مع الخيار و خيار الحيوان يصير بعدها لازماً ففي رواية على بن يقطين عن الكاظم سلام اللّٰه عليه عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن، قال-: الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن اقبضه بيعه و الا فلا بيع بينهما، و عنه عليه السلام أيضاً (من اشترى بيعاً فمضت ثلاثة أيام و لم يجئ فلا بيع له) و مثلهما أخبار أخرى كثيرة

ص: 51

و ظاهر قوله فلا بيع بينهما بطلان البيع رأسا بعد الثلاثة و لكن العلماء اجمع الأمن شذ حملوه على ارتفاع لزوم البيع و قد قلنا انه كثيرا ما يعبر عن اللزوم بالبيع أو بالعقد للتناسب و التلازم الذي بينهما و الاعتبار و الحكمة من هذا الحكم تساعد على ذلك فإن إلزام البائع بالصبر و الانتظار مع ان المبيع عنده و في ضمانه و قد انتقل الى الغير و منافعه أيضاً للغير و لم يقبض الثمن ضرر و مشقة شديدة، و تدارك ذلك يحصل بجعل الخيار فان رأى من صالحه الانتظار، و إلا فسخ بالخيار، فما أكرمها من حكمة سامية و هذا الخيار لم أجده فيما وقفت عليه من كتب القوم و لم يعرفه فقهاء المذاهب على الظاهر، و العجب من (المجلة) و غيرها من مؤلفاتهم يذكرون مثل خيار النقد و الخيانة و نحوها التي ليست بشي ء و لا يذكرون مثل هذا الخيار الرصين، و في مؤلفات أصحابنا لخيار التأخير مباحث واسعة و تحقيقات جليلة.

(مادة: 313) إذا تبايعا على ان يؤدي المشتري الثمن في وقت كذا و ان لم يؤده فلا بيع بينهما صح البيع و هذا يقال له خيار النقد.

مقتضى تعبير (المجلة) فلا بيع بينهما كما في أخبارنا- ان البيع يكون فاسدا عند عدم الأداء في الوقت و صرحت (المجلة) أيضاً في مادة

(314) إذا لم يؤد المشتري الثمن في المدة المعينة كان البيع الذي فيه خيار النقد فاسدا،

فأين الخيار إذاً فإن العقد إذا فسد عند عدم أداء المشتري للثمن في الوقت المعين لم يكن معنى لثبوت الخيار له و كيف يثبت الخيار بين الفسخ و الإمضاء لعقد قد فسد و انفسخ ثم ما معنى جعل الخيار للمشتري

ص: 52

مع ان الشرط للبائع على المشتري و ضرر الانتظار و الصبر عليه لا على المشتري و خيار المشتري الذي قد لا يفسخ و لا يؤدي الثمن بل يبقى على المماطلة لا يرفع ضرر البائع.

و (الحاصل) ان هذا كله مشوش مغشوش و خطأ في خطل لا جسم فيه و لا روح، و لا جوهر و لا معنى، و أعجب من ذلك كله مادة (315) إذا مات المشتري المخير بخيار النقد في أثناء مدة الخيار بطل البيع، فإنه إذا كان خياراً قاراً و حقاً ثابتاً، مثل خيار الوصف و الشرط فلما ذا لا ينتقل الى الوارث و على تقدير كونه وصفاً قائماً بذات المشتري لا يقبل الانتقال الى غيره مع انه ممنوع، فلما ذا يبطل البيع و لما ذا لا يكون لازماً و يؤخذ الثمن من التركة و ينتقل المبيع إلى الورثة كسائر أموال مورثهم فتدبر هذه النقوش و الرتوش جيداً.

(الفصل الرابع) خيار التعيين
اشارة

هاهنا (كما يقول العوام) تسكب العبرات، و هذا هو المحزن المؤسف ان يسف العلم هذا الاسفاف، و ما ادري كيف اشتبه الأمر على أرباب (المجلة) الأفاضل فخلطوا هذا الخلط الشاين، و خبطوا هذا الخبط المزري فان الخيار الذي يبحث عنه الفقهاء في باب المعاملات هو كما عرفت السلطنة على فسخ العقد و إبقائه لأحد المتعاقدين أو لكل منهما أو لا جنبي، و هذا الخيار الذي ذكروه هنا و سموه خيار التعيين لا علاقة له بهذا المعنى أصلا

ص: 53

اللهم الا تشابه الاسم فقط على انه فرق في الاصطلاح بين الخيار و التخيير فان الخيار المزبور عبارة عن تخيير البائع ان يدفع أحد الأشياء المعينة أو يتخير المشتري ان يأخذ ما شاء منها فأي ربط لهذا بقضية فسخ العقد أو إمضائه و لو صح لنا ان نعد هذا في الخيارات لصح لنا ان نعد من جملة الخيارات خيار الكفارة فإن المكلف بالكفارة مخير بين العتق و الإطعام و الصيام، و خيار المديون في أداء دينه و بائع الكلي مخير في دفع اي مصداق من مصاديقه. و هلم جرا الى ما لا يحصى و لا يعد، و هذه لعمر الحق مهزلة من المهازل عند أهل العلم المعقم و أرباب الفن الصحيح، و على كل، فان هذا تخيير لا خيار و لزوم في العقد لا جواز كما هو واضح لأول نظرة، هاك فانظر.

(مادة: 316) لو بين البائع أثمان شيئين أو أشياء من القيميات كلا على حده

على ان المشتري يأخذ أيا شاء بالثمن الذي بينه له و البائع يعطي أيا أراد كذلك صح البيع استحسانا و هذا يقال له خيار التعيين.

الكلام هنا يتجه الى جهتين.

الاولى-: هل ان هذا خيار على غرار سائر الخيارات المذكورة في أبواب العقود و المعاملات و قد عرفت انه أجنبي عن ذلك بالمرة فلا فسخ و لا إمضاء و لا سلطنة على عقد و لا على عين، و اقحامه هنا كاقحام المسمار في الجدار.

الثانية-: على علاته هل هو صحيح أو فاسد، و لعله مر عليك منا غير مرة ان مثل هذا البيع باطل عند جمهور الإمامية و قد اتفقوا على ان بيع عبد

ص: 54

من عبدين باطل و ان تساويا في جميع الصفات و الحيثيات و لا يقول بصحته منا الا الشاذ النادر (ان كان) كل ذلك لانه غرر و بيع الغرر باطل و قد عرفت قريباً ان دائرة الغرر شرعاً أوسع منها عرفاً، بل الحق انهما متساويان و ليس للشارع في الغرر اصطلاح خاص و وضع جديد و لكن العرف يتسامحون فيرتكبون و الشرع لا يسامح و لا يتسامح، و سبق أيضاً ان المعلومية بالعين و المقدار و الوصف و الوجود و الحصول شرط في البيع مطلقاً، إذاً فهو مضافا الى أنه أجنبي عن أنواع الخيار بالمرة بيع فاسد عندنا ليس له أي أثر و اللازم ان يكون فاسدا عند أرباب (المجلة) أيضاً بمقتضى مادة (213) المتقدمة بيع المجهول فاسد الى آخرها و هو ينطبق على ما نحن فيه تماماً بملاك مطلق الجهالة و ان كانت هناك أشد، و لكنهم هنا حكموا بالصحة و رتب بعض الشراح على المشتري أحكاماً تسعة و على البائع سبعة مثل ما في مادة (317) يلزم في خيار التعيين تعيين المدة أيضاً، و مادة (318) من له خيار التعيين يلزم عليه ان يعين الشي ء الذي يأخذه في انقضاء المدة التي عينت و لا نجد فائدة في التعرض لباقيها بعد ان كان أصل خيار التعيين لا أصل له و هو عندنا كما عرفت بيع فاسد للجهالة و لا علاقة له بمسائل الخيار بتاً.

انظر- مادة (319) خيار التعيين ينتقل الى الوارث

مثلا لو أحضر البائع ثلاثة أثواب أعلى و أوسط و ادنى من جنس واحد و بين لكل منها ثمناً على حده و باع أحدها لا على التعيين على ان المشتري في مدة ثلاثة أيام أو أربعة أيام يأخذ أيها شاء بالثمن الذي تعين له و قبل المشتري على هذا

ص: 55

المنوال انعقد البيع و في انقضاء المدة المعينة يجبر المشتري على تعيين أحدهما و دفع ثمنه فلو مات قبل التعيين يكون الوارث أيضاً مجبوراً على تعيين أحدها و دفع ثمنه،،، و ليت شعري إذا كانت القضية بهذه الصورة و تنتهي إلى الجبر فأين الخيار؟

ثم إذا كانت مثل هذه الجهالة غير ضائرة في صحة العقد فتخصيص الجواز في القيميات تحكم لا وجه له و تخصيص بعضهم له بثلاثة أشياء فقط كما نقل بعض الشراح أيضاً لا وجه له.

(الفصل الخامس) خيار الرؤية
اشارة

هذا الخيار من الخيارات الاصيلة و ان أمكن اندراجه ببعض الاعتبارات في خيار الوصف أو خيار الاشتراط لأنه عبارة عن حق فسخ العقد إذا اشترى عيناً غايتة بالوصف ثم رآها على خلاف ما وصف البائع أو كان المشتري رآها قبل العقد فاشتراها على تلك الرؤية فظهر بعد العقد انها قد تغيرت فبهذا اللحاظ يمكن درجة في خيار الاشتراط ضرورة ان الوصف أو الرؤية السابقة كانت كشرط ضمني فإذا ظهر فقدانه كان له خيار تخلف الشرط، و لكن الأصحاب تبعاً للأخيار جعلوه خياراً مستقلا لأن الشرطية غير صريحة فيه و ان كانت ضمنية و سموه خيار الرؤية ففي صحيحة جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام

ص: 56

في رجل اشترى ضيعة و كان يدخلها و يخرج منها فلما ان نقد المال صار الى الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله فقال أبو عبد اللّٰه (ع) انه لو قلب منها و نظر الى تسعة و تسعين قطعة ثم بقي قطعة لم يرها لكان له فيها خيار الرؤية، اهو معلوم ان مورد هذا الخيار هو بيع العين الغائبة و قد عرفت في القواعد العامة- قاعدة- الوصف في الحاضر لغو و في الغائب معتبر- و ذكرنا هناك ان بيع العين الغائبة لا يصح الا بالوصف لرفع الجهالة كبيع الكلي في السلم و غيره و لو باع بغير الوصف كان البيع باطلا من أصله و لو باع بالوصف صح فان ظهر موافقاً لزم و الا كان له الخيار و من هنا يظهر لك الخلل في عبارة (المجلة) مادة (320) من اشترى شيئا و لم يره كان له الخيار الى ان يراه فإذا رآه ان شاء قبله و ان شاء فسخ البيع و يقال له خيار الرؤية فإنه ظاهر في صحة شراء شي ء بغير وصف و لا رؤية و هو قطعي البطلان حتى عندهم كما ذكروا في بطلان بيع المجهول و من الغريب حكمهم ان هذا الخيار لا يورث كما في مادة [321] خيار الرؤية لا ينتقل الى الوارث فإذا مات المشتري قبل ان يرى المبيع لزم البيع و لا خيار لوارثه.

لعمرك ان هذا من أحكام الجزاف القاسية التي لا يقبلها عقل و لا ذوق فضلا عن الشرع و كيف يلزم الوارث المسكين بمبيع ما رآه مورثه و لا كان لازما عليه فتجتمع على الورثة مصيبتان فقد مورثهم و إلزامهم بمال ربما لا يرغبون فيه و لا رغب مورثهم فيه و لا يكون من صالحهم كما لو كان قد اشترى ضيعة أو مزرعة أو نحو ذلك مما له شأن في نظم

ص: 57

حياتهم، و من هنا نقول- و حقاً نقول- انه لو كان الخيار في كل نوع من أنواعه لا يورث فهذا النوع أعني خيار الرؤية يجب ان يكون موروثاً كيف و قد عرفت ان جميع أنواع الخيارات موروثة لأنها بأجمعها حق مالي فيشمله دليل [ما ترك الميت من حق فهو لوارثه] ثم ان دليل خيار الرؤية و ان كان قد ورد في خصوص المشتري إذا اشترى ما لم يره أو ما تغير عما رآه و لكن الملاك يجرى حتى إلى البائع إذا باع ما لم يره ثم رآه على غير الوصف الذي وصفه هو أو وصفه الغير له، و لذا قال أكثر أصحابنا بعمومه للبائع و المشتري و هو معقول كالقول بشموله لغير البيع من عقود المعاوضات اللازمة مثل الإجارة و الصلح و القسمة و الخلع و غيرها و يجري في غير الموافق للوصف مطلقاً سواء كان أعلى أو أدنى لما عرفت من ان الرغبات و الحاجات يختلف الناس فيها أشد الاختلاف فإذا اشترى حنطة بصفة أنها حمراء أو سوداء ثم ظهرت بيضاء و هي أعلى لا يلزم بها لأن حاجته الخاصة ربما تكون في السوداء و مما ذكرنا تعرف الخلل في مادة (322) لا خيار للبائع و لو كان لم ير المبيع مثلا لو باع رجل مالا دخل في ملكه بالإرث و كان لم يره انعقد البيع بلا خيار للبائع.

(مادة: 323) المراد من الرؤية في بحث خيار الرؤية هو الوقوف على المال و المحل الذي يعرف به المقصود الأصلي من البيع.

هذه العبارة غير وافية ببيان المقصود و ذكر المحل هنا لا محل له من الاعراب (كما يقولون) كما ان ذكر المقصود الأصلي لا يتضح به المقصود و التحقيق في المقام ان يقال ان المراد بالرؤية التي يصح معها البيع و يسقط

ص: 58

بها الخيار بالوصف الذي يقوم مقام الرؤية فيصح معه البيع حتى مع عدم الرؤية و يدور الخيار مداره وجودا و عدما هو ما يوجب العلم بالشي ء و يرفع الجهالة عنه و الغرر و لا يرتفع الغرر من الأشياء الا بالاختبار و معرفة تحقق الغرض المقصود منها و الذي من أجله يتطلبه و يريد الحصول عليه و لما كانت المقاصد و الحاجات تختلف باختلاف الأجناس و الأنواع بل باختلاف كل صنف من كل نوع، مثلا البقر قد يريدها المشتري للذبح و الا كل فيختبر سمنها و قد يريدها للحرث فيعتبر قوتها و قد يريدها للحليب فيختبر درتها و اخلافها بل أوسع من ذلك رب أشياء لا يرتفع الغرر برؤيتها بالبصر بل لا بد من شمها كالعطر من المسك و العنبر و شي ء لا يكفي شمه كالسمن و الزبد و أمثالها بل لا بدّ من ذوقه أيضا و لو اشترى فارة مسك أو جونة عطر و لم يفتحها بل شمها و عرف وزنها و اشتراها (و لكن لم ير ما فيها ببصره) لم يكن له خيار الرؤية بدعوى عدم رؤية المسك بعينه فإن رؤية كل شي ء بحسبه و كثير من الأجناس لا يكفي رؤيتها و لا شمها و لا ذوقها بل لا بدّ من لمسها و كثير منها لا بد مع ذلك من كيلها و وزنها أو عدها و هكذا،،، فليس المراد بالرؤية خصوص المشاهدة ابصرية بل المراد الاختبار الرافع للجهالة و اختبار كل شي ء بحسبه، فإذا اشتريت حقة سمن رأيتها بعينك و لكن لم تذقها و لم تشمها كانت بحكم الشي ء الذي اشتريته بغير رؤية فلك الخيار بعد الاختبار إذا لم يكن موافقاً لمقصودك و كنت تريد مثلا سمن البقر فظهر أنه سمن الغنم فلك الفسخ و هذا باب واسع لا يمكن إعطاء الضابطة له الا بما قلنا

ص: 59

من أن المراد بالرؤية الاختبار و الاختبار يختلف باختلاف الأنواع و الأجناس بل و الأصناف و الأغراض فمن اشترى شيئاً أو باعه و قد اختبره بما يليق به من الاختبار الكاشف عن الغرض المقصود منه اي غرضه الخاص لا أغراض النوع و العامة فإن هذا كما عرفت لا يجدي في باب المعاملات فلا خيار له بعد ذلك و إذا لم يختبره بما يحق له من الاختبار كان له الخيار و هذا هو مراد أرباب (المجلة) و ان قصر التعبير عنه أو لا و لكن يتضح بقولها مثلا- الكرباس و القماش الذي يكون ظاهره و باطنه متساويين يكفي رؤية ظاهره و القماش المنقوش و المدرب يلزم رؤية نقشه و دروبه و الشاة المشتراة لأجل التناسل و التوالد يلزم رؤية ثديها و الشاة المأخوذة لأجل اللحم يقتضي حس ظهرها و اليتها و المأكولات و المشروبات يلزم ان يذاق طعمها فالمشتري إذا عرف هذه الأموال على الصورة المذكورة ثم اشتراها ليس له خيار الرؤية.

(مادة: 324) الأشياء التي تباع على مقتضى انموذجها يكفي الأنموذج عنها فقط.

و حق التعبير ان يضم إليها المادة التي بعدها فيقول: فان ظهر موافقاً للأنموذج فلا خيار و الا كان له الخيار و لا حاجة الى مادة اخرى خلاصتها ذانك الكلمتان، كما ان هذا يغني عن-:

(مادة: 326) في شراء الدار و الخان و نحوهما من العقار تلزم رؤية كل بيت منها

الا انه إذا كانت بيوتها موضوعة على نسق واحد تكفي رؤية بيت واحد و هكذا كل ما هو من هذا القبيل مثل الأقمشة و الاحذية

ص: 60

و نحوها فما يظهر مخالفاً له رده و استبداله و الا فله الخيار.

فان جميع هذه المواد يمكن ان تجمع في مادة واحدة موجزة، و لا حاجة الى الإكثار و التكرار.

(مادة: 327) إذا اشتريت أشياء متفاوتة صفقة واحدة تلزم رؤية كل واحد على حدته.

و يلزم ان يضم إليها المادة التي بعدها فإنها جزء متمم لها فيقال باختصار فان رأى بعضها و لم ير الباقي ثم وجده مخالفاً لما رآه فله الخيار اما بأخذ الجميع أو رد الجميع و ليس له أخذ ما رآه و ترك الباقي. و الأصح ان له ذلك و لكن يحدث للبائع خيار تبعض الصفقة فتدبره، و لا يخفى ان الأعمى و البصير سواء في هذه الاحكام فلا يصح للأعمى ان يشتري مجهولا بل اما ان يختبره بنفسه بالنحو المستطاع له من الاختبار أو يوصف له وصفاً يرفع الجهالة كما يوصف للبصير في العين الغائبة و في السلم بالنسبة إلى الكلي فإن طابق فلا شي ء و الا فله الخيار و منه تعرف الخدشة في مادة (329) بيع الأعمى و شراؤه صحيح الا انه يخير في المال الذي يشتريه بدون ان يعلم وصفه،،، فإن شراءه بدون وصف أو اختبار عندنا باطل و كان ينبغي ان يضم إليها المادتين اللتين بعدها (330 و 331) بكلمتين و هما- فإذا اشترى بالوصف فلا خيار، يعني مع المطابقة لا مطلقاً و يسقط خياره باختباره بلمس الملموسات، و ذوق المذوقات و هكذا يكون الشراء صحيحاً لازماً- اي مع المطابقة أيضاً.

عرفت سابقاً انه يصح الشراء بالرؤية السابقة فإن ظهر التغيير كان له

ص: 61

الخيار كما في مادة (332) ثم ان الوكيل و الرسول ان كانا مفوضين على الرؤية و العقد و القبض سقط خيار الموكل برؤيتها و الا فلا- و لا وجه لاعتبار رؤية الأول دون الثاني كما في مادتي (333، 334) الوكيل بشراء شي ء و الوكيل بقبضه رؤيتهما كرؤية الأصيل ثم قال: الرسول من المشتري لأخذ المبيع و إرساله فقط لا تسقط رؤيته خيار المشتري، و الأصح ان المدار في الجميع على الاعتماد و التفويض و بدونه لا تجدي صرف الوكالة أو الرسالة فتدبره.

(مادة: 335) تصرف المشتري في المبيع تصرف الملاك يسقط خياره.
اشارة

اعلم ان التصرف اما ان يكون قبل الرؤية أو بعدها و على التقديرين فخيار الرؤية اما ان يكون فورياً أو غير فوري فإن قلنا بفوريته فكل تصرف بعد الرؤية يكون مسقطاً للخيار بالضرورة و وجهه واضح و ان قلنا بعدم فوريته فلا يسقط الا بالتصرف الدال على الرضا بالعقد و إمضائه سواء كان من قبيل تصرف الملاك مثل الرهن و العتق و نحوهما أم لا اما التصرف قبل الرؤية سواء دل على الرضا أم لا، و سواء كان من قبيل تصرف الملاك أم لا، ففي سقوط الخيار به و عدم سقوطه وجهان مبنيان على ان سبب الخيار هو العقد، و الرؤية شرط، أو ان السبب هو الرؤية و المخالفة شرط، فعلى الأول يكون التصرف الدال على الرضا مسقطاً للخيار و يكون مسقطاً فعليا كما لو أسقطه قولا، و على الثاني لا يكون التصرف مطلقاً مسقطاً لان الخيار بعد لم يحصل لعدم حصول سببه و هو الرؤية

ص: 62

فكيف يسقط قبل تحققه و تحقق سببه و كذا لو أسقطه قولا فإنه لا يسقط لذلك الوجه بعينه، هكذا ذكر الأصحاب ملخصاً و يمكن ان يقال لا مانع من سقوطه بالمسقط الفعلي فضلا عن القولي حتى لو قلنا بان سبب الخيار هو الرؤية فإنه يكفي لصحة إسقاطه بالقول أو الفعل وقوع العقد على العين الغائبة الذي فيه استعداد للحوق الخيار بحصول سببه و هو الرؤية فاستعداد العقد لحصول سبب الخيار بعده كاف في صحة إسقاطه و يكون من قبيل الدفع لا الرفع، نعم لو شرط سقوطه في العقد كما لو قال: بعتك العين الغائبة الموصوفة بكذا و اشترطت عليك سقوط خيار الرؤية بطل الشرط قطعاً و لا يبعد بطلان العقد أيضاً فيكون من الشروط الفاسدة المفسدة و سر ذلك ان العقد على العين الغائبة المجهولة إنما صح بالوصف لها الرافع للغرر و الجهالة عنها و معنى اشتراط سقوط خيار الرؤية إسقاط حق الوصف و إلغاء أثره و هو الخيار فتكون النتيجة أنه باع عينا من غير مشاهدة و لا وصف و هو من أوضح مواضع البطلان بخلاف ما لو أسقطه بعد العقد قبل الرؤية فإن العقد وقع صحيحاً بالوصف و لم يقترن بما يبطله و كان فيه استعداد لإثبات حق و هو الخيار فلا مانع من إسقاط حقه فليتدبر و لم تذكر (المجلة) مسائل الاختلاف هنا مع انها جد مهمة فلو اختلفا في مخالفته الوصف و عدمها فقال البائع مثلا: بعتك الحنطة الحمراء، و قال المشتري بل البيضاء أو قال المشتري تغيرت الدابة عما شاهدتها، و قال البائع: لم تتغير فالقول قول البائع في المقامين اما الأول فلأن المشتري يريد ان يثبت له خيارا و الأصل عدمه، و اما الثاني فلذلك و لأصالة عدم

ص: 63

تغيرها فان التغير أمر حادث فإذا شك فيه فالأصل عدمه فليتأمل.

(فرع) لو نسج مقداراً من الثوب أو الحصيرة فاشتراه على ان ينسج الباقي كالحاضر قبل يبطل للجهالة

و قيل يصح لانه بحكم الموصوف بل يحكم المشاهد، اما لو أعطاه مقداراً من الغزل على ان ينسجه كالموجود فيشتري الحاضر منه و يستأجره على نسج الباقي بتلك الكيفية فلا ينبغي الإشكال في الصحة فلو لم ينسجه على الغرار كان له الخيار.

(الفصل السادس) خيار العيب
اشارة

اضافة الخيار الى العيب كاضافته الى الغين و الى الرؤية و الى الشرط من باب اضافة المسبب الى سببه و إضافته إلى المجلس و الحيوان أشبه بإضافة الشي ء إلى محله، و الأصل في دليل هذا الخيار و خيار الغبن هو قاعدة الضرر فان لزوم العقد الواقع على المعيب ضرر على المشتري مثلا و هو لا يعلم به و لم يقدم عليه و كل حكم ضرري مرفوع بقاعدة (لا ضرر في الإسلام) فلزوم العقد على المعيب مرفوع و يمكن رده الى خيار الاشتراط فان العقلاء غالباً لا يقدمون الا على ابتياع الصحيح السليم من الأعيان و انما لا يشترطون ذلك صريحاً في العقد اعتماداً على أصالة السلامة فالسلامة في نظر كل متعاقدين شرط ضمني في العقود المطلقة التي لم

ص: 64

يؤخذ فيها البراءة من العيوب، فإذا انكشف وقوع العقد على غير السليم فقد تخلف الشرط و تخلف الشرط يوجب الخيار و عليه تحمل عبارة (المجلة)

(مادة: 336) البيع المطلق يقتضي السلامة من العيوب

يعني ان بيع المال بدون البراءة من العيوب بلا ذكر أنه معيب أو سالم يقتضي ان يكون سالماً خالياً من العيب و لكن الأصح أن خيار العيب أصل برأسه و العيب موجب للخيار بنفسه لأمن باب تخلف الشرط الضمني و لذا يعد اشتراط السلامة صريحا في العقد شرط مؤكد لإطلاق العقد وجوده كعدمه و خيار العيب يغني عنه و قد أشرنا قبل ان طبيعة العقد عند الإطلاق تقتضي وقوعه على الصحيح و ظهور العيب أو وجوده يقتضي التدارك بالخيار فجعل الشارع الخيار تأكيدا لما تقتضيه طبيعة الشي ء ذاتاً لا تأسيس في التشريع جعلا كخيار المجلس و نظيره الغين فان طبيعة عقود المعاوضات تقتضي التبادل بين الأموال على نسب متعادلة في الريح و الخسران و الزيادة و النقصان مثلا قاعدة الريح عند العقلاء في التجارة ان يكون الريح في العشرة اثنين أو ثلاثة و هذا هو المعدل التي تتراوح فيه الأرباح من الواحد الى الثلاث فلو زاد على ذلك عده التجار و العرف و إجحافاً و غبناً، و لعل علم الاقتصاد أحق و اخرى من علم الفقه بضبط هذه الموازين و تحديد هذه المقاييس ثم ان العيب انما يوجب الخيار بشروط.

الأول-: ان يكون سابقاً على العقد أو حادثا قبل قبض المشتري أو في زمن خياره اما لو حدث بعد قبضه و بعد خياره فلا يكون العيب

ص: 65

موجباً للخيار.

الثاني-: ان يكون غير عالم بالعيب قبل العقد أو حين العقد أو قبل القبض فلو عقد عليه و هو عالم بعيبه أو قبضه مع علمه بالعيب فلا خيار.

الثالث-: ان لا يكون البائع قد برء من العيوب فلو برء و ظهر معيباً لم يكن للعيب أثر في الخيار.

الرابع-: ان يكون العيب يوجب نقص القيمة فلو كان لا يوجب نقصاً أو يوجب زيادة ففي كونه موجباً للخيار خلاف و الأقرب عدم الخيار.

الخامس-: ان يكون العيب مما لا يزول بسهولة فلو كان مثل الصداع الطارئ أو الحمى الخفيفة أو الدمل العادي لم يوجب الخيار السادس-: ان يعلم به حال وجوده فلو علم به بعد زواله لم يكن له اثر.

و قد اتفق فقهاء الفريقين أو أكثرهم على ان البراءة من العيوب تمنع من تحقق خيار العيب و يكشف هذا عن كون سبب الخيار هو نفس العيب لا ظهوره و انكشافه و ليس حاله حال الرؤية التي ذكروا انه لا يصح إسقاط خيارها في العقد أو بعده لأنها إسقاط ما لم يتحقق بعد و لا ينبغي الريب ان نفس الغبن و العيب أسباب للخيار بوجودهما الواقعي لا بالعلم بهما و انما العلم كاشف و طريق لا يترتب على الواقع أثره إلا به و لعل تعبير أكثر الفقهاء ان الخيار يثبت بظهور العيب ناظر الى ما ذكرنا لا الى كون الظهور هو السبب كما تخيله بعض و من هذا القبيل عبارة (المجلة) مادة (337) ما بيع بيعاً مطلقاً إذا ظهر به عيب قديم يكون

ص: 66

المشتري مخيراً ان شاء رده و ان شاء قبله بثمنه المسمى، ثم أنه لا إشكال في ان هذا الخيار كسائر الخيارات عبارة عن سلطنة على فسخ العقد و إبقائه و لكنه يمتاز بخصوصية عن اترابه و هي ان المشتري مثلا كماله الفسخ بالعيب و استرداد الثمن له الإمساك و المطالبة بالنقيصة اي التفاوت ما بين الصحيح و المعيب المعبر عنه في كتب أصحابنا (بالأرش) و هو في أصل اللغة دية الجراحات و استعمله الفقهاء في المال المأخوذ بدلا عن النقص المضمون في بدن أو مال و لم يقدر له الشارع مقداراً معيناً على خلاف في ذلك فالمشهور عند علمائنا ان العيب يوجب الخيار للمشتري في المبيع و للبائع في الثمن بهذا الترتيب 1-: الفسخ و التراد.

2-: الإمساك بالأرش.

3-: الإمساك مجاناً.

و خالفهم آخرون فقالوا: ليس لأحدهما المطالبة بالأرش مع إمكان التراد و انما تنتقل النوبة إلى الأرش إذا امتنع الرد لأحد الأسباب المانعة التي سيأتي ذكرها و هذا هو الظاهر من أكثر فقهاء المذاهب و عليه ينبغي ان تحمل عبارة (المجلة) و ان كانت مطلقة حيث يقول في آخر المادة و ليس له ان يمسك المبيع و يأخذ ما نقصه العيب ا ه ضرورة ان استحقاق المطالبة بالأرش اى النقيصة متفق عليه في الجملة و لكن بين قائل به مع إمكان الرد و بين من خصه بصورة الامتناع فإطلاق عبارة (المجلة) غير مراد كما نصت عليه مادة (250) الآتية من انه إذا تعذر الرد له

ص: 67

المطالبة بنقصان الثمن.

(مادة: 338) العيب ما ينقص ثمن المبيع عند التجار و أرباب الخبرة.

قد ذكرنا أن أهم مباحث البيوع أبواب الخيارات. و أهم أنواع الخيار خيار الغبن و العيب، و أهم مباحث العيب و الغبن تعيين الضابطة و التعريف للعيب الموجب للخيار، و الغبن الذي هو على ذلك الغرار، و قد اضطربت كلمات علماء الفريقين في ضابطة ذلك و الكلمة الدائرة عند فقهاء المذاهب و تأثرتهم (المجلة) فيه هي ان العيب ما ينقص القيمة و هي أبعد كلمة تقال في هذا الموضوع ضرورة أن الصفات الكمالية مثل كتابة العبد و جمال الجارية و فراهة الفرس كلها تزيد في قيمة موصوفاتها و عدمها ينقص القيمة مع ان عدم كتابة العبد ليست عيباً و ان كان وجودها كمالًا و بالجملة فخلل هذا التعبير لا يخفى و ان شاع في كلمات القوم فإنه أبعد شي ء عن الحقيقة، و أتقن ما يليق من التحقيق في المقام ان يقال- لا ريب اننا إذا اعمقنا الفكر في الحقائق النوعية من حيث وجوداتها الخارجية، اعني من حيث مصاديقها المتكثرة و تحققاتها المتكررة، نجدها متقومة من أمرين.

موجودات متعددة محسوسة قد ارتبط بعضها ببعض حتى صارت كشي ء واحد، و نسميها أجزاء أو أعضاء أو ما أشبه ذلك.

و معاني نتعقلها في الذهن و لا نجد الا آثارها في الخارج و لا تحس بالحس الخارجي و انما تعرف بالحس الباطني و نسميها أوصافاً و أحوالا

ص: 68

ثم نجد في النظرة الثانية ان من تلك الاجزاء أو الأوصاف ما لا ينفك عن تلك الحقيقة فكل فرد يوجد منها فإنما يوجد ملتئما من تلك الأمور و إذا خلا فرد من بعض تلك الاجزاء يعد عند العرف و العقلاء شاذاً و خارجا عن ناموس تلك الطبيعة فيعرف بذلك أن كل واحد من تلك الاجزاء هو من مقتضيات تلك الطبيعة و لوازم تلك الحقيقة بخلاف بعض الأجزاء التي قد توجد و قد لا توجد و عدم وجودها في بعض الافراد لا يوجب عده من شواذ الحقيقة و فلتأت الطبيعة و بذلك نعرف الأجزاء الأصلية أي ما تقتضيه الحقيقة و الماهية من الاجزاء الزائدة الفرعية التي يقتضيها وجود الفرد بشخصيته لا وجود الماهية من حيث هي فنقص جزء من هذه الاجزاء لا يعد عيباً و لا نقصاً في ذلك الفرد سواء زادت به القيمة أم نقصت بخلاف الاجزاء من النوع الأول فإن فقد شي ء منها يعد نقصاً و عيباً سواء زادت القيمة بنقصه أم نقصت فنقص القيمة أجنبي عن قضية العيب بالكلية، و هكذا الكلام بالنسبة إلى الأوصاف و الأحوال نوع منها لا تنفك افراد تلك الحقيقة عنه الا شاذاً نادراً فيحكم العرف بأنه من مقتضيات تلك الطبيعة و لوازمها، و نوع آخر قد يوجد و قد لا يوجد و حيث لا يوجد لا يعد الفاقد شاذاً خارجا عن ناموسها العام،،، مثلا:

ننظر في أجزاء الإنسان فنجد الشعر على العموم جزء منه لا تنفك افراد طبيعته عنه و لكنه في حاجبه و أشفار عينيه و نحوها جزء لازم في كل فرد الا الشاذ النادر، و أما في ناصيته من القذال أو الوفرة و نحوها فغير لازم يوجد في بعض الافراد و لا يوجد في بعضها و لا يعد فقده شذوذاً

ص: 69

و ليس الأنزع كفاقد شعر الحاجبين طبعاً، و من هنا نعرف ان فقدان شعر الناصية ليس عيبا لأنه ليس خروجاً عن مقتضى الطبيعة بخلاف الأخص الذي لا ينبت الشعر على بدنه و مثل ذلك في الأوصاف فإن أجسام البشر تقتضي حسب حقيقتها ان يكون للجسم لون واحد من بياض أو سمرة أو سواد فلو وجد فرد جسمه كان ملمعا بالبياض و السمرة مثلا كان خروجاً عن مقتضى الطبيعة كالبرص و البهق و نحوهما و هكذا في كل نوع من الأنواع و كل حقيقة من الحقائق لها اقتضاء خاص من حيث الأجزاء و الأوصاف نعم قد ينقلب الأمر و تنعكس القضية فتصير هناك حقيقة ثانوية وضعية تغلب على الحقيقة الأولية الطبيعية، مثلا- الغلفة (يعني عدم الختان) من مقتضيات طبيعة الذكور و من الاجزاء التي يولد الإنسان الذكر معها و لكن الوضع بل الشرع عند المسلمين اقتضى الخروج عن هذه الحقيقة (1)


1- و نظير هذا من أمثلة الأوصاف و ان لم تكن من العيوب- اللحى- فان مقتضى طبيعة الإنسان الذكر ان تكون له لحية إذا بلغ السن المخصوص و لكن انعكست القضية بالنظر الى الحقيقة الثانوية، و صار التواضع التقليدي على حلق اللحى بحيث أوشك أن يعد مقتضى الطبيعة و الفطرة و هو كون اللحى عيباً و إزالتها كمالا، و من المستظرف هنا قول بعضهم. رأيت في جلق غزالا تجار في وصفه العيون فقلت ما الاسم قال موسى قلت نا تحلق الذقون نعم هذا زمان حلق الذقون. فانا للّٰه و اليه راجعون.

ص: 70

فصارت الحقيقة الثانوية هي (الختان) و صارت الغلفة عيباً و يشهد لهذا التحقيق الرشيق من أخبار أهل البيت عليهم السلام- قصة القاضي ابن أبي ليلى- حيث جاءه رجل بخصم له فقال: ان هذا باعني هذا الجارية فلم أجد شعراً على ركبها (بفتح اوله و ثانيه- محل نبات الشعر من العانة) و زعمت انه لم يكن لها قط، فقال له ابن أبي ليلى: ان الناس يحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوه فما الذي كرهت، فقال له: أيها القاضي ان كان عيباً فاقض لي به، فقال حتى أخرج إليك فإني أجد أذى في بطني، ثم دخل بيته و خرج من باب آخر فانى محمد بن مسلم (هو من خواص أصحاب الصادق و أبيه الباقر سلام اللّٰه عليهما) فقال: أي شي ء تروون عن أبي جعفر في المرأة لا تكون على (ركبها) شعر، أ يكون هذا عيباً، فقال محمد بن مسلم. اما هذا نصاً فلا أعرفه و لكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلّم أنه قال (كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب) فقال ابن أبي ليلى. حسبك هذا- فرجع الى القوم فقضى لهم بالعيب، ا ه.

و كل هذه الاعتبارات و المعاني حقائق قائمة بنفسها ليس لزيادة القيمة و نقصها دخل في صدق كونه عيباً أو غير عيب، أ لا ترى ان الحب اي قطع آلة التناسل عيب بلا ريب لأنه خروج عن مقتضى حقيقة الإنسان الذكر و مع ذلك فهو مما يزيد قيمة المملوك قطعاً و لكن ذلك لا يخرجه عن كونه عيباً يوجب الخيار مع عدم العلم غايته انه لا موضع لطلب الأرش هنا إلا بتكلف ربما يأتي محل ذكره، و على كل حال فجعل

ص: 71

ضابط العيب هو زيادة القيمة و نقصها و ان شاع في كلمات كثير من فقهاء الفريقين و لكنه من الأوهام الشائعة و بعيد عن الحقيقة أشد البعد و قد عرفت ان جميع الصفات الكمالية وجودها يزيد في القيمة و عدمها ينقصها طبعاً، و ليست هي بعيوب قطعاً.

(مادة: 339) العيب القديم

هو ما كان موجوداً في المبيع و هو عند البائع.

هذه المادة و ما بعدها-:

(مادة: 340) العيب الذي يحدث في المبيع

و هو في يد البائع بعد العقد و قبل القبض حكمه حكم العيب القديم الذي يوجب الرد.

و (مادة: 341) إذا ذكر البائع ان للمبيع عيب كذا و كذا

و قبل المشتري مع علمه بالعيب فلا يكون له الخيار بسبب ذلك العيب.

و (مادة: 342) إذا باع مالا على انه بري ء من كل عيب ظهر فيه فلا يبقى للمشتري خيار عيب.

هذه المواد لبيان شروط تحقق خيار العيب و مع فقد واحدة لا يثبت الخيار و هي مع الاختصار- كون العيب قبل العقد أو قبل القبض و جهل المشتري به حين العقد أو قبله و عدم برأيه البائع من العيوب، أما

(مادة: 343) من اشترى مالا و قبله بجميع العيوب لا تسمع منه دعوى العيب بعد ذلك،

مثلا- لو اشترى حيواناً بجميع العيوب و قال قبلته محطماً مكسراً أعرج معيباً، فلا صلاحية له بعد ذلك ان يدعي بعيب قديم فيه.

ص: 72

و (و مادة: 344) بعد اطلاع المشتري على عيب في المبيع إذا تصرف فيه تصرف الملاك سقط خياره،

مثلا- لو عرض المبيع للبيع كان رضا بالعيب، فلا يرده بعد ذلك.

هاتان المادتان لبيان مسقطات خيار العيب، و قد أنبأناك من قبل ان أهم مباحث الخيارات التي هي أهم أبواب البيوع- خيار الغبن و خيار العيب- و أهم مباحث خيار العيب ثلاث نواحي.

1-: ضابطة العيب الذي يثبت به الخيار.

2-: مسقطات هذا الخيار.

3-: التنازع بين البائع و المشتري في وجود العيب و عدمه، و حدوثه و قدمه و أمثال ذلك.

و قد تقدم الكلام في الأولى على ابسط بيان و أتقنه، و هذا موضع القول في الناحية الثانية، و هي من ميادين السباق لفرسان التحقيق، و سيأتي الكلام على الثالثة قريباً إن شاء اللّٰه تعالى.

اما مسقطات هذا الخيار
اشارة

فهي ثلاثة.

مسقطات الرد فقط، و مسقطات الأرش فقط، و مسقطاتهما معاً،

اما مسقطات الرد
اشارة

فأمور.

الأول-: إسقاطه بعد العقد صريحاً قبل ظهور العيب أو بعده،

بأن يقول: أسقطت حق الرد لو ظهر عيب، ثم ان ظهر العيب يكون له الأرش فقط اما لو أسقط الخيار مطلقا فالظاهر سقوطهما معا.

اما لو أطلق الالتزام بالعقد فالأرش لا يسقط.

ص: 73

الثاني-: التصرف في المعيب سواء بعد ظهور العيب أو قبله

بمطلق التصرف أو خصوص التصرفات الناقلة اي الموقوفة على الملك كالبيع و الرهن و أمثالها أو خصوص ما دل على الرضا و الالتزام بالعقد احتمالات بل أقوال، فيها لتضارب كلمات العلماء أوسع مجال، و أحق ما ينبغي ان يقال هنا من التحقيق ان التصرف لا يخلو اما ان يبقى معه مجال لإمكان الرد أو ينقطع به إمكان الرد شرعاً أو عرفاً كما لو وطئ الجارية أو أحبلها أو نجز وقفية الدار أو جعلها مسجداً و نحو ذلك، و لا إشكال في ان مثل هذه التصرفات مانعة من الرد قولا واحداً و إذا ظهر العيب يتعين أخذ الأرش، و إذا بقي مجال للرد كما لو ركب الدابة أو لبس الثوب أو سكن الدار فان ظهر بهذا التصرف التزامه بالعقد و إسقاطه الرد- سقط و تعين الأرش و ان لم يظهر منه ذلك فالخيار باق بحاله ان شاء فسخ و ان شاء أمسك مجاناً أو بالأرش، و المرجع من الاخبار في هذه القضية مرسلة جميل في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيناً قال: ان كان الثوب قائماً بعينه رده على صاحبه و أخذ الثمن و ان كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب، و الصحيح. أيما رجل اشترى شيئاً و به عيب أو عوار و لم يتبرأ اليه و لم ينبه فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا و علم بذلك العوار و بذلك العيب فإنه يمضي عليه البيع.

الثالث-: تلف العين أو ما هو بحكم التلف كالعتق و الرهن و نحوهما

فان الخيار يسقط هنا إجماعاً و ان لم نقل بالسقوط في سائر الخيارات عند التلف فان الرد في المرسلة المتقدمة أنيط بقيام العين و أي قيام لها مع

ص: 74

التلف أو ما بحكمه بل لو انتقل الى الغير أو انعتق العبد قهراً فلا رد لعدم قيام العين فان الظاهر منه اعتبار بقائها على ملك المشتري، نعم يمكن الحاقه بالتصرف لا بالتلف و على كل فلو عاد الى ملك المشتري فالظاهر ان الخيار لا يعود بقاعدة (الساقط لا يعود) و قيل يعود و لا يخلو من وجه ثم ان الأصحاب اتفقوا على ان وطئ الجارية عيب يمنع من الرد بالعيب القديم و الأصل في ذلك أخبار خاصة منها خبر طلحة قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل اشترى جارية فوطئها ثم رأى فيها عيباً قال: تقوم و هي صحيحة و تقوم و بها الداء ثم يرد البائع على المبتاع فضل ما بين القيمتين، و في أخرى. كان القضاء الأول في الرجل إذا اشترى الأمة فوطئها ثم ظهر على عيب ان البيع لازم و له أرش العيب، و استثنوا من هذا- الحامل- فان الحمل عيب ترد به الأمة فلو وطئها و هي حامل جاهلا أو مطلقا بردها مع نصف عشر قيمتها النكاحه إياها، و في أخرى عشر قيمتها، و تحمل على البكر حيث يتحقق الحمل مع البكارة كما قد يتفق و يشهد له رواية ثالثة. ان كانت بكراً فعشر قيمتها و ان كانت ثيبا فنصف عشر قيمتها، و ربما يخص ذلك بالحامل من مولاها فإنها أم ولد تشبثت بالحرية فلا يجوز بيعها و التفصيل موكول الى محله.

الرابع-: من مسقطات الرد بالخصوص حدوث عيب عند المشتري

و تحرير ذلك ان العيب اما ان يكون قد حدث قبل العقد و بقي الى ما بعده و اما ان يكون حدوثه بعده اما قبل القبض أو بعده و الحادث بعد القبض اما ان يكون في أثناء خيار المشتري أو في أثناء خيار البائع أو في

ص: 75

أثناء خيارهما و على جميع التقادير فاما ان يكون حدوثه بآفة سمائية أو بمباشرة بشر اما البائع أو المشتري أو أجنبي و يظهر حكم عامة هذه هذه الصور مما تقدم، و المقصود بالبيان هنا ان خصوص العيب الحادث عند المشتري بعد قبضه و انقضاء خياره مانع من الرد بالعيب المقارن للعقد سواء حدث في حينه أو قبله، و لكن إذا كان العيب من فعل البائع أو أجنبي فهو مضمون عليه لا على المشتري و لا فسخ بل يستحق المشتري أرش العيب، و المراد هنا بالعيب الحادث المانع من الرد- هو الأعم من العيوب الموجبة للأرش الموجبة للخيار حسب ما سبق و من التغيرات الحسية و المعنوية الموجبة نقصا في المالية- فمثل تبعض الصفقة و نسيان العبد الكتابة و خياطة الثوب و صبغه و قطع الأخشاب كلها مانعة من الرد ان أوجبت نقصا في المالية و ان لم تكن عيوباً اصطلاحية أو عرفية إلا إذا قلنا بان العيب مطلقاً هو ما يوجب نقص قيمة أمثاله لو لا هذا الوصف و على كل فهي كما عرفت مانعة من الرد اتفاقاً الا ما نسب الى الشيخ المفيد قدس سره من ان العيب الحادث لا يمنع الرد مطلقاً و هو خلاف المتفق عليه عند أصحابنا بل و عند أكثر فقهاء الجمهور.

نعم لو رضي البائع به على عيبه فلا إشكال لأن الحق بينهما فإذا تراضيا فلا مانع،،، هذا لب ما ينبغي ان يقال في مسقطات الرد.

اما مسقطات الأرش فقط
اشارة

فأمران.

الأول-: ما لو اشترى ربويا بمثله فظهر في أحدهما عيب،

مثلا- لو اشترى حنطة بمثلها وزنة بوزنة و ظهر في إحداهن عيب فإن أخذ

ص: 76

الأرش لا يمكن لاستلزامه الربا و اجازه بعض فقهائنا و نسبه الى بعض الشافعية بدعوى ان عدم الزيادة انما تعتبر في المتماثلين في ابتداء العقد و الأرش غرامة شرعية لا تقدح في العقد السابق حتى تغالى فجوز أخذ الأرش من جنس العوضين فضلا عن غيره و هو محل نظر فإن الأرش تدارك وصف الصحة فهو كجزء من المبيع و لذا قالوا: الأوصاف أجزاء عقيلة، اللهم الا ان يقال ان الشارع في الربويين قد ألغى وصف الصحة فصار سواء وجوده و عدمه و لذا لم يجوز وزنة ردية بنصف وزنة جيدة و ان تساويا في القيمة و إذا سقط وصف الصحة شرعا فليس الأرش سوى حكم خارجي، و المسألة معقدة و قد التبس في المقام العيب و الصحة بالجودة و الرداءة، و هي محتاجة إلى ضرب آخر من التحقيق لا يتسع له المجال

الثاني-: العيب الذي لا يوجب نقصا في القيمة بل قد تزيد به

و المثال المعروف له عند الفقهاء الخصاء في العبيد و لا يخلو من مناقشة و يمكن ان يكون منه العنب إذا فسد فإنه قد يطلب بأكثر من قيمته عنبا للتخليل أو التخمير و الأمثلة غير عزيزة.

الثالث-: ما يسقط الرد و الأرش معا،
اشارة

و هي أمور.

«أحدها» قبول المشتري كل عيب عند العقد

قديمه و حادثة و هو إسقاط لحقه فيما يقتضيه العقد على المعيب من الخيار.

«ثانيها» برأيه البائع من العيوب في العقد تفصيلا أو إجمالا،

و مرجع البراءة هنا إلى إسقاط كلما للعيب من أثر من خيار أو أرش أو غيرهما أولًا و بالذات لا ثانياً و بالعرض فلو تلف المبيع بالعيب السابق في خيار

ص: 77

المشتري لم يسقط ضمان البائع و ان توهم البعض ذلك، و لا ريب ان القدر المعلوم من صحة البراءة من العيوب السابقة على العقد، اما المتجددة الموجبة للخيار كالعيوب الحادثة قبل القبض أو الحادثة في العبد إلى سنة فيشكل صحة البراءة منها لأنها إسقاط ما لم يجب و يمكن تصحيحها بان العقد يقتضي الخيار عند حصولها و يكفي لصحة الاسقاط وجود المقتضي فليتأمل.

«ثالثها» علم المشتري بالعيب

فإن إقدامه على المعيب مع علمه يسقط حقه من الخيار لان الخيار انما جعل تداركا لجهله بالعيب فلا وجه له مع العلم.

ثم ان عد هذه الثلاثة من مسقطات الخيار مبني على ان وجود العيب بذاته مقتض للخيار فالبراءة تسقط اقتضائه، و الا فالعقد مع العلم بالعيب أو برأيه البائع منه أو قبول المشتري لم يثبت فيه خيار أصلا حتى يسقط بأحد الأمرين فهي من قبيل الدفع لا الرفع فليتدبر.

«رابعها» زوال العيب قبل العلم به

سواء كان بعد القبض أو قبله و هو بالنسبة إلى تأثيره في سقوط الرد ظاهر لأن المتبادر هو رد المعيب حال الرد لا رد ما كان معيبا، اما الأرش فقد ثبت بوجود العيب حين العقد و زواله حدث في ملك المشتري فسقوطه بعد ثبوته يحتاج الى دليل، و ربما تبنى المسألة على قاعدة (ان الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد) فيسقط الرد و الأرش على الأول و لا يسقط شي ء منهما على الثاني و لكن لا اثر لهذه القاعدة عند فقهائنا بل يتبعون في كل قضية ما يستفاد من دليلها من الكتاب و السنة.

ص: 78

«خامسها» التصرف في المعيب بعد العلم بالعيب

فإنه يسقطهما معاً اما سقوط الرد فظاهر، و أما سقوط الأرش فلأن التصرف دليل على الرضا بالمعيب، و دعوى ان الرضا بالمعيب لا يدل على الرضا بالعيب مدفوعة بأن ظاهر الرضا بالشي ء قبوله على الإطلاق، أي من دون قيد الأرش و كذا.

«السادس» و هو التصرف في المعيب الذي لم تنقص قيمته

فان الرد يسقط بالتصرف و الأرش ساقط بعدم النقص.

«سابعها» تأخير الرد و المطالبة بالأرش

بناء على فورية هذا الخيار كما لا يبعد.

و قد تذكر مسقطات أخرى و لكن ما ذكرناه أشهرها و أظهرها و جدول المسقطات عموماً كما يلي مسقطات الرد فقط.

(1) إسقاط الرد في العقد و التزام الأرش لو ظهر معيباً.

(2) تصرف المشتري في المبيع تصرفا مانعا من الرد.

(3) تلف العين عند المشتري.

(4) حدوث عيب عند المشتري و منه تبعض الصفقة.

مسقطات الأرش فقط.

(5) العقد على ربويين و قد ظهر العيب في أحدهما.

(6) العيب الذي لا يوجب نقص القيمة.

مسقطاتهما معاً

ص: 79

(7) العلم بالعيب قبل العقد (8) برأيه البائع من العيوب في متن العقد.

(9) قبول المشتري بكل عيب في متن العقد.

(10) زوال العيب قبل العلم به (11) التصرف في المعيب الذي لم ينقص العيب قيمته.

(12) حدوث العيب في المعيب الذي لم ينقصه العيب.

(13) تأخير الأخذ بالخيار فسخاً أو أرشاً أو إمضاء.

و الى بعض هذه المسقطات أشارت (المجلة) في مادة (341) المتضمنة ان قبول المشتري مسقط و مادة (342) المتضمنة برأيه البائع و مادة (343) هي عين مادة (341) و ان تضمنت عدم سماع دعواه بعد قبوله بالمعيب و مادة (344) المتضمنة ان التصرف بعد العلم بالعيب مسقط للخيار و مادة (345) المشتملة على بيان ان حدوث العيب الجديد عند المشتري يسقط الخيار بالعيب القديم، فانتصرت على ذكر أربعة من المسقطات (القبول، البراءة، التصرف، حدوث العيب الجديد) و أهملت ذكر تسعة على أن الذي ذكرته لم تميز فيه بين مسقط الرد فقط من مسقط الأرش أو مسقطهما معاً، و هذه ومضة مما ذكره أصحابنا في هذا المقام ليس لنا فيه الا طرافة البيان و حسن التحرير.

ثم ان التصرف كما أشرنا إليه سواء كان موجباً للتلف الحقيقي أو الحكمي أم لا، و سواء كان دالا على الرضا أم لا، لا يوجب الا سقوط الرد و له المطالبة بالأرش فما في (مادة 344) لو عرض المبيع للبيع بعد اطلاعه

ص: 80

على عيب قديم فيه كان عرضه للبيع رضا بالعيب إلخ، غير منقح لما عرفت ان الرضا بالمعيب ليس رضًا بالعيب فكان اللازم ان تقول لا برده و له المطالبة بالأرش.

(مادة: 346) نقصان الثمن يصير معلوماً باخبار أهل الخبرة الخالين عن الغرض،

و ذلك بان يقوم الثوب سالماً ثم معيباً فما كان بين القيمتين من التفاوت ينسب الى الثمن المسمى و على تلك النسبة يرجع المشتري على البائع بالنقصان إذا تسالم المتبايعان على وجود العيب القديم و على مقدار التفاوت بين الصحيح و المعيب فلا إشكال في انه ينقص من الثمن المسمى بمقدار ذلك التفاوت إذا كان المسمى مساوياً للقيمة كما لو كان قيمة الصحيح عشرين و هي المسمى و المعيب خمسة عشر فيرجع بالربع، اما لو كانت صحيحاً أزيد من المسمى و معيباً مساوية أو أقل، انقص من المسمى بتلك النسبة، و كذا لو كان سالماً و معيباً أنقص من المسمى، أو سالماً و معيباً أزيد من المسمى، و قد مثل لهذه الصور الأربعة في (المجلة) بقوله:

مثلا- لو اشترى ثوب قماش بستين قرشاً و بعد ان قطعه و فصله اطلع المشتري على عيب قديم فيه فقوم أهل الخبرة ذلك الثوب سالماً بستين قرشاً أيضاً و معيباً بالعيب القديم بخمسة و أربعين قرشاً كان نقصان الثمن بهذه الصورة خمسة عشر قرشاً فيرجع بها المشتري على البائع و لو أخبر أهل الخبرة ان قيمة ذلك الثوب سالماً ثمانون قرشاً و معيبا ستون قرشاً فيما ان التفاوت بين القيمتين عشرون قرشا و هي ربع الثمانين قرشا

ص: 81

فللمشتري أن يطالب بخمسة عشر قرشاً التي هي ربع الثمن المسمى و لو أخبر أهل الخبرة ان قيمة ذلك الثوب سالماً خمسون قرشاً و معيبا أربعون قرشا فبما ان التفاوت الذي بين القيمتين عشرة قروش و هي خمس الخمسين قرشا يعتبر النقصان خمس الثمن المسمى و هو اثنا عشر قرشا.

اما لو اختلفا في كونه معيبا أم لا أو اتفقا و اختلفا في التفاوت بين الصحيح و المعيب فالمرجع في المقامين الى أهل الخبرة بتلك السلعة في أصل العيب و في قدر التفاوت، و المراد بأهل الخبرة- العارف المتخصص بمزاولة تلك السلعة، الخبير بتلك الصنعة، بيعا و شراء أو عملا كالبزازين في الأقمشة و الصياغين في الحلي و هكذا، ثم الرجوع اليه و الاعتماد على قوله اما ان يكون من باب الاخبار عن القيمة السوقية، و ان هذه الحنطة تباع اليوم في السوق بكذا فهو حينئذ اما من باب الشهادة فيعتبر فيها جميع ما يعتبر في الشاهد من الحس و العدالة و التعدد و ان كان من باب خبر الواحد و قلنا باعتباره في الموضوعات كفى العدل الواحد و اما ان يكون اخباراً عن رأيه و انه بحسب معرفته و مزاولته لهذا النوع يعرف مزايا أصنافه و افراده و يقول: ان هذا ينبغي ان تكون قيمته كذا من دون نظر الى ان قيمته السوقية كذلك أم لا فهو حينئذ من باب الفتوى و نظير الاجتهاد في باب الاحكام و تعيين حكم المفهوم الكلي لا يلزم فيه التعدد و لا الحس و تكفي العدالة فقط أي حصول الاطمئنان بمعرفته ثم بقوله و أما ان يكون من باب التطبيق و تعيين المصداق فقط بان يكون احكام

ص: 82

الأنواع و الكليات في السوق معلومة و انما الشك في اندراج هذا الفرد بأي الأنواع فالعارف الخبير يعين أنه من النوع الفلاني و قيمته معلومة فيكون أشبه بباب الحكومة و القضاء فلا يحتاج الى التعدد أيضاً، و يكفي الاطمئنان و الثقة، و خير هذه الوجوه الثلاثة أوسطها فإنه من باب رجوع الجاهل الى العالم، و يسمى في الأحكام فتوى و اجتهاد و في الموضوعات رجوع الى أهل الخبرة و الملاك في المقامين واحد فليتدبر.

فلو اختلف المقومون فقيل يؤخذ بالأقل للأصل و قيل بالأكثر لأنه مثبت و قيل بالقرعة لأنها لكل أمر مشكل نظراً لعدم إمكان اليمين لجهل كل من المتبايعين بالواقع حسب الفرض، و يحتمل تعين إلزام الحاكم لهم بالصلح، و الأصح لزوم الجمع و العمل بكلا القولين و لو في الجملة فإذا قال أحدهما قيمته مثلا ستة و قال الآخر أربعة أخذنا نصف الستة ثلاثة و نصف الأربعة اثنين و جعلنا القيمة خمسة و هكذا، و مدرك تعين هذه الطريقة أمران أحدهما (قاعدة العدل) التي ذكرناها في القواعد العامة.

ثانيهما-: (قاعدة ان العمل بالدليلين المتعارضين) و لو في الجملة أولى من طرح أحدهما تماماً و العمل بالآخر، و لذا حكموا بالتنصيف فيما لو تعارضت البينتان في دار بيد رجلين يدعيها كل منهما و فيه جمع بين الحقين في الجملة و حرمان واحد في الواقع من بعض حقه اولى من ارتكاب ما يوجب حرمان صاحب الحق. تماما و كل من هذين الدليلين مقنع و ان سالت أباطح الجدل باعناق

ص: 83

المناقشات و الإشكالات عليهما، ثم ان الاختلاف اما ان يكون في قيمة المعيب فقط. أو في قيمة الصحيح فقط. أو فيهما معا. فان كان الاختلاف مؤلفاً من اثنين جمعت القيمتان و أخذ النصف. و ان كان من ثلاثة أخذ الثلث و هكذا.

هذا بعد الاتفاق على العيب. اما لو اختلفا فيه فقال واحد انه صحيح لا عيب فيه. و قال الآخر: أنه معيب فلا ينبغي الإشكال في أن قول مدعي الصحة مقدم الا ان تكون هناك قرائن مقامية ترجح قول الآخر الذي هو على خلاف الأصل. و هاهنا أبحاث جمة. و تحقيقات مهمة. تطلب من مؤلفاتنا المبسوطة. و هذه ومضة من تلك البروق كافية إن شاء اللّٰه.

(مادة: 347) إذا زال العيب الحادث صار العيب موجبا للرد على البائع.

حق المعنى الصحيح ان يقال: عاد الخيار بالعيب فاما الفسخ أو الإمساك مجانا أو بالأرش، و هذا مبني على القاعدة المتقدمة في ضمن القواعد العامة- إذا زال المانع عاد الممنوع و كان العيب الجديد مانعاً فإذا زال عاد الخيار بالعيب القديم. ثم ان من المعلوم أن ما ذكروه من ان العيب الحادث عند المشتري يمنع من الرد بالعيب القديم أي الذي كان عند البائع و ان المشتري ليس له الا المطالبة بالأرش. كل ذلك معناه أن المشتري لا حق له ان يلزم البائع بقبول المعيب بالعيب الجديد و حاصله أنهما تساويا في السبب فسقط عن التأثير و ليس مراعاة أحدهما بأولى

ص: 84

من مراعاة الآخر، أما لو رضي البائع رد الثمن و أخذ المعيب الحادث و القديم، فذاك تنازل منه و ليس للمشتري أن يلزمه بالأرش بالضرورة و هو الوجه في

(مادة: 348) إذا رضي البائع أن يأخذ المبيع الذي ظهر به عيب قديم

بعد أن حدث به عيب عند المشتري و كان لم يوجد مانع للرد فلا يبقى للمشتري صلاحية الادعاء بنقصان الثمن بل يكون مجبوراً على رد المبيع إلى البائع أو قبوله،،، أما لو كان قد حصل مانع من الرد كالإسقاط أو زوال العيب قبل العلم فلا رد بل و لا أرش، أو ما أشير إليه في (المجلة) بقولها: حتى ان المشتري إذا باع المبيع بعد الاطلاع على عيبه القديم فلا يبقى له حق في أن يدعي بنقصان الثمن، مثلا- لو أن المشتري قطع الثوب الذي اشتراه أو فصله قميصاً ثم وجد به عيباً و بعد ذلك باعه فليس له ان يطلب نقصان الثمن من البائع لأن البائع له أن يقول: كنت أقبله بالعيب الحادث، فبما أن المشتري باعه كان قد أمسكه و حبسه عن البائع.

و جدير هنا بان يتفطن بأنه لا داعي لهذا التطويل الذي هو بغير جدوى و لا طائل إذ قد عرفت فيما مر عليك أن تصرف المشتري بالمعيب بعد اطلاعه على العيب يسقط أصل خياره فلا فسخ و لا أرش و لا غير ذلك و صار العقد السابق لازما فلو باعه المشتري مع علمه بعيبه فقد التزم به و مضى عليه و لا حاجة الى قول البائع إني كنت أقبله بالعيب الحادث و عدم قوله، و هذا من قبيل ما يقول أهل المعقول من باب التعليل

ص: 85

بالعرضي مع وجود الذاتي فإن عدم حقه بالمطالبة بالنقيصة من جهة تصرفه بعد الاطلاع لا من جهة قول البائع و عدم قوله.

و قد ذكرت (المجلة) في بعض موادها المتقدمة قريباً ان تعريضه للبيع مع علمه مسقط لخياره فكيف بوقوع البيع منه، و قولنا ان حدوث العيب يمنع الرد و له المطالبة بالنقصان انما هو حيث لا تصرف، اما مع التصرف و العلم فقد انتهى كل شي ء. فتدبره و لا تفوتك هذه المزايا في الزوايا.

و «القصارى» أنه قد ظهر لك من المباحث السابقة جلياً أن موضع تعين الأرش هو تصرف المشتري في المعيب قبل العلم بالعيب تصرفا يمنع من الرد. و التصرف المانع من الرد هو الذي لا يبقى معه صدق كون المعيب قائما بعينه فان النص جعل قانون الرد هو قيام العين كما في مرسلة جميل المتقدمة: ان كان الثوب قائما بعينه رده على صاحبه و ان كان قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب. ا ه. و هذا هو الذي تريد (المجلة) بيانه في مادة (349) كل موضع لا يمكن للمشترى فيه ان يرد المبيع القائم في ملكه للبائع بدون رضائه أو برضاه إذا أخرج المبيع عن ملكه (اى قبل علمه بالعيب) يرجع على بائعه بنقص الثمن، بناء عليه الزيادة المتصلة الغير متولدة. و هي ضم شي ء من مال المشتري و علاوته الى المبيع تكون مانعا من الرد. مثلا- ضم الخيط و الصبغ الى الثوب بالخياطة و غرس الشجر في الأرض من المشتري مانع من الرد. و بناء على الضابطة التي عرفتها للرد و عدم الرد تعلم ان الزيادات تختلف في ذلك من حيث

ص: 86

صدق قيام العين و عدم صدقه، و تحرير المقام يحصل بتنقيح ان الزيادة أما متصلة أو منفصلة، و المتصلة إما لانضمام جسم خارجي إليها أو بنمو من نفسها و لو بسبب خارجي، و المنفصلة اما متولدة أو غير متولدة، فالأولى كالصبغ و الخياطة و غرس الأشجار و كلها تمنع من الرد لعدم صدق قيام العين معها، أما الثانية فهي مثل سمن الدابة و كبرها و قوتها، و هذه لا تمنع من الرد ضرورة صدق قيام العين، أما الثالثة فمثل الشاة إذا ولدت و الجارية إذا حملت. بناء على ان الحامل و الحمل كالمظروف و الظرف فهي مبتنية على ان الحمل في الجارية عيب يوجب الرد كما هو المتفق عليه عند أصحابنا و حينئذ يكون حدثه عند المشتري مانعاً من الرد بعيب آخر قديم و لكنهم مع اتحاد ملاك المسألتين اختلفوا هنا بين قائل بأنه مانع مطلقا و بين من قيده بما إذا كان موجباً لنقص الجارية، و قيل ليس بعيب كما هو الأشهر في غير الجارية كالشاة و نحوها من الحيوانات و «بالجملة» فالمسئلة لا تخلو من نظر و فيها خلاف مترامي الأطراف بين أصحابنا، و إذا رجعنا إلى الضابطة و هي صدق قيام العين نجدها أشكل لعدم وضوح ان هذا المقدار من التغيير يمنع صدق قيام العين أم لا كما ان صدق العيب عليه غير معلوم فبعض يقول إنه زيادة، و آخر يقول انه زيادة و لكنها في المعنى نقيصة لأنها معرضة للخطر خصوصاً في الجارية التي يمنعها الحمل من كثير من الاعمال فضلا عن خطر الولادة و الوضع هذا في الحمل الذي ليس هو بتصرف المشتري، إماما كان بتصرفه فلا إشكال في كونه مانعاً من الرد لأن الوطء من التصرفات

ص: 87

المانعة اتفاقاً كما سبق و ان لم يكن مغيرا للعين فضلا عما إذا غيرها بالحبل و عند الشك في مورد فلا بد من الرجوع الى الأصول العامة المقررة للرجوع إليها عند الشك و عدم الدليل القاطع.

(أما الصورة الرابعة) أعني الزيادة المنفصلة كالحنطة من الأرض و التمر من النخل و الأجرة من الدار و أمثال ذلك فلا ينبغي الإشكال في انها غير مانعة من الرد مطلقا لصدق قيام العين بالضرورة و من هنا يظهر لك وجه تقييد (المجلة) الزيادة المانعة من الرد بأنها هي المتصلة الغير متولدة فإنها هي القدر المتيقن من الزيادة اما ما عداها فبين ما هو محل خلاف و بين ما هو متيقن بعدم المنع فليتدبر.

(مادة: 350) إذا وجد مانع للرد ليس للبائع ان يسترد المبيع

و لو رضي بالعيب الحادث بل يصير مجبوراً على إعطاء نقصان الثمن حتى انه بهذه الصورة لو باع المشتري المبيع بعد اطلاعه على عيب قديم فيه كان له ان يطلب نقصان الثمن من البائع و يأخذه منه، مثلا- ان مشترى الثوب لو فصل منه قميصاً و خاطه ثم اطلع على عيب قديم فيه ليس للبائع ان يسترده و لو رضي بالعيب الحادث بل يجبر على إعطاء نقصان الثمن للمشتري و لو باع المشتري هذا الثوب أيضاً لا يكون بيعه مانعاً له من طلب نقصان الثمن و ذلك لأنه حيث صار ضم الخيط الذي هو من مال المشتري للمبيع مانعاً من الرد و ليس للبائع في هذه الحالة استرداد المبيع مخيطاً فلا يكون بيع المشتري حينئذ حبساً و إمساكاً للمبيع.

هذا البيان على طوله مشوش مختل و المعنى الصحيح فيه أنه إذا تصرف

ص: 88

المشتري في المبيع قبل علمه بالعيب تصرفا مانعا من الرد فليس له إلزام البائع بأخذه، و لا للبائع ان يلزمه برده بل الوظيفة المقررة هنا أخذ الأرش. فإذا طلبه المشتري صار البائع مجبوراً على دفعه، اما لو تراضيا و اتفقا على رده فلا إشكال في صحته لأن الحق بينهما فيكون المشتري أسقط حقه من الأرش و البائع أسقط حقه من التصرف و تراضيا على الفسخ ورد كل مال الى صاحبه كالإقالة أو هي بنفسها، اما لو امتنع المشتري فليس للبائع جبره على رد العين، لا لقضية ان ضم الخيط الذي هو مال المشتري صار مانعاً بل من أجل ان مثل هذه التصرفات أعني مثل القطع و الخياطة و الصبغ تمنع صدق قيام العين الذي هو ملاك صحة الرد سواء باعه المشتري أم لا، فتدبر هذا جيداً.

(مادة: 351) ما بيع صفقة واحدة إذا ظهر بعضه معيباً

فان كان قبل القبض كان المشتري مخيراً ان شاء رد مجموعه و ان شاء قبله بجميع الثمن و ليس له ان يرد المعيب وحده و يمسك الباقي و ان كان بعد القبض فإذا لم يكن في التفريق ضرر كان له أن يرد المعيب بحصته من الثمن سالماً و ليس له ان يرد الجميع حينئذ ما لم يرض البائع و اما إذا كان في تفريقه ضرر رد الجميع أو قبل الجميع بكل الثمن مثلا لو اشترى قلنسوتين بأربعين قرشا فظهرت إحداهما معيبة قبل القبض بردهما معاً و ان كان بعد القبض يرد المعيبة وحدها بحصتها من الثمن سالمة و يمسك الثانية بما بقي من الثمن، اما لو اشترى زوجي خف فظهر أحدهما معيباً بعد القبض كان له ردهما معاً للبائع و أخذ ثمنهما منه.

ص: 89

تحرير هذه المادة على وجه التهذيب و التنقيح، بحيث تنكشف الرغوة عن اللبن الضريع. يحتاج الى مقدار من البسط في البيان فنقول و منه تعالى نستمد المعونة.

أن تبعض الصفقة لا يتحقق أو البيع صفقة واحدة لا يتحقق موضوعه طبعاً الا بتحقق تعدد ما، و التعدد اما ان يكون في الثمن أو المثمن و اما ان يكون في البائع أو يكون في المشتري فالصور اربع-:

اما (الاولى) و (الثانية) و هو ما لو اشترى شيئا واحداً بدراهم أو دنانير مثلا و ظهر العيب فيه أو في واحد منهما. أو اشترى أشياء بدينار فظهر العيب فيه أو في واحد منها فليس للبائع أو المشتري تعددا أو اتحدا ان يفسخ في المعيب منها و يقبل الصحيح بنسبته من الثمن لأن العيب ان كان في المبيع الواحد أو الثمن الواحد. فان فسخ في جزء معين منه أو مشاع استلزم الشركة و هي عيب يمنع من الرد و حينئذ فاما ان يقبل الجميع و يطالب بالأرش. و ما ان يفسخ في الجميع. و ان كان العيب في واحد من الثمن المتعدد أو المبيع المتعدد فالفسخ في المعيب المعين منها يستلزم التفريق على البائع و هو نقص مانع من الرد و قد يكون في تفريق أمواله ضرر عليه سواءً كانا من قبيل المصراعين أو الخفين. أو من قبيل الثوبين أو الكتابين المتباينين فان الضرر لا ينحصر في الأول غايته ان الضرر فيه أظهر و أكثر و لو قيل لا مانع من ان المشتري يجوز له الرد بخيار العيب و يجبر البائع دفعا لضرره بخيار تبعض الصفقة و يكون بهذا جمع بين الحقين قلنا ان هذه استحالة ظاهرة فان

ص: 90

معنى ان للمشترى الرد بالخيار ان له سلطنة إمساك الصحيح و رد المعيب فلو جعلنا للبائع أيضاً خياراً لكان معناه ان له سلب تلك السلطنة فيكون من قبيل ما يقال هذا أمر- يلزم من وجوده عدمه- فسلب سلطنته من أول الأمر بمنعه من رد المعيب و إبقاء الصحيح فقط اولى و أقوم من هذا و أقوى ان تقول: ان القدر المعلوم من أدلة خيار العيب عامة أو خاصة هو ان له الخيار في رد الجميع أو إمساك الجميع مجانا أو بالأرش، اما إمساك البعض ورد البعض فهذا مما لم ينهض عليه دليل أصلا و أصالة اللزوم في العقود تدفعه بل تمنعه، نعم لو وقع العقد على شيئين بثمنين كما لو قال:

بعتك الثوب بدينار و الكتاب بدرهم و ظهر في أحدهما عيب أمكن القول بجواز الفسخ و إمساك الآخر لأنه بحكم عقدين على شيئين و ان كان في الظاهر عقداً واحداً، و مع ذلك فلو كان في هذا التفريق ضرر على البائع و لو. نوعاً منعناه أيضا، و قد تبنى المسألة على ان المعيب عرفا أو حقيقة و لو بالاعتبار هل هو تمام المبيع و لو باعتبار جزئه فلا يجوز حينئذ إلا رد الجميع أو المعيب هو خصوص ما تعلق العيب به و هو البعض المعين فيجوز رده بخصوصه بخيار العيب و قاعدة (المعيوب مردود) اما البعض الآخر و هو الصحيح فلا سبب فيه للرد و هذا الوجه و ان كان لا يخلو من وجاهة و لكنه لا يخلو من نقاش و الأصح في وجه المنع ما ذكرناه و صرح بعض الاعلام انه لو رضي البائع يأخذ المعيب جاز لأن الحق لا يعدوهما و هذا يؤيد ما ذكرناه قريبا من ان البائع لو رضي بأخذ المعيب بالعيب الحادث صح و كان كالإقالة فتذكر

ص: 91

أما (الصورة الثالثة) فهي ما لو باع اثنان دارهما المشتركة و ظهر فيها عيب و أراد المشتري ان يفسخ حصة أحدهما فلا ينبغي الإشكال في جوازه إذ لا ضرر على أحدهما بل العقد في الحقيقة عبارة عن عقدين فلا مانع من فسخ أحدهما دون الآخر و هو واضح.

أما (الصورة الرابعة) و هي إذا اشترى اثنان دار واحد و ظهر فيها عيب و أراد أحدهما الفسخ و هنا لا إشكال في لزوم تبعض الصفقة الواحدة على البائع الواحد و لزوم الضرر عليه في تبعض داره و دخول الشريك عليه فيها فالمنع فيها لعله أظهر من سائر الصور.

و قد تزيد الصور على ما ذكرنا بتركيب بعضها مع بعض و حكم الجميع يظهر مما ذكرناه.

و أحسب انك عرفت مواضع الخدشة في هذه المادة فإن التفصيل بين ما قبل القبض و ما بعده لا وجه له و الحكم في الجميع سواء، ثم التفصيل ثانياً بين ما هو من قبيل القلنسوتين أو الخفين أيضاً لا وجه له فان نفص التفريق و تبعيض الصفقة عيب و ضرر في الغالب فهو من العيوب الحادثة المانعة من الرد و يصدق معه عدم قيام العين لأن المراد بالعين المبيع و هو المجموع لا أبعاضه فليتدبر.

و على هذه القاعدة و الملاك تتمشى-:

(مادة: 352) إذا اشترى شخص مقداراً معيناً من المكيلات و الموزونات

- بل و العدديات- و بعد قبضه وجد بعضه معيباً كان مخيراً ان شاء قبله جميعاً و ان شاء رده جميعاً.

ص: 92

اما رد المعيب و إمساك الصحيح فلا، لعدم مساعدة الدليل عليه أولا و للزوم الضرر على البائع ثانياً، و لعدم صدق قيام العين ثالثاً، و ان كان الحكم هو المنع في المكيلات و أخواتها فجريانه في غير المكيلات كالدار و العقار و الأقمشة بطريق أولى.

(مادة: 353) إذا وجد المشتري في الحنطة و الشعير و أمثالهما من الحبوب المشتراة تراباً

فان كان ذلك التراب يعد قليلا في العرف صح البيع، و ان كان كثيراً بحيث يعد عيباً عند الناس يكون المشتري مخيراً هذه المادة و التي بعدها.

(مادة: 354) البيض و الجوز و ما شاكلهما إذا ظهر بعضها فاسداً

فما لا يستكثر في العادة و العرف كالاثنين و الثلاثة في المائة يكون معفواً و ان كان الفاسد كثيرا كالعشرة في المائة كان للمشترى رد جميعه للبائع و استرداد ثمنه كاملا.

مرجعهما إلى العادة و العرف فإنهم يتسامحون بمثل هذه الأجناس تسامحاً بالصدق أو المصداق و لكن الى حد مخصوص فإذا تجاوز ذلك الحد و أخفاه البائع أو لم يعلمه المشتري كان عيباً بل ربما تنطبق عليه عناوين اخرى كالغبن و التغرير و الغش و التدليس و الخديعة و أمثالها و كلها محرمة تكليفاً كما هي محرمة وضعاً اي ذات اثر وضعي و هو استحقاق الفسخ أو أخذ التفاوت.

و ليس في الإسلام غش و لا خدع و لا خيانة، و من النبويات المشهورة (من غشنا فليس منا) و (لا غش في الإسلام) و أمثالها كثير، و على

ص: 93

كل فالتسامح في مثل الأطعمة و الجوز و البيض و البطيخ و القثاء و أمثالها مما لا اشكال فيه إذا كانت ذات كمية كثيرة لا في الواحدة و الاثنتين و الثلاث، و لكن لا يمكن تحديد ذلك التسامح و تعيين ضابطة له بأنه ثلاثة في العشرة أو أقل أو أكثر و في تراب الحنطة إنه ربع أو ثمن في الحقة أو انقص أو أزيد بل يختلف ذلك باختلاف البلدان و الأشخاص و الأزمان، على ان تحقق التسامح العرفي في مثل الجوز و البيض حتى في الواحدة و الاثنتين غير معلوم فإذا ظهرت فاسدة قد يطلبون استبدالها إلا إذا كانت واطئة القيمة جداً كفلس أو أقل، نعم لا إشكال في التسامح في مثل التراب في الحنطة و الماء في اللبن، و يمكن ان نجعل الضابطة وجوده الاستقلالي و وجوده الفنائي فإذا كان التراب بحيث يرى و يشاهد بين الحنطة كان عيباً و إذا كان فانيا بحيث لا يرى الا بعد الغربلة و التصفية كان غير قادح، و مع الشك و عدم معرفة حال العرف أو ترددهم فالمرجع إلى الأصول و هي تقتضي لزوم العقد و عدم الخيار و لكن له المطالبة بالنقيصة فليتدبر

(مادة: 355) إذا ظهر المبيع كله فاسداً لا مالية له

فلا إشكال في أن البيع من أصله فاسد لأنه يتقوم بالعوضين و مع فقد أحدهما لا بيع.

الى هنا انتهى كلام (المجلة) في مباحث خيار العيب و بقيت المسألة الثالثة من المسائل الثلاث التي ذكرنا أنها أهم ما في مباحث هذا الخيار و هي مسألة الاختلاف و التنازع بين المتعاقدين لم تذكر (المجلة) شيئاً منها مع أهميتها و كثرة فروعها، و نحن نذكر رءوس مسائل الخلاف

ص: 94

كرءوس أقلام و ندع استخراج حكمها الى (طلاب الحقوق) كتمرين عملي على قوة الاستنباط فان هذه المسائل أعنى مسائل الخصومة و الخلاف على اختلاف إشكالها و أنحائها ليس فيها نصوص خاصة، و انما يستخرج الفقهاء أحكامها من القواعد العامة التي مر عليك أكثرها في أوائل (الجزء الأول) فإن كنت أتقنت دراستها جيداً قدرت على استخراج هذه الفروع بقليل من التأمل إن شاء اللّٰه.

و المبحوث عنه من مسائل الخلاف هو خصوص ما يتعلق بالعيب، اما الخلاف في مقدار المبيع أو جنسه أو قدر الثمن أو نوعه فهذه خلافات عامة في مطلق البيوع ليس محل ذكرها هنا.

إذاً فتنحصر مسائل الخلاف في خيار العيب في ثلاث عناوين.
اشارة

الأول-: في موجب الخيار و هو العيب.

الثاني-: في مسقطة.

الثالث-: في حصول الفسخ و عدمه.

أما الأول ففي مسائل.

الاولى-: لو اختلفا في أصل حدوث العيب فادعاه المشتري و أنكره البائع، و حكمه واضح.

الثانية-: في كون الصفة الحادثة عيباً أو ليست بعيب كما لو صارت الدابة بطيئة السير أو العبد كثير النوم حيث لا يمكن الرجوع الى أهل الخبرة، أو لم يكن عندهم حل هذه العقدة، و هكذا في سائر مواضع الخلاف.

ص: 95

الثالثة-: لو اتفقا على العيب و اختلفا أنه هل كان حدوثه عند البائع فيوجب الخيار أو عند المشتري فلا خيار، فاستخراج حكمها لا يخلو من غموض و في طيها صور فتارة يعلم تاريخ العقد و يجهل تاريخ الحدوث و اخرى بالعكس، و ثالثة يجهل تاريخهما معاً.

الرابعة-: لو اتفقا على ان هذه العين معيبة بعيب قديم و لكن البائع يقول: ليست هي العين التي بعتها لك، و المشتري يقول: هي، و حكمها أيضاً غامض.

اما الثاني و هو الاختلاف في المسقط

ففي طي مسائل أيضاً.

الاولى-: لو اختلفا في علم المشتري بالعيب و عدمه و حكمه واضح.

الثانية-: لو اختلفا في برأيه البائع و عدمها و هو أوضح، و فيه رواية ان القول قول مدعي البراءة، و لكنها ضعيفة و مختصة بموردها و هي مكاتبة جعفر بن عيسى.

الثالثة-: لو اختلفا في زوال العيب قبل العلم به و استخراج حكمه يحتاج إلى تأمل الرابعة-: لو اتفقا على زوال العيب و لكن البائع يقول: هو القديم و المشتري يقول هو الجديد، و هو كسابقه.

الخامسة-: لو اختلفا بعد الاتفاق على عيب قديم في عيب مشاهد انه قديم أيضاً أو حادث عند المشتري السادسة-: لو ادعى البائع رضا المشتري بالعيب بعد علمه به أو ادعى إسقاط الخيار أو تصرفه المسقط لخياره أو حدوثه عند المشتري و أنكر

ص: 96

المشتري كل ذلك.

و أما الثالث و هو الاختلاف في الفسخ

ففيه أيضاً مسائل.

الأولى-: لو اختلفا في الفسخ بعد انقضاء زمن الخيار أو في أثنائه فادعى المشتري أنه فسخ و أنكر البائع، و إذا لم يثبت الفسخ و الفرض أن العيب الموجب محقق فهل يستحق الأرش كي لا يخلو من الحقين أم ليس له ذلك لاعترافه بالفسخ، و احتمل بعض الاعلام ان له أقل الأمرين من الأرش و ما زاد من الثمن على القيمة إن كانت زيادة لأنه بزعمه يستحق الثمن، و عليه رد القيمة ان كانت العين تالفة فيقع التقاص في القيمة من الثمن و الزائد منه ان كان أقل من الأرش أخذه و الا أخذ الأرش، فليتأمل.

الثانية-: لو اختلفا بناء على فورية خيار العيب في ان الفسخ وقع فوراً أو تأخر و في طيها أيضاً صور.

الثالثة-: لو اختلفا في علم المشتري بالخيار و جهله أو علمه بفورية هذا الخيار و عدم علمه و ذاك فيما لو ادعى المشتري بعد العلم بالعيب انه انما لم يفسخ لجهله بان له الخيار أو يعلم بان له خيار و لكن كان جاهلا بفوريته و أنكر البائع ذلك، و عليك أيها الطالب بالتأمل التام في هذا المقام فان مرجع أكثر الصور الى تعاقب الحالتين المجهولتي التاريخ أو ما تكون إحداهما معلومة التاريخ و الأخرى مجهولة، و الى الاستصحاب و أصالة تأخر الحادث و أشباه ذلك.

ص: 97

(الفصل السابع) خيار الغبن و التغرير
اشارة

و البحث فيه يقع من ثلاث نواحي- الموضوع، و الحكم، و الدليل معنى الغبن و مقداره، و تأثيره، و مدركه.

أما الأولى-: فأصله لغة الخدع

و وسطه يحرك فيكون في الرأي و يسكن فيكون في المال و المعاملة، و بهذا المعنى استعمله الشارع و المتشرعة و قيدوه ببعض الاعتبارات فقالوا: هو تمليك ماله بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر، و هذا تعريف له من جهة الغابن، أما من جهة المغبون فيكون تملك مال بأزيد من قيمته و تخصيصه بجهل الآخر غير متجه مع انا تجد الاستعمال أوسع من ذلك عرفاً بل و لغة، الا ترى ان العارف بالشي ء قد يخدعه غيره بلباقته فيضله على علمه و يخدعه على معرفته فيكون علمه معه فلا ينفعه،

و لكن فقهاء الفريقين اعتبروا في تحقق موضوع الغبن المبحوث عنه اتصافه بشرطين.
الأول-: عدم علم المغبون بالقيمة

فلو كان عالماً و اشتراه بأكثر فلا غبن و لا خيار فيختص بالجاهل بسيطاً أو مركبا أو شاكاً أو ناسياً و يلحق به الظان على تأمل بل قيل ان الشاك الملتفت الى الضرر و لو احتمالا إذا ارتكب فهو مقدم على الضرر و هو ممنوع بل ربما يرتكب برجاء النفع و أمل السلامة كما هو الغالب في أعمال البشر فان اليقين بالنجاح متعذر أو عزيز

ص: 98

نادر، و المدار على القيمة حال العقد فلا اثر لزيادتها بعده و لو قبل علمه لأنها حصلت في ملكه و العقد وقع على غبن و لا عبرة بالزيادة و النقيصة بعد العقد اتفاقاً و الأثر لعلم الموكل لا الوكيل الا ان يكون وكيلا مطلقاً لا في العقد فقط، ثم ان اعترف الغابن بجهل المغبون فلا اشكال و ان أنكر فإن كانت بينة فكذلك و الا فالقول قوله بيمينه لانه منكر و لأصالة عدم العلم الا ان يقيم الغابن بينة على علمه أو يمينه ان ردها المغبون عليه أو يكون المغبون من أهل الخبرة بتلك السلعة بحيث يستبعد جهله بها فيتقدم الظاهر على الأصل على تأمل.

الشرط الثاني-: ان يكون التفاوت فاحشا

اي بما لا يتغابن الناس بمثله و اضطربت كلمات فقهاء الإمامية و فقهاء المذاهب أيضاً في ضابطة التفاوت الفاحش حتى حكى عن مالك ان التفاوت بالثلث لا يوجب خياراً فان زاد ثبت الخيار، و هذا إفراط، و يقابله تفريط (المجلة) فيما تقدم مادة (165) الغبن الفاحش غبن على قدر- ربع العشر في الدراهم و نصف العشر في العروض و العشر في الحيوانات و الخمس في العقار أو زيادة، و كل هذه التقادير تحكمات و افتراض بغير دليل، و لو ان زيادة العشر و نصف العشر توجب الغبن لبطلت التجارات و تعطلت المكاسب و لم يرتزق الناس بعضهم ببعض و لكن (كلا طرفي قصد الأمور ذميم) و الأحسن رد هذه الدعوى إلى محكمه العرف و أهل الاختصاص بتلك السلعة فهم يعرفون المقدار المعتدل في الربح و ما زاد عليه أو نقص يكون غبناً على البائع أو على المشتري و لا يتحقق غبن

ص: 99

عليهما في معاملة واحدة على شي ء واحد نعم يجوز ذلك في شيئين يباعان في صفقة واحدة و لكل واحد منهما ثمن كما أنبأناك فيما سبق، و لعل لعلماء الاقتصاد في هذا المقام شأن لا ينبغي ان يغفل عنه.

و «الخلاصة» انه لو تحقق في المعاملة زيادة فإن علم حالها من غبن أو عدمه و لو بالرجوع الى العرف و أهل الخبرة فذاك، و مع الشك فالمرجع إلى أصالة لزوم العقد و عدم الخيار الا ان يكون هناك ضرر و لو شخصي لا نوعي فتكون قاعدة الضرر حاكمة على أصالة اللزوم و يكون له الخيار، هذا عصارة ما ينبغي ان يقال في موضوع الغبن لغة و عرفاً و شرعا اما «الحكم و الدليل» فإنهم جعلوا الغبن بواقعة أو عند ظهوره موجباً لخيار المغبون على حد سائر الخيارات فيتخير بين الفسخ و استرجاع تمام الثمن أو الإمضاء بكل الثمن و استدلوا له (أولا) بقوله تعالى (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) بتقريب ان البيع تجارة دلت الآية على مشروعيتها و جوازها و تكون لازمة بالتراضي و حيث ان المغبون غير راض واقعا بشرائه بأكثر من قيمته فيقع البيع جائزا غير لازم لفقد شرط اللزوم و هو الرضا فله إمضاؤه و له فسخه،،، و بقاعدة الضرر (ثانياً) فان لزوم العقد على المغبون يستلزم الضرر و الخسران عليه و كل حكم يستوجب الضرر مرفوع بحكم القاعدة فاللزوم مرفوع و هو معنى الخيار ثم أيدوا ذلك بالأخبار الكثيرة الواردة بان غبن المسترسل سحت و غبن المؤمن حرام و في رواية (لا يغبن المسترسل فان غبنه لا يحل) و هكذا و الانصاف ان هذه الأدلة لا تنهض لإثبات تلك الدعوى لدى الفحص

ص: 100

و التمحيص، أما الآية الشريفة فلا تدل على أكثر من ان التجارة أي البيع و نحوه عن تراض نافذ مشروع و ليس أكلا للمال بالباطل اما انه يغير تراض يكون مشروعاً و جائزا فأجنبي عنها مضافاً الى ان المغبون قد رضي بالمعاملة في أولها و هو كاف و لا عبرة بالرضا التقديري على ما حقق في محله، و اما القاعدة فهي و ان دلت على ارتفاع اللزوم المستلزم للضرر و لكن لا تعين ان الوظيفة بعد اللزوم هو الخيار بين الفسخ أو الإمضاء بل لعل الأقرب في مفادها ان الضرر مرفوع و الضرر انما جاء من جهة الزيادة أو النقيصة فلزوم العقد بالنسبة إلى الزيادة أو النقيصة مرفوع و لازمة ان له حق استرداد الزيادة من البائع أو مطالبة المشتري بالنقيصة فيما لو باع بأقل من الثمن و يبقى العقد على لزومه بالنسبة إلى القيمة المطابقة فان لم يدفع الزيادة أو التكملة تسلط المغبون بعدها على الفسخ و هذا المقدار المسترد تدارك له و جبر و بعبارة أجلى إرجاع ماله المأخوذ منه بغير حق اليه أو التكملة لعوض ماله لا غرامة خارجية كما تخيله بعض الاعلام و لا هبة مستقلة كما تخيله آخرون، و اثر هذا ان الغابن لو بذل التفاوت لم يكن للمغبون الفسخ و حل العقد و استرداد كل الثمن كما حكم به المشهور حيث جعلوا للمغبون سلطنة الفسخ مهما كان الأمر و هو رأي لا يعتمد على حجة ظاهرة إذ ليس عندنا دليل يقول ان الغبن يوجب الخيار للمغبون حتى نأخذ بإطلاقه و ليس إلا قاعدة الضرر و قد عرفت ان الضرر يتدارك ببذل التفاوت و تبقى أصالة اللزوم في العقود بحالها فلا خيار الا بعد الامتناع عن بذل التفاوت و مع البذل فلا حق له في الفسخ، اما الاخبار الواردة

ص: 101

في غبن المسترسل فهي أيضاً أجنبية عن قضيتنا و هي إلى الأحاديث الأخلاقية أو المتكفلة لبيان الأحكام التكليفية أقرب منها الى بيان الأحكام الوضعية فالمراد منها بعد التدبر فيها حرمة غش المستنصح في الرأي و خيانة المستأمن لك. الواثق بك، و هو المعبر عنه بالمسترسل في تلك الاخبار اي المطمئن بك الغير متحذر منك. المرسل نفسه على سجيتها لديك، اما السحت و ان كان في الأموال و لكن الظاهر أن المراد منه في الخبر ان غبن المسترسل حرام كحرمة مال السحت و الحاصل ان هذه الطائفة من الاخبار بمعزل عما نحن فيه، ثم ان الغبن و التغرير مفهومان متغايران نعم هما متلازمان بحسب المعنى اللغوي العام فكل من غررته فقد خدعته و كل من خدعته غررته و لكن بحسب المعنى الخاص قد ينفك أحدهما عن الآخر فقد يتحقق الغبن و لا تغرير كما لو كان جاهلا فاشترى الشي ء بأضعافه من دون ان يكون أحد دعاه أو حبذه له و قد يتحقق التغرير دون الغبن كما لو غرره في ارتكاب عمل ساقط فارتكبه فهنا تغرير من غير غبن فعطف (المجلة) أحدهما على الآخر و تقييد الغبن بالتغرير واهن غير سديد و أوهن من ذلك اعتبار التغرير في الغبن ثم استثناء المعاملة على مال اليتيم و الوقف و بيت المال فان الغبن ان كان لا يؤثر إلا بالتغرير فهو عام و الا فالغبن موجب للخيار في الجميع و إخراج تلك المواضيع تخصيص بلا مخصص سوى الاستحسان، و باب العقود و المعاملات منوطة بقواعد عامة و أدلة كلية يتساوى فيها اليتيم و غيره و التقي و الشقي و الوقف و الملك.

ص: 102

«و بالجملة» فالمتبع هو الدليل لا الرأي و الاستحسان فافهم ذلك و التزمه. هذا إذا غبن أحدهما الآخر أو وقع أحدهما في الغبن من نفسه من دون أن يغبنه أحد- اما لو كان الغابن أجنبيا كالدلال و نحوه فالظاهر أنه لا يكون له خيار بل يرجع بالتفاوت على من غره بقاعدة (المغرور يرجع على من غره) على تأمل أيضاً،، فما في مادة (357) إذا غر أحد المتبايعين أو الدلال الآخر و تحقق ان في البيع غبناً فاحشاً فللمغبون ان يفسخ البيع حينئذ محل نظر- فان عمل الدلال أو الأجنبي لا يصحح دخول الضرر على البائع مثلا يفسخ بيعه رغماً عليه فالمسئلة محل اشكال تحتاج إلى إمعان نظر أزيد من هذا.

(مادة: 358) إذا مات من أغر بغبن فاحش فلا تنقل دعوى التغرير الى وارثه.

بل تنقل على الأصح كما عرفت مكرراً.

(مادة: 359) المشتري الذي حصل له تغرير إذا اطلع على الغبن الفاحش ثم تصرف في المبيع تصرف الملاك سقط حقه.
اشارة

هذه المادة و التي بعدها تشير (المجلة) فيها الى مسقطات خيار الغبن و تحرير ذلك و تصويره باوفى بيان

ان خيار الغبن يسقط بتلك المسقطات كسائر الخيارات
(فالأول) إسقاطه بعد العقد بعد العلم بالغبن

بلا اشكال بل و قبل العلم به و لا يرد عليه بأنه إسقاط ما لم يتحقق إذ يكفي تحققه الواقعي و اقتضاء العقد له كما في إسقاط خيار العيب قبل ظهوره الذي تقدم أنه لا مانع منه كطلاق مشكوك الزوجية و عتق مشكوك الحرية

ص: 103

الذي يدور مدار واقعه و كالبراءة من العيوب و بهذا الملاك يصح المصالحة عليه و ان لم يتحقق؟؟؟ و ان كان ضم شي ء إلى الغبن المحتمل أولى.

(الثاني)- اشتراط سقوطه في متن العقد

و لكن لا يذهبن عنك ان اشتراط السقوط في العقد و ان صح بالنسبة إلى سائر الخيارات و لكن بالنسبة الى هذا الخيار كخيار الرؤية حسب ما عرفت لا يصح لأنه يستلزم الغرر من جهة الجهل بالقيمة و يمكن تصحيحه بان المدار في الغرر المبطل ان يشتري الشي ء بقيمة مجهولة القدر أو بشي ء مجهول القيمة، اما إذا اشترى بقيمة معلومة و ان كانت زائدة على القيمة الواقعية المجهولة فلا غرر أصلا.

نعم يشكل ذلك في خيار الرؤية لأن العين الغائبة إنما صح بيعها بغير رؤية لمكان الوصف القائم مقامها و مع تخلف الوصف يكون له الخيار فاشتراط سقوطه معناه إلغاء اعتبار الوصف الذي به صح العقد و بدونه تبطل المعاملة لأنها تكون على عين غائبة بغير وصف و لا رؤية و كيف كان فالظاهر ان اشتراط سقوط خيار الغبن في العقد لا مانع منه فتدبر.

(الثالث) تصرف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيار بعد علمه بالغبن

الدال على الرضا بالعقد و إمضائه جديداً و الالتزام به مع غبنه، اما التصرف قبل العلم بالغبن فلا اثر له لعدم دلالته على ذلك و مع الشك في ان تصرفه عن رضا و التزام أم لا فالمرجع الى استصحاب بقاء الخيار.

ص: 104

(الرابع) تصرف المغبون قبل العلم بالغبن تصرفاً متلفاً للعين أو بحكم التلف

كبيع أو عتق أو وقف و هو محل نظر بناء على ان التلف في سائر الخيارات لا يقتضي سقوط الخيار فما وجه سقوطه هنا بهذه التصرفات التي لا تدل على الرضا بالعقد المغبون به لعدم علمه بالغبن حسب الفرض فإلحاقه بسائر الخيارات يقتضي انه مع قيام العين و بقائها عنده على حالها يتخير بين الرد و الفسخ على اسلوبهم، و مع التلف حقيقة أو حكما يسقط الرد لزوال الموضوع و يتعين اما أخذ التفاوت كأخذ الأرش في خيار العيب مع امتناع الرد أو الفسخ و دفع قيمة العين و استرجاع الثمن كما في خيار الحيوان و الشرط و غيرهما و كلمات الأصحاب هنا غير منقحة و دليلهم غير واضح، و لهم مباحث ذات عرض عريض يكفيك منها، نخلنا لك لبابة، و فتحنا عليك بابه، و على كل فإلى هذين المسقطين أشارت (المجلة) في المادتين (359، 360) و لكنها خلطت في الأخيرة بين التلف السماوي بقولها: إذا هلك و بين حدوث العيب و بين التصرفات الغير متلفة كالبناء في العرصة، و هذه الثلاثة ليست من نمط و أحد بداهة ان التلف و حدوث العيب مسقطات مطلقاً سواء حدثت بعد العلم بالغبن أو قبله. اما بناء العرصة فإنما يسقط إذا وقع بعد العلم فكان حقه ان يذكر مع أخواته في المادة التي قبلها. و الحاصل ان تصرف المغبون ان كان قبل العلم بالغبن فالقاعدة تقتضي عدم تأثيره في إسقاط خياره لو علم غايته ان العين ان كانت موجودة و فسخ ردها و ان كانت مفقودة رد المثل أو القيمة أو أخذ التفاوت و ان كان بعد العلم فان كان دالا على

ص: 105

الرضا سقط الخيار مطلقاً سواء كان تلفاً أو بحكمه أم لا و سواء كان من قبيل تصرف الملاك أم لا هذا كله في تصرف المغبون اما تصرف الغابن فلا ريب في انه لا يسقط خيار المغبون فان فسخ و وجد عين ما له أخذها و ان لم يجدها و كان الغابن تصرف بها ببيع أو شراء أو وقف أو نحو ذلك، فهل تبطل تلك التصرفات و يسترد العين أو ينتقل حقه الى المثل و القيمة أو يفرق بين العقد الجائز فيبطل و بين اللازم فيبقى و ينتقل الى المثل أو القيمة و مثله الكلام لو وجدها مستأجرة فهل تنفسخ الإجارة أو يأخذها مسلوبة المنفعة أو يأخذ عوض المنفعة و كذا لو زاد في الغبن غرساً أو صبغاً أو مزجها بغيرها و الفروع هنا كثيرة و المسألة مشكلة و الأقرب الرجوع الى المثل أو القيمة و إبقاء تلك العقود على حالها

(الخامس من المسقطات) عند البعض التلف،

و التلف اما ان ان يكون اتفاقياً أو بمتلف فان تلف ما في يد المغبون و كان اتفاقياً فقد عرفت ان البعض (و لعله الأشهر) يسقطون الخيار معتلين بعدم إمكان الاستدراك اي زوال الموضوع و عرفت ان هذه العلة عليلة و ان التدارك يمكن بالمثل أو القيمة كما في غيره من أنواع الخيارات التي لا يسقط شي ء منها بالتلف، نعم قد تعترض هنا قاعدة (ان التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له) فتزيل موضوع الخيار بانفساخ العقد قهرا، كما عرفته مفصلا، و لكنها على الظاهر مختصة بخيار المجلس و الحيوان و الشرط، و لو تلف ما يد المغبون بمتلف فاما ان يكون المتلف هو المغبون فلا إشكال في سقوط خياره حينئذ ضرورة ان تصرفه الذي هو أهون من التلف مسقط فكيف

ص: 106

بالتلف، نعم يمكن الخدشة فيه بان التصرف المسقط هو الدال على الرضا فالاتلاف ان كان عن رضا و التزام بالعقد فهو و الا فلا. و اما ان يكون الغابن فخيار المغبون بحاله فإن فسخ استرد من الغابن ما دفعه من المسمى و ان امضى أخذ منه غرامة العين- المثل أو القيمة- و ان كان المتلف أجنبيا و فسخ المغبون استرد من الغابن ثمنه المسمى و يرجع الغابن على الأجنبي بالمثل أو القيمة و ان امضى رجع على الأجنبي بالمثل أو القيمة و لو تلف ما في يد الغابن فان كان اتفاقياً سماوياً و فسخ المغبون غرم له بدل الثمن المسمى و ان امضى غرم له القيمة أو المثل و ان كان بمتلف فان كان هو الغابن بنفسه فكذلك في حالتي الفسخ و الإمضاء و ان كان المتلف هو نفس المغبون و فسخ رد العين و لا شي ء له لأنه قد أتلف ماله و ان امضى غرم للغابن المثل أو القيمة و ان كان المتلف أجنبياً و امضى المغبون رجع على المتلف بالغرامة و ان فسخ تخير بين الرجوع على الغابن لأن يده كانت قد استقرت على ماله فان غرم الغابن له رجع على الأجنبي و بين الرجوع على الأجنبي لأنه هو المتلف و قرار الضمان عليه فإذا غرم له برئت ذمة الغابن لأن المال لا يضمن مرتين.

هذه صورة مصغرة و جرعة يسيرة من عين غزبرة من فروع هذا الأصل و مصاريع هذا الباب و بقي من مسائل خيار الغبن مسألتان مهمتان تعرض لها بعض اعلامنا المتأخرين باوفى بسط من التحقيق و علقنا عليه جملة من الملاحظات و النقوش و هما قضية جريان خيار الغبن في غير البيع من عقود المعاوضات المالية اللازمة كالإجارة و الصلح و الهبة

ص: 107

المعوضة و غيرها، و أدلة هذا الخيار من الآية و قاعدة الضرر تقتضي الاطراد في الجميع و لكن الأصحاب لم يذكروه إلا في البيع و لكن هذا لا يقتضي الاختصاص مع عموم الدليل.

(الثانية) اختلف الفقهاء في ان هذا الخيار بعد العلم بالغبن هل هو على الفور أو على التراخي

و استدل الأول بما عرفت غير مرة من أصالة اللزوم في العقود و خرج منه لدفع الضرر ساعة علمه بالغبن على اليقين و يبقى ما عداه من المشكوك في عموم أصل اللزوم و قد مر عليك في نظائره انه هو الأقرب، و استدل الثاني باستصحاب الخيار الثابت حين العلم بالغبن على اليقين فيستصحب الى ما بعده من الأزمنة المشكوكة أو الافراد المشكوكة و هذه المسألة أيضاً من المسائل المعقدة و فيها تحقيقات عميقة وثيقة الارتباط بالقواعد الأصولية و عنوانها ان العام الأفرادي- الزماني أو الاحوالي- إذا تخصص بفرد أو زمان أو بحال قطعاً ثم شك في الزمان الثاني أو الحال الثاني انه محكوم بحكم الخاص أو بحكم العام- أصالة العموم تقتضي الثاني و استصحاب حكم المخصص يقتضي الأول، مثلا أصالة اللزوم تقتضي وجوب الوفاء بالعقد و الالتزام به في كل زمان و كل حال خرج حال العلم بالغبن قطعاً و أدلة خيار الغبن و نشك عند الحال الثاني في بقاء الخيار كالحال الذي قبله أو انه فرد من العام يجرى عليه حكم العموم من وجوب الوفاء و اللزوم هذا عنوان المسألة و تحقيقها يحال الى الى محله من الموسوعات و لا يصلح هنا أكثر من هذا، و بخيار الغبن انهت (المجلة) أبواب الخيار السبعة، و قد عرفت ان كلا من خيار النقد

ص: 108

و الوصف يرجع الى خيار الشرط، و خيار التعيين لا ربط له بباب الخيارات أصلًا، و هو تخيير لا خيار، و قد وقع في مثل هذا الوهم بعض شراح (المجلة) فاستدرك عليها خياراً سماه (خيار الاستحقاق) و قال انه من جملة الخيارات الا ان (المجلة) لم تبحث عنه و ان كثيراً من (الحكام) يقع في المشكلات العظيمة في دعاوي الاستحقاق و القانون المدني الفرنسي بحث عن الاستحقاق بمواد كثيرة، و فسره بما ملخصه-:

«ان المشتري إذا اشترى مبيعاً و قبل قبضه ادعاه آخر بالاستحقاق كلا أو قسما و ضبطه كدابة ضبط نصفها أو دابتين و ضبط إحديهما و لم يجز البيع انفسخ البيع في القدر المستحق و تخير المشتري مع عدم علمه بين الفسخ في الباقي أو قبوله بنسبته من الثمن» انتهى.

و قد ذكر فقهاؤنا هذه الصورة في باب (من باع ما يملك و ما لا يملك) و ان المالك إذا أجاز و قلنا بتعميم الفضولي لمثل هذا البيع ثم العقد و لا خيار للمشترى و ان لم يجز أو قلنا بأن إجازته لا تجدي صح البيع فيما يملك فقط و بطل من أصله في غيره الا انه ينفسخ و يكون للمشتري خيار بين الإمضاء في الباقي و بين الفسخ فيه، و هذا هو خيار تبعض الصفقة بعينه و القضية فرع من فروعه، و ليس هو خيار مستقل برأسه، أما ما غرمه المشتري على تقدير قبض العين الغير مملوكة للبائع و تصرفاته فيها من غرس و بناء و نحو ذلك فقد ذكروا أحكامها تفصيلا في باب (المقبوض بالعقد الفاسد) و جعلوا ضمانها على البائع ان كان المشتري جاهلا و البائع

ص: 109

عالماً، و ان كانا جاهلين أو المشتري عالماً و البائع جاهلا فالضمان على المشتري و إذا كان مغروراً من أجنبي رجع على من غره، الى تحقيقات كثيرة. و مباحث واسعة، طولا و عرضا.

ثم استدرك على (المجلة) بخيار آخر سماه (خيار الخيانة) و هو ما إذا ظهرت خيانة البائع في البيع بالمرابحة فللمشتري الخيار ان شاء ترك المبيع و ان شاء قبله بجميع الثمن المسمى، ا ه و لا ريب انك تطالب بدليل هذا الخيار فلا تجده و تلجأ إلى القاعدة من صحة العقد و لزومه بمقدار الثمن الواقعي و تسقط الزيادة التي أنت من الخيانة اللهم الا ان تتشبث بأذيال خيار الشرط و تقول ان الشرط كان بينهما ذلك و قد خالفه البائع فيتخير المشتري.

إذاً فهو من فروع خيار الشرط لا خيار مستقل، و مثل ذلك الكلام في بيع التولية لو خان في بيان مقدار الثمن فاعرف هذا و تدبره جيداً.

(الفذلكة)

ان المتحصل من خيارات (المجلة) المتأصلة خمسة.

1- خيار الشرط.

2-: خيار الوصف، ان لم ترجعه الى الشرط على بعض الوجوه.

3-: خيار الرؤية.

4-: خيار العيب.

5-: خيار الغبن و أضفنا الى هذه الأربعة ثلاثة أشرنا إليها باختصار

ص: 110

6-: خيار المجلس.

7-: خيار الحيوان.

8-: خيار التأخير.

و عليها اقتصر أكثر أرباب المتون من فقهائنا بدون خيار الوصف و في (شرائع المحقق) ذكر خمسة، و أفرد العيوب في فصل منفرد، و ذكر عدة خيارات في تضاعيف أبواب البيع و أنواعه، أما الشهيد قدس سره في (اللمعة) فذكر أربعة عشر- السبعة المتقدمة و أضاف إليها سبعة.

1-: خيار الاشتراط.

2-: خيار ما يفسد ليومه.

3-: خيار الشركة.

4-: خيار تبعض الصفقة.

5- خيار التفليس.

6-: خيار التدليس.

7-: خيار تعذر التسليم، فيما لو باع و هو قادر على التسليم ثم تعذر بعد العقد قبل القبض كما لو أبق العبد أو شردت الدابة.

و منه ما انقطع المسلم فيه عند الأجل فإن المشتري- كما سيأتي إن شاء اللّٰه- مخير بين الفسخ و استرجاع المسلم. (أى المسمى) و بين الإمضاء و أخذ القيمة.

و يمكن إرجاع بعض هذه الأربعة عشر الى بعض بتكلف كما أنه بقيت خيارات كثيرة يذكرها الفقهاء في خلال أنواع البيع و بحوثه و لم

ص: 111

يذكروا شيئاً منها في الفصل الذي عقدوه لتعداد الخيارات.

«منها» باب السلم.

و «منها» باب المرابحة- لو بان ان البائع أخبر بما زاد على الثمن أو لم يخير بالأجل فإن المشتري مخير بين الفسخ و بين الإمضاء بالثمن الواقعي أو مع الأجل و قد عرفت ما فيه.

و «منها» خيار الورثة- إذا باع مورثهم أكثر من الثلث بأقل من ثمن المثل فإنهم مخيرون بعد موته بين الإجازة و الفسخ فيما زاد على الثلث و كذا الغرماء فيما لو استوعبت الديون التركة و نحو ذلك، و الانصاف أنها خيارات أصلية و لكنها خاصة بموردها لا تتعدى بخلاف مثل خيار المجلس و الشرط و أضرابها الكثيرة الموارد الجارية في أكثر البيوع، و لذا لم يذكروها إلا في موردها الخاص.

خاتمة «أبواب الخيارات»
اشارة

قد جرت طريقة فقهائنا في الغالب بعد استيفاء البحث في كل نوع من أنواع الخيارات ان يذكروا احكام الخيار من وجهة عامة لا تختص بخيار دون خيار، و قد أغفلت (المجلة) هذا البحث مع أنه من أهم مباحث الخيار و افسح أبواب البيع في المجال، لدقة النظر فيه و سعة الخيال و قد تقدم ذكر جملة من أحكام الخيار استطراداً في الفصول السابقة

ص: 112

على سبيل الإيجاز، مثل- ان (التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له) و عرفت ان اليقين من هذه القاعدة لا يتعدى الى أكثر من الخيارات الزمانية الامتدادية بطبيعتها كخيار المجلس و ثلاثة الحيوان و خيار الشرط اما مثل خيار الغبن و العيب و الرؤية، سيما على القول بفورية هذه الخيارات، فالقاعدة لا تتمشى فيها، فلو علم المشتري بالعيب أو الغبن مثلا. فان فسخ و تلفت العين فهي من مال البائع بالفسخ طبعاً لا بالقاعدة و ان امضى أو لم يعمل بخياره فسقط كان التلف عليه لا على البائع لصيرورة البيع لازماً و هكذا.

نعم لو تلفت العين في يد المشتري ثم ظهر أنه كان مغبوناً فيها أو معيبة لم يسقط خياره و لا خيار البائع لو كان هو المغبون أو الثمن معيباً، اما التلف بعد القبض فالظاهر ان الشهرة أو الاتفاق على انه لا يسقط الخيار و ان امضى كان التلف عليه و استقرت ملكية البائع للمسمى.

هذا من بعض ما تقدم ذكره من احكام الخيار مختصراً.

و «منها» أيضاً إرث الخيار فقد تكرر منا بيان ان كل خيار فهو موروث لأنه حق مالي فينتقل إلى الورثة بقاعدة (ما ترك الميت،،،) خلافاً (المجلة) في أكثر الخيارات تبعاً لبعض فقهاء المذاهب و على كل فلا إشكال في الإرث على المجلة. إنما الإشكال في كيفية إرثهم و هي قضية لا نخلو من غموض و صفوة الاحتمال أو الأقوال في ذلك تتصور في ثلاث صور.

الاولى-: ان يكون لكل وارث خيار مستقل في الكل كمورثه

ص: 113

فلو أجازوا جميعاً و فسخ واحد من الورثة مضى الفسخ على الجميع في الكل نظير حد قذف الجماعة الذي لو عفى الجميع الا واحد كان له استيفاء تمام الحد و يدعي القائل بهذا انه هو ظاهر القاعدة المتقدمة المستفادة من النبوي فلا يجري ذلك في المال لعدم تعقل تعدد الملكية على مال واحد بخلاف الحق.

الثانية-: استحقاق كل واحد خياراً مستقلا و لكن في نصيبه فقط فلو اختلفوا في الفسخ و الإجازة نفذ عمل كل واحد في نصيبه و يأتي حينئذ خيار تبعض الصفقة لمن عليه الخيار نظير ما لو اشترى اثنان مبيعاً لهما خيار فيه فأجاز أحدهما و فسخ الآخر، الثالثة-: استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار فليس لكل واحد منهم ان يجيز لا في الكل و لا في نصيبه بل اللازم على الكل ان يتفقوا اما على الفسخ أو الإجازة لأنه حق واحد انتقل إليهم و لا يقبل التجزئة كالمال فلا محيص من جعله بتلك الكيفية و أقرب الوجوه الوسط ثم الأخير و أبعدها الأول.

و هناك تصورات أخرى بعيدة هي إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة و لا يتسع المجال لأكثر من هذا، و من المسائل النظرية التي فيها عميق التحقيق في هذا البحث إرث الزوجة للخيار فيما تحرم من إرثه عندنا كالأراضي و العقارات و لنا فيه رسالة مفردة فريدة في بابها، و لو كان الخيار لأجنبي فمات فهل ينتقل الى وارثه- عموم الدليل- و إطلاقه يقتضيه و الاعتبار لا يساعد عليه، و يكفي الشك في التوقف و الاقتصار على المتيقن و هكذا

ص: 114

الكلام في العبد و ان خياره لمولاه أو لنفسه، و من أحكام الخيار التي تقدم ذكرها- سقوطه بالتصرف و كان الملحوظ هناك ان التصرف مسقط و الذي ينبغي ان يضاف اليه هنا ان التصرف كما يكون مسقطاً فيصير اجازة للبيع كذلك قد يكون فسخاً له و قد ذكر فقهاؤنا رضي اللّٰه عنهم ان تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه فسخ و فيما انتقل إليه اجازة و لكن كما ان التصرف لا يكون مسقطاً للخيار و اجازة إلا إذا كان دالًا على الرضا كما يستفاد من بعض أدلته كالصحيحة التي يقول فيها فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة فذلك رضًا منه و لا شرط له- اي لا خيار له- فكذلك يلزم تقييد التصرف المجعول فسخاً بما إذا كان قد قصد به الفسخ و كان له ظهور فيه لا مطلقاً، فاللازم اناطة الفسخ بالتصرف الدال عليه كاناطة الإجازة بالتصرف الدال على الرضا ضرورة ان التصرف في ماله المنتقل عنه قد يقع على وجوه شتى غير قصد الفسخ و استرداد الملكية، ثم ان بعض الاعلام استشكل في ان الفسخ هل يحصل بنفس التصرف فيكون سبباً بذاته أو هو كاشف عن حصول السبب قبله و ذكر ان كلمات بعض الأصحاب يظهر منها الأول و من آخرين يظهر الثاني و «أقول» التحقيق عندنا أنه لا هذا و لا ذاك لا سبب مستقل و لا كاشف صرف بل هو جزء السبب للفسخ نظير العقد مع القصد في تأثير النقل و الملكية و سائر الصيغ الشرعية. فالتصرف مع قصد الفسخ هو المؤثر في تحقق الفسخ شرعاً بل و عرفاً لا القصد وحده و لا التصرف وحده

ص: 115

و كلمات الأصحاب لا تأبى من ذلك و انه مع القصد سبب تام لحل العقد كما في سائر المقامات من عقود و إيقاعات، و عليه فهذا البحث مستدرك بجملته، فليتدبر.

و عليه فلو باع ما انتقل عنه أو رهن أو أوقف تكون تلك الصيغ ذات أثرين هما-: فسخ فعلي، و تمليك عقدي جديد، و توهم الدور لأنها موقوفة على الملك و هو لا يحصل الا بعد الفسخ الذي لا يحصل الا بها.

و «بعبارة أحلى» البيع موقوف على ملكه. و ملكه موقوف على بيعه الذي به يتحقق عود الملك إليه لأن به يحصل الفسخ حسب الفرض مدفوع بأنه من قبيل ما يقال (دور معية) و يكفي في صحة البيع حصول الملكية معه غايته أنه يملكه أولًا ثم يملكه (بالتشديد) ثانياً و يترتب الثاني على الأول ترتب المعلول على علته يتحدان زماناً، و يتقدم أحدهما على الآخر رتبة، و قد التزم بعض تفصياً من هذا المحذور بان قصد الفسخ الذي يتعقبه التصرف ببيع و نحوه موجب للفسخ و دخوله في ملكه واقعاً فيصح البيع و هو وجيه أيضاً و ان كان الأول أوجه و عليه يبتنى سائر التصرفات من وطئ أو أكل أو بيع أو هبة أو غير ذلك، و فرعوا على هذا ما لو باع عبداً بجارية ثم قال أعتقتها فهل هو إجازة إن قدمنا عتق الجارية أو فسخاً ان قدمنا عتق العبد، و بناء على ما ذهبوا اليه من ان الفسخ مقدم على الإجازة يقدم الثاني و يلغو الأول و لكنه محل نظر، فليتأمل.

«و من أحكام الخيار» عند الأصحاب التي لم يتقدم لها ذكر- عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفاً يمنع من استرداد العين لو تحقق

ص: 116

الفسخ فقد قال الأكثر ان خيار البائع يمنع المشتري من التصرفات الناقلة و لكن في (شرائع المحقق) رضي اللّٰه عنه ما نصه-:

«و يصح الرهن في زمن الخيار سواء كان للبائع أو للمشتري أو لهما لانتقال الميع بنفس العقد على الأشبه» ا ه.

و معلوم أنه إذا صح الرهن صح البيع و غيره من التصرفات لوحدة الملاك، و اضطربت هنا كلمات الاعلام، فبين قائل بالمنع مطلقاً، و قائل بالجواز مطلقاً، و مفصل بين العتق الذي لا يمكن فسخه لأن الحر لا يعود رقاً و بين غيره من التصرفات التي يمكن فسخها كالبيع و نحوه مما يمكن فسخه لو فسخ المالك الأول فينفسخ الثاني بفسخه، و قد احتج كل فريق لما ذهب إليه بحجة قويمة و ردها الآخر كذلك، و البسط محال الى محله.

و «لباب التحقيق» في هذا الباب و ما نصير اليه من الرأي- أن الخيارات الأصيلة كالحيوان و المجلس و نحوها من المجعولات الشرعية أصالة بناء على ما عرفت مكرراً من ان العقد الخياري يؤثر الملكية و يحصل به النقل و الانتقال كالعقد اللزومي لا فرق بينهما إلا بإمكان رفعها و اعادة الملكية السابقة و لازم تحقق الملكية المطلقة به جريان قاعدة السلطنة فله ان يتصرف في ملكه كيف شاء و لا وجه لمنعه من التصرف الا تعلق حق صاحب الخيار باسترداد العين فيكون حقه مانعاً من نقلها الى الغير أو جعلها بحيث لا يمكن استردادها كالوقف و العتق و نحوهما و ليس هو بأضعف من حق الرهن المانع من التصرف، و هذا الحق و ان كان

ص: 117

مما لا مجال لدفعه و لكن اقتضائه المنع من التصرف ممنوع فإنه لا يقتضي أكثر من رد العين ان كانت موجودة ورد بدلها ان كانت تالفة أو بحكم التالفة، و محور القضية يدور على ان العقد الخياري أثره الملكية المطلقة، و السلطنة التامة أو الملكية المقيدة و بناء على مالا ينبغي الريب فيه من الأول فإن الملكية الحاصلة بهذا العقد لا قصور فيها من حيث ذاتها و لا نقص أصلا و لا تفترق عن أختها إلا بإمكان إبقائها و رفعها و هي هي تلك الملكية بحقيقتها إذاً فلا مساغ لاحتمال عدم صحة بعض التصرفات معها فهو يتصرف بمقتضى ملكيته كيف شاء و صاحب الخيار حقه محفوظ يعمله متى شاء فان كانت العين موجودة أخذها و الا أخذ المثل أو القيمة كما لو كانت تالفة حقيقة، و هذا هو مقتضى التوفيق بين الأدلة و الجمع بين الحقوق، هذا في الخيارات الاصيلة التي لا تقييد في أدلتها، أما غيرها من الخيارات الجعلية كخيار الشرط فغراره غير ذلك الغرار. فان اشتراط البائع ان يكون له الخيار في الوقت المعين معناه أنه يريد استبقاء العين حتى يسترجعها فكأنه شرط ضمناً إبقاء العين حتى يستردها، و هذا المعنى و ان كان ملحوظاً في جميع الخيارات و لكنه فيها يشبه بالحكمة، و في خيار الشرط يشبه ان يكون علة و قيداً، فلا يصح للمشتري ان يتلف العين باختياره و يمنع البائع من حقه في رد ذات العين الذي هو متعلق غرضه لا البدل من المثل أو القيمة بخلاف تلك الخيارات الاصيلة التي جعلها الشارع فإنها لا تدل على أكثر من ان له الفسخ و حل العقد، اما ان العين يلزم

ص: 118

عليه إبقاؤها أو لا يلزم فلا تعرض فيها لذلك أصلا فيبقى على القاعدة و هي كما عرفت، و مقتضى صحة التصرفات من بيع و نحوه ان تكون واقعة على طبيعتها من اللزوم فلو فسخ البيع الأول لا ينفسخ البيع الثاني بل يرجع الفاسخ (كما عرفت) الى المثل أو القيمة، و ما يقال من ان العقد الثاني قد قام على العقد الأول فإذا انهار بفسخ صاحب الخيار انهدم الثاني لانهدام أساسه مدفوع بأنه ان أريد ابتناؤه على استمرار ملكية الأول فهو ممنوع، و ان كان المراد ابتناؤه على ملكيته في الجملة و لو حين البيع فهو حاصل.

و «بعبارة اجلى» ان البيع الثاني وقع صحيحاً بملكية البائع و لا يقدح انحلال العقد بعد ذلك الذي لا يؤثر في التصرفات السابقة لأنها وقعت جامعة مانعة من موجب كامل في محل قابل و حفظاً لحق الخيار يكون اثر فسخه أخذ البدل و إذا جاز البيع بل ما هو أشد منه من الوقف و العتق و نحوها فبالأولى جواز مثل الإجارة و العارية و نحوها مطلقاً.

و لكن في عروة السيد الأستاذ قدس سره-:

لا يجوز للمشتري ببيع الخيار بشرط رد الثمن للبائع ان يؤجر المبيع أزيد من مدة الخيار للبائع و لا في مدة الخيار من دون اشتراط الخيار حتى إذا فسخ البائع يمكنه ان يفسخ الإجارة و ذلك لأن اشتراط الخيار من البائع في قوة اشتراط إبقاء المبيع على حاله حتى يمكنه الفسخ فلا يجوز تصرف ينافي ذلك، اه-، و فيه ما لا يخفى إذ أقصى ما هناك ان يقال بأنه موقوف على الإجازة لا عدم الجواز مطلقاً بل و التحقيق

ص: 119

حسب ما عرفت الصحة مطلقاً غايته ان له المثل أو القيمة لو فسخ كما لو باع، فليتدبر.

نعم لو اشترط عليه ذلك اتجه المنع و لزم لوجوب الوفاء بالشروط

(فائدة)

شروط الأسباب و الوسائل سواء كانت إيجابية كشرط ان يبيع أو يوقف يعتق، أو سلبية كشرط ان لا يبيع أو لا يؤجر أو لا يهب يترتب عليها حكمان، تكليفي يعني لو خالف فعل حراماً، و وضعي فلو خالف وقع باطلا و تخلف الشرط هنا لا يوجب خياراً إذ لا معنى للتخلف في السلبية لما عرفت من البطلان في المخالفة، و لو امتنع عن الوفاء بالشروط الإيجابية كما لو شرط عليه ان يوقف فلم يفعل يجبره الحاكم الشرعي، فإن تعذر من كل وجه إنجازه كان له الخيار فاعرف ذلك و تدبره.

و «من احكام الخيار عند بعض فقهائنا و لم يتقدم له ذكر- انه لا يجب على البائع تسليم المبيع و لا على المشتري تسليم الثمن مدة زمن الخيار و لو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره و له الاسترداد و لا يجبر الآخر على التسليم، و قيل ليس له الاسترداد بعد الدفع إلا إذا فسخ، و قد يدعى الإجماع على أنه لا يجب على ذي الخيار التسليم ابتداء، و بهذا قال أكثر فقهاء المذاهب أو كلهم، و لكن هذا الحكم مخالف لما مر عليك غير مرة من تأثير العقد الخياري ملكية المشتري للمبيع و ملكية البائع للثمن و انتقال كل مال الى الآخر و مقتضى قاعدة السلطنة ان يدفع كل واحد الى الآخر ماله الذي انتقل اليه سيما مع المطالبة فكيف يجوز لكل منهما منع الآخر

ص: 120

عن ماله و (الناس مسلطون على أموالهم).

و «بالجملة» فهذا الحكم لا دليل عليه بل الدليل على خلافه واضح و الإجماع لم نتحققه.

و من جميع ما نضدناه من مباحث الخيار و أنواعه و أحكامه ظهر لك ان التلف لا يسقط الخيار في جميع أنواعه، و من المعلوم ان المراد منه التلف بعد القبض. اما التلف قبله فقد عرفت انه يوجب الانفساخ القهري فيزول موضوع الخيار بقاعدة (كل مبيع ..) اما التلف بعد القبض في زمن الخيار كتلف الحيوان بيد المشتري في الثلاثة فإن جعلنا معنى قاعدة (التلف ممن لا خيار له ..) كناية عن سلطنة المشتري على البائع فسخاً و إمضاء فلازم هذا بقاء خياره فإن أجاز استقر ملك البائع للمسمى و ان فسخ استرده و تلف المبيع من البائع فالتلف حينئذ لا يسقط الخيار و ان جعلنا معناها انه ينفسخ العقد و يدخل المبيع في ملك البائع و يتلف من ماله لم يبق وجه لبقاء الخيار بل يكون نظير التلف قبل القبض.

و «القصاري» ان هذا مبني على ما ذكرناه في أول الخيار من أنه ان كان سلطنة على العقد فالتلف لا يرفعه، و ان كان سلطنة على استرداد العين فلا معنى لبقائه بعد تلفها الا بتكلف بعيد عن الذوق و الاعتبار بل و عن الأدلة.

نعم حتى لو قلنا بأنه سلطنة على العقد يمكن دعوى كون التلف يسقط الخيار في الموارد التي علم ان المراد من تشريع الخيار رفع ضرر الصبر على العين كما في خيار العيب فلو تلفت ارتفعت حكمة تشريعه و لم يبق

ص: 121

وجه للخيار لعدم إمكان الرد و لذا يتعين الأرش هناك أو الإمساك مجاناً و الفسخ و ان أمكن على ان يكون أثره المطالبة بالمثل أو القيمة و لكنه خلاف نص الأدلة التي اناطت الرد بقيام العين و مع التلف فأين قيام العين حتى ترد لذا انحصرت القضية بالأرش و في الغبن برد التفاوت اما خيار الشرط أو خيار رد الثمن فظاهر هذين الخيارين ابتناؤهما على ان رد الثمن انما هو لاسترداد نفس العين فهو متقوم بردها ذاتاً فإذا امتنع ردها سقط الخيار طبعاً، فتلخص ان الخيارات تختلف مع التلف فبعضها يثبت معه و بعضها يسقط فلا بد من التأمل في كل مورد بخصوصه. و بقول مطلق ان الخيار ان كان هو الرد فهو ساقط بالتلف طبعاً و قطعاً. و ان كان عبارة عن الفسخ فان كانت العين موجودة أخذها و الا فالبدل و عليه فلا يسقط نوع من أنواعه بالتلف الا ما قام عليه الدليل كما في خيار العيب و نحوه.

و «من أحكام الخيار أيضاً مما لم يذكر» انه لو فسخ ذو الخيار فالعين التي في يده حسب الفرض قد دخلت في ملك الآخر كما ان ما في يد الآخر قد رجع الى ملكه فقاعدة اليد تقتضي ضمان كل منهما العين التي في يده الآخر و ليس هنا استيمان و نحوه حتى يسقط الضمان فالمقتضي موجود و المانع مفقود في حق كل واحد منهما على صاحبه و ببيان آخر ان العين في يد كل منهما كانت مضمونة قبل الفسخ بالمسمى و لما بطل المسمى بالفسخ الحادث و لم يك ائتمان لا مالكي و لا شرعي لا قبل الفسخ و لا بعده فلا محالة ينتقل الضمان الى البدل الواقعي و هو المثل أو القيمة.

ص: 122

و لنكتف بهذه الشذرات من مباحث الخيارات فقد التقطنا لك نفائس تلك المعادن المطمورة في كتب الأصحاب المغمورة بتعقيد البيان و عدم افادة التعبير، و إجادة التحرير، فجلوناها لك بحمد اللّٰه تعالى كالوذيلة الصقيلة المرصعة باللؤلؤ الناصعة، من الرأي البكر، و التحقيق الطريف، المتدافع من منابع الوجدان، و منابح البرهان. و العلم السهل الممتنع، و المنة للّٰه وحده.

ص: 123

الكتاب الثاني

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ و له الحمد

(يٰا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)

ص: 124

ص: 125

المقدمة (في الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالإجارة)

اشارة

(مادة: 404)

الأجرة و الكراء:

بدل المنفعة، و الإيجاز هو الإعطاء بالكراء، و الاستيجار الأخذ بالكراء.

أصل هذه المادة الأجر الذي يفسر في اللغة- بجزاء العمل- و هو ظاهر في العمل الذي يكون جزاء للعمل، ثم اتسع فشمل المال الذي يقع عوض العمل، ثم اتسع فتناول عوض المنفعة- أي منافع الأعيان- و غلب استعماله و استعمال مشتقاته من المزيد كآجر و المجرد كأجر و إيجار و اجارة في المعني العرفي المقتنص من ذلك المعنى اللغوي فصار يستعمل حتى تعين في لسان الشرع و المتشرعة في العقد الذي هو تمليك المنفعة بالعوض المعلوم كما هو المعروف من تعريفها عند الإمامية و سائر فقهاء المذاهب و تستعمل الإجارة تارة اسما بمعنى الأجرة و اخرى مصدر بمعنى الإيجار أو مصدر (أجر) المجرد سماعاً أو (آجر) المزيد و على كل فالأقرب ان المراد من قولهم (كتاب الإجارة) و الإجارات و نحوها هو الإيجار و ما يتحقق به هذه المعاملة شرعاً و بيان أحكامها و الأجرة و الكراء و ان اتحدا في كونهما بدل المنفعة و لكن شاع و غلب

ص: 126

استعمال الكراء في بدل منفعة الدواب و الأجرة في غيرها فيقال: كريت الدابة و اكثريتها، كما يقال آجرتها و استأجرتها، و استأجرت الدار و العبد، و لا يقال: كريت الدار، الا نادراً.

و لا أهمية في كل هذا انما المهم تعريف الإجارة شرعاً تعريفاً يطابق الحقيقة أو يقاربها، و قد عرفتها (المجلة) مادة (405) الإجارة في اللغة بمعنى الأجرة و قد استعملت في معنى الإيجار أيضاً و في اصطلاح الفقهاء بمعنى بيع المنفعة المعلومة في مقابلة عوض معلوم.

استعمال البيع في تعريف الإجارة يشبه ان يكون من قبيل تعريف الشي ء بضده فان البيع مختص بنقل الأعيان و الإجارة بنقل المنافع و هما متباينان مفهوماً و مصداقاً و كان اللازم أن يقال: هي تمليك المنفعة المعلومة بعوض معلوم كما هو التعريف الشائع عند الأكثر فإن التمليك جنس و بإضافته إلى المنفعة خرج البيع و غيره من العقود الناقلة كالصلح و الهبة مما يحصل به تمليك الأعيان، نعم ينتقض في طرده بشموله للصلح على المنفعة و هبة المنافع هبة معوضة، و العارية المعوضة كما قيل و الجميع مدفوع بأن حقيقة الصلح التسالم و هو يقع على المعاوضة و على غيرها و حقيقة الهبة تتقوم بالمجانية و العوض ليس للعين الموهوبة بل لذات الهبة و العارية إذا دخلها العوض كانت اجارة في الجوهر سواء سميتهما عارية أو إجارة أو غيرهما، فإن الإجارة و العارية يشتر كان في أنهما تسليط على المنفعة فإن كان بعوض كان اجارة و ان كان مجانا كان عارية فالإجارة و العارية في المنافع كالبيع و الهبة في الأعيان بل

ص: 127

التحقيق ان العارية لا تمليك فيها و لا تسليط أصلا لا على العين و لا على المنفعة بل هي إباحة الانتفاع لا تمليك المنفعة و لذا لا يستطيع المستعير نقلها الى الغير بعقد أو غيره، و من هنا ينقدح الإشكال في عدها من العقود و لا تحتاج إلى إيجاب و قبول بل هي بالإيقاع أشبه و ان شاع عندهم درجها في العقود.

أما الإجارة فهي و ان كانت حسب الشائع عند الفقهاء عبارة عن تمليك المنفعة بعوض و لكنها بالنظر الا دق سلطنة على العين من حيث ملكية منافعها فهي أيضاً من مقولة الملك و الجدة ان أريد من الإجارة الأثر الحاصل و النتيجة و الغاية و ان أريد بها السبب و الوسيلة فهي العقد الذي ينشأ به التسليط على العين باعتبار ملكية منافعها و هذا هو المراد من قول الفقهاء (كتاب الإجارة) و (كتاب البيع) و نحوها. و عليه فاركان الإجارة ثلاثة- العوضان. العاقدان العقد- فيلزم البحث عن كل واحد منها و شرائطه و أحكامه و أحكام الإجارة.

اماما ذكر في (المجلة) في مقدمة الإجارة المشتملة على الاصطلاحات الفقهية فيها فهي مستدركة لا حاجة الى شي ء منها ضرورة أنه ما من عربي عريق أو لصيق الا و هو يعرف المستأجر (بالكسر) و المستأجر (بالفتح) و المأجور و الأجير و الأجرة و محل الاستغلال أي الموضع المعد للإيجار من غيره و المسترضع هو من استأجر ظئراً للرضاعة. فكل هذه المواد واضحات و توضيح الواضح من العبث فيلزم لو حررت (المجلة) و نقحت حذف كل ما هو من هذا القبيل لذا لم نذكرها.

ص: 128

(الباب الأول) «في الضوابط العمومية»

(مادة: 420) المعقود عليه في الإجارة هو المنفعة.

لا يخفى ما في هذا التعبير من التسامح بل الخلل فان عقد الإجارة يتسلط على العين و لكن باعتبار المنفعة لا على المنفعة مباشرة فتقول: آجرتك الدار، و لا تقول: أجرتك المنفعة، و لو قلت: ملكتك المنفعة، فالمشهور و ان كان يظهر منهم الصحة و لكن صحته اجارة لا يخلو من نظر فإن حقيقة الإجارة تسليط على العين باعتبار المنفعة. فإن قلنا بصحته فهو عقد بنفسه.

و تحرير البحث هنا بالنظر الدقيق يتوقف على بيان أمرين مهمين.

الأول-: منافع الأعيان من عقار أو إنسان أو حيوان قبل العمل أو الاستعمال معدومة في الخارج بالضرورة، و المعدوم لا يصلح للعقد عليه أصالة و ان أمكن تبعاً و لكن المنافع مطلقاً و ان كانت معدومة حقيقة و لكن لها باعتبار العقلاء نحو من الوجود قائم بوجود الأعيان قيام المظروف بالظرف و الحال في المحل يعني قيام شي ء في شي ء و ان كان

ص: 129

واقع أمرها أنها قيام شي ء بشي ء يعني قيام الصفة بالموصوف و العرض بالمعروض و لكن العرف قد يراها بمنظار مكبر انها موجودات متأصلة مع الأعيان أو في الأعيان فيصح بهذا الاعتبار لحاظها مستقلة و إيقاع العقد عليها مباشرة بتمليك أو وصية أو صدقة و هذه المعاني لا ربط لها بالإجارة إنما الإجارة لحاظ المنافع بأحد الوجهين الأولين التي تلحظ بها المنافع قائمة بالعين قيام عروض أو قيام حلول و بهذا اللحاظ يوقعون العقد على العين باعتبار تلك الشئون القائمة بها، و قد عرفت ان هذه الشئون و المنافع هي المقومة لمالية العين و لكن تارة تندك في العين فيجري العقد على العين مطلقة مرسلة و أخرى على العين مقيدة محصلة، فالأول هو البيع و الثاني هو الإجارة، و يلحق بالأول و ان لم يكن من صميمه و حقيقته تمليك العين، و بالثاني كذلك تمليك المنفعة.

و من هنا يظهر لك التسامح في تعريفهم الإجارة بأنها تمليك المنفعة و الخلل في (المجلة) ان المعقود عليه في الإجارة هو المنفعة، بل المعقود عليه في البيع و الإجارة شي ء واحد و هو العين ليس الا، و لكن اللحاظ و الاعتبار مختلف. و هذه المعاني ارتكازية عند العقلاء و ان كان لا يحسن تحليلها و تفكيك عناصرها إلا أنا أو أنت و يغفل الكثير عنها و اللّٰه ولي التوفيق للجميع.

الثاني-: لا يذهبن بك الوهم كما توهم جماعة ان المراد بالمنفعة هنا خصوص المعاني التي لا عين لها في الخارج من الاعراض المقولية كسكنى الدار و لبس الثوب و عمل الخياطة بل المنفعة تعم حتى الأعيان إذا كانت

ص: 130

نماء لأعيان أخرى مثل الشاة و صوفها و ثمرة النخيل و الأشجار بل و يشمل نتاج الانعام و أولادها فيصح أن يؤجر الدابة و الشاة باعتبار جميع نماءاتها حتى أولادها و تؤجره النخيل باعتبار كل منفعة فيه حتى التمر و السعف و الكرب و لا يقدح في ذلك القاعدة المشهورة في ضابطة (ما يصح إجارته) انه ما لا تستهلك عينه بالانتفاع به- أو ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه فان جميع ذلك محفوظ فإن الإجارة تعلقت بالشاة و لبنها و صوفها منافع لها و ان كانت أعيانا و لا يضر استهلاكها مع بقاء عين الشاة و هكذا النخيل و الأشجار و أمثالها.

و من هنا ظهر ضعف ما توهمه بعض شراح (المجلة) حيث يقول-:

الإجارة الواقعة على الحوض لاصطياد اسماكه أو أخذ مائه و على الحرش لقطع أشجاره أو لرعي الأغنام فيه أو على الأشجار لأخذ ثمارها ..

و الأغنام لأخذ صوفها و الأبقار لأخذ حليبها- باطلة- بل الحق كما عرفت أنها جميعاً صحيحة و لا تزال السيرة جارية على إجارة الأرض لرعي الأغنام في نباتها و عشبها (شاة مرتع) و كأنه توهم ان المنفعة مختصة بالاعراض التي لا وجود لها في الخارج إلا في موضوعاتها و لم يعرف ان منفعة كل شي ء بحسبه.

(مادة: 421) الإجارة باعتبار المعقود عليه على نوعين

(النوع الأول) الوارد على منافع الأعيان و يقال للشي ء المؤجر عين المأجور و تنقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول-: إجارة العقار، الثاني-: اجارة العروض كايجار الملابس و الأواني، الثالث-: اجارة الدواب، (الثاني)

ص: 131

عقد الإجارة على العمل، و هنا يقال للمأجور أجير كاستئجار الخدمة و العملة و استئجار أرباب الحرف و الصنائع من هذا القبيل، حيث ان إعطاء السلعة للخياط مثلا ليخيط ثوباً يصير اجارة على العمل كما ان تقطيع الثوب على ان السلعة من الخياط استصناع.

سكنى الدار و ركوب الدابة كعمل الإنسان من بناء أو حياكة أو صياغة و غيرها و كثمرة البستان و نحوها- كلها تندرج في المنفعة و يجمعها انها فوائد أعيان لا نهلك العين باستهلاكها و يستعمل في عمل الإنسان انه أجير و في الدابة و الدار مستأجرة و مأجورة و ليس الاستصناع كما عرفت في مثل خياطة الثوب و تقطيعه إلا إجارة على عمل. و كل عين يجوز إيجارها و استيجارها باعتبار فائدة تحصل منها مع بقائها و لا يخرج الا ما ينحصر استيفاء فائدته بزوال عينه كالمأكولات و المشروبات و الزرع من حيث هو لا من حيث الأرض و هكذا.

(مادة: 422) الأجير على قسمين،

القسم الأول هو الأجير الخاص الذي استؤجر على أن يعمل للمستأجر فقط كالخادم الموظف. و القسم الثاني. هو الأجير المشترك الذي ليس بمقيد بشرط ان لا يعمل لغير المستأجر كالحمال و الدلال و الخياط و الساعاتي.

هذا التقسيم غير عام و لا مستوعب و التقسيم الجامع العام في المقام ان الإجارة بجميع أنواعها لعين من الأعيان أو لحيوان أو إنسان. اما ان تكون شخصية أو كلية. و الشخصية اما ان تكون مشخصة من كل جهة أو من جهة دون أخرى- فالأقسام ثلاثة- كلية. كما لو استأجرته

ص: 132

على خياطة كلي معين بالوصف أو خياطة هذا الثوب المعين، و هذا واسع يدخل فيه أكثر الإجارات و منه الأجير المشترك المذكور في (المجلة) الذي لم يقيد بشرط ان لا يعمل لغير المستأجر كالحمال و الدلال و الخياط و الساعاتي فإنهم مأجورون على عمل كلي و هو خياطة الثوب و إصلاح الساعة مطلقاً من حيث المباشر و من حيث الوقت فلا ينافيه ان يكون مستأجراً لمتعددين كما ان صاحب الزورق و أمثاله يؤجر نفسه لإيصالك الى المحل الفلاني في زورقه فلا يقدح تعدد الإجارة فإن الإجارة وقعت على كلي في الذمة، و الذمة واسعة لا تزاحم فبما تشتمل عليه مهما تعدد (الثاني) المشخصة من جهة أو جهات مخصوصة لا من كل جهة و هذه أيضاً ملحقة بالكلي، و لكن الكلي المقيد كما لو استأجره على خياطة هذا الثوب و لكن بالنحو الخاص أو الوقت المعين و مهما تكثرت القيود و الشروط لا يخرج عن كونها كلية.

(الثالث) المشخصة من كل جهة كما لو استأجره على خياطة هذا الثوب بنفسه في هذه الساعة المعينة أو في اليوم المعين و أمثال ذلك، و هذه هي الإجارة الشخصية التي لا مجال فيها للتعدد، و الأجير هو الأجير الخاص الذي لا يجوز ان يعمل لغيره في ذلك الوقت المعين و سيأتي إن شاء اللّٰه حكم الأجير الخاص لو خالف ما استؤجر عليه، و من هذا القبيل المستأجر على الخدمة شهرا معينا أو سنة معينة أو سنين هذا بالنسبة إلى عمل الإنسان و نظيره بالنسبة إلى الأعيان من عقار أو حيوان فإنك تارة تؤجره دابة أو داراً موصوفة بأوصاف معينة فيجب ان تدفع له

ص: 133

دارا بتلك الأوصاف تكون مصداقا لذلك الكلي الذي وقعت اجارتك عليه و تارة تؤجره هذه الدابة المعينة أو الدار المعينة فهذه اجارة شخصية فلو آجرتها من غيره ثانيا وقعت باطلة أو فضولية موقوفة على إجازة المستأجر الأول لأنه ملك منافع هذه الدار المعينة، فقد ظهر من كل هذا ان الضابطة العامة و التامة هو ان الإجارة اما شخصية أو كلية و باختلافهما تختلف الاحكام و ليس المدار على الأجير الخاص أو الأجير المشترك بل على نحو الإجارة و كيفيتها.

و منه ظهر ما في مادة (432) الأجير على قسمين، الأجير الخاص الذي استؤجر على ان يعمل للمستأجر فقط كالخادم الموظف الى آخر ما ذكر، فان عدم جواز عمله للغير انما هو من جهة ان الإجارة شخصية و ان يعمل بنفسه في الوقت المعين و لو استأجره على حصول الخدمة و قضاء حوائجه المعينة في العقد جاز ان يقيم مقامه عاملا و هو يعمل للغير.

(مادة: 423) كما جاز ان يكون مستأجر الأجير الخاص شخصا واحدا كذلك يجوز ان يكون الأشخاص المتعددة

الذين هم في حكم شخص واحد مستأجري أجير خاص، بناء عليه لو استأجر أهل القرية راعيا على ان يكون مخصوصا لهم بعقد واحد يكون الراعي أجيرا خاصا و لكن لو جوزوا ان يرعى دواب غيرهم كان الراعي أجيرا مشتركا.

لا معنى للتجويز هنا الا ان يكونوا قد استأجروه على حصول العمل الخاص و هو الرعي إما مقيدا بمباشرته أو مطلقا فتكون الإجارة كلية و له ان يعمل للغير اما لو استأجروه على ان يجعل منافعه هذا الشهر أو السنة

ص: 134

مقصورة على رعي غنمهم كانت الإجارة شخصية و لا يجوز ان يرعني غنم غيرهم بل و لا يجوز له اي عمل آخر.

(مادة: 424) الأجير المشترك لا يستحق الأجرة إلا بالعمل.

من الواضح ان التسليم و التسلم لا زمان في الإجارة كلزومهما في البيع و لكن يمكن تحققهما بجلاء في البيع الذي هو معاوضة في الأعيان بخلافه في الإجارة التي هي تعويض على المنافع و هي لكونها تدريجية الحصول و من الاعراض الغير قارة لا يمكن تسليمها و تسلمها دفعة كالأعيان إذا فلا بد ان يكون نحو التسليم و التسلم فيها بطور آخر و هو تسليم العين التي وقعت الإجارة على منافعها فإذا استأجرت الدابة للركوب فتسليم منافع الدابة أو الدار تسليم عينها ليستوفى المنفعة منها فيسلمك الدابة و تسلمه الأجرة على نحو التقابض في البيع و ان كانت الأجرة على عمل فتسليمه ان يهيئ معدات العمل فيحضر هو أو من يتحصل به العمل و بذلك بتحقق التسليم و يستحق الأجرة و لكن جرت العادة في باب إجارة الأعمال نظرا الى احتمال عروض الموانع من الاستمرار على العمل الى تمامه ان تدفع الأجرة بعد استكماله و حقه ان يستلمها عند التهيؤ و الشروع فان الشخص هنا كالعين هناك فكما أنه إذا سلم الدار المستأجرة يستحق الأجرة كذلك هنا إذا سلم نفسه أو نفس المستأجر على العمل يستحق الأجرة و لا فرق في ذلك بين الأجير المشترك أو الخاص و عبارة (المجلة) في هذه المادة مجملة لا يعلم هل المراد ان الأجير المشترك لا يستحق الأجرة إلا بالعمل اي بعد العمل أو عند الشروع بالعمل و لكن

ص: 135

يظهر ان المراد الأول من مقابلته بالأجير الخاص في مادة (425) الأجير الخاص يستحق الأجرة إذا كان في مدة الإجارة حاضراً للعمل و لا يشترط عمله بالفعل و لكن ليس له ان يمتنع عن العمل و إذا امتنع فلا يستحق الأجرة.

و «التحقيق» ما أوضحناه لك من عدم الفرق بين الأجيرين من حيث أصل الاستحقاق بمقتضى العقد و ان جرت العادة نظرا الى تلك الملاحظة على الفرق بينهما فافهم ذلك و تدبره.

(مادة: 426) من استحق منفعة معينة بعقد الإجارة له ان يستوفي عينها أو مثلها أو ما دونها

و لكن ليس له ان يستوفي ما فوقها مثلا لو استأجر الحداد حانوتا على ان يعمل فيه صنعة الحدادة له ان يعمل فيه صنعة مساوية في المضرة لصنعة الحداد و لو استأجر دارا ليسكنها فله ان يضع أشياءه فيها و لكن ليس لمن استأجر حانوتا للعطارة ان يصنع فيه صنعة الحداد.

هذه المادة مشوشة غير وافية بإيضاح المراد و إعطاء الضابطة و كان يلزم ان تضم إليها المادة التي بعدها (427) كل ما اختلف باختلاف المستعملين يعتبر فيه التقييد مثلا- لو استكرى أحد دابة لركوبه ليس له ان يركبها غيره.

و «تحرير هذا البحث ببيان ينجلي به وجه الحقيقة.

انه يلزم في عقد الإجارة كما عرفت تعيين المنفعة أو العمل المستأجر عليه بنحو تنحسم به كل خصومة محتملة و رافع لكل غرر و جهالة، فلو

ص: 136

استأجر دابة- فكما يلزمه تعيين الزمن لركوبها و المسافة و من اين و إلى اين كذلك يلزمه ان يعين من الذي يركبها و هل هي شخصية فلا يستوفيها الا هو أو شخص معين، أو كلية يملكها هو و يستوفيها هو أو من يشاء و إذا كانت للحمل لا للركوب وجب عليه تعيين الوزن و جنس المحمول من قطن أو جديد أو طعام و كذلك إذا استأجر حانوتا يلزمه ان يعين المهنة التي يزاولها من حدادة أو نجارة أو غيرها من الصنائع التي تختلف تأثيراتها على العقارات و على الابنية و هي الأعمال التي يعتبر فيها التقييد و التعيين فإن أوضح و قيد في متن العقد تعين و ان أطلق يعني استأجر هذا الحانوت سنة معينة أو هذه السنة و لم يذكر ما يشتغل فيه أو استأجر هذه الدابة للحمل من (النجف) الى (بغداد) و لم يعين الوزن و الجنس فان كان هناك عرف ينصرف إليه الإطلاق، أو قرينة مقالية أو حالية يبتنى العقد عليها في تقييد تلك الجهات و تحديدها، تعينت و صارت بحكم المذكور في العقد، و ان لم يكن عرف أشكل صحة العقد للجهالة و الغرر الذي هما مثارا للخصومة و النزاع و تفكك الأوضاع، و لكن لو عينا صنعة أو صفة فتجاوزها فاما ان يكون التجاوز إلى صنعة أخرى تغايرها بالحقيقة كما لو عينا الحدادة فتجاوزها إلى النجارة أو استأجر الدابة لحمل وزنة من الخشب فحمل عليها وزنة من الشعير مثلا ففيها تفصيل يأتي بيانه و ان تجاوزها الى ما يغايرها بالكم فقط فان زاد كما لو حمل عليها من الخشب وزنتين كان ضامنا و لصاحب الدابة الخيار بين ان يفسخ فيأخذ أجرة المثل على الوزنتين و بين الإمضاء و يأخذ

ص: 137

أجرة المثل للوزنة الثانية، و ان حمل عليها الأنقص كما لو حمل عليها نصف وزنة صحت و ليس للمستأجر المطالبة بأجرة الباقي لأنه قد فوته باختياره و قد ظهر مما ذكرنا- ان من استأجر الحانوت لصنعة من حدادة أو غيرها ليس له ان يشتغل فيه بصنعة مساوية للحدادة في المضرة أو زائدة عليها أو ناقصة منها، نعم لو كان الاختلاف في المقدار فقط فان نقص صح و لا شي ء و ان زاد فالخيار الذي عرفت، كما ان قول (المجلة) في مادة (427) لو استكرى أحد لركوبه دابة ليس له ان يركبها غيره، انما يتم في الإجارة الخاصة الشخصية لا مطلقا و منه يستبين الخلل أيضا في مادة (428) كل ما لم يختلف باختلاف المستعملين فالتقييد فيه لغو، مثلا- لو استأجر أحد دارا على ان يسكنها له ان يسكن غيره فيها.

فان المالك إذا اشترط ان يسكنها المستأجر اما وحده أو مع عياله و لا يسكن غيره فيها لزم الشرط و صح التقييد سواء كان يختلف باختلاف المستعملين أم لا و أدلة الشروط عامة، فلو خالف كان للمالك الخيار بين الفسخ ورد المسمى و أخذ أجرة المثل و بين الإمضاء و المطالبة بالزائد- ان كان ثمة زيادة- نعم في الإجارة الكلية التي يملك فيها منفعة الدار المطلقة لا المنفعة الخاصة لا مانع من ان يسكنها من يشاء و لكن بالمقدار المتعارف أيضا بالنسبة الى ما تتحمله تلك الدار، فقول (المجلة) ان مالا يختلف- فالتقييد فيه لغو- على إطلاقه غير صحيح

(مادة:- 429) يجوز للمالك ان يؤجر حصته الشائعة من الدار المشتركة لشريكه ان كانت قابلة للقسمة أو لم تكن،

و ليس له ان

ص: 138

يؤجرها لغيره و لكن بعد المهايأة له ان يؤجر نوبته للغير و «تحرير البحث» في إجارة المشترك أي المشاع- ان المشاع ان آجر الشريكان حصتهما لثالث أو آجر أحدهما على الآخر فلا اشكال و ان آجر كل واحد منهما حصته لا جنبي فإن كان المشاع يتسع للمستأجرين فلا إشكال أيضا في صحة الاجارتين و انتفاعهما معا و لا تزاحم و ان كان لا يتسع فإن أمكن قسمته و لا ضرر يجيران عليها أو يتفقان على الإجارة لأحدهما و قسمة الإجارة بينهما و ان كان في قسمته ضرر فاما ان يتفقا على الإجارة الواحدة أيضا و إبطال الأخرى أو يجبر الحاكم المستأجرين على المهايأة الزمنية فان لم يوافق الشريكان أو المستأجران على شي ء من ذلك اجبر الحاكم الشريكين على أحد الأمرين من بيع المشاع على ثالث أو شراء أحدهما حصة الآخر، و ليكن هذا أحد أنواع ازالة الشيوع الشائع في المحاكم الرسمية في هذه العصور و هو الأمر الواقع الذي لا محيص عنه في مثل هذه الخصومات و يطرد في كل ما لا يمكن قسمته من مثل الرحى و الطاحونة و مكينة الماء و مكينة الخياطة و أمثالها و مما ذكر عرفت القدح في قول (المجلة) و ليس له- أي الشريك- ان يؤجر حصته لغير شريكه، فإنه لا مانع من إيجار الشريك حصته لمن شاء بقاعدة (الناس مسلطون،،،) غابته ان كلا من الشريكين لو آجر لأجنبي فحال المستأجرين حال المالكين لا يتصرف أحدهما بالمشاع إلا برضا الآخر فان اتفقا فذاك و ان اختلفا و تشاحا فالميزان ما ذكرنا من المهايأة أو إبطال احدى الاجارتين أو ازالة الشيوع بأمر الحاكم

ص: 139

على اختلاف الصور هذا كله في إجارة الشريكين معا أو إجارة أحدهما الآخر، و اما إجارة أحدهما فقط لأجنبي فلا يخلو اما ان يؤجر حصته من المشاع فقط أو يؤجر تمام المشاع ففي الصورة الأولى يقوم المستأجر مقام المالك الشريك تماماً فاما انتفاعهما بالعين معا أو المهايأة أو ازالة الشيوع أو القسمة على اختلاف أنحاء العين المشاعة حسب ما أشرنا له، و في الثانية تمضي الإجارة في حصته لزوما و تبقى في حصة شريكه موقوفة على الإجازة فإن حصلت نفذت و الا بطلت ثم المستأجر يكون حاله مع الشريك حال شريكه الآجر و يجري ما سبق، فتدبر هذا و اغتنمه و «الضابطة العامة» في المقام أنه متى حصل التشاح و النزاع بين لشريكين في المشاع في أنفسهما أو في اجيريهما فالمرجع هو الحاكم ليجد حلا مشروعا لقطع مشاجرتهما و رفع خصومتهما، و يختلف باختلاف الظروف و الأحوال و البيئة و الرجال.

(مادة: 430) الشيوع الطاري لا يفسد عقد الإجارة،

مثلا- لو آجر أحد داره ثم ظهر لنصفها مستحق تبقى الإجارة في نصفها الآخر الشائع هذا ليس من الشيوع الطارئ أصلا بل هو من الشيوع القديم و يمكن ان يجعل من الشيوع الطاري ما لو آجر داره ثم باع نصفها أو آجر فمات فانتقلت إلى الورثة بناء على الأصح عندنا من عدم بطلان الإجارة يموت المؤجر كعدم بطلانها بموت المستأجر، و على كل فقد عرفت ان الشريك إذا آجر تمام المشاع فهو فضولي بالنسبة إلى حصة الشريك

ص: 140

الآخر ان شاء أجاز و ان شاء فسخ سواء كانت الإشاعة معلومة من أول الأمر أو ظهرت بعد ذلك.

(مادة: 431) يسوغ للشريكين ان يؤجرا مالهما المشترك لآخر معا

مثل مادة (432) يجوز إيجار شي ء واحد لشخصين.

و كلاهما من الواضحات.

ص: 141

الباب الثاني في بيان المسائل المتعلقة بعقد الإجارة

اشارة

و يشتمل على أربعة فصول

الفصل الأول في بيان مسائل ركن الإجارة

(مادة: 433) تنعقد الإجارة بالإيجاب و القبول كالبيع.

عرفت قريبا ان تحقق معنى الإجارة و أثرها و هو تملك المنفعة بالمال يقوم على ثلاثة أركان 1-: العقد 2-: العاقدين- المؤجر و المستأجر- 3-: العوضين- المنفعة و الأجرة.

اما العقد- فهو الإيجاب و القبول كما في البيع و لكن الصيغة الصريحة هي: آجرت و كريت، و القبول هو: استأجرت و قبلت و ما أشبه ذلك من الألفاظ الصريحة، اما مثل: بعتك المنفعة، أو: صالحتك أو ملكتك فهو و ان صح و كان نتيجته نتيجة الإجارة و لكن ليس هو منها بشي ء فضلا عن مثل: أعرتك و وهبتك و أضرابها و ان سبق الى و هم كثير

ص: 142

من شراح (المجلة) دخولها في الإجارة، و قد سبق ما يوضح لك ذلك فتدبره.

كما أنك عرفت في [الجزء الأول] ان الصيغة الصريحة في عامة العقود هي صيغة الماضي دون الأمر و الاستقبال كما أوضحت ذلك

مادة [435] الإجارة كالبيع أيضا تنعقد بصيغة الماضي

و لا تنعقد بصيغة المستقبل.

[مادة: 436] كما ان الإجارة تنعقد بالمشافهة كذلك تنعقد بالمكاتبة و بإشارة الأخرس.

قد تقدم في مباحث البيع أن العقود لا تصح بالكتابة، و الكتابة حاكية لا منشئه، فهي تحكي عن الألفاظ و الألفاظ تحكي عن المعاني، إما إشارة الآخرس فمع عدم إمكان التوكيل تكفي إذا أفهمت و لا يقع شي ء من العقود بالرسول و لا بالرسالة إلا إذا كان الرسول وكيلا.

(مادة: 437) تنعقد الإجارة بالتعاطي أيضا

كالركوب في بأخرة المسافرين و زوارق الشوارع و دواب الكراء من دون مقاولة فإن كانت الأجرة معلومة أعطيت و الا اجرة المثل.

إذا كانت الأجرة معلومة أو اتفقا على أجرة معينة كانت إجارة معاطاتية و الا لم تكن لا من الإجارة العقدية و لا المعاطاتية لما عرفت في البيع من ان المعاطاة يلزم ان تكون واجدة لكل ما يعتبر في البيع سوى العقد، نعم إذا استوفى المنفعة بغير تواطؤ على الأجرة و لا معلومية لزمت اجرة المثل من باب الضمان و الغرامة فتدبر.

ص: 143

(مادة: 438) السكوت في الإجارة يعد قبولا و رضاء،

مثلا- لو استأجر رجل حانوتا في الشهر بخمسين قرشا و بعد ان سكن فيه مدة شهر اتى الآجر و قال ان رضيت بستين فأسكن و الا فاخرج و رده المستأجر و قال لم ارض و استمر ساكنا يلزمه خمسون قرشا كما في السابق و ان لم يقل شيئا و لم يخرج من الحانوت و استمر ساكنا يلزمه إعطاء ستين قرشا كذلك لو قال صاحب الحانوت مائة قرش و قال المستأجر ثمانين و أبقى المالك المستأجر و بقي هو ساكنا أيضا يلزمه ثمانون و لو أصر الطرفان في كلامهما و استمر المستأجر ساكتا تلزمه اجرة المثل.

لعمرك انه حكم غريب لا يساعده الوجدان و لا البرهان فان المالك إذا قال أنا لا أرضى بان تسكن داري بستين في الشهر فان رضيت و الا فاخرج فقال الساكن لا ارضى و استمر ساكتا كيف يلزم المالك قبول الخمسين و قد صرح بعدم رضاه الا بستين.

و «بالجملة» فالمدار على قول المالك لا على رد المستأجر، فإن السكوت انما يكون رضا حيث لا يكون مسبوقا بالرد الصريح و المفروض ان المالك صرح بعدم رضاه الا بالستين و قد أمره بالخروج ان لم يرض و أي دلالة أصرح من هذا فهل يعقل ان يكون السكوت مزيلا لهذا البيان المعتمد على قاعدتي (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه) و (الناس مسلطون على أموالهم).

و «بالجملة» فهذا ليس من موارد السكوت الذي يعتمد عليه و يستند اليه بل يجب عليه في الفرض ان يدفع الستين و هكذا في نظائره.

ص: 144

نعم، الرجوع الى أجرة المثل في الصورة الأخيرة متجه كما لا يخفى و في الصورة السابقة له وجه، اما ما يقوله المستأجر فلا يلزم به المؤجر قطعا فليتدبر.

(مادة: 439) لو تقاولا بعد العقد على تبديل البدل أو تزييده أو تنزله يعتبر العقد الثاني.

المقاولة بعد تمامية العقد الأول لا تجدي و لا ترفع ما وقع عليه ذلك العقد، نعم لو فسخا العقد الأول و عقدا ثانيا يعتبر العقد الثاني و لغا الأول

(مادة: 440) الإجارة المضافة صحيحة و تلزم قبل حلول وقتها

بناء عليه ليس لأحد العاقدين فسخ الإجارة بمجرد قوله ما آن وقتها تقدم اصطلاحهم على ان الإجارة المنجزة هي الإجارة التي يتصل استحقاق المنفعة بها بزمان العقد، و المضافة هي التي يتأخر الاستحقاق فيها عن زمان العقد كما لو آجره الدار السنة التي بعد هذه السنة أو بعد هذا الشهر و هكذا، و لا ريب عندنا في صحتها و لزومها كالمنجزة، و كل إجارة إذا وقعت صحيحة لا يسوغ لأحدهما فسخها كما في مادة (441) الإجارة بعد ما انعقدت صحيحة لا يسوغ للآخر فسخها بمجرد ضم الحارج على الأجرة لكن لو آجر الوصي أو المتولي عقار اليتيم أو الوقف بأنقص من اجرة المثل تكون الإجارة فاسدة و تلزم اجرة المثل.

اما انفساخ اجارة عقار اليتيم و الوقف إذا كانت أقل من ثمن المثل فيمكن ان يكون وجهه هو ان اجرة المتولي أو الولي و الوصي منوطة بالمصلحة فإذا لم توافق المصلحة تكون باطلة و لكن مع البطلان فان

ص: 145

استوفى المستأجر المنفعة يستوفي منه اجرة المثل و الا فتؤجر بما فيه الغبطة لليتيم أو الوقف فلعلما يحصل راغب بأكثر من اجرة المثل فلا وجه للقول بها على الإطلاق.

(مادة: 442) لو ملك المستأجر عين المأجور بإرث أو هبة يزول حكم الإجارة.

أوضح مثال لهذا الفرع ما لو استأجر دارا ثم اشتراها. ثم ان شراءه لها لا يخلو اما ان يكون بعد استيفاء تمام المنفعة أو بعضها أو قبل استيفاء شي ء منها، اما الاولى فلا إشكال في صحة البيع و الإجارة و يستحق المالك ثمن العين و اجرة المنفعة و هو واضح، و أما الثانية و الثالثة فقد يقال ببطلان الإجارة فيهما بالنسبة إلى الجميع في الأخيرة و الثاني في الثانية بزعم ان الإنسان لا يدفع اجرة على الانتفاع بملكه و هو واضح الضعف فإنه لم يدفع اجرة على الانتفاع بملكه بل على منفعة ملك غيره فإنه قد تملك المنفعة ما كان يملك العين و حين ملك العين لم يبق فيها منفعة بل ملكها مسلوبة المنفعة كما لو اشترى دارا مأجورة لغيره.

و (الخلاصة) ان البيع اللاحق لا يزاحم الإجارة الصحيحة السابقة و لا يبطلها بل كلاهما صحيحان مؤثران، هذا بالنسبة العين و ذاك بالنسبة إلى المنفعة فحكم (المجلة) ببطلان الإجارة لا وجه له.

(مادة: 443) لو حدث عذر مانع لإجراء موجب العقد تنفسخ الإجارة.

المقصود بهذه المادة بيان أسباب انفساخ الإجارة و بطلانها بعد وقوعها

ص: 146

صحيحة، و قد أحسنت «المجلة» في ضابطة الانفساخ إجمالا و هي العذر المانع من اجراء موجب العقد و تفصيل ذلك ان الانفساخ أما زوال العين التي هي محل الإجارة أو زوال المستأجر الخاص على العمل، مثلا- لو استأجر هذه الدابة المعينة فماتت أو استأجره لقلع ضرسه فبرأ أو سقط أو استأجر الشخص المعين للعمل فمرض أو مات فلا إشكال في ان الإجارة تبطل في جميع هذه الفروض، و كذا لو استأجر الدكان فانهدم. ثم إن كان زوال الموضوع قبل استيفاء شي ء من المنفعة فلا إشكال في انها تنفسخ و يسقط تمام الأجرة و ان كان بعد استيفاء مقدار منها فبالنسبة كما لو ركب الدابة فماتت في منتصف الطريق فيمكن القول باستحقاق نصف الأجرة على تأمل، و لعل المقامات تختلف فيلزم التأمل في كل مورد بخصوصه و مع التخاصم فالرجوع الى الحاكم اجرى و احكم و اللّٰه اعلم.

و (من موارد الانفساخ) ما ذكر في (المجلة) من الأمثلة لو استأجر طباخا للعرس و مات أحد الزوجين، و يمكن المناقشة في المثال فان موت أحد الزوجين لا يستلزم سقوط الطبخ فليكن الطبخ للعزاء لا للهناء، نعم المثال الثاني صحيح و هو- من كان في سنه الم فاستأجر على إخراجه فزال الا لم تنفسخ الإجارة و كذلك وفاة الصبي أو الظئر لا بوفاة المسترضع و هذا البحث واسع و ستأتي له أمثلة و فروع كثيرة.

ص: 147

الفصل الثاني (في شروط انعقاد الإجارة و نفاذها)

اشارة

شروط انعقادها هي شروط الصحة، و الإجارة عندنا إذا صحت لزمت و ليس فيها خيار ذاتي كخيار المجلس في البيع و خيار الحيوان و خيار التأخير- نعم تجري فيها الخيارات العامة كخيار العيب و الغبن و نحوها كما سيأتي.

أما شرائط الصحة فتارة بالنسبة إلى العقد و اخرى إلى المتعاقدين و ثالثة إلى الأجرة و المنفعة، اما العقد فقد سبق القول فيه في الفصل الأول، و كان ينبغي ان تخص (المجلة) هذا الفصل لشرائط المتعاقدين و تخص الأول بشرائط العقد و لكنها أدخلت بعضا في بعض و خلطت في الفصلين بين شرائط هذا و ذاك ففاتها حسن التحرير و متانة التأليف، ففي مادة (444) يشترط في انعقاد الإجارة أهلية العاقدين يعني، كونهما عاقلين مميزين، ذكرت شرائط العاقدين من العقل و التمييز و أهلية التصرف بالملك أو الوكالة أو الولاية أو الوصية عن المالك و لكنها أقحمت في خلال ذلك مادة (445) المشتملة على ما هو من شرائط العقد و هو اشتراط موافقة الإيجاب و القبول و اتحاد مجلس العقد و كان حق هذا ان يذكر في الفصل الأول.

و كيف كان فلا ريب في فساد عقد المجنون حال جنونه عند الجميع و هو

ص: 148

عند الإمامية من الشرائط العامة المعتبرة في صحة كل عمل من عبادة أو معاملة و أولها العقل، و ثانيها البلوغ، و لكن بعض فقهاء المذاهب يكتفون بالتمييز عن البلوغ فتصح عندهم معاملة الصبي المميز، أما الإمامية فبين قائل بالبطلان مطلقاً و هم الأكثر و بين قائل انها موقوفة على اجازة الولي فيشبه الفضولي من هذه الجهة و ان كان العاقد مالكا، و هذا القول سديد و لعل القائل به كثير حتى من فقهاء المذاهب كالاحناف و غيرهم و قيل بنفوذه مطلقاً أو في خصوص الوصية و نحوها مما ورد النص به و القائل به منا قليل.

اما توافق الإيجاب و القبول فهو شرط ضروري و ركني فلو وقع القبول على غير ما وقع الإيجاب عليه لم يقع عقد أصلًا، اما اتحاد مجلس العقد فغير لازم لا هنا و لا في البيع انما اللازم فيهما كما مرت الإشارة إليه في البيع- الموالاة بين الإيجاب و القبول- و تحصل بحفظ الهيئة الاتصالية بينهما بحيث لا يعد القبول مبتوراً عن الإيجاب ككلام مستقل و قد أوضحناه في (الجزء الأول) مفصلًا فراجع، فإذا حصل التوالي بين الإيجاب و القبول صح العقد من هذه الجهة سواء اتحد مجلس العقد أم تعدد فلو أوجب المؤجر في غرفة ثم قاما مصطحبين إلى غرفة قريبة و قبل المستأجر حصل التوالي و ان تعدد مجلس العقد و هو واضح.

(مادة: 446) يلزم ان يكون الآجر متصرفا بما يؤجره أو وكيل المتصرف أو وليه أو وصيه،،،

هذه المادة لبيان أهم شرائط الإجارة كما كانت أهم شرائط البيع و هي اعتبار ملكية المؤجر أو وكالته أو ولايته عن

ص: 149

المالك و لكن قولها بناء عليه يلزم ان يكون الأجر إلى الآخر- لا يظهر وجهه فان هذا شرط برأسه لا علاقة له بالمادة السابقة عليه و هي موافقة الإيجاب و القبول و كان حق المعنى و التعبير ان تقول: يلزم ان يكون الآجر له حق التصرف في المأجور بملك أو ولاية أو وكالة أو وصية، و أنواع الولاية ستة.

1-: ولاية الأب و الجد على الصغير.

2-: ولاية القيم المنصوب منهما.

3-: ولاية الوصي على الثلث.

4-: متولي الوقف.

5-: الحاكم الشرعي و منصوبه على الصغير الذي لاولي له من أب أوجد أو منصوبهما و على الغائب و المجنون و الممتنع.

6-: ولاية الامام على الأراضي الخراجية و الأنفال و نحوها.

اما الأمانات فإذن لا ولاية فتدبرها.

و هذه الولايات بعضها مع بعض قد تكون طولية و قد تكون عرضية فإذا اجتمع وليان أو أكثر كأب و جد نفذ تصرف السابق منها و بطل اللاحق و إذا اقترنا بطلا حيث لا يمكن الجمع.

و من العي في البيان قولهم يلزم ان يكون الآجر متصرفاً اى مالكا للتصرف فتدبره.

(مادة: 447) انعقاد إيجار الفضولي موقوف على اجازة المتصرف،

فان كان المتصرف صغيراً أو مجنوناً فالولي أو الوصي بشرط ان يكون

ص: 150

قد أوجر بأجر مثله، لكن يشترط في صحة الإجازة قيام و بقاء أربعة أشياء- العاقدين، و المال المعقود عليه، و بدل الإجارة ان كان من العروض و إذا عدم أحد هؤلاء فلا تصح الإجازة.

يعني انها موقوفة على اجازة المالك فلو كان المالك صغيراً أو مجنوناً فالولي أو الوصي إذا كانت الإجارة ببدل المثل- و الاولى ان يقال إذا كانت الإجارة موافقة للغبطة و المصلحة إذ قد تكون الغبطة فبما دونه، و على كل فيعتبر في صحة الإجازة و نفوذها بقاء أمرين فقط- المنفعة و الأجرة- إن كانت عيناً خارجية لا ديناً في الذمّة اما العاقد الفضولي فلا أثر لبقائه و عدمه إذ هو آلة للتلقط فقط، و أما المعقود له الأصيل فالأصح أيضاً اعتبار بقائه على الأهلية من الحياة و العقل و غيرها و ان أمكن المناقشة في ذلك فليتدبر.

(الفصل الثالث) في شروط صحة الإجارة

[مادة: 448] يشترط في صحة الإجارة رضا العاقدين.

حق هذا الشرط و لو احقه من القصد و الاختيار و نظائرها أن يذكر في الفصل المتقدم الذي ذكر فيه بعض شروط العاقدين من العقل و التمييز و لا بحسن هذا التبعثر و الخلل في النظام و كان ينبغي قصر هذا الفصل على شرائط المنفعة و العوض كما هو أكثر موادة بل كلها عدا الاولى.

ثم ان جميع مواد هذا الفصل قد اشتملت على شرطين من شروط

ص: 151

المنفعة و العوض- و هما: التعيين أولًا و تعيين كل شي ء بحسبه و الغرض المهم منه بيان كل ما يكون الإخلال به موجباً للغرر أو التشاجر بين المستأجر و المؤجر، و القدرة على تسليم المنفعة أو العين المؤجرة ثانياً، فلا تصح إجارة الدابة الشاردة و العبد الآبق و أمثال ذلك.

و جميع مواد هذا الفصل قوية متينة و نحن نوردها عليك درجاً تباعاً لوضوحها و عدم حاجتها الى تعليق أو تحرير.

(مادة: 449) يلزم تعيين المأجور

بناءً عليه لا يصح إيجار أحد الحانوتين من دون تعيين.

(مادة: 450) يشترط ان تكون الأجرة معلومة. (مادة: 451) يشترط في الإجارة ان تكون المنفعة معلومة

بوجه يكون مانعاً للمنازعة.

(مادة: 452) المنفعة تكون معلومة ببيان مدة الإجارة

في أمثال الدار و الحوانيت و الظئر.

(مادة: 453) يلزم عند استئجار الدابة تعيين المنفعة

بكونها للركوب أو للحمل أو إركاب من شاء من التعميم مع بيان المسافة أو مدة الإجارة.

(مادة: 454) يلزم في استئجار الأراضي بيان كونها لأي شي ء استؤجرت

مع تعيين المدة فإن كانت للزرع يلزم بيان ما يزرع فيها أو تخيير المستأجر بأن يزرع ما شاء من التعميم.

(مادة: 455) تكون المنفعة معلومة في استئجار أهل الصنعة ببيان العمل

يعني بتعيين ما يعمل الأجير أو تعيين كيفية عمله فإن أريد صبغ الثياب

ص: 152

يلزم إراءتها للصباغ أو بيان لونها أو إعلام رقتها.

(مادة: 456) تكون المنفعة معلومة في نقل الأشياء بالإشارة

و بتعيين المحل الذي ينقل اليه مثلا- لو قيل للحمال انقل هذا الحمل الى المحل الفلاني تكون المنفعة معلومة لكون الحمل مشاهد و المسافة معلومة.

(مادة: 457) يشترط ان تكون المنفعة مقدورة الاستيفاء

بناء عليه لا يصح إيجاره الدابة الفارة.

الفصل الرابع في فساد الإجارة و بطلانها

اشارة

الفساد عندهم- غير البطلان- كما سبق في البيع فيريدون من بطلانها الخلل في أركانها، و من فسادها عدم استجماع شرائطها، و من هذا يظهر التسامح في مادة (457) تبطل الإجارة ان لم يوجد أحد شروطها مثلا- إيجار المجنون و الصبي غير المميز كاستيجارهما باطل لكن لا تنفسخ الإجارة بجنون الآجر بعد انعقادها.

،، فان فقد العقل و التمييز فقد ركن لا فقد شرط، نعم لو وقعت الإجارة صحيحة ثم عرض لأحدهما الجنون أو فقد التمييز أو الموت لم تبطل لأن الأهلية شرط حدوثا لا استدامة، و على كل حال فان هذا الاصطلاح اعني الفساد و البطلان عديم الفائدة فاقد الأثر، ضرورة ان الإجارة سواء كانت فاسدة أو باطلة ان علم المستأجر قبل الاستيفاء حرم عليه التصرف

ص: 153

و لو تصرف ضمن اجرة المثل و لو علم بعده لم يكن عليه الأجرة المثل مطلقاً فأي فرق بين الفاسدة و الباطلة في الأثر العملي، أما الأجرة المسماة فلا تلزم أيضاً على كلا التقديرين و انما اللازم اجرة المثل بعد الاستيفاء مطلقاً و لا فرق في ذلك بين مال الكبير و الصغير و الملك و الوقف و العاقل و المجنون فالكل سواء امام القاعدة و القانون و القضايا الكلية، و عليه فلا وجه لمادة (459) لا تلزم الأجرة- أي المسماة- في الإجارة الباطلة بالاستعمال و لكن يلزم المثل ان كان مال الوقف أو اليتيم و المجنون بحكم اليتيم.

فإن أجرة المثل لازمة في الباطلة و الفاسدة و في اليتيم و غيره و ظهر أيضاً سقوط مادتي (460، 461) الإجارة الفاسدة نافذة لكن الآجر يملك في الإجارة أجرة المثل و لا يملك الأجر المسمى.

فان النفوذ لا معنى فيه و لا اثر له هنا و الفاسدة و الباطلة متساويان في استحقاق بدل المثل.

(مادة: 462) فساد الإجارة ينشأ بعضه من كون البدل مجهولًا

و بعضه عن فقد شرائط الصحة الآخر ففي الصورة الأولى يلزم أجر المثل بالغاً ما بلغ و في الصورة الثانية يلزم أجر المثل بشرط ان لا يتجاوز الأجر المسمى.

هذا التفصيل غير مطرد ففي صورة جهل البدل لا ريب في لزوم اجرة المثل اما في الثانية فإن كان فساد الإجارة من جهة عدم الرضا كما لو كما لو كان مكرهاً أو غافلا أو هازلا فاللازم بالاستعمال اجرة المثل أيضاً، نعم لو كان الفساد من جهة عدم التعيين كما لو قال له: آجرتك أحد

ص: 154

الحانوتين أو إحدى الدابتين بخمسة دراهم، فان اللازم هنا أقل الأمرين منها و من بدل المثل فلو كان بدل المثل سبعة لزمت الخمسة فقط لأنه قد رضي بها حسب الفرض و لو كان بدل المثل ثلاثة تعينت هي لا الخمسة لفساد عقد الإجارة بعدم التعيين و ليس هذا من جهة الفرق بين الفساد و البطلان بل من جهة الرضا بالأقل مع بطلان العقد فتدبره جيداً، و تأمل.

ص: 155

الباب الثالث «في بيان المسائل التي تتعلق بالأجرة»

اشارة

«و يحتوي على ثلاثة فصول»

الفصل الأول عرفت ان البيع و الإجارة كليهما يقعان على العين

و لكن البيع من حيث ذاتها و رقبتها و الإجارة من حيث منافعها و غلتها، و قوام المعاملات- بل العالم كله، بالحيثيات و لو لا الحيثيات «كما قيل» بطلت الحكمة، فالمعوض في البيع هو العين لا غير، و في الإجارة المنفعة فقط، اما العوض فكل مال سواء كان عيناً أو منفعة، عروضاً أو نقوداً، فكما يصح بيع الدار بمنفعة دار اخرى كذلك يصح اجارة دار بمنفعة دار اخرى.

و (الضابط العام) في بدل الإجارة ان يكون مالا معلوماً مملوكاً طلقاً مقدوراً على تسليمه، و هذا كما يصلح ان يكون ثمناً في البيع يصلح ان يكون عوضاً في الإجارة سواء بسواء و من كل هذا يظهر الخلل في مادة «463» ما صلح ان يكون بدلا في البيع يصلح ان يكون بدلا في الإجارة، و يجوز ان يكون بدلا في الإجارة- الشي ء الذي لم يصلح ان يكون ثمناً، مثلا- يجوز ان يستأجر بستاناً في مقابلة دابة أو سكنى دار.

اي ان عوض الإجارة يقع منفعة كسكنى الدار كما يقع عيناً مثل الدابة و هذا متجه واضح و لكن الذي لا يتجه كون بعض ما يصلح بدلا في

ص: 156

الإجارة لا يصلح ان يكون ثمناً، بل الحق ما عرفت من ان كل ما يصلح عوضاً في الإجارة يصلح ثمنا في البيع و بالعكس فتدبره.

اما-: مادة (464) و مادة (465) فالمقصود منهما أمر واحد و هو اعتبار معلومية بدل الإجارة و قد عرفت سابقاً ان معلومية العوضين اللازمة في البيع تعتبر في خمس جهات-: الوجود، و الحصول، و المقدار، و الجنس، و الوصف، فان كان من المكيلات أو الموزونات عرف مقداره بكيله و وزنه و ان كان من المعدودات فبعدده و الا فبمشاهدته و هكذا، و كل هذا يجري في بدل الإجارة و بدون معلوميته بذلك النحو تقع الإجارة باطلة، و كان يلزم الاكتفاء عنهما بمادة واحدة فإن الثانية تغني عن الأولى فإنها مستدركة فيقال هكذا-: يلزم ان يكون بدل الإجارة معلوما بتعيين مقداره و وصفه ان كان من العروض أو المكيلات أو الموزونات أو العدديات المتقاربة و يلزم تسليم ما يحتاج الى الحمل و المئونة في المحل الذي شرط تسليمه فيه و ان لم يبين مكان التسليم فالمأجور ان كان عقاراً يسلم في المحل الذي هو فيه و ان كان عملًا ففي محل عمل الأجير و ان كان حمولة ففي مكان لزوم الأجرة، و اما في الأشياء التي ليست محتاجة إلى الحمل و المئونة ففي المحل الذي يختار للتسليم.

هذه القضية أيضا لا تختص بباب الإجارة و لعله سبق في مباحث البيع الإشارة الى ان ما يحتاج الى حمل و مئونة سواء كان ثمناً أو مثمنا و هنا أيضاً سواء كان مأجوراً أو اجرة فإن أطلق فالمتبع عرف البلد و ان لم يكن عرف فاللازم التعيين في العقد فان لم يعينا كان باطلا للجهالة و كل هذا

ص: 157

انما يجي ء في الأشياء المنقولة و ما يحتاج نقله إلى مئونة اما غير المنقول فلا يدخل في البحث أصلا و كذلك المنقول الذي لا مئونة في نقله كالنقود، فقول (المجلة) اما في الأشياء التي ليست محتاجة إلى الحمل و المئونة ففي المحل الذي يختار للتسليم، غير سديد كما لا يخفى، اما العمل فينصرف عند الإطلاق إلى محل العمل ان كان له محل كالدار و البستان و الا فما يقع عليه الشرط.

الفصل الثاني في بيان المسائل المتعلقة بسبب لزوم الأجرة و كيفية استحقاق الأجر و الأجرة

«مادة: 466» لا تلزم الأجرة بالعقد المطلق يعني لا يلزم تسليم بدل الإجارة بمجرد انعقادها حالا.

عرفت مكرراً ان كلا من العوضين في البيع و الإجارة يملكه الآخر بمجرد العقد و يجب على كل منهما دفع ما في يده الى الآخر فلو تشاحا أجبرهما الحاكم و يكفي في إجارة الأعيان تسليم العين لاستيفاء منفعتها و في العمل التهيؤ أو تسليم العامل نفسه و بهذا يظهر ان الملكية لا تتوقف على التسليم و القبض، نعم استقرارها يتوقف عليه فمن المتجه ما في مادة «467» يلزم الأجرة بالتعجيل، و لكن غير متجه قولها: يعني لو سلم المستأجر الأجرة نقداً ملكها الآجر، فإن الملكية كما عرفت لا تتوقف على التسليم بل يكفي العقد في تحققها، نعم انما تلزم بالتسليم و التسلم

ص: 158

فتدبر.

(مادة: 468) تلزم الأجرة بشرط التعجيل،،،

يعني لو شرط إعطاء بدل الإجارة نقداً يلزم المستأجر تسليمه ان كان عقد الإجارة وارداً على منافع الأعيان أو على العمل ففي الصورة الأولى للآجر ان يمتنع عن تسليم المأجور و لكن الخيار لمن له الشرط لا لمن هو عليه فجعل الخيار لهما في المادة غير سديد و في الصورة الثانية للأجير ان يمتنع عن العمل الى ان يستوفي الأجرة.

و على كلتا الصورتين لهما مطالبة الأجرة نقداً فان امتنع المستأجر عن الإيفاء فلهما فسخ الإجارة، هذا كله عملا بمقتضى الشرط و إذا لم يف بشرطه كان للآخر خيار تخلف الشرط إذا كان الشرط في متن العقد.

(مادة: 469) تلزم الأجرة باستيفاء المنفعة

مثلا- لو استأجر أحد دابةً على ان يركبها الى محل ثم ركبها و وصل الى ذلك المحل يستحق آجرها الأجرة.

يراد من هذه المادة و التي بعدها- (مادة: 470)- بيان أمر واضح و هو أن الأجرة التي تملك بالعقد عندنا تصير لازمة بأمرين (الأول) استيفاء المنفعة (الثاني) القدرة على الاستيفاء، فمن استأجر داراً سنة أو شهراً و صارت في يده الى تمام السنة لزمنه الأجرة سواء سكنها أم لا لان فوات المنفعة بيده بمنزلة الاستيفاء- فكان يلزم جعلهما مادة واحدة بأوجز مما ذكروه بكثير بل و تنضم إليهما مادة (471) لا يكفي

ص: 159

في الإجارة الفاسدة التمكن على استيفاء المنفعة و لا تلزم الأجرة ان لم يحصل الانتفاع حقيقة.

و سر ذلك ظاهر فإن الفاسدة أو الباطلة ليس لها أي اثر عقدي غايته انه ان استوفى المنفعة لزمه اجرة المثل ضماناً و غرامة لا عقدا و معاملة فإذا لم يستوف المنفعة فأي حق عليه؟، اما مع العقد و عدم الاستيفاء كما في الصورة المتقدمة فالعقد الزمه بالأجرة و هو قد فوت المنفعة على نفسه. ه- و (الحاصل) ان كل من استولى على مال غيره عيناً أو منفعة بغير عقد معه و لا رضا منه فهو ضامن له بمثله أو قيمته سواء كان المال معدا للاستغلال أو لا و سواء صدق عليه عنوان الغصب أم لا طالبه المالك بالأجرة أم لا، و من هنا يظهر الخلل في مادة (472) و من استعمل مال غيره من دون عقد طالبه المالك بالأجرة فإن كان معدا للاستغلال تلزمه اجرة المثل و الا فلا، لكن لو استعمله بعد مطالبة صاحب المال الأجرة و ان لم يكن معداً للاستغلال يلزمه إعطاء الأجرة لأنه باستعماله في هذا الحال يكون راضياً بإعطاء الأجرة.

فإن الأجرة لازمة على كل حال و لا وجه للفرق بين ما هو معد للاستغلال و بين غيره و لا بين المطالبة بالأجرة و بين عدمها فان مال الغير لا يحل إلا بإحراز الرضا و مع عدم إحراز الرضا فهو ضامن مطلقاً، و الرضا اللازم هو رضا المالك لا رضا مستوفي المنفعة، و الظاهر ان حكم (المجلة) بعدم الأجرة في صورة عدم العقد مستند إلى القاعدة المعروفة [الأجر و الضمان لا يجتمعان] مادة (86) و هي من القواعد المسلمة عند الحنفية و خالفهم

ص: 160

فيها الإمامية و الشافعية و قد تقدم فيها البحث مفصلا و سيأتي أيضاً في مادة [596] و- هب- أننا سلمنا بالقاعدة تماشياً و لكن ما وجه الفرق بين المعد للاستغلال و غيره و بين المطالبة بالأجرة، و عدم المطالبة و الكل سواء بحكم القاعدة؟ فاما عدم الضمان مطلقاً على أصول الحنفية و أما الضمان كذلك مطلقاً على أصول الباقين فتدبره جيداً.

(مادة: 473) قد تقدمت عيناً في مادة (468) كما أنها تغني و لو أحقها عما بعدها مادة (474) إذا شرط تأجيل البدل يلزم على الأجر أولًا تسليم المأجور و على الأجير إيفاء العمل و الأجرة لا تلزم الا بعد انقضاء المدة التي شرطت.

[مادة: 475] يلزم على الأجر أولا تسليم المأجور و على الأجير إيفاء العمل في الإجارة المطلقة

التي عقدت من دون شرط التعجيل و التأجيل على كل حال، يعني ان كان عقد الإجارة على منافع الأعيان أو على العمل.

قد عرفت ان حال الإجارة في العوضين حال البيع فكما يجب التقابض بينهما في البيع و ليس أحدهما بأولى من الآخر في السبق بعد فرض استحقاق كل منهما ما على الآخر و ان تشاحا أجبرهما الحاكم فكذلك في الإجارة فلزوم تسليم المأجور أولا على المؤجر و إيفاء العمل بعد على الأجير لا وجه له إلا مع الشرط كما في-:

(مادة: 476) ان كانت الأجرة موقوتة بوقت معين كالشهرية و السنوية مثلا يلزم ايفاؤها عند انقضاء ذلك الوقت.

ص: 161

فان المتبع في جميع هذه الفروع و الفروض هو الشرط، اما المطلقة فالحكم فيها التقابض و التعجيل من الطرفين كل بحسبه، و كذا مبدأ الوقت في الموقتة يتبع الشرط فان جعله من وقت التسليم لزم كذلك و إلا فمن وقت العقد، فلو قال استأجرت دارك سنة بدينار ادفعه بعد شهر، فالإطلاق يقتضي شهراً بعد العقد لا بعد التسليم، نعم لو لم يسلم لم يستحق الأجرة و لكن لو سلم استحق الأجرة بعد شهر عن السنة التي هي من حين العقد لا من حين التسليم، غايته ان المستأجر له الرجوع على المؤجر بقيمة ما مضى من المدة و يكون كالغاصب و لا يبعد ثبوت الخيار له، و من هنا يظهر الخلل في مادة (477) تسليم المأجور شرط في لزوم الأجرة يعني تلزم الأجرة اعتباراً من وقت التسليم فعلى هذا ليس للآجر مطالبة اجرة مدة مضت قبل التسليم و ان انقضت مدة الإجارة قبل التسليم لا يستحق الآجر شيئاً من الأجرة، يعني ان الإجارة تبطل لفوات محلها و يحتمل الصحة و الرجوع عليه بالقيمة.

و خلاصة التحقيق هنا- و ان مرت الإشارة إليه غير مرة- ان كلا من البائع و المشتري و الأجير و المستأجر عند تمامية العقد يستحق على الآخر ما وقع العقد عليه و يصير ملكاً له و لكن متزلزلا فإذا وقع القبض و الإقباض استقرت الملكية و لازمها ان لكل منهما مطالبة الآخر بالمال المنتقل منه اليه سواء أقبض أحدهما الآخر و سلمه أم لا فان استحقاق المطالبة من لوازم ذات العقد لا من لوازم تسليم أحدهما و عدم تسليمه.

و من هنا ظهر تسامح تعبير السيد الأستاذ قدس سره في عروته إذ يقول:

ص: 162

و لكن لا يستحق المؤجر مطالبته الا بتسليم العين أو العمل كما لا يستحق المستأجر مطالبتهما الا بتسليم الأجرة كما هو مقتضى المعاوضة، ا ه بل التعبير الصحيح أن كلا منهما يستحق مطالبة الآخر سواء سلم هو أم لا و هو واضح.

(مادة: 478) لو فات الانتفاع بالمأجور بالكلية سقطت الأجرة

مثلًا- لو احتاج الحمام الى التعمير و تعطل في أثناء تعميره تسقط حصته تلك المدة من الأجرة و كذلك لو انقطع ماء الرحى و تعطلت تسقط الأجرة اعتبارا من وقت انقطاع الماء و لكن لو انتفع المستأجر بغير صورة الطحن من بيت الرحى يلزمه إعطاء ما أصاب حصة ذلك الانتفاع من بدل الإجارة.

هذا البحث الأثيل لم توفه (المجلة) حقه مع انه من أهم مباحث الإجارة وقعاً، و أعمها نفعاً، و أوسعها فرعاً، و تحريره بتنقيح و اختصار- ان امتناع الانتفاع بالعين المستأجرة لا يخلو إما ان يكون لأمر قهري (أرضى أو سمائي) أو لسبب اختياري بشري أو لحادث اتفاقي اعتباري، و على جميع التقادير فاما ان يحدث بعد العقد قبل القبض أو بعده، قبل استيفاء شي ء من المنفعة أو بعد استيفاء مقدار منها فيتخرج من ذلك عدة صور.

الأولى-: ان يحدث المانع بعد العقد قبل القبض فان كان يعد تلفاً فلا إشكال في البطلان اما لقاعدة (كل مبيع تلف قبل قبضه ..) ان قلنا بأنها على القاعدة فتجري في غير البيع و الا فالخيار من جهة تعذر التسليم كما سيأتي.

ص: 163

الثانية-: ان يحدث بعد القبض قبل استيفاء شي ء من المنفعة فإن كان تلفاً أو بحكمه كموت العبد و تشرد الدابة و سقوط الانية في البحر كان له خيار تعذر التسليم فان المستأجر و ان قبض العين و استلام العين استلام لمنافعها فيكون التلف عليه كما في البيع لو تلف المبيع في يد المشتري و لكن حيث ان المنافع تدريجية الحصول فلا يكون استلام العين استلاماً لها الا بعد مضي تمام المدة فتكون من هذه الجهة بحكم غير المقبوض و ان كان قبضاً من حيث صيرورة الأجرة به لازمة كلزوم العقد الذي هو من آثار قبض المنفعة التي وقعت الأجرة عنها فان اختلاف الحيثية كما عرفت يصحح اختلاف الحكم، و حينئذ فإما الحكم بالانفساخ بقاعدة (التلف قبل القبض،،،) بناء على عمومها لغير البيع أو الخيار لتعذر التسليم، و إذا لم يكن تلفاً أو بحكمه كمطر أوجب انهدام الدار كلا أو بعضاً أو سيل أوجب غرق المزرعة فلا تصلح للزرع و ما أشبه ذلك، كان للمستأجر خيار العيب و لو قلنا بأنه يلزم المالك بالمبادرة إلى إصلاحه فإن أمكن بحيث لا يفوت من المنفعة زمن معتد به وجب و لا خيار و الا كان له الخيار.

الثالثة-: ان يحدث بعد استيفاء مقدار من المنفعة فإن كان المانع مما يعد تلفاً بالنسبة إلى الباقي جاءت قاعدة (التلف قبل القبض،،،) بناء على عمومها و جاء التقسيط و يكون الانفساخ حينئذ من حين حدوث المانع و استقرب السيد الأستاذ قدس سره كون الانفساخ من حين العقد فيرجع المسمى إلى المستأجر و يدفع أجرة المثل للمؤجر عن مقدار ما استوفاه من المنفعة و يدفعه أصالة اللزوم في العقد و وجوب الوفاء به

ص: 164

حسب الإمكان، و إن لم يكن تلفاً فالخيار اما للعيب أو لتعذر التسليم.

الرابعة-: ان يكون المانع من فعل بشر و هو اما المؤجر نفسه أو المستأجر نفسه أو أجنبي فإن كان هو المؤجر فالمستأجر بالخيار بين الفسخ و استرجاع المسمى و بين الإمضاء و يأخذ منه بدل مثل المنافع التي استحقها بعقد الإجارة، و ان كان هو المستأجر لزم العقد و كان بمنزلة استيفاء المنافع و ضمن للمؤجر العين و ان كان هو الأجنبي تخير المستأجر بين الفسخ و استرجاع المسمى لتعذر التسليم أو إمضاء العقد و الرجوع على الأجنبي ببدل المثل و على كلا التقديرين يضمن المتلف العين للمالك مسلوبة المنفعة و يدخل في هذا النوع غصب الغاصب، و تسلط الظالم، و انتزاع الجائز و الغاشم، و ما الى ذلك من أنواع الاستيلاء العدواني.

الخامسة-: ان يكون المانع من الانتفاع حادث اتفاقي اعتباري كما لو استأجر حانوتا في سوق ثم سقط استعمال ذلك السوق و صار الرواج في سوق آخر أو هجرت القرية التي كان بها ذلك السوق أو صار إضراب و نحوه مما يوجب سد الحوانيت مدة شهراً أو أكثر و أمثال ذلك من الحوادث الاتفاقية فالمسئلة هنا مشكلة و لا تخلو من غموض فإنه و ان لم يكن تلفاً و لكن يشبه ان يكون بحكم التلف، و إذا لم يكن عيباً فيشبه ان يكون بمنزلة العيب و مع ذلك كله فالظاهر أو الصريح من (المجلة) لزوم الأجرة-:

(مادة: 479) من استأجر حانوتاً و قبضه ثم عرض للمبيع أو الشراء

كباد ليس له ان يمتنع عن إعطاء كراء تلك المدة بقوله ان الصنعة ما راجت و الدكان بقي مسدوداً.

ص: 165

و عقدة الاشكال ما ذكرنا من ان قبض المنافع نظراً لكونها تدريجية لا يحصل بمجرد قبض العين بل لا بد من انتهاء المدة فلو تعطلت المنافع في بعض المدة كان بمنزلة التلف قبل القبض ينفسخ العقد بالنسبة اليه و يأتي التقسيط عند المشهور و الانفساخ القهري في الجميع عند السيد في العروة، و وجه الأول ان العقد ينحل الى عقود، و وجه الثاني بساطة العقد، أو ان الانفساخ من حين المانع عندهم و من حين العقد عنده، و قد عرفت ان الأصح الأول، و ثمرة المسألة لا تزال في غلاف من الخفاء و من كل ما ذكرنا ظهر لك انه لو احتاج الحانوت أو الدار أو الحمام و ما أشبهها إلى إصلاح في المدة فهي على المؤجر، فاما تسقط من الأجرة بحسابها أو يستوفى أياماً اخرى بمقدارها و من هذا الباب-:

(مادة: 480) لو استأجر زورقاً على مدة و انقضت في أثناء الطريق تمتد الإجارة إلى الوصول الى الساحل

و يعطي المستأجر أجر مثل المدة الفاضلة.

و التعبير بامتداد الإجارة تسامح بل الإجارة تنتهي بانتهاء مدتها و لكنه مأذون بالإذن الشرعي لضرورة حفظ النفس أو المال الى استعمال الزورق الى ان ينتهي إلى الساحل بأجرة المثل و تظهر الثمرة ان للمالك المؤجر ان يطالب بأجرة المثل عن الأيام الزائدة على المدة لو كانت زائدة على اجرة المسمى بخلاف ما لو قلنا بامتداد الإجارة فتدبر.

أما (مادة: 481) لو اعطى أحد داره آخر على ان يرمها و يسكنها بلا اجرة

ثم رامها و سكنها ذلك الآخر كان من قبيل العارية و مصارف

ص: 166

الأمانات لم يكن له ذلك سيما مع مطالبة المالك و كذا في عقد الإجارة فإن للمؤجر ان يحبس العين حتى يقبض الأجرة مع انه قد تعلق به حق الغير و هو المنفعة و لكنه معاوضي لا يستحقه الا بالعوض و لصاحب الحق ان يحبسه حتى يقبض العوض، فالعامل في العين سواء كان لعمله أثر كالخياطة في الثوب أو لا اثر له كحمل الطعام له ان يحبس الطعام أو الثوب حتى يقبض حقه، و اثر ذلك انه لو حبس العين لاستيفاء حقه بغير تعد و لا تفريط لا ضمان عليه في الصورتين بل لا يبعد صحة إلزامه بالأجرة و ان تلفت العين لأنها قد استقرت عليه و التلف لا يصلح لان يكون مسقطاً كما هو ظاهر، و هو نظير ما لو تلفت العين في يده بعد العمل و قبض الأجرة بغير تفريط فكما انه ليس له ان يرجع بها كذلك يجب عليه هنا دفعها و التلف لا اثر له في المقامين و من هنا ظهر الخلل في مادة (483) ليس للأجير الذي ليس لعمله اثر كالحمال و الملاح ان يحبس المستأجر فيه و بهذا الحال لو حبس الأجير المال و تلف في يده يضمن و صاحب المال في هذا مخير ان شاء ضمنه محمولًا و اعطى أجرته و ان شاء ضمن غير محمول و لم يعط أجرته.

ص: 167

التعمير عائدة اليه و ليس لصاحب الدار ان يطالبه تلك المدة بشي ء من الأجرة- خارجة عن مباحث الإجارة، فإنها عارية مشروطة بل إباحة مقيدة و لا يختص هذا بالدار بل قد يعبره الدابة للركوب و يشترط عليه علفها، بل يمكن ان يقال: ان نفقة المستعار مطلقاً على المعير إلا إذا شرط انها على المالك على ان لزوم مثل هذه الشروط الواقعة في العقود الجائزة كالعارية أو في ما يشبه الإيقاع كالإباحة محل نظر و لتحقيق ذلك مقام آخر.

الفصل الثالث في ما يصح للأجير ان يحبس المستأجر فيه في استيفاء الأجرة و ما لا يصح

(مادة: 482) يصح للأجير الذي لعمله اثر كالخياط و الصباغ و القصار ان يحبس المستأجر لاستيفاء الأجرة ان لم يشترط نسيئتها و بهذا الوصلة لو حبس ذلك المال و تلف في يده لا يضمن و بعد تلفه ليس له ان يستوفي الأجرة.

العين المأجورة لاستيفاء منفعتها أو للعمل فيها- كالدابة للركوب أو الثوب للخياطة أو الطعام للحمل- كلها امانة في يد المستأجر و العامل لكن ليس على حد سائر الأمانات بل يده عليها يد أمانة معاوضة يعني انها مقبوضة بالمعاملة و العوضية إما بالمثل أو القيمة أو المسمى و لذا جاز للبائع ان يحبس المبيع حتى يقبض الثمن و يتقابضا و لو كان على حد سائر

ص: 168

الباب الرابع في (بيان المسائل التي تتعلق بمدة الإيجار)

(مادة: 484) للمالك ان يؤجر ماله و ملكه لغيره مدة معلومة قصيرة كاليوم أو طويلة كالسنين.

هذا مما لا اشكال فيه لأن الإنسان حر في ملكه يتصرف كيف شاء و (الناس مسلطون على أموالهم) فلو أراد الرجل المسن ان يؤجر داره مائة سنة كان له ذلك سواء كانت الغبطة فيه أم لا و لكن هذا فيما هو ملكه اما ما هو ملك غيره و له الولاية عليه مثل مال الوقف و مال اليتيم و مال الغائب الذي لا وكيل له و أمثال ذلك فلا يبعد القول بان تصرف الولي فيها منوط بالمصلحة فربما لا تكون المصلحة بإجارته أكثر من سنة أو سنتين و الحاصل ان الأولياء ليس حالهم فيما لهم الولاية عليه كحالهم في أموالهم الخاصة بهم و هو واضح.

(مادة: 485) ابتداء مدة الإجارة تعتبر من الوقت الذي سمي أي عين و ذكر عند العقد.

عرفت انه لا بدّ من تعيين المدة في إجارة المنافع بل و اجارة الأعمال فإن عين ابتدائها بعد شهر أو يوم أو غير ذلك في متن العقد تعين و ان أطلق كان الابتداء من بعد العقد بلا فصل كما في مادة (486) إذا

ص: 169

لم يذكر ابتداء المدة حين العقد يعتبر من وقت العقد، فهاتان المادتان عبارة عن مادة واحدة تؤدى بأخصر عبارة و أقل ألفاظ من إحديهما.

و (مادة: 487) كما يجوز إيجار عقار على ان يكون لسنة في كل شهر أجرته كذا دراهم كذلك يصح إيجاره لسنة بكذا دراهم بدون بيان شهريته أيضاً

- فهي واضحة لا تحتاج الى بيان.

و (الضابطة) انه كلما كانت الأجرة و المنفعة و المدة معلومة صحت الإجارة، و يتفرع على لزوم تعيين المدة انه لو آجره كل شهر بكذا أو كل سنة بكذا و لم يعين مقدار الأشهر أو السنين لم تصح الإجارة لجهالة المدة، و من هذا يظهر فساد ما في مادة (494) لو استأجر عقاراً شهريته بكذا دراهم من دون بيان عدد الأشهر يصح العقد، بل الأصح أنه يبطل عند أكثر فقهاء الإمامية، ثم ان إطلاق السنة عند المسلمين ينصرف إلى الهلالية الهجرية الا ان يكون المتعارف في بلد غير هذا فيحمل الإطلاق عليه كما ان منصرف الشهر هو الهلالي و عليه مادة (488) إذا عقدت الإجارة في أول الشهر على شهر واحد أو أزيد من شهر انعقدت مشاهرة، و بهذه الصورة يلزم دفع اجرة شهر كامل و إن كان الشهر ناقصاً عن ثلاثين يوماً.

و «الضابطة» ان الشهر عند الإطلاق هو الهلالي فان لم يمكن حمله عليه فهو العددي كما في مادة (489) لو اشترط على ان تكون الإجارة لشهر واحد فقط و كان قد مضى من الشهر جزء يعتبر الشهر ثلاثين.

يعني في الإجارة المنجزة لا المضافة التي تدور مدار التعيين عددياً أو

ص: 170

هلاليا كما هو واضح، و عليه أيضا تبنى مادة (490) لو اشترط ان تكون الإجارة لكذا شهور و كان قد مضى من الشهر بعضه يتم الشهر الأول الناقص على ان يكون ثلاثين يوماً من الشهر الأخير و توفى في اجرة باقي الأيام بحساب اليومية و تعتبر الشهور التي بينها بالأهلة- مثلا لو قال: في نصف رجب- أجرتك الدار ثلاثة أشهر احتسب شعبان و رمضان هلاليين ناقصين كانا أو كاملين و أكمل رجب من شوال ما يتم به ثلاثين على أنه شهر عددي و لا حاجة الى حساب اليومية لأن الغرض ان الأجرة على الشهور لا على الأيام، و يمكن ان يقال: انه يكمل الشهر على واقعة فان كان ناقصاً أكمل تسعة و عشرين و ان كان تاما أكمل ثلاثين و له وجه و الأول أوجه.

(مادة: 491) كما يعتبر الشهر الأول الناقص ثلاثين إذا اشترط

كذا دراهم من دون بيان عدد الأشهر عند مضي بعض الشهر كذلك تعتبر سائر الشهور التي ستأتي ثلاثين يوماً على هذا الوجه،،، في هذه المادة من التعقيد و التطويل ما أضاع المقصود، و حاصله انه إذا آجر شهرياً من دون تعيين عدد الأشهر و كان في أثناء الشهر فالأشهر كلها تحسب عددية ثلاثين ثلاثين، و لكن هذه الإجارة عندنا فاسدة و لا بدّ من تعيين عدد الأشهر، و الحكم بصحتها في الشهر الأول و فسادها في الباقي كما سيأتي، و ينسب الى بعض فقهاء المذاهب تحكم صرف لا دليل عليه.

(مادة: 492) لو عقدت الإجارة في أول الشهر لسنة

تعتبر اثني

ص: 171

عشر شهراً.

عرفت ان الشهر عند المسلمين بإطلاقه يحمل على الأشهر الهلالية كما ان السنة اثنى عشر هلالي كما يدل عليه كريمة (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّٰهِ اثْنٰا عَشَرَ شَهْراً) و (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ) نعم لو كان المتعارف في بلدهم السنة الشمسية فلا شك ان الإطلاق يحمل عليها لان العرف الخاص يقدم على العرف العام و على العرف الشرعي في هذه الموضوعات، و على ما ذكرنا تبتني مادة (493) لو عقدت الإجارة لسنة و كان قد مضى من الشهر بعضه يعتبر منها شهر أياماً و باقي الشهور الإحدى عشر بالهلال، و هو مسلم لا كلام فيه، انما الكلام في ان الشهر العددي هل يحسب ثلاثين أو يحسب على ما اتفق من حال الشهر الأول من ثلاثين أو تسعة و عشرين و كما سبق قريباً.

(مادة: 494) لو استأجر عقاراً شهريته بكذا دراهم من دون بيان عدد الأشهر يصح العقد

لكن عند ختام الشهر الأول يصح لكل من الآجر و المستأجر فسخ الإجارة في اليوم الأول و ليلته من الشهر الثاني الذي يليه.

و قد عرفت ان هذا تحكم صرف لا دليل عليه فاما يبطل في الجميع أو يصح في الجميع و لا فرق بين قبض الأجرة و عدمه فإنه إذا لم يعين عدد الأشهر أو السنين أو الأيام تقع الإجارة مطلقاً و كلما ذكر في هذه المادة من الذيول و الفروع و التقاسيم عارية عن الدليل سيما قوله: و ان كان قد قبضت اجرة شهرين أو أزيد فليس لأحدهما فسخ اجارة الشهر المقبوض أجرته، فإن

ص: 172

قبض الأجرة لا يرفع ما وقع العقد عليه من الإجمال و هذا أيضاً من أحكامهم الكيفية التي يرجعون فيها الى الاستحسان مع عدم مساعدة الأدلة الشرعية.

(مادة: 495) لو استأجر أحد أجيراً على ان يعمل يوماً يعمل من طلوع الشمس الى العصر

أو الى الغروب على وفق عرف البلدة في خصوص العمل.

هذا مع الإطلاق اما مع التعيين فهو المتبع.

(مادة: 496) لو استؤجر نجار على ان يعمل عشرة أيام

تعتبر الأيام التي تلي العقد و ان كان قد استؤجر في الصيف على ان يعمل عشرة أيام لم تصح الإجارة ما لم يعين العمل اعتباراً من اي شهر و اى يوم.

لا فرق بين الصيف و غيره في ان الإطلاق يقتضي الانصراف إلى الأيام التي تلي العقد الا ان تكون هناك قرينة خاصة من حال أو مقال تمنع هذا الانصراف أو عرف خاص في البلد يقتضي خلافه، اما كون الوقت صيفاً أو شتاءً فلا اثر له في لزوم التعيين و لا في عدمه فتدبره.

ص: 173

الباب الخامس في الخيارات

اشارة

(و يشتمل على ثلاثة فصول) لعلك علمت من مباحث الخيار في البيع ان الخيار تارة يثبت من دليل خاص و اخرى يقتنص من الأدلة العامة كقاعدة الضرر و عمومات الشروط و نحوها فما قام الدليل على ثبوته في البيع اقتصر عليه و لم يتعد الى غيره من المعاملات لما عرفت من ان الخيار على خلاف الأصل و ما استفيد من العمومات أطرد في كل معاملة انطبق عليها ذلك الدليل، و حيث ان مثل خيار المجلس و الحيوان و التأخير كانت أدلتها واردة في البيع فهي مقصورة عليه و لا يجري في إجارة و لا غيرها، و اما بقية الخيارات المستفادة من الأدلة العامة و ان أيدتها الأدلة الخاصة فهي تجري في الإجارة كما تجري في البيع، و إليك بيانها و عنوانها.

1-: خيار الشرط- و منه شرط الخيار عند رد العوض أي الأجرة.

2- خيار العيب.

3- خيار الغبن.

4- خيار الاشتراط.

5- خيار تبعض الصفقة.

ص: 174

6-: تعذر التسليم 7-: التفليس.

8-: التدليس.

9-: الشركة.

10- ما يفسد ليومه.

11- خيار الوصف.

12- خيار الورثة فيما زاد على الثلث

الفصل الأول «في بيان خيار الشرط»

[مادة: 497] يجري خيار الشرط في الإجارة كما جرى في البيع

و يجوز الإيجار و الاستيجار على ان يكون أحدهما أو كلاهما مخيراً كذا أيام.

خيار الشرط في الإجارة كخيار الشرط في البيع يصح ان يجعلاه لأحدهما أو لكليهما أو لأجنبي على نحو المؤامرة أو المشاورة أو الاستقلال متصلا بالعقد أو منفصلا عنه في يوم أو أيام أو أكثر حسب ما يتفقان عليه من توزيع الأجرة لو حصل الفسخ في الأثناء أو ردها تماماً، اما مع عدم التعيين فالتوزيع- كل ذلك لعموم أدلة الشروط.

(مادة: 498) كما ان الفسخ و الإجارة على ما بين في مادة (302 و 303 و 304) يكونان قولا كذلك أيضاً يكونان فعلا

ص: 175

- بناء عليه لو كان الآجر مخيراً و تصرف في المأجور بوجه من لوازم التملك فهو فسخ فعلي و تصرف المستأجر المخير في المأجور كتصرف المستأجرين إجازة فعلية.

إذا كان للمؤجر خيار فآجر العين ثانياً من مستأجر آخر فان كان في غير زمن خياره فهو فضولي عن المستأجر و ان كان في زمن خياره فهو فسخ للإجارة الاولى، و ان كان الخيار للمستأجر و تصرف في العين المستأجرة أيام الخيار على نحو تصرف المستأجرين فهو اجازة منه لان التصرف أمارة نوعية على الرضا و الالتزام، و هذا واضح وضوح مادة (500) لو انقضت مدة الخيار قبل فسخ المخير أو إنفاذه الإجارة يسقط الخيار و تلزم الإجارة و مادة (501) مدة الخيار تعتبر من وقت العقد، يعنى مع الإطلاق، و لكن مادة (502) ابتداء مدة الإجارة يعتبر من وقت سقوط الخيار- مبني على ما سبق في البيع من ان المبيع مع خيار البائع لا يملكه المشتري إلا بعد انقضاء زمن الخيار، و عرفت انه ممنوع عند جمهور فقهاء الإمامية و شذ من نسب إليه الرأي المتقدم الذي عرفت فيما سبق ضعفه من حيث القواعد.

[مادة: 503] لو استؤجرت ارض على ان تكون كذا ذراعاً أو دونماً فخرجت زائدة أو ناقصة تصح الإجارة

و يلزم الأجر المسمى لكن المستأجر مخير حال نقصانها، له ان يفسخ الإجارة ان

ص: 176

هذه القضية فرع يبتنى على أصل كثير الفروع، و كلي متوفر المصاديق و هو باب الكميات المتصلة و المنفصلة و قد مر نظير ذلك في البيع أيضاً مثل ما لو باع قطعة قماش أو منقلة حديد أو آجر داراً على انها خمس غرف أو سيارة بناء على انها رقم كذا فتبين الخلاف في الجميع زيادة أو نقصاً فان العدد المخصوص ان كان على سبيل القيدية و التعيين و (المقيد عدم عند عدم قيده) فالإجارة ان كانت شخصية تقع باطلة و ان كانت كلية صحت و طالب بالمصداق في صورة النقص ورد الزائد في صورة الزيادة و ان كان على سبيل الشرطية و تعدد المطلوب صحت مع المخالفة ان كانت شخصية و كان له خيار تخلف الشرط و ان كانت كلية طالب بالمصداق أورد الزائد.

هذا كله قبل الاستيفاء اما بعده فعليه اجرة مثل ما استوفاه و يطالب بالمصداق أو يرد أو يفسخ على اختلاف الصور، و يظهر من (المجلة) ان له الخيار في صورة النقص و له الزائد في صورة الزيادة و هو غريب و لا ندري بأي وجه يتملكها مع ان العقد وقع على الأقل منها، و قد تقدم في مادة (226) الى (228) ما لعله ينفع هنا أيضاً فراجع.

ثم ان حال الزمان في الزيادة و النقصان حال المقادير و الأوزان في الأجناس و الأعيان فلو اكترى منه دابة على ان يوصله بها الى [بغداد] في أول رجب أو أعطاه ثوباً ليخيطه و يدفعه له ليلة العيد فتأخر عن ذلك فان كان على نحو القيدية لم يستحق الأجير شيئاً أصلا لأنه لم يأت بالمأجور عليه و لا بشي ء منه لانه بسيط لا تركيب فيه

ص: 177

و ان كان على نحو الشرطية كان له الفسخ فان فسخ استحق الأجير بدل المثل و ان امضى فالمسمى، و بهذا يظهر الخلل في مادة (505) يجوز عقد الإجارة على عمل عينت أجرته و شرط ايفاؤه في الوقت الفلاني يكون الشرط معتبراً مثلا- لو اعطى أحد إلى الخياط ثيابا على ان يفصلها و يخيطها هذا اليوم أو لو استكرى أحد ذلولا بشرط ان يوصله في عشرة أيام إلى مكة تجوز الإجارة و الآجر ان اوفى الشرط استحق الأجر المسمى و الا استحق أجر المثل بشرط ان لا يتجاوز الأجر المسمى.

(مادة: 504) لو استؤجرت ارض على ان كل دونم منها

بكذا دراهم يلزم إعطاء الأجرة بحساب الدونم إذا كانت الدونمات معلومة العدد،،، هذا إذا كانت الدونمات معلومة العدد و الا فهي باطلة كما عرفت مكررا، و لو قلنا بالصحة فهو واضح لا يحتاج الى بيان.

(مادة: 506) يصح ترديد الأجرة على صورتين أو ثلاث في العمل و العامل و الحمل و المسافة و الزمان و المكان

و يلزم إعطاء الأجرة على موجب الصورة التي تظهر فعلًا، مثلًا- لو قيل للخياط ان خطت دقيقاً فلك كذا و ان خطت خشناً فلك كذا، فأي الصورتين عمل له أجرتها أو لو استؤجر حانوت بشرط ان اجرى فيه عمل العطارة فأجرته بكذا و ان اجرى فيه عمل الحدادة فبكذا فبأي العمل اجرى فيه يعطى أجرته التي شرطت، و كذا لو استكريت دابة بشرط ان حملت حنطة فأجرتها بكذا و ان حملت حديداً فبكذا، فأيهما حمل يعطى أجرته التي عينت، أو لو قيل للمكاري استكريت منك

ص: 178

هذه الدابة إلى (چورتي) بكذا و الى (ادرنه) بكذا و الى (فلبه) فإلى أيهما ذهب المستأجر يلزمه اجرة ذلك، و كذا لو قال الآخر أجرت هذه الحجرة بكذا و هذه بكذا فبعد قبول المستأجر يلزمه أجرة الحجرة التي سكنها، و كذلك لو ساوم أحد الخياط على ان يخيط له (جبة) بشرط ان خاطها اليوم فله كذا و ان خاطها بكرة فله كذا تعتبر الشروط.

ذكر فقهاؤنا في أكثر مؤلفاتهم نظير هذه الفروض بما صورته: إذا قال: ان خطت هذا الثوب فارسياً اي (بدرز) فلك درهم و ان خطته رومياً اي (بدرزين) فلك درهمان فان قصد الإجارة بطل للجهالة و ان قصد الجعالة صح، و كذا لو قال: إذا صبغت ثوبي اليوم فلك درهم و ان صبغته غداً فنصف و القول بصحتهما إجارة أو التفصيل ضعيف و لو عمل في صورة البطلان استحق أجرة المثل.

ثم ذكروا فرضاً آخر و هو- ما لو استأجر من رجل دابته على ان يوصله الى المحل المعين في زمن معين، أو يرسل كتابه الى زيد كذلك فلم يوصله فانكان لعدم سعة الوقت و عدم إمكان الوصول فالإجارة باطلة لعدم القدرة، و ان كان الزمان واسعاً فان كان عدم الإيصال عن تقصير منه فلا يخلو اما ان يكون أخذ الإيصال الخاص على نحو القيدية بمعنى وحدة المطلوب أو على نحو الشرطية- أي التعدد- فعلى الأول البطلان و لا يستحق شيئاً، و على الثاني الصحة و الخيار، و مع الفسخ فاجرة المثل، و مثله لو استأجره لصوم الخميس فصام السبت و ان لم يكن

ص: 179

عن تقصير بل لحدوث مانع فان كان عاماً كثلج أو مطر شديد أو محاربة في الطريق فهي باطلة، و مثله ما لو كان المانع خاصاً كمرض أو ظالم أو عدو و نحو ذلك و كانت الإجارة شخصية مقيدة بالمباشرة، اما لو لم تكن شخصية فهي صحيحة و يوجه غيره للعمل و الاستيفاء و تلزمه الأجرة على كل حال.

و «بالجملة» فالمانع العام حكمه حكم التلف السماوي و كذا الخاص مع قيد المباشرة.

و بهذا تستطيع استخراج الفروع الكثيرة التي هي من هذا القبيل.

(الفصل الثاني) خيار الرؤية

[مادة: 507] للمستأجر خيار الرؤية.

(مادة: 508) رؤية المأجور كرؤية المنافع.

(مادة: 509) لو استأجر أحد عقاراً من دون ان يراه يكون مخيراً عند رؤيته.

حال خيار الرؤية في الإجارة كحاله في البيع فلو آجره داراً غايبة بالوصف ثم انكشف الخلاف كان له الخيار. اما لو رآها و استأجرها بتلك الرؤية فلا خيار بعد الاختبار إلا إذا تغيرت بعد الرؤية و قبل

ص: 180

العقد عليها، و لكن حيث ان المنافع كما عرفت غير مجتمعة الاجزاء في الوجود فلا يمكن رؤيتها لذلك صارت رؤية العين تقوم مقام رؤية المنفعة فيسقط الخيار برؤية العين و ان لم ير المنفعة كما في المادة (508) و مادة (510) من استأجر داراً كان قد رآها من قبل ليس له خيار الرؤية إلا لو تغيرت رؤيتها الاولى بانهدام محل يكون مضراً للسكنى فحينئذ يكون مخيراً، بل و حتى لو لم يكن مضراً، و كما يكون للمستأجر خيار الرؤية كذلك يكون للأجير في محل عمله حيث يكون مما تختلف مصاديقه أو أصنافه كما في مادة (511) كل عمل يختلف ذاتاً باختلاف المحل فللأجير فيه خيار الرؤية، مثلًا- لو ساوم أحد الخياط على ان يخيط له (جبة) فالخياط بالخيار عند رؤية (الجوخ) أو (الشال) الذي يخيطه، بخلاف ما لم يكن فيه اختلاف كنقل الطعام من مكان معين الى معين أو كما ذكر في مادة (512) كل عمل لا يختلف باختلاف المحل الى الآخر.

(الفصل الثالث) في خيار العيب

[مادة: 513] في الإجارة أيضاً خيار العيب كما يلحظ البيع

و لكن العيب في الإجارة لا يكون في ذات المنفعة لأنها ليست من

ص: 181

الأمور المستقلة في الوجود و انما يكون فيما تتقوم به المنفعة و هو العين فكل عيب في العين يوجب نقصاً في المنفعة المقصودة بالإجارة فهو سبب لثبوت الخيار فيها كما ذكر في مادة «514» العيب الموجب للخيار في الإجارة هو ما يكون سبباً لفوات المنافع المقصودة بالكلية أو إخلالها كفوات المنفعة المقصودة من الدار بالكلية بانهدامها و من الرحى بانقطاع ملئها، أو كاخلالها بسقوط سطح الدار أو بانهدام محل مضر للسكنى أو بانجراح ظهر الدابة فهؤلاء من العيوب الموجبة للخيار في الإجارة و اما النواقص التي لا تخل بالمنافع كانهدام بعض محال الحجرات بحيث لم يدخل الدار برد و لا مطر، و كانقطاع عرف الدابة أو ذيلها فليست موجبة للخيار في الإجارة.

(مادة: 515) لو حدث في المأجور عيب فإنه كالموجود في وقت العقد.

يفترق العيب في الإجارة عنه في البيع بأنه متى ظهر أوجب الخيار في الإجارة حتى بعد القبض و استيفاء بعض المنافع بخلافه في البيع فإنه لا اثر له بعد القبض و انقضاء الخيار فالموجود قبل العقد و الحادث بعده و الحادث بعد القبض و بعد الاستيفاء كلها توجب الخيار بين فسخها في الباقي و إمضائها و إعطاء تمام الأجرة كما في مادة (516) لو حدث في المأجور عيب فالمستأجر بالخيار ان شاء استوفى المنفعة مع العيب و اعطى تمام الأجرة و ان شاء فسخ الإجارة.

يعني انه ليس له المطالبة بالأرش كما في البيع مطلقا أو في بعض

ص: 182

الصور، و لكن التحقيق انه لا مانع منه هنا بناء على ان المطالبة بالأرش و عدم الفسخ على مقتضى قاعدة أصالة اللزوم بالعقود و انه يجب الوفاء بالعقد حسب الإمكان و الأرش غرامة للوصف أو الجزء الفائت و كذا لو زال العيب من نفسه أو ازاله المؤجر قبل فوات شي ء معتد به من المنفعة سقط الخيار كما في مادة (517) إن أزال الآجر العيب الحادث قبل فسخ المستأجر الإجارة لا يبقى للمستأجر حق الفسخ.

(مادة: 518) ان أراد المستأجر فسخ الإجارة قبل رفع العيب الحادث الذي أخل بالمنافع فله فسخها في حضور الأجر و الا فليس له فسخها في غيابه و ان فسخها في غيابه من دون ان يخبره لم يعتبر فسخه و كراء المأجور يستمر كما كان، و اما لو فاتت المنافع المقصودة بالكلية فله فسخها في غياب الآجر أيضاً و لا تلزمه الأجرة ان فسخ أو لم يفسخ كما بين في مادة (468) مثلا- لو انهدم محل يخل من الدار المأجورة فللمستأجر فسخ الإجارة لكن يلزم عليه ان يفسخها في حضور الآجر و الا فلو خرج من الدار من دون ان يخبره يلزمه إعطاء الأجرة كأنه ما خرج و اما لو انهدمت الدار بالكلية فمن دون احتياج الى حضور الأجر للمستأجر فسخها و على هذا الحال لا تلزم الأجرة.

هذا أيضاً من الحكم الجزافى، و القول بلا دليل، فإنه متى حصل سبب الفسخ كان له ان يفسخ في حضور الآجر أو غيابه، نعم يجب عليه لو فسخ وجوباً تكليفياً اعلام المؤجر دفعاً لما يحتمل من دخول

ص: 183

الضرر عليه لو لم يعلمه بالفسخ فيبقى ملكه عاطلا و تفوته اجرة تلك المدة و لكن ليس معناه ان فسخه يكون باطلا و لا اثر له مع الغياب في الأول دون الثاني.

و «بالجملة» فوجوب الاخبار لا علاقة له باعمال الخيار، و لا يتوقف أحدهما على الآخر فليتدبر.

نعم لو تعطلت الدار بالكلية انفسخت انفساخاً قهرياً لعدم الموضوع كما عرفت.

(مادة: 519) لو انهدم حائط الدار أو إحدى حجرها و لم يفسخ المستأجر الإجارة و سكن في باقيها لم يسقط شي ء من الأجرة.

فإن الانهدام و ان أوجب الخيار و لكن سكوته و سكناه فيها دليل على رضاه بالعقد و إمضائه.

[مادة: 520] لو استأجر أحد دارين بكذا دراهم و انهدمت إحداهما فله ان يترك الاثنتين معاً.

يعني يكون له الخيار ان شاء ترك الاثنتين و استرد الأجرة و ان شاء أمضي في واحدة و استرد ما يخص الثانية المنهدمة لأن الإجارة فيها باطلة ذاتاً فلا معنى لإجازة العقد بل اما الفسخ فيهما أو الإجازة في الصحيحة، فليتدبر.

و من هذا يظهر الخلل في-:

(مادة: 521) المستأجر بالخيار في دار استأجرها على ان تكون كذا حجرة و ظهرت ناقصة

إن شاء فسخ الإجارة و ان شاء قبلها بالمسمى و لكن

ص: 184

ليس له إيفاء الإجارة و تنقيص مقدار من الأجرة.

فإن القواعد تقتضي ان يكون له الخيار، و الخيار في منطقته هنا اما الفسخ في كل الدار أو الإجازة بنسبة الحجر الموجودة و تنقيص مقدار ما يخص الناقصة لأن الأجرة تتوزع على الحجر حسب الشرط فتنحل الى عقود متعددة كما في نظائرها.

نعم لو كان اللحاظ في الإجارة المذكورة على نحو البساطة كان لما ذكرته (المجلة) وجه و لكنه خلاف ما عليه التحقيق في نظائره.

ص: 185

(الباب السادس في بيان أنواع المأجور و احكامه

اشارة

و يشتمل على أربعة فصول

الفصل الأول في بيان مسائل تتعلق بإجارة العقار

(مادة: 522) يجوز استيجار دار أو حانوت بدون بيان انها سكنى لأحد.

نعم هذه هي الإجارة الكلية التي يملك بها المستأجر المنفعة مطلقة غير مقيدة فله ان يستوفيها بنفسه أو بمن يفوضه عليها بإجارة أو غيرها.

و من الواضح الذي لا حاجة الى بيانه مادة (523) من آجر داره أو حانوتة و كانت فيه أمتعة و اشياؤه تصح الإجارة و يكون مجبوراً على تخليته فان هذا من ضروريات الإجارة و لوازم التسليم فلا حاجة الى بيانه.

اما- (مادة: 524) من استأجر أرضاً و لم يعين ما يزرعه فيها و لم يعمم

على ان يزرع ما شاء فإجارته فاسدة و لكن أو عين قبل الفسخ و رضي الآجر تنقلب إلى الصحة.

و هذا صحيح لما عرفت من لزوم التعيين و عدم الإجمال في الإجارة لكنها إذا فسدت للإجمال لم ينفع في صحتها التعيين أخيراً و لا يعقل ان

ص: 186

ينقلب الشي ء عما وقع عليه و يصير ما وقع فاسداً صحيحاً الا بعقد جديد فتدبره جيداً.

(مادة: 525) من استأجر أرضاً على ان يزرعها ما شاء فله ان يزرع مكرراً صيفاً و شتاء.

هذا أيضاً من فروع الإجارة الكلية كما عرفت.

(مادة: 526) لو انقضت مدة الإجارة قبل إدراك الزرع فللمستأجر ان يبقي الزرع في الأرض إلى إدراكه و يعطى اجرة المثل.

هذا إذا كان في قلع الزرع ضرر على صاحبه اما مع عدم الضرر فلصاحب الأرض ان يجبر صاحب الزرع على قلعه بل و حتى في صورة الضرر على المستأجر ليس له ان يجبر صاحب الأرض على اجرة المثل بل اللازم إرضاؤه و لو بأزيد من اجرة المثل بالاستيجار ثانياً.

(مادة: 527) يصح استيجار الدار و الحانوت مع عدم بيان كونه لأي شي ء، و اما كيفية استعماله فيرجع الى العرف و العادة.

هذا أيضاً من فروع الإجارة الكلية يستوفي المنفعة كيف شاء و حسب المتعارف في كل صنعة و مهنة على موازينها و عليه يبتني مادة (528) كما انه يصح لمن استأجر داراً مع عدم بيان كونها لأي شي ء ان يسكنها بنفسه كذلك يصح له ان يسكنها غيره أيضاً و له ان يضع فيها أشياءه و له ان يعمل فيها كل عمل لا يورث الوهن و الضرر للبناء و لكن ليس له ان يفعل ما يورث الضرر و الوهن للبناء إلا بإذن صاحبها و اما في خصوص ربط الدواب فعرف البلدة و عادتها معتبر

ص: 187

و مرعى و حكم الحانوت على هذا الوجه.

(مادة: 529) اعمال الأشياء التي تخل بالمنفعة المقصودة عائدة إلى الآجر

مثلا- تطهير الرحى على صاحبها و كذلك تعمير الدار و طرق البناء و إصلاح منافذه و إنشاء الأشياء التي تخل بالسكنى و سائر الأمور التي تتعلق بالبناء كلها لازمة.

الملحوظ بهذه المادة و ما بعدها الى آخر هذا الفصل هو بيان حكم الأحداث التي يحدثها المستأجر في العين المأجورة أو ما يلزمه من نفقاتها بالذات أو بالعرض، و تحرير هذا البحث الذي هو من مهمات بحوث الإجارة ان النفقات اللازمة على أنواع الأول-: ما يتوقف بقاء تلك العين عليها كعلف الدابة و سقيها و نفقة العبد و مداواة علله أو جرح الدابة و ما أشبه ذلك، و لا ريب في ان جميع ذلك ان لم يشترطها المؤجر على المستأجر فهي عليه فان دفعها و الا أنفق المستأجر و رجع بها على المؤجر اذن أو لم يأذن فإن امتنع جبره الحاكم على غرامتها.

الثاني-: الأحداث القائمة بالعين التي يتوقف الانتفاع بها كلا أو بعضاً عليه كنقر الرحى و تنظيف مجرى الماء أو بيت الماء أو تعمير مثل الدرج أو الباب أو نحو ذلك من مرافقها الضرورية، و لا ينبغي الاشكال انه على المالك المؤجر أيضاً.

الثالث-: الجهات الكمالية، و المحسنات الاعتبارية كتبيض غرف الدار و صبغ أبوابها و ما الى ذلك، و لا ينبغي الريب أيضاً في انها على

ص: 188

المستأجر الا ان يشترطها على المؤجر، و ان انتهت المدة فإن أمكن قلعها من دون ضرر أخذها و الا كان له أخذها بعد تدارك الضرر سواء وضعها بإذن المؤجر أو بدونه، و يلحق بهذا ما يحدثه المستأجر في المأجور من غرس أو بناء أو شبه ذلك.

الرابع-: الآلات الخارجة عن العين اللازمة عرفاً و عادة لاستيفاء المنفعة منها كالسرج و الرحل و اللجام و أمثالها للدابة، و المفتاح و القفل للدار و الحانوت و كثير من نظائرها، فالمتبع في ذلك عرف البلد و عادة قوم المتعاملين، فان اختلفوا أو لم يكن هناك عرف و لا عادة فهي على المستأجر إلا مع الشرط، و من هذا القبيل آلات الحياكة و الخياطة و الكتابة و ما على هذا المثال من الصنائع و الاعمال حتى في مثل الخيوط و الأصباغ و البنود و نحوها، ثم ان في كل مورد وجب على المؤجر الصرف و الإنفاق و لم يفعل و لم يقتدر الحاكم على إلزامه أو لم يكن حاكم فللمؤجر ان يفسخ عقد الإجارة و يسترد الأجرة إلا إذا كان قد رآها و استأجرها بذلك الحال و لم يطلب بادئ بدء إصلاحها فلو أصلحها المستأجر حين لا حق له على المؤجر كان تبرعاً منه و لا حق له بالرجوع عليه بها.

هذا كل ما ينبغي ان يقال في هذه الناحية من الإجارة و منه تعلم ما يوافق (المجلة) منها و ما يخالفها ففي مادة (531) لو أحدث المستأجر بناء في العقار المأجور أو غرس شجرة فالآجر مخير عند انقضاء مدة الإجارة ان شاء قلع البناء و الشجرة و ان شاء أبقاهما و اعطى قيمتها قليلة

ص: 189

كانت أو كثيرة،،، بل المستأجر لا الآجر مخير ان يقلع أو يبقيهما للآجر فتكون ملكا له مع أرضه و هو واضح.

الفصل الثاني في إجارة العروض

(مادة: 534) يجوز إجارة الألبسة و الأسلحة و الخيام و أمثالها من المنقولات لمدة معلومة مقابل بدل معلوم.

اجارة كلية أو شخصية، مقيدة أو مطلقة، مضافة أو منجزة:

(مادة: 535) لو استأجر ثياباً على ان يذهب بها الى محل ثم لم يذهب و لبسها في بيته أو لم يلبسها يلزمه أجرتها

لا يختص هذا بالمنقولات بل كل مأجور إذا سلمه المؤجر للمستأجر لزمنه الأجرة سواء استوفى منفعته أو عطلها فلو استلم الدار أو الدابة و لم يركب و لم يسكن. أو الإنسان المستأجر و لم يستعمله لزمته الأجرة في الجميع، كما ان مادة (536) من استأجر ثياباً على ان يلبسها بنفسه فليس له ان يلبسها غيره، لا تختص بالثياب بل يطرد ذلك في كل إجارة شخصية مقيدة بالمباشرة، إنما الإشكال المعضل في المقام ما لو استوفى المنفعة غير المستأجر الخاص فهل يستحق المؤجر أجرة المثل مع اجرة المسمى بناء على إمكان منفعتين متضادتين في وقت واحد كما مال

ص: 190

اليه أو قال به السيد الأستاذ في عروته في نظائر المقام أو عدم الإمكان فتبطل الإجارة و يستحق بدل المثل على من استوفى المنفعة لفوات المحل كما هو الأقوى عندنا لاستحالة ان يكون للشي ء الواحد منفعتان متضادتان في وقت واحد، فلو استأجر دابة لا دارة الرحى يوم الجمعة فركبها الى (بغداد) لا يعقل ان يكون لتلك الدابة تلك النفعتان و يستوفي المالك أجرتين المسمى و اجرة المثل بل المعقول بطلان اجرة ادارة الرحى المسماة و يستحق اجرة المثل، اما استحقاقهما معاً فبأي وجه يكون.؟

و يلحق بهذا فروع كثيرة من هذا القبيل مثل ما لو استأجر دابة لركوبه بنفسه فآجرها من غيره فعلى الأول يستحق المالك الأجرتين- الاولى و هي المسماة و الثانية أجرة المثل من المستأجر الثاني. و على ما اخترناه تبطل الاولى للتفويت و يستوفي من الثاني أجرة المثل أو أكثر الأمرين منها و من المسماة و نظائر هذا كثيرة.

و عكس هذا النوع اعني ما تسقط فيه كلا الأجرتين ما لو استأجر؟

على خياطة ثوبه في ساعة معينة أو يوم معين فاشتغل ذلك اليوم بعينه ببناء دار المستأجر أو نحوها مع علمه فإنه لا يستحق أجرة الخياطة لعدم الإتيان بها و لا اجرة البناء لانه متبرع لم يؤجر عليها فتدبر هذه الفرائد و اغتنمها.

ص: 191

الفصل الثالث «في إجارة الدواب»

اشارة

عرفت ان التعيين في الإجارة شرط ركني فإذا آجرك الدابة فلا بد من تعيين الدابة و المحل و الزمان و الأجرة، و من هذا يظهر التسامح في مادة (538) كما يصح استكراء دابة معينة يصح الاشتراط على المكاري الا يصال الى محل معين،،، فان استكراء الدابة المعينة لا بد معه من تعيين المحل و بدونه فالإجارة باطلة.

(مادة: 539) لو استؤجرت دابة معينة إلى محل معين و تعيب في الطريق فالمستأجر يكون مخيراً

اما بانتظارها حتى تستريح أو نقض الإجارة و دفع اجرة ما مضى من المسافة من المسمى بالنسبة و لا يجري فيه.

(مادة: 540) لو اشترط حمل معين الى محل معين و تعبت الدابة في الطريق فالمكاري مجبور على تحميله على دابة أخرى و إيصاله الى ذلك المحل

لأن الدابة هنا غير شخصية فله ان يحمله على اي دابة شاء بل له ان يحمله على اي مركوب آخر من (عربة) أو (سيارة) أو غيرهما

(مادة: 541) لا يجوز استيجار دابة من دون تعيين

و لكن ان عينت بعد العقد و قبل المستأجر يجوز و أيضاً لو استؤجرت دابة من

ص: 192

نوع على ما هو المعتاد بلا تعيين يجوز و يصرف على المتعارف المطلق مثلا- لو استؤجرت دابة من المكاري إلى محل معلوم على ما هو المعتاد بلا تعيين يلزم المكاري إيصال المستأجر على دابة الى ذلك المحل على الوجه المعتاد.

قد تكرر منا بيان ان الإجارة بدون التعيين باطلة، و التراضي بعد العقد على دابة معينة لا يجعلها مرتبطة بالعقد بل هو تراض مستقل لنفسه و يكون كإباحة و مطالعات، نعم لو كان هناك انصراف أو عرف أو عادة قام مقام التعيين و صح العقد كما ذكر في ذيل هذه المادة

[مادة: 542] لا يكفي في الإجارة تعيين اسم الخطة و المسافة

الا ان يكون اسم الخطة علماً متعارفاً لبلدة مثلا- لو استؤجرت دابة إلى العراق لا يصح ان يلزم تعيين البلدة و لكن لفظ الشام و ان كان اسم قطعة تعورف إطلاقه على بلدة دمشق إلخ ..

تعيين اسم المسافة يكفي على نحو الكلية فيجعلها في أي جهة شاء و على نحو الشخصية فيعينها في جهة مخصوصة فلو استؤجرت الدابة ليسير عليها مائة فرسخ فله ان يسير بها من الشام الى العراق و الى اي بلدة يريد من العراق.

(مادة: 543) لو استؤجرت دابة إلى مكان و كان يطلق على بلدتين فأيهما قصدت يلزم اجرة المثل.

إذا قصد إحديهما و عينه صح و تعين المسمى و الا فسدت الإجارة و تعيين بدل المثل لو استوفى المنفعة.

ص: 193

(مادة: 544) لو استكريت دابة الى بلدة يلزم إيصال مستأجرها إلى داره.

هذا غير لازم أصلا بل اللازم اتباع عرف البلد و تواضعهم فان اختلف فلا بد من التعيين في متن العقد فان لم يعين فلا حق في الإيصال إلى الدار بل الى طرف البلد و يدخلها.

(مادة: 545) من استكرى دابة إلى محل معين فليس للمستأجر ان يذهب بتلك الدابة إلى محل آخر فان تلفت الدابة يضمن.

الضمان هنا بقاعدة اليد بعد خروجه عن الأمانة فإن تلفت ضمن العين و المنافع من حين التجاوز الى حين التلف خلافاً للحنفية القائلين بأن (الأجر و الضمان لا يجتمعان) بل عندنا يضمن المنافع مطلقاً تلفت العين أم لا.

و هذه المادة تغني عن جملة من المواد التي بعدها مثل- مادة (547) لو استؤجر حيوان الى محل معين و كانت طرقه متعددة فللمستأجر أن يذهب بأي طريق شاء من الطرق التي يسلكها الناس و لو ذهب من غير الطريق الذي عينه صاحب الدابة و تلفت فان كان أصعب من الطريق الذي عينه ضمن و ان كان مساوياً أو أسهل فلا،،، بل الصحيح انه يضمن بالتجاوز مطلقاً و لا مستند لما ذكروه سوى الاستحسان و الاعتبار الذي يذهب جفاء امام القاعدة و الدليل.

و مثل مادة (548) ليس للمستأجر استعمال دابة أزيد من المدة التي استأجرها

و ان استعملها و تلفت في يده يضمن،،، فإنها تكرار محض لما

ص: 194

سبق، و هكذا مادة (549 و 550 و 551 و 552) فان الجميع فضول و تكرار بلا فائدة يلزم درجها جميعاً في مادة أو مادتين عند التحرير.

[مادة: 553] لو استكرى دابة للركوب من دون تعيين من يركبها

و لا التعميم على ان يركبها من شاء تفسد الإجارة و لكن لو عين و بين قبل الفسخ تنقلب إلى الصحة و لا يركب على تلك الدابة غير من تعين.

هذه المادة متهافتة متدافعة من جميع نواحيها فإن الإجارة إذا كانت فاسدة فما معنى الفسخ، ثم كيف ينقلب الفاسد صحيحاً و الشي ء لا ينقلب عما وقع عليه.

و «التحقيق» ان الإجارة المزبورة اي الخالية من التعيين و التعميم صحيحة و هي على حد سائر الإجارات الكلية فإنه يستأجر الدار و الدابة شهراً معيناً ليستوفي تمام منافعها اي يملك كل منفعة يمكن استيفاؤها من تلك الدار أو الدابة بأي نحو اما بنفسه أو بايجارها لغيره أو غير ذلك، كل هذا جائز و صحيح، و هذا هو مفاد كل إجارة مطلقة فإذا أرادا غير ذلك وجب التعيين و إذا لم يعينا فليس معناه انها فاسدة بل تكون مطلقة عامة ان لم يكن عرف خاص ينصرف إليه الإطلاق كما في مادة (554) و مادة (555) و كله واضح.

(مادة: 556) ليس للمستأجر ضرب دابة الكراء من دون اذن صاحبها و لو ضربها و تلفت يضمن.

بل له ان يضربها على المتعارف و ان لم يأذن صاحبها.

ص: 195

(مادة: 557) لو اذن صاحب دابة الكراء بضربها فليس للمستأجر إلا الضرب على الموضع المعتاد

مثلا- لو كان المعتاد ضربها على عرفها فضربها على رأسها و تلفت يلزم الضمان.

إذا استند التلف الى الضرب المزبور و لم يكن مأذوناً به بخصوصه اما لو استند الى سبب آخر لو لم يعلم السبب أو كان مأذوناً به فلا ضمان.

(مادة: 558) يصح الركوب على دابة استكريت للحمل.

لعل وجه ذلك عندهم ان الركوب أخف من الحمل و هو استحسان ممنوع صغرى و كبرى، و الأصح انه مع التقييد بالحمل فقط لا يجوز له الركوب و لو ركب فتلفت ضمن و اجارة الحمل بطلت و عليه اجرة المثل للركوب.

و من هذا القبيل من الاستحسان الغير حسن مادة (559) لو استكريت دابة عين نوع حملها و مقداره يصح تحميلها حملًا مماثلا له أو أهون منه في المضرة و لكن لا يصح تحميل شي ء أزيد في المضرة مثلا من استكرى دابة على ان يحملها خمسة اكيال حنطة كما يصح له ان يحملها من ماله أو مال غيره اي نوع كان خمسة اكيال حنطة كذلك يجوز ان يحملها خمسة اكيال شعير- و لكن لا يجوز العكس- يعني لأن الحنطة أصلب من الشعير، و يتضح بالمثال الثاني من [المجلة] كما لا يصح ان تحمل مائة وقية حديد دابة استكريت على ان تحمل مائة أوقية قطن.

فان ثقل كل واحد منهما و ان كان واحداً و لكن ثقل الحديد

ص: 196

يجتمع على رقعة صغيرة من ظهرها فيهده و يبهضه بخلاف القطن فإنه ينتشر على ظهرها فيهون و لا يؤذيها فإنك قد عرفت عدم جواز التجاوز عن نص موضوع العقد فان هذه الطريقة تجعل العقد واهيا و توجب الفوضى في العقود التي ما شرعت الا للضبط و الإتقان بما لا يبقى معه مجال للتلاعب و التحوير حسب تبدل الأهواء و الأغراض هذا مضافاً الى ما أنبأناك عنه غير مرة من ان القصود تختلف أشد الاختلاف فقد يكون قصد صاحب الدابة أي المؤجر تحميلها الأثقل كالحديد ليروضها و لا يرضى بوزنه من القطن لانه خلاف غرضه.

و مثل هذه المأجوريات عند الناس لا تحرز بالقياس و لا تدرك بالاستحسان، فالجمود على نص العقود هو المتعين و الا بطلت الفائدة وضاع الغرض المهم فتدبر هذا و اغتنمه.

(مادة: 560) وضع الحمل على الدابة على المكاري.

لأن المتعارف في بلادنا ذلك و قد يتعارف في بلاد خلافه فيكون هو المتبع.

(مادة: 561) نفقة المأجور على الآجر.

و قد تقدم قريباً توضيح هذا الموضوع و حكمه و ان الموجر إذا لم يدفع نفقة الدابة و لا اذن بها للمستأجر أي لو استأذنه فلم يأذن يجبره حاكم الشرع فان لم يمكن و لم يحصل الغرض ينفق المستأجر و يرجع بها على المؤجر و له حبس العين بعد المدة حتى يأخذ حقّه.

نعم لو أنفق متبرعاً فلا معنى للرجوع حينئذ، و من هذا يظهر الخلل في

ص: 197

بقية هذه المادة (و لكن لو اعطى المستأجر علف الدابة بدون اذن صاحبها تبرعاً ليس له أخذ ثمنه من صاحبها بعد)

الفصل الرابع في إجارة الآدمي

(مادة: 562) يجوز إجارة الآدمي للخدمة أو لإجراء صنعة ببيان مدة أو بتعيين العمل بصورة أخرى.

هذا البيان غير كاف و لا شاف، و تحرير هذا البحث ان إجارة الإنسان حراً أو عبداً اما ان تقع على الخدمة، و بعبارة اجلى يستأجره على ان تكون كل منافعه له فيستعمله في كل ما يريد من حوائجه و لا محيص في مثل هذه الإجارة من تعيينها بالمدة سنة معينة أو شهراً معيناً منجزة أو مضافة.

و امّا ان تقع على عمل معين مخصوص من كتابة أو خياطة أو حياكة فلا بد هنا من تحديد العمل و محل العمل اي ما يعمل فيه من خياطة ثوب أو (جبة) أو غير ذلك، اما الزمان فان عينه تعين و ان أطلق انصرف الى المتعارف و ان لم يكن فاللازم ان يعمله بعد العقد بلا فصل و يكون له الاشتغال بمقدار ما يقدر له أهل الصنعة مثلا صياغة القلادة في أسبوع و صياغة الخاتم في يوم و هكذا فان لم ينضبط بذلك بطل كونه اجارة و صح جعالة بالمسمى فان لم يكن جعالة استحق لو عمل اجرة

ص: 198

المثل كما في مادة (563) لو خدم أحد آخر على طلبة من دون مقاولة أجرة فله اجرة المثل، لانه بعدم تعيين الأجرة لم يقع اجارة و لا جعالة فله اجرة المثل سواء كان ممن يخدم بالأجرة أو لا، و لا وجه لتقييده بالأول كما في (المجلة) فان عمل المسلم محترم و هو غير متبرع حسب الفرض.

نعم لو خدم بغير طلب لم يكن له حق المطالبة بالأجرة لأنه متبرع سواء كان كبيراً أو صغيراً خلافاً لبعض من الزم بها في الثاني دون الأول و هو تحكم، و لو اختلفا في الطلب فادعاه الخادم و أنكره المخدوم حلف و لا حق الا إذا أقام الأول البينة كما في نظائرها، اما لو اعترف بالطلب و قال: قصدت ان تعمل لي متبرعاً، و قال الآخر: انا ما عملت بقصد التبرع بل يقصد الأجرة يحلف لأنه أعرف بقصده الذي عليه المدار لا على قصد الطالب و يأخذ الأجرة.

و من هذا القبيل مادة (564) لو قال أحد لآخر اعمل هذا العمل أكرمك و لم يبين مقدار ما يكرمه به فعمل العمل المأمور به استحق أجر المثل،

لما عرفت من انه ليس اجارة و لا جعالة.

و «الضابطة العامة» ان كل عمل متقوم لشخص أو في مال شخص عن اذن منه فللعامل اجرة المثل إلا إذا كان إجارة أو جعالة فالمسمى و ان كان تبرعاً فلا شي ء.

و منه مادة (565) لو استخدم العملة من دون تسمية اجرة تعطى أجرتهم ان كانت معلومة و الا فاجر المثل،

لأن الإطلاق مع المعلومية ينصرف إليها و ان كان لا يخلو من نظر و معاملة من يماثلهم على هذا

ص: 199

الوجه أيضا.

(مادة: 566) لو عقدت الإجارة على ان يعطي للأجير شيئاً من القميات لا على التعيين يلزم أجر المثل

مثلا- لو قال الأجر لآخر ان خدمتني كذا أياماً أعطيتك بقرتين لا يلزم البقر للجهالة و يلزم اجرة المثل، و لا فرق بين هذا و بين استئجار الظئر- و هي المرضعة- فلو استأجرها على ان يعمل لها ألبسه لا يصح الا إذا وصف الألبسة بما يرفع جهالتها كما يصح في الفرع المتقدم لو وصف البقرتين و ان لم توصف الألبسة و لم تعرف كانت باطلة و لو أرضعت بهذه الصورة كان لها أجر المثل، و قول (المجلة) يلزم من الدرجة الوسطى لا وجه له، و من اقيسة امام الحنفية انه قال: يجوز استيجارها بألبسة مجهولة و عوض مجهول لأن محبة الآباء الزائدة لأبنائهم تجعلهم يحنون على الظئر فيعطونها أكثر مما تستحق، لأن الإجارة لا تفسد للجهالة بل للجهالة الموجبة للنزاع و الجهالة هنا لا توجب نزاعاً، ا ه.

و هذا نظير ما يقولون: سبك مجاز بمجاز و غلط في غلط، و هو ممنوع صغرى و كبرى، فان الآباء و ان كانوا يحبون أولادهم و لكنهم يجازفون بأموالهم و يتنازعون على ما هو أقل من ذلك و الشارع قد منع من مطلق الجهالة حماية للحمى حتى لا يصل الأمر إلى الجهالة الموجبة للنزاع فتدبره جيداً.

(مادة: 567) العطية التي تعطى للخدمة من الخارج لا تحسب من الأجرة.

ص: 200

هذا واضح لا حاجة الى بيانه لأنها عطية للخادم لا للمخدوم و ان كانت على حسابه.

(مادة: 568) لو استؤجر أستاذ لتعليم علم أو صنعة فإن ذكرت مدة انعقدت الإجارة على المدة

و الأستاذ يستحق الأجرة بكونه حاضراً أو مهيأ للتعليم قرأ التلميذ أو لم يقرأ، و ان لم تذكر مدة انعقدت فاسدة و على هذه الصورة ان قرأ التلميذ فالأستاذ يستحق الأجرة و الا فلا.

يعنى يستحق اجرة المثل على تعليمه، و على هذا فاستئجار المعارف طائفة من المعلمين براتب شهري و ان لم يكن المدة معلومة بأجمعها يمكن تصحيحه بأن الإجارة حسب القصد الارتكازي و التعامل الجاري يكون على كل شهر برأسه فتكون المدة بهذا معلومة و يكون دفع الراتب عن أشهر العطلة كشرط ضمني.

و «الحاصل» ان الإجارة تقع على كل حصة من الزمن فيكفي معرفة الحصة و يقدح عدم معرفة جميع الحصص من المستقبل.

(مادة: 569) من اعطى ولده الأستاذ ليعلمه صنعة من دون ان يشترط بينهما اجرة

فبعد تعلم الصبي يعمل بعرف البلدة و عادتها و ان لم يكن عرف فاجرة المثل.

(مادة: 570) لو استأجر أهل قرية معلماً أو إماماً للصلاة أو مؤذناً و أو في خدمته يأخذ من أجرته من أهل تلك القرية.

هذا مما لا اشكال فيه فيجمعونها من افرادهم على حسب العادة فيما بينهم أو على مقدار سعة كل واحد منهم إنما الإشكال في صحة مثل هذه

ص: 201

الإجارة و هي مسألة معروفة بالإشكال و من معضلات الفن عند الفقهاء و هي مسألة أخذ الأجرة على الواجبات و حيث ان [المجلة] لم تتعرض لهذا البحث مع انه من مهمات مباحث الإجارة و كان حقه ان يذكر هنا أي في إجارة الآدمي أو في شرائط العمل المستأجر عليه، و موجز القول فيه ان الواجب لا يخلو اما ان يكون عينياً أو كفائياً و كل منهما لا يخلو اما ان يكون تعبدياً أو توصلياً و كل منهما لا يخلو اما ان يكون وجوبه أصلياً أو عرضياً و كل منهما اما ان يكون واجباً عليه أو على غيره، فالواجبات التوصلية بجميع أنواعها سواء وجبت عليه أو على غيره، يجوز أخذ الأجرة عليها مطلقاً لان معنى التوصلي هو الذي يطلب وجوده في الخارج كيف اتفق و من اي داع و سبب كان فيجوز ان يستأجرك غيرك لتطهير ثوبه أو ثوبك للصلاة و غيرها كما يجوز ان تستأجره لذلك أيضاً و كذا الكلام في سائر التوصليات و اما التعبديات و هو ما لا يصح الا بنية القربة أي لا يحصل امتثاله إلا بإتيانه بداعي التقرب اليه تعالى في امتثال امره فلا يصح أخذ الأجرة عليه حسب القاعدة لأن الإتيان به بداعي القربة يتنافى مع الإتيان به بداعي الأجرة سواء كان عينياً أو كفائياً كصلاة الظهر أو الصلاة على الميت و كذا؟؟؟؟ أو تغسيل الميت فلا معنى لاستئجار شخص يصلي عنك صلاة الظهر و يصلي على ميتك أو يغسله و الإجارة تكون باطلة لاغية.

نعم يستثنى من ذلك أخذ الأجرة للصوم و الصلاة و الحج نيابة عن

ص: 202

الميت الذي ثبت بالدليل من إجماع و غيره صحته، و قد أعضل على الأساطين تطبيق هذا الحكم على القواعد و تخريج وجه للجمع بين داعي القربة الذي تتقوم به روح العبادة و داعي الأجرة الذي لم يأت بالعمل عن الغير لولاها و هما متنافيان بالضرورة فكيف الجمع بينهما و الشرع لا يصحح المستحيل؟ و قد ذكروا لذلك وجوهاً متعددة لا يخلو أكثرها من نظر و هي موكولة إلى محلها.

و يلحق بهذا المستحبات التعبدية مطلقاً كصلاة النوافل و قراءة القرآن فلا يصح ان تستأجر من يصلي النافلة عنك أو عن نفسه أو يقرأ القرآن له أو لك أو لو لديك و لكنهم جوزوا النيابة عن الغير حي أو ميت في عامة المستحبات حتى الحج و لم يمنعوه إلا في الصوم و الصلاة عن الحي فلا يصح ان تستأجر من يصوم عنك شهر رجب أو شعبان أو يصلي لك صلاة النافلة أو صلاة التراويح.

نعم يجوز استيجاره ليزور عنك أو يحج أو يقرأ القرآن و هكذا سائر المستحبات التي تصلح فيها النيابة.

أما الواجبات الكفائية و المستحبات الكفائية فقد أشير لك انها أيضاً على قسمين، تعبدية كصلاة الميت و تغسيله، و توصلية دينية كتعليم الاحكام و تبين مسائل الحلال و الحرام و اقراء القرآن و أمثالها، و توصلية دنيوية كالصنائع و العلوم مثل علم الطب و سائر ما تتوقف عليه الحياة الاجتماعية من الحرف و المهن و الصناعات فان الجميع واجب كفائي و لكنه توصلي دنيوي ضرورة ان غرض الشارع وجوده على اي نحو اتفق ليستقيم به

ص: 203

نظام الهيئة الاجتماعية، و قد عرفت ان الأول أعني- التعبدي- لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقاً، نعم تجوز الأجرة على مقدماته أو مستحباته الغير العبادية كما يجوز أخذ الأجرة على قسم التوصليات منه مطلقاً، و قد اتضح لك بهذا البيان ان أخذ الأجرة على تعليم أهل القرية و امامة الصلاة و الأذان للإعلام بالوقت لا لصلاة نفسه جائز و الإجارة صحيحة على الأقرب في رأيي و ان منع منه جماعة من العلماء و هو الا وفق بالاحتياط.

فان قيل: انه يجب قيام العالم و المؤذن و المقري بمثل هذه الشعائر الدينية و لو لا ذلك لذهب الدين و تعطلت الاحكام.

قلنا: نعم لا ريب في وجوب كل ذلك و لكن وجوباً كفائياً توصلياً لان الغرض حفظ الدين و نشر الاحكام و لا ينافيه أخذ الأجرة بعد ان كان المهم نفس وقوعها، نعم هو مكروه كراهة شديدة سيما في تعليم القرآن لقوله عليه الصلاة و السلام (أقروا القرآن و لا تأكلوا به) سواء كان من باب الفعل أو الافعال، و أشد منه إمامة الجماعة بل لا تخلو صحة الصلاة معه من اشكال، نعم لا كراهة لمن دفع ولده لمن يعلمه القرآن ان يكرمه و يحسن اليه و لكن لا بنحو الأجرة و يجوز للمعلم الأخذ خصوصاً إذا كان فقيراً و لا مهنة له سوى ذلك، و كذلك قراءة القرآن لأرواح الأموات فينبغي للناس ان يعطوهم و ينبغي بل يجب على هؤلاء القراء و المعلمين ان لا يماكسوهم.

و قد حررنا هذا البحث على جري القلم من دون تجديد مراجعة و استقراء فعليك ايها الطالب الاستقصاء التام في مظانه، و اللّٰه ولي

ص: 204

التوفيق.

(مادة: 571) الأجير الذي استأجر على ان يعمل بنفسه ليس له ان يستعمل غيره، إلخ ..

قد تكرر بيان هذا و انه من الإجارة الشخصية فلو تجاوز منطوقها، و تعدى عن نصها لم يستحق الأجرة و كان ضامناً لو تلفت العين المستأجر على العمل بها، و هي قضية مطردة سيالة في جميع الأعمال مقيدة تارة و مطلقة أخرى و لكل حكمه، و قد أشار الى المطلقة في مادة (572) لو أطلق حين الاستئجار فللمستأجر أن يستعمل غيره، و مادة (573) قول المستأجر للأجير اعمل هذا الشغل إطلاق، فلو قال للخياط: خط هذه (الجبة) بكذا، عن دون تقييد بنفسك أو بالذات و خاطها الخياط بخليفته أو خياط آخر يستحق المسمى و ان تلفت بلا تعد لا يضمن.

حيث لا تكون هناك قرينة حال أو مقال بإرادته نفس الخياط كما لو كان استاداً ماهراً أو ما أشبه ذلك و الا ضمن بدفعها للغير.

[مادة: 574] كل ما كان من توابع العمل و لم يشترط على الأجير يعتبر فيه عرف البلدة و عادتها

كما ان العادة ان الخيط على الخياط، و مثله في ان المتبع هو العرف و العادة مادة (575) يلزم الحمال إدخال الحمل الى الدار و لكن لا يضعه في محله مثلا- ليس على الحمال إخراج الحمل الى فوق الدار و لا وضع الذخيرة في الأنبار.

و مثلها- مادة (576) لا يلزم المستأجر إطعام الأجير الا ان يكون عرف البلدة كذلك.

ص: 205

و مادة (577) ان دور دلال مالا و لم يبعه ليس له اجرة

و إذا باعه دلال آخر كانت له الأجرة فقط.

(مادة: 578) لو اعطى ماله للدلال و قال: بعه بكذا دراهم، فان باعه الدلال بأزيد من ذلك فالفاضل أيضاً لصاحب المال و ليس الدلال سوى الأجرة.

و لكن الدلال في بيعه بالزائد الغير مأذون به يكون فضولياً يحتاج إلى الإجازة و تفسد الإجارة. و يستحق اجرة المثل على بيعه، و قد ورد في حديث عروة البارقي نظير هذا حيث دفع له النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلّم درهمين ليشتري له بهما شاة فاشترى شاتين، نعم يمكن خروجه عن الفضولي بدعوى العلم بإذن الفحوى و ان المالك يرضى ببيع ماله بالزائد.

(مادة: 579) لو خرج مستحق بعد أخذ الدلال أجرته و ضبط المبيع أو رد بعيب لا تسترد اجرة الدلال.

إلا إذا كان الدلال عالماً بأنه مستحق للغير فإنه لا يستحق الأجرة على معاملة باطلة بل ربما تكون حراماً لأنها اعانة على الإثم كما لو باع مال الوقف مع علمه بوقفيته الى كثير من أمثاله.

(مادة: 580) من استأجر حصادين ليحصدوا زرعه الذي في أرضه

و بعد حصادهم مقداراً منه لو تلف الباقي بنزول الحالوب (البرد) أو بقضاء آخر فلهم ان يأخذوا من الأجر المسمى مقدار حصة ما حصدوه و ليس لهم أخذ أجر الباقي.

ص: 206

هذه المسألة سيالة كثيرة الفروع موضوعها الكميات المتصلة و المنفصلة اي القارة و غير القارة التي مرّ نظيرها في البيع و انها تنحل الى عقود متعددة فتصح في الموجود الممكن و تبطل في المفقود المتعذر بخلاف ما لو كان عقداً واحداً بسيطاً فان الكل يعدم بانعدام بعض اجزائه.

و من هذا القبيل لو استأجره على خدمة سنة فخدمه ستة أشهر و تمرض فإنه يستحق نصف الأجرة و هكذا لو استأجره على خياطة الثوب فخاط نصفه بخلاف ما لو استأجره على كون الثوب مخيطاً فإنه أمر بسيط فلو خاط بعضه لم يستحق شيئاً و يتضح هذا في مثل السفر فتارة يستأجره على المسير إلى المدينة و اخرى على كونه في المدينة، و أوضح من هذا ان يستأجره على الحج و أداء المناسك و اخرى على تفريغ ذمة أبيه من الحج الذي اشتغلت به ذمته، و مع ذلك فتمييز أحد النوعين عن الآخر في بعض المقامات من اعقد المشكلات.

(مادة: 581) كما انه للظئر فسخ الإجارة لو مرضت

(و تستحق اجرة ما مضى) كذلك للمسترضع فسخها إذا مرضت أو حملت أو ظهر بها أحد العيوب إلخ ..

و هو واضح.

ص: 207

الباب السابع في وظيفة الآجر و المستأجر بعد العقد

اشارة

و يشتمل على ثلاثة فصول

الفصل الأول في تسليم المأجور

اشارة

تسليم العين المأجورة هو بعينه تسليم العين المبيعة الذي قد عرفت الكلام فيه في (الجزء الأول) مفصلا و ان أكثر الفقهاء فسروه بالتخلية و ذكرنا ما فيه من الخلل و التسامح و انه يختلف باختلاف الأعيان المبيعة و قد عرفت قريباً ان الإجارة أيضاً تتعلق بالعين و لكن من حيث المنفعة و تسليم المنفعة لا يكون الا بتسليم العين و هو يختلف باختلاف الأعيان أيضا و (المجلة) هنا قد تسامحت أيضاً حيث فسرته بما الى التخلية أو الاذن و هو لا يطرد في جميع المستأجرات فان تسليم مثل الحلي و الحلل لا يتحقق إلا بإقباضه يداً بيد كالنقود و هكذا في أكثر المنقولات، نعم يتم ما ذكروه في الدور و العقارات و نحوها. و بهذا يتضح القصور في مادة [582]

ص: 208

(تسليم المأجور هو عبارة عن اجازة الآجر و رخصته للمستأجر ان ينتفع به بلا مانع.)

و من توضيح الواضحات مادة (583) إذا انعقدت الإجارة الصحيحة على المدة و المسافة فيلزم تسليم المأجور للمستأجر على ان يبقى في يديه مستمراً الى انقضاء المدة أو ختام المسافة.

فإن هذا من لوازم الإجارة و بدونه لا يبقى لها معنى محصل و لا حاجة الى المثال بالكروسة و وصولها الى المحل كما ان من لوازم الإجارة و ملكية منفعة العين المأجورة تسليمها فارغة من كل ما يشغلها على ما في مادة (584) لو آجر أحد ملكه و كان فيه ماله لا تلزم الأجرة ما لم يسلمه فارغاً الا ان يكون قد باع المال للمستأجر أيضاً.

(مادة: 585) لو سلم الدار الا حجرة وضع فيها اشيائه يسقط من بدل الإجارة مقدار حصة تلك الحجرة

و المستأجر مخير في الدار (بخيار تبعض الصفقة) و ان أخلي الأجر الحجرة و سلمها قبل الفسخ تلزم الإجارة يعني لا يبقي للمستأجر حق الفسخ.

اي حيث لا يمضي زمان متقوم لعدم تسليم الحجرة و الا فاخلاؤها بعد زمان معتد به لا يسقط خياره.

ص: 209

(الفصل الثاني) في (تصرف العاقدين في المأجور بعد العقد

(مادة: 586) للمستأجر إيجار المأجور لآخر قبل القبض ان كان عقاراً و ان كان منقولا فلا

و ذكروا في وجه الفرق بينهما ان احتمال هلاك المنقول غالب و احتمال هلاك العقار نادر، و النادر لا يعتبر في الأحكام الشرعية، و هو كما ترى قياس و استحسان لا يستقيم به الميزان، فان احتمال الهلاك لا يصلح فارقا فإنه ان هلك قبل القبض و جرت فيه قاعدة (التلف قبل القبض) انفسخ العقد فيهما و الا نفذ العقد فيهما و كان تلف العين على المؤجر و تلف منافعها على المستأجر و يذهب الثمن المسمى عليه سواء كان عقاراً أو منقولا، و مقتضى ملكيته للمنفعة ان له إيجاره مطلقاً من المؤجر و من غيره، و منع بعضهم إيجاره من المؤجر لا وجه له، كما ان له بيع المبيع ثانيا للبائع و لغيره كما يجوز بيع بدل المنفعة إذا كان عيناً من المستأجر و من غيره، و إذا كان ديناً يجوز بيعه منه أيضاً و من غيره بناء على جواز بيع الدين مطلقاً كما يجوز هبته للمستأجر فيكون إبراء و من غيره بناء على تمطي الهبة من العين الى الدين و عدم اختصاصها بالأعيان فيكون

ص: 210

تمليكاً مجانياً.

(مادة: 587) للمستأجر إيجار ما لا يتفاوت استعماله و انتفاعه باختلاف الناس لآخر.

يعني انه لو استأجر دكانا أو حماما أو سفينة يجوز ان يؤجره لغيره كما يجوز إعارته للغير، اما ما يتفاوت الناس باستعماله كالدابة و الثياب فلا يجوز.

و قد عرفت مكرراً ان الملاك ليس قضية التفاوت في الاستعمال مضافاً الى انه مما لا ضابطة له فان الدار أيضاً مما يتفاوت الناس باستعمالها فيستعملها بعض بمداراة و بعض بغير مبالات، بل الميزان العدل في ذلك هو الإجارة الكلية فيجوز أو الشخصية فلا يجوز فالعبرة بالإطلاق و التقييد لا غير فتدبره.

(مادة: 588) إن آجر المستأجر بإجارة فاسدة المأجور لآخر بإجارة صحيحة يجوز

عرفت ان الإجارة الفاسدة و الباطلة سواء، و إذا كانت الإجارة فاسدة لم يترتب الأثر عليها و هو تملك المنفعة و إذا لم يملكها كيف يصح تمليكها لغيره و الفاسد لا يترتب عليه الا الفاسد لا الصحيح؟

(مادة: 589) لو آجر أحد ماله مدة معلومة لآخر بإجارة لازمة ثم آجر أيضاً تلك المدة تكراراً لغيره لا تنعقد

و لا تنفذ الإجارة الثانية و لا تعتبر.

احترز باللازمة عما لو كانت الإجارة جائزة لخيار شرط فيها و نحوه

ص: 211

فإن إيجاره ثانياً ملك المدة بعينها من آخر يعد فسخاً للأولى، و لكن مع ذلك كان ينبغي ان تقول: انها لا تنفذ بل تبقى موقوفة على إجازة المستأجر الأول و يكون المؤجر فضولياً بالنسبة إلى المستأجر الأول لا أنها لا تنعقد أصلا فتدبر.

اما لو آجر غير تلك المدة فلا مانع من توارد الإجارات المتعاقبة على العين الواحدة باختلاف الأزمنة.

(مادة: 590) لو باع الآجر المأجور بدون إذن المستأجر يكون البيع نافذاً بين البائع و المشتري و ان لم يكن نافذاً في حق المستأجر.

هذا البيان قاصر ناقص، و تحرير البحث ان المؤجر إذا باع العين المأجورة وقع النظر من جهتين.

جهة البائع و المشتري.

و جهة البيع و الإجارة، أو المؤجر و المستأجر.

اما من الجهة الأولى فإن كان المشتري عالماً حين العقد بان المبيع مأجور لزم البيع عليه و لا خيار له أصلا و لزم عليه الصير الى انتهاء مدة الإجارة و بعدها يستلم العين لانه قد اشتراها مسلوبة المنفعة، و البيع المتأخر لا يبطل الإجارة المتقدمة، و ان كان جاهلا بها ثم علم كان له الخيار ان شاء امضى البيع و صبر و ان شاء فسخ و لا حق له في فسخ الإجارة أصلا.

و اما من الجهة الثانية فقد ظهر لك انه لا تزاحم بين الإجارة السابقة و البيع اللاحق أصلا و لا سبيل للمشتري على فسخها كما لا سبيل للمستأجر

ص: 212

على فسخ البيع بل يقضي مدته ثم يدفع العين إلى المشتري.

إذاً فما معنى قول (المجلة) و ان لم يكن نافذاً في حق المستأجر؟ و كان حقه ان تقول: و ان لم يكن نافذاً في حق المشتري لو كان جاهلا، و لا حاجة بل و لا فائدة فيما فرعته على ذلك بقولها. حتى انه بعد انقضاء مدة الإجارة يلزم البيع في حق المشتري و ليس له الامتناع إلخ ..

يعني إذا كان عالماً.

الفصل الثالث في بيان مسائل تتعلق برد المأجور و إعادته

أكثر مواد هذا الفصل مع وضوحها و كونها غنية عن البيان مكررة متداخلة يغني بعضها عن بعض مثلا- مادة (591) يلزم على المستأجر رفع يده عن المأجور عند انقضاء الإجارة- هي عين مادة (592) ليس للمستأجر استعمال المأجور بعد انقضاء الإجارة، و لا اختلاف بينهما إلا في العبارة، فإن رفع اليد عبارة ثانية عن عدم الاستعمال، كما ان مادة (593) لو انقضت الإجارة و أراد الأجر قبض ماله يلزم المستأجر تسليمه إياه تكفى عنها و تدل عليها مادة (594) لا يلزم المستأجر رد المأجور و يلزم الآجر أن يأخذه عند انقضاء الإجارة إلخ.

و كذا مادة (595) إن احتاج رد المأجور الى الحمل و المئونة فاجرة

ص: 213

نقله على الآخر، و «بالجملة» فحق حسن التحرير يقضي بإلغاء هذا الفصل و جمع جميع موادة في مادة واحدة فيقال: العين المأجورة امانة في يد المستأجر و هي أمانة مالكية لا يجب ردها بل يجب تسليمها عند طلبها و على المؤجر تسلمها و لو احتاج ردها إلى أجرة فعلى المالك و لا يجوز بعد انقضاء المدة استعمالها إلا بإذن جديد فلو استعملها بدون اذن و تلفت و لو بغير تفريط ضمن و لو تلفت بغير استعمال و غير تفريط قبل الطلب فلا ضمان. الا ان يشترط على المستأجر ردها و نفقتها فيكون عليه ضمانها لو قصر في ردها أو نفقتها.

و من الغريب قول بعض الشراح: إذا اشترطا ان يكون أجرة اعادة المأجور على المستأجر فسدت الإجارة لأنه شرط مفيد للمؤجر و الشرط المفيد لأحد العاقدين يفسد الإجارة ا ه.

و ما ادري كيف صار الشرط المفيد لأحد العاقدين مفسداً للإجارة مع ان كل من يشترط شرطاً فإنه يشترطه باعتبار انه مفيد له، فهل يريد هذا القائل ان الشرط الصحيح هو ما يكون لغواً لا فائدة فيه، أو يحصره في المفيد لهما معاً و الكلا بحكم و جزاف يحكم عموم أدلة الشروط.

ص: 214

الباب الثامن (في بيان الضمانات

اشارة

و يحتوي على ثلاثة فصول)

الفصل الأول في ضمان المنفعة

(مادة: 596) لو استعمل أحد مالا بدون اذن صاحبه فهو من قبيل الغاصب

لا يلزمه أداء منافعه و لكن إذا كان مال وقف أو يتيم فعلى كل حال يلزم أجر المثل و ان كان معداً للاستغلال فعلى ان لا يكون بتأويل عقد أو ملك يلزم ضمان المنفعة يعني أجر المثل مثلا- لو سكن أحد في دار آخر مدة بدون عقد اجارة لا تلزمه الأجرة لكن ان كانت تلك الدار وفقاً أو مال يتيم فعلى كل حال يعني ان كان ثم تأويل ملك و عقد أو لم يكن يلزم أجر مثل المدة التي سكنها و كذلك ان كانت دار كراء و لم يكن ثم تأويل ملك و عقد يلزم أجر المثل و كذا لو استعمل أحد دابة الكراء بدون اذن صاحبها يلزم أجر المثل.

قد مرّ عليك كثير من فروع هذا الباب و نظائر هذا الغرض المبتني على القاعدة الاساسية عند الحنفية من ان (الأجر و الضمان لا يجتمعان) و خالفهم الشافعية و عامة الإمامية و القاعدة المزبورة مع انها لا تستند الى اي دليل شرعي و لا مدرك سوى الاستحسان و ان معنى ضمان العين دخولها في الملك و إذا دخلت العين في ملك إنسان ملك منافعها فإذا

ص: 215

استوفاها لا يضمن لانه قد ضمن عينها و هو كما ترى ممنوع صغرى و كبرى فلا الضمان ملك و لا ملك العين مستلزم ملك المنفعة و لو سلمت كل هذه الأباطيل فما وجه استثناء الوقف و مال اليتيم فلو غصب الوقف أو مال اليتيم ألا يكون ضامناً للعين فما وجه ضمان المنفعة مع ضمان العين، و هل هذا الا من قبيل ما يقال:

سطح بهواءين ثم سلمنا كل هذه التحكمات فما وجه استثناء المعد للاستغلال أيضاً إذا لم يكن بتأويل عقد أو ملك فإذا كان بتأويل الملك فلا ضمان.

أ فليس من الحكم الجزاف و الكلام الكيفي ما في مادة (597) لا يلزم ضمان المنفعة في مال استعمل بتأويل ملك و ان كان معداً للاستغلال مثلا- لو تصرف أحد الشركاء مدة في المال المشترك بدون اذن شريكه مستقلا فليس للشريك الآخر أخذ حصته لانه استعمله على انه ملكه، و هذا جزاف كما ترى في صغراه و كبراه فان الشريك حين يتصرف في كل الدار المشتركة لا يلزمه ان يقصد ان الدار بأجمعها ملكه و لو قصد فليس لقصده اي أثر فضلا عن هذا الأثر الشديد و هو إسقاط حق شريكه من منافع حصته.

«و حقاً» ان الأحناف قد تطرفوا بهذه الفتوى مدى بعيداً، و فتحوا لحلية غصب أموال الناس باباً واسعاً، حيث صار بوسع كل أحد ان يستأجر داراً أو حانوتاً أو غير ذلك ثم ينوي به الملكية فيكون غاصباً و ينتفع به مدة حسب إرادته ثم يرده الى المالك بلا اجرة و لا بدل المثل و يكون ذلك حلالًا له، و هذا حكم لا يسيغه ذوق إنسان و لا يقره عقل و لا وجدان، فكيف تقره الشريعة الإسلامية المقدسة؟

ص: 216

و مثلها بل أسوء منها مادة (598) لا يلزم ضمان المنفعة في مال استعمل بتأويل عقد و ان كان معداً للاستغلال مثلا- لو باع أحد لآخر حانوتا ملكه مشتركا بدون اذن شريكه و تصرف فيه المشتري ثم لم يجز البيع الشريك و ضبط حصته ليس له ان يطالب بأجرة حصته و ان كان معداً للاستغلال لأن المشتري استعمله بتأويل العقد يعني حيث انه تصرف فيه بعقد البيع لا يلزم ضمان المنفعة كذلك لو باع أحد لآخر رحى على انه ملكه و سلمها ثم بعد تصرف المشتري لو ظهر لها مستحق و أخذها من المشتري بعد الإثبات و الحكم ليس له ان يأخذ أجرة لتصرفه في المدة المذكورة لأن في هذا أيضاً تأويل عقد.

فإن تأويل العقد و شبهة الملكية لا تسقط الحق الصريح و ملكية الشريك القطيعة و بأي وجه مشروع أو معقول يستبيح المشتري منافع حصة الشريك الذي لم يجز العقد على ماله بغير اذنه؟ و هل هذا الا أكل مال بالباطل؟ و الشرع ينادي (لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه- الا ان تكون تجارة عن تراض) و المنافع أموال بل هي ملاك مالية الأعيان و لذا تقابل بالأموال.

و هذه الفتوى الجائرة، و الأحكام المجازفة- كلها انما جاءت من آفة العمل بالقياس، بل و القياس الوهمي أو القياس مع الفارق، أو الاستحسان المخالف للنص الصريح، و الدليل الواضح، عصمنا اللّٰه و إخواننا المسلمين من الزلل في القول و العمل.

(مادة: 599) لو استخدم أحد صغيراً بدون اذن وليه أو وصيه

ص: 217

فإذا بلغ رشده يأخذ أجر مثل خدمته و لو توفي فلورثته ان يأخذوا أجر مثل تلك المدة من ذلك الرجل.

من المعلوم ان استخدام الصغير بدون اذن وليه غير جائز، و المعاملة معه باطلة، فلو استخدمه أحد فعل حراماً بلا إشكال إنما الإشكال في ضمان تلك المنافع إذا كان الصغير حراً كما هو فرض المسألة بناء على ان منافع الحر لا تضمن اما مطلقاً أو التفصيل بين الكسوب و غيره أو تضمن مطلقاً كما هو الأقرب في رأينا لأن الحر و ان لم يكن مالا و لكن لا مانع من ان منافعه عند حصولها أو العقد عليها تكون أموالا و بهذا صح ان يؤجر نفسه، و عليه فمنافع الصغير ان استوفاها أحد بوجه مشروع أو غير مشروع تضمن و يدفع بدلها لوليه أو له بعد بلوغه و رشده أو لورثته بعد موته و لا يجوز إعطاؤها له في حال صغره و لا تحسب له و كذا لو أنفقها عليه لباساً و طعاماً فإنه يكون متبرعاً إلا إذا اذن وليه بذلك.

الفصل الثاني (في ضمان المستأجر)

عرفت ان العين المأجورة أمانة مالكية في يد المستأجر و من حكم الأمانات مطلقاً عدم الضمان بغير تعد و تفريط و قد أحسنت (المجلة) في مادة (600) المأجور امانة في يد المستأجر ان كان عقد الإجارة

ص: 218

صحيحاً أو لم يكن.

و لكنه إذا قبضه بإذن المؤجر في الفاسدة اما لو قبضها بدون اذنه فهو ضامن مع الفساد مطلقاً و يتفرع على هذه المادة- مادة (601) لا يلزم الضمان إذا تلف المأجور في يد المستأجر ما لم يكن بتقصيره أو بتعديه أو بمخالفته المأذونية.

يعنى ان أسباب الضمان ثلاثة.

1-: إتلافه بالتعدي.

2-: تقصيره في حفظه حتى تلف.

3-: مخالفته للإذن و شروط الإجارة.

فلو اشترط عليه ان لا يحمل على الدابة أكثر من وزنة فحمل عليها الأكثر فهلكت و لو بسبب آخر ضمن لانه بمخالفته الشرط خرج عن الامانة، و كان ينبغي ان يضم إلى أسباب الضمان سبب رابع و هو شرط الضمان مطلقاً و ان كان في صحة مثل هذا الشرط بحث و لكن الأقوى الصحة، و قد ذكرت (المجلة) السبب الأول في مادة (602) يلزم الضمان على المستأجر لو تلف المأجور أو طرأ على قيمته نقصان بتعديه، مثلا- لو ضرب المستأجر دابة الكراء فماتت منه أو ساقها بعنف و شدة فهلكت لزمه ضمان قيمتها.

و من هذا القبيل مادة [603] حركة المستأجر على خلاف المعتاد تعد تفريطاً و يضمن الضرر و الخسار الذي يتولد منها مثلا- لو استعمل الألبسة التي استكراها على خلاف عادة الناس و بليت يضمن- و كذلك

ص: 219

احتراق الدار بسبب إشعال النار أزيد من عادة سائر الناس.

و أشارت إلى السبب الثاني في مادة (604) لو تلف المأجور بتقصير المستأجر في المحافظة أو طرأ على قيمته نقصان يلزم الضمان، مثلا- لو ترك المستأجر دابة الكراء خالية الرأس و ضاعت يضمن لأنه أمين مكلف بحفظ الامانة فيضمن إذا قصر بالحفظ المعتاد.

و أشارت الى الثالث في مادة (605) مخالفة المستأجر مأذونيته بالتجاوز الى ما فوق المشروط توجب الضمان، و اما مخالفته بالعدول الى ما دون المشروط أو مثله لا توجبه، مثلا- لو حمل المستأجر خمسين أقة حديداً على دابة استكراها لان يحملها خمسين أقة سمناً و عطبت يضمن و اما لو حملها حمولة مساوية الدهن في المضرة أو أخف و عطبت لا يضمن.

أما مادة (606) فهي من توابع ما تقدم في مادة (591) و (592) و مادة (600) و حقها ان تذكر في إحدى تلك المواد.

الفصل الثالث (في ضمان الأجير)

هذا الفصل معقود لتلف المستأجر فيه و الذي قبله كان لبيان تلف المأجور، و حيث ان الملاك في المقامين متحد كان الأنسب بالتحرير جمعهما في مقام واحد فان تلك الأسباب بعينها هي أسباب ضمان المستأجر فيه فإذا أعطيت

ص: 220

الخياط ثوباً ليخيطه فأتلفه أو قصر في حفظه حتى تلف، أو تعدى الإذن أو الشرط كان ضامناً و كذا لو غرّه و قال يتسع لصنعه قباء فظهر خلاف ذلك، و لا فرق في ذلك بين الأجير الخاص و المشترك و لا حاجة الى تكثير الأمثلة و تكرار المواد و الفصول، و لا نجد وجهاً مقبولا أو معقولا للفرق بينهما، و ما يقال من أننا لو قلنا: بأن الأجير المشترك لا يضمن التلف الحاصل من عمله- يباشر بتقبيل اعمال فوق طاقته و يضر بالمستأجرين، ففساده غني عن البيان، و تنقيح القول على الإجمال في ضمان الأجير ما يعمل فيه ان القاعدة تقتضي عدم ضمانه كالمستأجر بالنسبة إلى العين الا مع التعدي و التفريط أو التغرير- فالقصار و النجار و البيطار و الخياط و الصائغ و سائر أرباب المهن و الصنائع حتى الحمال و المكاري للنقل و الحمل لا يضمنون ما يتلف أو يعاب بأيديهم من أموال الناس الا بالإتلاف أو الشرط أو التفريط في الحفظ أو التقصير في العمل أو التغرير بان يقول له المستأجر: ان كان هذه القطعة من القماش تكفي جبة ففصلها، فقال: نعم تكفي ففصلها فظهر انها لا تكفي و لا فرق بين ان يشترط عليه أو يسأله فيقول نعم، إذا كان مغروراً منه، اما مع عدم شي ء من هذه الأسباب فلا ضمان لأنه أمين كالعين في يد المستأجر لاستيفاء المنفعة و لكن ذهب أكثر الفقهاء الى ان الخياط و القصار إذا أفسد الثوب ضمن، و كذا الختّان و الحجام و الكحال و البيطار و كل من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده كان ضامناً و ان كان بغير قصده لعموم (من أتلف ..) و للصحيح عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يعطي الثوب ليصبغه،

ص: 221

فقال «عليه السلام» (كل عامل أعطيته على ان يصلح فأفسد فهو ضامن) و يظهر منهم إطلاق الضمان حتى مع عدم التعدي و التفريط بل قالوا بضمان الطبيب المباشر للعلاج إذا أضر و ان كان حاذقاً الا مع أخذ البراءة و عدم التقصير و افرطوا حتى قالوا بضمان الحمال إذا عثر و زلق فوقع و انكسر ما كان يحمله كل ذلك لقاعدة الإتلاف، و صدق الإتلاف في كثير من هذه الموارد مشكل و الصحيح ناظر الى من أفسد عن تقصير و تسامح و لذا لم يحكموا في ما لو استأجر دابة لحمل متاع فعثرت و تلف أو نقص بضمان صاحبها إلا إذا كان هو السبب في عثرتها بضرب زائد أو نخس و كذا في السفينة لو غرق متاعها و سرق و إذا استؤجر لحفظ متاع فسرق لم يضمن الا مع التقصير في الحفظ أو الشرط.

نعم لو غلبه النوم فسرق قد يعد ذلك تقصيراً فيضمن لكنه مشكل، و على كل حال لو سرق لم يستحق الأجرة ان كانت الإجارة على الحفظ، اما لو كانت على النطارة و النظارة و لو لداعي الحفظ و قد قام بهما على العادة استحقها، كما ان صاحب الحمام لا يضمن الثياب لأن الأجرة انما هي للحمام فقط لا له و للحفظ، نعم لو وضعها الى جنبه بصفة الامانة وجب عليه حفظها فلو قصر في الحفظ ضمن.

و «القصارى» انك عرفت ان كلا من المستأجر و الأجير بالنسبة إلى العين و محل العمل أمين و قاعدة [الائتمان عدم الضمان] إلا إذا خرج عن الأمانة بأحد الأسباب المتقدمة فالأصل الاولي الذي يرجع

ص: 222

إليه في موارد الشك هو عدم الضمان حتى يتحقق حصول السبب و من جميع ذلك يتضح القول في مواد هذا الفصل.

اما- مادة (607) لو تلف المستأجر فيه بتعدي الأجير أو تقصيره يضمن، فلا اشكال فيها كما لا إشكال في مادة [608] تعدي الأجير هو ان يعمل عملا أو يتحرك حركة مخالفين لأمر الآجر صراحة كان أو دلالة إلخ .. و مثلها مادة [609] تقصير الأجير هو قصور في محافظة المستأجر فيه بلا عذر مثلا- لو فرت الشاة و لم يذهب الراعي لقبضها تكاسلا و إهمالا يضمن حيث انه يكون مقصراً و ان كان عدم ذهابه قد نشأ عن غلبة احتمال ضياع الشاء الباقيات عند ذهابه يكون معذوراً و لا يلزم الضمان.

انما الاشكال و المنع في المادتين الأخيرتين- مادة (610) الأجير الخاص أمين حتى انه لا يضمن المال الذي تلف في يده بغير صنعه و كذا لا يضمن المال الذي يعمله بلا تعد أيضاً.

و- مادة (611) الأجير المشترك يضمن الضرر و الخسار الذي تولد عن فعله و صنعه ان كان بتقصيره أو لم يكن.

فإن الأجير الخاص إذا كان لا يضمن لأنه أمين فالاجير المشترك أمين فحقه ان لا يضمن أيضاً فما وجه التفصيل بالضمان بينهما؟ كما عرفته قريباً موضحاً.

و الى هنا انتهت مواد (المجلة) من مباحث الإجارة

و قد بقيت مسائل مهمة لم تتعرض لها أو أشارت إليها بصورة مجملة يلزم بيانها.

اشارة

ص: 223

الاولى-: ان صورة امتناع الانتفاع بالعين المأجورة و أنواعه كثيرة

و حيث ان أكثرها قد تقدم متفرقاً في عدة مواد وجدنا من حسن التحرير ان ننظم شتاتها في سلك واحد كعقد متلائم فنقول: ان امتناع تمام الانتفاع اما ان يكون لتلف العين أو لتعيبها أو لسبب آخر مع سلامتها.

اما التلف فان كان سماوياً فهو موجب للفسخ بجميع أنواعه بعد القبض أو قبله في الأثناء أو قبل الشروع في الاستيفاء، غايته انه لو كان في الأثناء وزعت الأجرة المسماة على الماضي و الباقي بالنسبة فأخذ المستأجر حصة ما بقي و دفع للمؤجر حصة ما مضى و يمكن الفسخ في الجميع و أخذ بدل المثل عن الماضي، و ان كان بإتلاف متلف فان كان هو المؤجر ضمن المثل أو القيمة للمستأجر- يعني قيمة المنفعة- و لو قيل ان للمستأجر الخيار بين الفسخ و استرداد الأجرة المسماة أو الإمضاء و أخذ القيمة كان سديداً، و ان كان هو المستأجر ضمن العين و لزمته الأجرة المسماة و كان إتلافه بمنزلة الاستيفاء، و ان كان المتلف أجنبياً ضمن العين للمؤجر و المنفعة للمستأجر، اما في العمل فتبطل الإجارة مطلقاً لزوال الموضوع، و ان كان المانع هو العيب فهو موجب لخيار المستأجر مطلقاً سواء كان قبل العقد أو بعده قبل القبض أو بعده فلو فسخ في أثناء المدة دفع من الأجرة المسماة بالنسبة عما مضى، اما لو كان المانع غير التلف و العيب فاما ان يكون من المؤجر بامتناعه من تسليم العين و عدم التمكن من جبره بحاكم أو نحوه أو سلمها ثم انتزعها أو حال بين المستأجر و بين

ص: 224

الانتفاع فهو في الجميع ضامن للمنفعة بالمثل أو القيمة و لو قيل بالخيار للمستأجر كان أصوب، و اما ان يكون من المستأجر فإن كان لعذر كمرض يمنعه الركوب مثلا أو زوال مرض كما لو استأجره على قلع ضرسه فزال الألم و أمثال ذلك فالمسئلة مشكلة و القول بالبطلان في الابتداء أو في الأثناء للتعذر و تنزيل العذر الخاص منزلة العام قريب جداً و ان كان لا يخلو من نظر، اما لو تركها لا لعذر فقد لزمته الأجرة، و اما لو كان المانع أجنبياً كظالم أو غاصب أو غيرهما فان كان قبل القبض تخير بين الرجوع على المؤجر بالأجرة أو الرجوع على الظالم بالبدل، و ان كان بعده فلا رجوع له على المؤجر و تعين الرجوع على الأجنبي، و ان كان المانع عذراً عاماً كنزول ثلج أو قيام حرب و ما الى ذلك فالبطلان ابتداء أو في الأثناء و تتوزع الأجرة.

هذا هو التحرير الشافي المستوعب لجميع فروع القضية باختصار و يجوز ان يكون قد فاتنا شي ء و لمن يستدركه علينا المحمدة و الشكر و باللّه التوفيق.

الثانية-: لم تذكر (المجلة) بطلان الإجارة أو عدمه بموت المؤجر أو المستأجر

مع أنها من مواضع الخلاف بين فقهاء المذاهب كاختلاف فقهائنا فيها و لكن استقرت فتوى المتأخرين منا على عدم بطلانها أصلا بموت أحدهما و لا بموتهما و تنتقل الأجرة إلى ورثة المؤجر لو مات و المنفعة إلى ورثة المستأجر.

نعم في الإجارة المقيدة بالمباشرة تبطل من حين الموت لا من أصلها

ص: 225

و تتوزع الأجرة، و كذا لو آجر المرتزقة العين الموقوفة وقفاً ترتيباً و ماتوا في أثناء المدّة فإن إجارتهم تبطل لانتقال الحق إلى البطن اللاحق و ملكيتهم محدودة، إلا إذا كان إيجارهم لمصلحة الوقف فإنها تبقى الى تمام مدتها و كذا لو اوصى لرجل بالمنفعة مدة حياته و مات في أثناء الإجارة، اما الأجرة على العمل فلا تبقى بل يجب على الورثة الإتيان بالعمل المستأجر عليه، اما لو اشترط عمله بنفسه أو سكناه بذاته فمات فللمؤجر الخيار و لو كان على نحو التقييد بطلت، و لو آجر الولي الصبي مدة و بلغ في أثنائها و صار رشيداً فيحتمل البطلان في الزائد و يحتمل الصحة و يحتمل وقفها على الإجازة و هو الأقرب إلا إذا كانت مصلحته في ذلك الوقت تقتضي إجارته تلك المدة المعينة فإنها تلزم و لا حق له في فسخها، و يشبه ذلك ما لو آجر العبد و أعتقه في أثناء المدة أو آجر الدار و باعها في الأثناء كما سيأتي أو آجرت المرأة نفسها ثم تزوجت فان الجميع لازم لا فسخ فيه و نفقة العبد في تلك المدة اما على المولى الذي استوفى منافعه فيها أو في كسبه إن امكنه الكسب مع الخدمة أو على ذمته أو من بيت المال أو على المسلمين كفاية أو على مستأجره و يستوفيه منه بعد انتهاء المدة و هو الأقرب، اما الزوجة فنفقتها على الزوج مع التمكين و ان كانت الخدمة لغيره،

الثالثة-: يجوز للمؤجر بيع العين المأجورة في أثناء مدة الإجارة

فالمشتري يملك رقبة العين مسلوبة المنفعة تلك المدة و المستأجر يملك المنفعة و لا تزاحم بينهما و لكن لو كان المشتري جاهلا بالإجارة كان له الخيار لانه نقص في العين معنى و ان لم يكن نقصا صورة و ليس هو عيباً و لذا

ص: 226

ليس له المطالبة بالأرش بل اما الإمضاء و اما الفسخ كسائر الخيارات غير خيار العيب، و لو كان عالماً و أقدم فلا خيار، أما لو اعتقد أنها مثلا سنة ثم بان انها سنتان كان له الخيار على اشكال، و لو فسخ المستأجر رجعت المنفعة إلى البائع لا إلى المشتري.

نعم لو اعتقد البائع و المشتري بقاء المدة ثم انكشف انقضاؤها فالأقوى أنها للمشتري لتبعيّة المنفعة للعين سواء شرطا كونها مسلوبة المنفعة أو تبانيا عليه و لا يثبت للبائع خيار الا مع الغبن، هذا كله لو بيعت على غير المستأجر اما لو بيعت عليه فهل تنفسخ الإجارة أم تبقى؟ وجهان و تظهر الثمرة حينئذ في أمور أظهرها استحقاق الأجرة و الثمن معاً للبائع و عدمه، (ثانيها) بقاء ملكيته للمنفعة لو فسخ البيع بأحد أسبابه، (ثالثها) إرث الزوجة من المنفعة فيما لا ترث من عينه، (رابعها) رجوع المشتري بالأجرة لو تلفت العين قبل القبض و قبل انقضاء مدة الإجارة فإن تلف العين في الإجارة يوجب الرجوع بالأجرة، اما لو قلنا ببطلانها بالبيع فلا رجوع بل يرجع بالثمن فقط، و لو وقع البيع منه و الإجارة من وكيله في وقت واحد فالأقوى صحتهما معاً لقاعدة اعمال السببين و يثبت للمشتري الخيار.

(الرابعة)-: إذا تبين بطلان الإجارة قبل استيفاء شي ء فلا اشكال

و ان كان بعد الاستيفاء كان للمالك المؤجر بدل المثل عما استوفاه المستأجر من المنفعة أو ما عمله من عمل، هذا إذا كان المؤجر جاهلا، اما لو كان عالماً فالمشهور عندنا انه لا شي ء له لأنه بتسليمه مع علمه بالفساد قد سلطه و أسقط حرمة ماله و هذه عند أصحابنا قضية سيالة و قاعدة مطردة فيما كل

ص: 227

ما هو من هذا القبيل مثلا- لو سلم البائع المبيع مع علمه بفساد البيع فان كان موجوداً استرده و ان أتلفه المشتري استرد الثمن من البائع و لا يرجع عليه بشي ء لأنه سلطه على إتلاف ماله، و على هذا السبيل نهجوا في سائر العقود، و هي لعمر الحق طريقة غير مستقيمة، بل عليلة سقيمة، فإن البائع هناك و المؤجر هنا ما سلطا المشتري و المستأجر على إتلاف المال مجاناً و انما سلطاه بالعوض و كون الشارع لم يمض تلك المعاملة لا يقلب الواقع عما هو عليه من انهما لم يسلطا الا بالعوض.

و «بالجملة» فقاعدة احترام مال المسلم و أنه (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه) تقتضي غرامة المال على من أتلفه إلا مع التسليط المجاني المفقود في باب المعاوضات بالضرورة و ان كانت فاسدة فالحق عندنا الضمان بالبدل في جميع العقود الفاسدة حتى لو باع المسلم ماله بالخمر و الخنزير و هكذا ذكروا في الأجرة و ان المستأجر إذا دفعها عالماً بالفساد فان كانت موجودة أخذها و ان كانت تالفة و أتلفها المؤجر فلا رجوع و العامل إذا عمل في الإجارة الفاسدة قالوا: لا يستحق المسمى لفساد الإجارة و لا بدل المثل لانه متبرع، و هذا عندي غريب لان المتبرع هو الذي يقول أو يقصد ان يعمل بلا اجرة لا الذي يعمل بقصد الأجرة و الشارع يفسدها و احكام الشارع بالصحة و الفساد لا يقلب الموضوعات الخارجية عما هي عليه، فتدبره و اغتنمه فإنه من نفائس التحقيق، و باللّه التوفيق.

الخامسة-: ان (المجلة) لم تتعرض لمسائل الخلاف و النزاع

بين

ص: 228

المستأجر و المؤجر مع أن مسائل الشجار بين المتعاقدين من أهم مباحث العقود سيما في الإجارة لكثرة الوقوع و عموم البلوى و نحن نذكر ذلك على نحو الاختصار، و النزاع فيها يقع على أنحاء.

(الأول) لو تنازعا في أصل الإجارة قدم قول منكرها بيمينه فان كان قبل استيفاء شي ء من المنفعة أو العمل فلا شي ء و ان كان بعده أو بعد شي ء منه فان كان المنكر المالك كان له اجرة المثل و لا يستحق الزائد عليها من المسمى الذي يدعيه مدعي الإجارة و ان وجب عليه باعترافه و حسب اعتقاده ان يوصله الى المالك و لو من حيث لا يعلم، و ان كان المنكر هو المتصرف قدم قوله و وجب عليه ان يدفع بدل المثل للمالك فان زاد على المسمى الذي يدعيه لم يجز له أخذه و لزم على المتصرف ان يوصله إليه بأي نحو كان.

(الثاني) لو اتفقا على ان المتصرف مأذون باستيفاء المنفعة و المالك يدعي الإجارة و الآخر يدعي العارية و أصالة الاحترام اي عدم البذل و الاذن بلا عوض تقضي بتقديم قول الأول و أصالة براءة ذمة المتصرف تقضي بتقديم قوله فيتحالفان و تثبت بعده اجرة المثل على قاعدة باب التداعي.

(الثالث) لو تنازعا في قدر الأجرة أو قدر المأجور أو مدة الإجارة أو في أصل الشرط أو في قدره يقدم قول منكر الزيادة و منكر شرط مع يمينه إلا إذا كان الشرط مما يقتضيه عقد الإجارة كالمحافظة على العين من لص أو ذئب و نحوه.

ص: 229

(الرابع) لو تنازعا في تلف العين و عدمه قدم قول منكر التلف بيمينه على قاعدة المنكر و المدعي، و لكنهم قدموا هنا قول المستأجر إذا ادعى التلف لأنه أمين، و لو تنازعا ان التلف كان عن تعد أو تفريط قدم أيضاً قول منكره مع اليمين أيضاً.

(الخامس) لو تنازعا في ان المأجور هذه الدار أو تلك أو انه دار أو دكان أو بغل أو فرس و هكذا أو ان حمل المتاع الى (بغداد) أو (البصرة) أو ان الخياطة على قباء أو قميص فكل ذلك من باب التداعي يتحالفان و تثبت اجرة المثل ان كان بعد العمل و الا فلا شي ء.

نعم لو اختلفت صورة الدعوى كما لو حمل المتاع الى بلد فأنكر المالك ان يكون هو المستأجر عليه فالقول قوله بيمينه أو خاط الخياط القماش قميصاً فأنكر الاذن أو الإجارة على ذلك فالقول أيضاً قوله و يضمن المتصرف كل نقص أو ضرر، اما لو كان قبل العمل فهو من التداعي كما ذكرنا.

(السادس) لو تنازعا في صحة الإجارة أو فسادها بعد الاتفاق على وقوع العقد قدم قول مدعي الصحة كما في سائر العقود.

(السابع) إذا اختلفا في رد العين المأجورة فمقتضى قضية ان المستأجر أمين ان يقدم قوله في الرد كما قدم في دعوى التلف و كلاهما خلاف الأصل و لكنهم هنا حكموا بتقديم قول المؤجر عملا بأصالة عدم الرد اي استصحاب بقائها عند المؤجر و لم يعملوا بهذا الأصل في قضية التلف مع ان الأمانة في المقامين ثابتة و الأصل فيهما جار و استخراج وجه

ص: 230

الفرق بينهما يحتاج الى مزيد تأمل.

(الثامن) لو اختلفا في المال المردود فقال المستأجر هذا مالك، و قال المؤجر. ليس هذا مالي، فالقول قوله بيمينه و ان قال بل مالي ذلك الشي ء كان من باب التداعي، و صور النزاع و الخلاف كثيرة ربما يتعسر ضبطها على التفصيل و لكن «الضابط» انه كلما كان النزاع بالأقل و الأكثر أو دائر بين النفي و الإثبات فالقول قول منكر الأكثر و قول النافي لا المثبت، و مدعي الأكثر يحتاج إلى إثبات من بينة و غيرها إلا إذا كان أميناً فيقدم قوله بيمينه و كل ما كان النزاع بين متباينين فهو باب التداعي و التحالف.

(التاسع) مقتضى القواعد الأولية ان من استؤجر على عمل كخياطة أو كتابة أو صوم أو صلاة و بقية شئون هذه المباحث موكولة الى (كتاب القضاء) كما انه قد بقيت من (كتاب الإجارة) عدة مسائل جد مهمة ذكرها فقهاؤنا في مؤلفاتهم المتوسطة فضلا عن الموسوعات رأينا ان ذكرها يخرج بنا الى البسط الذي ربما لا يكون مرغوباً في هذه العصور التي توفرت فيها العلوم، و تكثرت الفنون، و ازدحمت الاعمال، حتى ضاق مجال الفكر و الخيال، على سعته عن استيعابها، و لنكتف بهذا المقدار من مباحث الإجارة سائلين الحق جل شأنه أن يوفقنا لتحرير باقي كتب (المجلة) بمنه و كرمه.

اللهم عليك توكلنا و إليك أنبنا و إليك المصير.

(و يتلوه كتاب الكفالة إن شاء اللّٰه)

ص: 231

الكتاب الثالث في الكفالة

اشارة

و يشتمل على مقدمة و ثلاثة أبواب

ص: 232

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم و له الحمد

ص: 233

المقدمة (في الاصطلاحات الفقهية الدائرة بالكفالة)

اشارة

(مادة: 612)

الكفالة:

ضم ذمة إلى ذمة، في مطالبة شي ء يعني أن يضم أحد ذاته الى ذات آخر و يلتزم أيضاً المطالبة التي لزمت في حق ذلك.

قد اجتهد نفسه هذا المعرف ليفصح عن المعنى المقصود فلم يستطع و بقيت العبارة معقدة غير وافية بالمراد.

و (تحرير البحث) ان فقهائنا يعبرون عن هذا الكتاب (بكتاب الضمان) و يخصون (كتاب الكفالة) يتعهد النفس، و إحضار الشخص، اما تعهد المال فهو الضمان، و عرفت في (الجزء الأول) ان الضمان يستعمل في لسان الشرع أو المتشرعة في معنيين.

الأول-: غرامة التالف و منه (من أتلف مال غيره فهو له ضامن) و قول الحنفية (الأجر و الضمان لا يجتمعان).

الثاني-: ضم ذمة إلى ذمة- أي جعل ذمة مشغولة بما اشتغلت به ذمة

ص: 234

أخرى، بحيث يصير لصاحب الحق مطالبة أيهما شاء، و أيهما دفع تبرأ ذمته و ذمة الآخر، هذا عند فقهاء المذاهب.

اما عند الإمامية فهو نقل المال من ذمة إلى أخرى بحيث تبرأ ذمة الأول و تبقى ذمة الآخر هي المشغولة، و قد أوضحنا لك فيما سبق ان الجميع يرجع الى معنى واحد، و أصل حقيقة الضمان هو العهدة و التعهد، فغرامة التالف عبارة عن دخول البدل في عهدة المتلف و اشتغال ذمته به و هو ضمان العهدة و ضم ذمة إلى أخرى أو نقل المال من ذمة إلى ذمة و هو جعل الحق في عهدته اما معاً على سبيل البدلية كما عند القوم، أو نقلًا و تحويلًا كما عند الإمامية، و كفالة النفس أيضاً ترجع أيضاً الى ضمان العهدة يعني انك تتعهد بإحضار الشخص في الوقت المعين أو متى شاء صاحب الحق كما في مادة (613) الكفالة بالنفس هي الكفالة بشخص واحد، و ما بعدها من مادة (614) إلى مادة (620) مكررات واضحات و مادة (617) سيأتي تفصيلها في مادتي (623) و (624) و (الخلاصة) ان الكفالة أي الضمان نسبة و اضافة تتقوم بأربعة أطراف.

(1) الكفيل- و هو الضامن المتعهد.

(2) المكفول- و هو المضمون عنه أو معه.

[3] المكفول له- و هو صاحب الحق المضمون و يعبر عنه بالمضمون له.

[4] الحق المضمون- و هو المال أو النفس.

و هي عند أصحابنا عقد يتوقف على الإيجاب من الضامن و القبول

ص: 235

من المضمون له و هو صاحب الحق، اما المضمون عنه اي من عليه الحق فقيل: يعتبر قبوله أيضاً فتتقوم بإيجاب و قبولين، و قيل: لا يعتبر، اما عند أصحاب (المجلة) فيكفي إيجاب الكفيل كما سيأتي.

ص: 236

الباب الأول في «عقد الكفالة

اشارة

و يحتوي على فصلين»

الفصل الأول «في ركن الكفالة»

(مادة: 621) تنعقد الكفالة و تنفذ بإيجاب الكفيل فقط

و لكن ان شاء المكفول له ردها فله ذلك و تبقى الكفالة ما لم يردها المكفول له و بهذه الصورة لو كفل أحد و طلب المكفول له في غيابه و مات قبل وصول خبر الكفالة اليه و يطلب الكفيل بكفالته هذه و يؤاخذ بها.

ذهب جماعة من متأخري فقهائنا إلى كفاية الإيجاب و عدم لزوم القبول العقدي من المضمون له اي المكفول له بل يكفي رضاه سابقاً أولا حقاً أو مقارناً و حينئذ فلا يلزم فيه ما يلزم في سائر العقود اللازمة من صيغة خاصة و توالي الإيجاب و القبول و غير ذلك و هذا هو المعنى المعقول و لعله هو مراد أرباب (المجلة) و ان كانت العبارة قاصرة عنه فان رضا صاحب الحق أي المكفول له لا بد منه و لا يكفي عدم رده

ص: 237

و لا يلزم الكفيل بها مع عدم إحراز رضا المكفول له فلو مات قبل العلم برضاه فالكفيل غير مشغول الذمّة و قولهم: ان الكفيل يطالب بكفالته و يؤاخذ بها غير سديد كما هو واضح بأقل تأمل، بل قد يكون في بعض الظروف و الاعتبارات رضا المكفول اي المضمون عنه معتبراً أيضاً كما لو كان من ذوي الشأن و يكون عليه حزازة في ضمان هذا الضامن الذي هو أحط منه درجة عند الناس فلا ينتقل الحق من ذمته الا برضاه.

[مادة: 622] إيجاب الكفيل يعني ألفاظ الكفالة هي الكلمات التي تدل على التعهد و الالتزام في العرف و العادة

مثلا لو قال كفلت أو انا كفيل أو ضامن الكفالة،،، عقد الضمان أو الكفالة له صيغ خاصة عليه صراحة و بالمطابقة و هي- كفلت و ضمنت، و انا متعهد و انا ضامن- و له صيغ تدل عليه بالالتزام كقوله: حقك على فلان هو علي و أنا مشغول لك به، و أشباه هذا، و الجميع كاف على حد سائر العقود اللازمة عندهم و ان كان الأحوط بل الأقوى لزوم الاقتصار على الصيغ الصريحة أو القريبة منها.

اما المجازات البعيدة و استعمال ألفاظ عقد في آخر كما لو استعمل لفظ الحوالة و أراد منه الكفالة بقرينة أم بغير قرينة فالأصح عدم انعقاد تلك المعاملات الخاصة بها و عدم تحقق تلك الحقائق باستعمالها.

(مادة: 623) تكون الكفالة بالوعد المطلق أيضاً

انظر مادة (84) مثلا لو قال: ان لم يعطك فلان طلبك فانا أعطيك تكون كفالة فلو

ص: 238

لم يعطه يطالب الكفيل.

ذكرنا في تلك المادة ان المواعيد عندنا غير لازمة، نعم يستحب الوفاء بالوعد استحباباً شرعياً و يجب الوفاء به وجوباً اخلاقياً، فقوله:

ان لم يعطك فلان فانا أعطيك، و عدلا التزام و لا عقد لازم و ليس بكفالة و لا ضمان انما الضمان ان يقول: انا ملتزم أو متعهد أو ضامن و ما الى ذلك من الألفاظ الصريحة بالعهدة و إشغال الذمة.

هذا فساد من هذه الناحية و فساد من ناحية أخرى و هي ان العقود اللازمة بل مطلقاً عند الفقهاء لا تحتمل التعليق سيما الضمان فلا يصح ان يقول: انا ضامن ان رضي أبي، و انا ضامن ان لم يعطك المديون، بل يشترطون في الضمان التنجيز كما سيأتي، و استدلوا له بالإجماع تارة- و تحققه غير معلوم- و بمنافاة العقد للتعليق أخرى لأن أثر العقد يلزم ان يكون متصلا به غير منفك عنه، و فيه ان الأثر الخاص- اعنى الالتزام أو التعهد- في ذلك التقدير أيضاً متصل بالعقد غير منفك عنه فكما يجوز التوقيت في الضمان كقوله: انا ضامن بعد شهر أو بعد سنة يلزم جواز انا ضامن ان قبل أبي أو ان لم يعطك غريمك فيكون نظير ضمان العهدة في الأعيان فإنه ضمان في الحقيقة ضمان معلق على التلف كما مرت الإشارة إليه في قاعدة اليد فتدبره.

و الى الضمان الموقت أشارت مادة (624) لو قال: انا كفيل من اليوم الى الوقت الفلاني تنعقد منجزة حال كونها كفالة موقتة، و مادة (625) كما تنعقد الكفالة مطلقة تنعقد بقيد التعجيل و التأجيل يعني

ص: 239

مقيدة بالحال أو بالوقت الفلاني- كل ذلك لإطلاق أدلتها المقتضي لجوازه كما يقتضي جواز تعدد الكفلاء عرضيين كما لو كفل شخصاً واحداً جماعة، و طوليين كما لو كفل الكفيل كفيل و هكذا و يكون حال أولئك و هؤلاء حال الواجب الكفائي ان ادى واحد سقط عن الجميع و الا فالجميع ذممهم مشغولة على نحو البدلية و كما في تعاقب الأيدي على العين الواحدة كما حقق في محله و اليه أشار بمادة (626) يصح ان يكون للكفيل كفيل و مادة (627) يجوز تعدد الكفلاء.

الفصل الثاني في (بيان شرائط الكفالة)

(مادة: 628) يشترط في انعقاد الكفالة كون الكفيل عاقلا و بالغاً

بناء عليه لا تصح كفالة المجنون و المعتوه و الصبي، و لو كفل حال صبوته و أقربها بعد البلوغ لم يؤاخذ بها.

العقل و البلوغ- بل و الرشد- عندنا من الشرائط العامة التي لا يصح عقد الا باجتماعها، و اما أرباب (المجلة) فقد اكتفوا- في صحة البيع و الإجارة و هما من أقوى العقود اللازمة و أكثرها تداولا- بالعقل و التمييز فقط اي لم يعتبروا البلوغ فاعتباره هنا و عدم اعتباره هناك لا يخلو من

ص: 240

غرابة و على كل فيشترط في صحة الكفالة أي الضمان.

1-: الإيجاب و القبول.

2-: صدورهما من عاقل بالغ.

3-: كونه مختاراً فلا اثر لضمان المكره.

4-: غير محجور عليه لسفه، اما الحجر عليه لفلس فلا يمنع، لأن الحجر في الفلس يتعلق بمنعه من التصرف في أعيان أمواله لا في ذمته فهو كما لو اقترض على ذمته، و كذا يشترط عدم كون المضمون له مفلساً أو سفيهاً اما المضمون فلا يشترط فيه شي ء من ذلك.

5-: ان لا يكون مملوكاً غير مأذون من مولاه، و عن بعض فقهائنا جواز ضمانه مطلقاً كجواز دينه و يتسع به بعد العتق، و نفي القدرة عنه في قوله تعالى (عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ) منصرف إلى الأعمال المنافية لحق المولى و ليس هذا القول و ان كان المشهور على خلافه ببعيد، و لو اذن له المولى و عين في ماله أو مال عبده- ان قلنا بأنه يملك أو في ذمته تعين، و ان أطلق ففي كونه على المولى أو على ذمة العبد يتبع به بعد العتق أو في كسبه فعلا وجوه أوجهها الأول لأن الاذن في الشي ء اذن في لوازمه بعد ان كان العبد لا مال له أصلا أو محجور عليه فهو كما لو اذن له بالتزويج حيث ان المهر و النفقة على المولى و ان لم يقيد و كما لو اذن له في الاستدانة لنفقته و دعوى الفرق ممنوعة.

6-: التنجيز عند المشهور فلو علق الضمان على شرط بطل عندهم

ص: 241

اما لو علقه على وصف اي على أمر محقق الوقوع كالتوقيت صح، و قد عرفت التحقيق قريباً.

7-: كون المضمون حقاً ثابتاً في ذمة المضمون عنه سواء كان مستقراً كالفرض و العوضين في البيع المنجز، أو متزلزلا كأحد العوضين في البيع الخياري و كالمهر قبل الدخول فلو قال: أقرض فلاناً و انا ضامن أو بعه نسيئة بضماني لم يصح عند المشهور بل ادعي الإجماع عندنا على بطلان قوله: مهما أقرضت فلاناً فهو في ضماني مع انهم اتفقوا ظاهراً على الصحة فيما لو قال عند خوف غرق السفينة: ألق متاعك في البحر و علي ضمانه، و ذهب جماعة إلى صحة ضمان مال الجعالة قبل العمل مع انه حق غير ثابت فالأقوى كفاية مقتضى الثبوت و عليه فيصح ضمان النفقة المستقبلة للزوجة لأن نفس الزوجية تقتضي ثبوتها و ان لم يثبت فعلا بل يمكن القول بما هو أوسع و هو ضمان الأعيان و عدم قصره على الحق الثابت في الذمة فيصح ضمان العين المغصوبة و المقبوض بالسوم و بالعقد الفاسد و ضمان درك الثمن لو ظهر المبيع مستحقاً و درك المبيع لو ظهر الثمن مستحقاً و كل هذا من ضمان العهدة المستفاد من قاعدة اليد فيتلاقى الضمانان- ضمان العقد و ضمان اليد- في أصل واحد و فسيلة فاردة.

8-: ان لا يكون الضامن مشغول الذمة للمضمون عنه بمثل المال المضمون فإنهم ذكروا: ان التعهد اما بمال أو بنفس و الثاني هو الكفالة و الأول- اما من برئ- و هو الضمان- و اما من مشغول الذمة و هو الحوالة.

و يمكن الخدشة فيه بان ملاك الفرق بين الضمان و الحوالة ليس هو البراءة.

ص: 242

و الاشتغال بل ان المتعهد ان ابتدأ بالتعهد و لو بإذن المتعهد عنه فهو ضمان سواء كان مشغولا أو بريئاً و ان كان بتوجيه المتعهد عنه ماله من الحق إلى غيره فهو الحوالة.

و «الحاصل» ان الضمان و الحوالة معنيان متباينان بحسب الجوهر و ان اشتركا في بعض اللوازم فالضمان تعهد أعم من ان يكون بطلب أو ابتداء و ان كان الغالب الثاني، و الحوالة توجيه و تسليط على ذمة الغير فذاك تعهد ذمة لأخرى و هذه تسليط ذمة على ذمة فتدبره فإنه لا يخلو من دقة، و حينئذ فلو ضمن مشغول الذمة فإن كان بإذن المضمون عنه و بمثل ماله من الحق حصل التهاتر القهري و الا فالحق باق في ذمته كما في الضمان التبرعي.

9-: ان لا يكون في المضمون له و الحق المضمون و المضمون عنه ترديد عند الضامن و إبهام فلا يصح ان يضمن أحد الدينين و لو لشخص واحد أو على واحد و لا أحد الشخصين و لو عن دين واحد و لكن لا يلزم معرفة الدين و مقداره و لا معرفة المضمون له أو المضمون عنه بشخصه بل يكفي المعرفة الإجمالية و الإشارة إلى واقعة على ما هو عليه و ان لم يعلمه الضامن تفصيلا فيصح لو قال: ضمنت ما عليك من دين و ان لم يعلم قدره و لا من له الدين كما يجوز ان يقول ضمنت مالك على الناس من ديون أو كل من له دين على زيد فانا ضامن له و هكذا و اليه أشارت (المجلة) في مادة (630) ان كان المكفول به نفساً يشترط ان يكون معلوماً و ان كان مالا لا يشترط ان يكون معلوماً بناء عليه

ص: 243

لو قال: انا كفيل عن دين فلان الذي هو على فلان تصح الكفالة و ان لم يكن مقداره معلوماً، بل قد عرفت صحة ما هو أوسع من هذا في الجهالة.

و «الضابطة» للصحة ان يقصد شيئاً له واقع يشير اليه و لو إجمالا بخلاف ما لو لم يكن له واقع معين كأحد الدينين أو أحد الشخصين فان واقعه الترديد لا التعيين.

و الى الشرط السابع أشارت (المجلة) بمادة (631) يشترط في الكفالة بالمال ان يكون المال المكفول به مضموناً على الأصيل يعنى ان إيفائه يلزم الأصيل بناء عليه تصح الكفالة بثمن المبيع و بدل الإجارة و سائر الديون الصحيحة كذلك تصح الكفالة بالمال المغصوب،،، يتضح لك من تحريرنا القريب ضعف هذا البيان الذي لم يميز فيه بين ضمان الذمم و الأعيان فإن ثمن المبيع تارة يكون كلياً و هو المورد المتفق على صحة ضمانه و اخرى يكون شخصياً و هو مما لا معنى لضمانه عند المشهور من الفريقين إذ لا وجه عندهم لضمان العين الموجودة في الخارج و لكننا قد خرجنا لضمانها وجهاً على نحو ضمان اليد في المغصوب و نحوه الذي يتضمن نوعاً من التعليق محصله وجوب رد العين مع وجودها، و رد بدلها مع فقدها.

و قد أشارت (المجلة) هنا الى ضمان الدين صريحاً و ضمان العين بذكر المغصوب و بقي بدل الإجارة و ثمن المبيع صالحاً للأمرين و وافقت المشهور عندنا في لزوم كون المضمون حقاً ثابتاً فعلياً و لا يكفي

ص: 244

الاقتضاء و الاستعداد.

و يتحصل منها ان ضابطة ما يصح ضمانه- الدين الثابت في الذمة أو العين المضمونة ضمان يد أو ضمان معاوضة فتخرج الأمانات لأنها غير مضمونة أصلا كالعارية و الرهن فضلا عن الوديعة و الإجارة، و كذلك يخرج المبيع قبل القبض فإنه في ضمان البائع فلا دين و لا يد.

نعم يصح ضمانه بمعنى أوسع و هو التعهد بتسليمه و لو أتلف الأمين الامانة و اشتغلت ذمته ببدلها صح الضمان لانه دين، و بهذا يتضح بقية ما في هذه المادة من الأمثلة حيث تقول: و كذلك تصح الكفالة بالمال المقبوض على طريق سوم الشراء ان كان قد سمي ثمنه- و هذا من قبيل ضمان العين- و لكن لا تصح الكفالة بعين المبيع قبل القبض لانه لو تلف عين المبيع في يد البائع ينفسخ البيع و لا يكون مضموناً على البائع الا انه يلزم عليه رد ثمنه ان كان قد قبضه، و كذلك لا تصح الكفالة بعين المال المرهون و المستعار و سائر الأمانات لكونها غير مضمونة على الأصيل و لكن بعد إضاعة المكفول عن هؤلاء و استهلاكها لو قال: أنا كفيل، تصح الكفالة و أيضاً تصح الكفالة بتسليم هؤلاء و بتسليم المبيع و عند المطالبة لو لم يكن للكفيل حق حبسها من جهة يكون مجبوراً على تسليمها الا انه كما ان في الكفالة بالنفس يبرأ الكفيل بوفاء المكفول به كذلك لو تلفت هذه المذكورات لا يلزم الكفيل شي ء.

(مادة: 632) لا تجري النيابة في العقوبات

بناء عليه لا تصح الكفالة بالقصاص و سائر العقوبات و المجازات الشخصية و لكن تصح الكفالة

ص: 245

بالأرش و الدية الذين يلزمان الجارح و القاتل.

يعني ان مورد الكفالة اما مال أو نفس اما القصاص و الحدود فهي حقوق إلهية و احكام شرعية و لا معنى لضمانها، نعم يتصور فيها ضمان الشخص و تسليمه لا قامة الحد عليه أو القصاص فيكون من ضمان النفس و لا مانع منه و ان لم يصرحوا به، و لكن تصح الكفالة بالأرش قطعاً و الدية لا اللذين يلزمان القاتل و الجارح لأنهما مال و الذمة مشغولة به و ان كان سببه الجناية.

(مادة: 633) لا يشترط يسار المكفول عنه و تصح الكفالة عن المفلس أيضاً.

هذا مما لا كلام فيه و لا حاجة الى بيانه انما الكلام في اعتبار يسار الكفيل- اي الضامن- و لكن مع رضا المضمون له يسقط هذا البحث و لكن لو كان معسراً أو مفلساً و رضي المضمون له به لعدم علمه بفقره و فلسه لا يبعد بل المتعين، ان يكون له الخيار.

ص: 246

(الباب الثاني) في (بيان أحكام الكفالة

اشارة

و يحتوي على) (ثلاثة فصول)

الفصل الأول في (بيان حكم الكفالة المنجزة و المعلقة و المضافة)

(مادة: 634) حكم الكفالة هو المطالبة يعني للمكفول له حق مطالبة لمكفول به من الكفيل،

على البدل كما هو عند فقهاء المذاهب، و على التعيين عند الإمامية لأن حكم الضمان الصحيح أي الكفالة برأيه المضمون عنه من الحق و اشتغال ذمة الضامن به.

(مادة: 635) يطالب الكفيل في الكفالة المنجزة حالا ان كان الدين معجلا في حق الأصيل و عند ختام المدة المعينة ان كان مؤجلا

مثلا-:

لو قال: أحد انا كفيل عن دين فلان فللدائن ان يطالب الكفيل في الحال

ص: 247

ان كان معجلا و عند ختام مدته ان كان مؤجلا.

و هذا- أي مطابقة الضمان الدين- واضح غني عن البيان و انما الحري بالذكر جواز المخالفة فيجوز ضمان المؤجل حالا و ضمان الحال مؤجلا بذلك الأجل أو انقص أو أزيد كل ذلك لإطلاق أدلة الضمان فلا وجه لما يحكى عن بعضهم من اعتبار الأجل في الضمان كالسلم و عدم صحته حالا، و لا لقول آخر من انه لا يصح ضمان المؤجل لأنه من ضمان ما لم يجب.

(مادة: 636) اما في الكفالة التي انعقدت مضافة الى زمان مستقبل أو معلقة بشرط فلا يطالب الكفيل

ما لم يحل الزمان أو يتحقق الشرط مثلا لو قال. ان لم يعطك فان طلبك فانا كفيل بأدائه، تنعقد الكفالة مشروطة و عند المطالبة ان لم يعطه ذلك الرجل دينه يطالب الكفيل و الا لا يطالب الكفيل قبل المطالبة من الأصيل كذا لو قال: ان سرق فلان مالك فانا ضامن، تصح الكفالة و ان ثبتت سرقة ذلك الرجل يطالب الكفيل، و كذا لو كفل بشرط ان يمهل كذا أياماً اعتباراً من الوقت الذي يطالب المكفول له و أمهل من وقت المطالبة مقدار تلك الأيام فلمكفول له ان يطالب الكفيل بعد مرور الأيام المذكورة أي وقت شاء، و كذا لو قال: انا كفيل بطلبك الذي يثبت في ذمة فلان أو بالمبلغ الذي ستقرضه فلانا أو بالشي ء الذي يغصبه فلان و بثمن المال الذي ستبيعه لفلان فلا يطالب الكفيل الا بعد تحقق هذه الأحوال يعني لا يطالب الكفيل الا بعد ثبوت الطلب و الافراض و تحقق الغصب و وقوع البيع و التسليم، و كذا لو قال: انا كفيل بإحضار فلان في

ص: 248

اليوم الفلاني لا يطالب الكفيل بإحضار المكفول به قبل حلول ذلك اليوم.

أكثر هذه الأمثلة المذكورة في هذه المادة هي من باب ضمان ما لم يجب و المشهور عند فقهائنا بطلانها جميعاً و التحقيق فيها التفصيل فمثل قوله: ان لم يعطك طلبك فانا ضامن، صحيح، و مثل قوله: ان سرق فلان مالك فانا ضامن. أو بالمبلغ الذي ستقرضه فلاناً أو بالشيئ الذي يغصبه فلان و بثمن المال الذي ستبيعه لفلان- كلها باطلة و لا اثر لها حتى بعد القبض و الغصب و البيع و السرقة فان لم يكن ثابتاً وقت الضمان لا حقيقة و فعلا و لا اقتضاء و قوة بخلاف الضمان بعد البيع و الضمان على فرض عدم الدفع أو ضمان درك الثمن على فرض ظهور استحقاق المبيع و أمثالها مما يكون الحق بين ما هو ثابت فعلا اي حين الضمان و بين ما هو ثابت بالقوة لتحقق مقتضية و هو البيع المقتضي لضمان الدرك.

[مادة: 637] يلزم عند تحقق الشرط تحقق الوصف و القيد أيضاً

مثلا- لو قال كلما حكم على فلان فانا كفيل بأدائه و أقر ذلك بكذا دراهم لا يلزم أداء الكفيل ذلك ما لم يلحقه حكم الحاكم.

(مادة: 638) في الكفالة بالدرك لو ظهر للمبيع مستحق لا يؤخذ الكفيل

ما لم يحكم بعد المحاكمة على البائع برد الثمن.

(مادة: 639) لا يطالب الكفيل في الكفالة الموقتة إلا في ظرف مدة الكفالة

مثلا- لو قال انا كفيل من هذا اليوم الى شهر لا يطالب الكفيل إلا في ظرف هذا الشهر و بعد مروره يبرأ من الكفالة.

ص: 249

هذا الحكم انما يتم بناء على ان الضمان ضم ذمة إلى ذمة اما بناء على انه نقل المال من ذمة إلى أخرى بحيث تبرأ الذمة الاولى بمجرد تحقق الضمان فلا يتم بل لا يتحصل له معنى كما هو واضح.

نعم يتصور التوقيت على الطريقة الثانية بمعنى استحقاق المطالبة و تنجز الحق لا بمعنى انه بعد مرور المدة يبرء من الكفالة و ان لم يدفع فتدبره.

(مادة: 640) ليس للكفيل ان يخرج من الكفالة بعد انعقادها

و لكن له ذلك قبل ترتب الدين في ذمة المديون في الكفالة المعلقة و المضافة مثلا- كما انه ليس لمن كفل أحداً عن دينه منجزاً ان يخرج من الكفالة كذلك لو قال: كلما يثبت لك دين في ذمة فلان فانا كفيله.

تريد هذه المادة بيان حال ان عقد الكفالة من حيث الجواز و اللزوم و ان هل للكفيل الخروج و التخلي بعد انعقادها، و تحرير هذه الناحية ان عقد الضمان من العقود اللازمة من طرف الضامن و المضمون عنه سواء كان بإذنه أو لا.

نعم قد عرفت قريباً ان المضمون له إذا كان غير عالم بإعسار الضامن حين الضمان كان له الفسخ كما انه لو اشترط الضامن أو المضمون له أو هما معاً الخيار صح على نحو لا يوجب الغرر و الجهالة لعموم أدلة الشروط و المدار على اليسار الإعسار حال عقد الضمان فلو كان معسراً في ذلك الحال ثم أيسر لم يسقط الخيار و لو انعكس الأمر لم يكن له خيار.

ص: 250

هذا بعد تحقق الدين و صحة الضمان، اما المذكور في المتن من الكفالة المعلقة التي هي قبل ترتب الدين فهي باطلة عندنا كما عرفت قريباً، و على تقدير صحتها فيلزم الاطراد في منجزها و معلقها و مضافها و الحكم في اللزوم في بعض و الجواز في آخر تحكم لا وجه له سوى الاستحسان.

و أي فرق في قوله: كلما يثبت لك دين في ذمة فلان فانا كفيله بين ان يكون الدين ثابتاً فلا رجوع أو يثبت مؤخرا فيجوز الرجوع فليتدبر.

(مادة: 641) من كان كفيلا برد المال المغصوب أو المستعار

و تسليمهما لو سلمهما الى صاحبهما يرجع بأجرة نقليتهما على الغاصب و المستعير.

هذا في صورة الإطلاق اما مع التقييد و الانصراف فلا.

الفصل الثاني في (بيان حكم الكفالة بالنفس)

(مادة: 642) حكم الكفالة بالنفس هو عبارة عن إحضار المكفول به أي لأي وقت كان قد شرط تسليم المكفول به يلزم إحضاره

ص: 251

على الكفيل بطلب المكفول له ذلك الوقت فإن أحضره فيها و الا يجبر على إحضاره.

هذه العبارة كما ترى على طولها مختلة التركيب متفككة كعبارة تركية أو هندية و حق البيان ان يقال: ان الكفالة بالنفس عبارة عن التعهد و الالتزام بإحضار إنسان في وقت معين أو عند طلبه من إنسان أخر و يحصل بالإيجاب من الكفيل و القبول من المكفول له و يشترط فيه ما يشترط في غيره من صدورهما من بالغبن رشيدين مختارين غير سفيهين و في الفلس وجهان يظهران بالتأمل و يعتبر رضا الكفيل و المكفول له قطعاً بل و رضا المكفول على الأحوط بل الأقوى و إذا تم هذا العقد كان أثره وجوب إحضار الكفيل المكفول في الوقت المعين أو ما عليه من الحق ان أمكن في المكان المعين أو في بلد الكفالة مع الإطلاق و لو امتنع أجيره الحاكم و لو سلم المكفول نفسه أو مات أو أبرئه المكفول له سقطت الكفالة.

هذا موجز ما ينبغي ان يقال في عقد الكفالة و هنا تفاصيل و بحوث لا يتسع لها المجال.

ص: 252

الفصل الثالث في (بيان أحكام الكفالة بالمال)

(مادة: 643) الكفيل ضامن.

يعني انه متعهد بدفع المال اما مطلقاً كما هو عندنا أو على البدل كما هو عندهم.

(مادة: 644) الطالب مخير في مطالبته

ان شاء طالب الأصيل و ان شاء طالب الكفيل و مطالبته من أحدهما لا يسقط حق مطالبته من الأخر و بعد مطالبته من أحدهما له ان يطالب الآخر و منهما معاً.

فيها من سوء البيان و التكرار الواهن ما يمجه الذوق العربي، و هذا من لوازم الكفالة بالمعنى المعروف عند القوم من كونها عبارة عن ضم ذمة إلى اخرى، اما بالمعنى الذي عندنا فلا مجال لهذا القول و لا حق له الا بمطالبة الكفيل إما الأصيل فقد برء تماماً، و قوله و منهما معاً- اي على ان يدفع له أحدهما لا ان يدفعا معاً كما هو واضح.

(مادة: 645) لو كفل أحد المبالغ التي لزمت ذمة الكفيل بالمال حسب كفالته

فللدائن ان يطالب من شاء منهما هذا أيضاً من لوازم صحة ترامي الكفالة فلو كفل الكفيل كفيل

ص: 253

آخر كان للمكفول له مطالبة من شاء منهما و هذا واضح بعد البناء على انها ذمم ينضم بعضها الى بعض و اللاحق لا يسقط السابق، و عليه يتفرع أيضاً مادة (646) المديونون من جهة الاشتراك لو كان كل واحد منهم كفيلا للآخر يطالب كل منهم بمجموع الدين،،، اي للمكفول له مطالبة كل واحد بمجموع الدين فان كل واحد بكفالته قد صير الدين كله في ذمته.

(مادة: 647) لو كان لدين كفلاء متعددة

فإن كان كل منهم قد كفل على حده يطالب كل منهم بمجموع الدين و ان كانوا قد كفلوا معاً يطالب كل منهم بمقدار حصته من الدين و لكن لو كان قد كفل كل منهم المبلغ الذي لزم في ذمة الآخر فعلى هذا الحال يطالب كل منهم بمجموع الدين مثلا- لو كفل أحد آخر بألف ثم كفل ذلك المبلغ غيره أيضاً فللدائن ان يطالب من شاء منهما، و اما لو كفلا معاً يطالب كل منهما بنصف المبلغ المذكور الا ان يكون كل منهما قد كفل المبلغ الذي لزم ذمة الآخر فعلى ذلك الحال يطالب كل منهما بالألف.

هذه المادة أيضاً مختلة البيان مع التطويل و التكرير المخل، و تحرير هذا البحث ان تعدد الكفلاء اما ان يكون على نحو العموم الأفرادي البدلي نحو جئني بأي رجل كان، أو على نحو العموم المجموعي نحو وزع هذه المائة على هؤلاء العشرة، أو على نحو العموم الترتيبي مثل خصال الكفارة المرتبة، و على النحو الأول يتجه ما ذكرته (المجلة) بقولها: فان كان كل منهم قد كفل على حدة يطالب اي المكفول

ص: 254

له كلا منهم بمجموع الدين يعني على سبيل البدل، و على النحو الثاني ينطبق قولها: و ان كانوا قد كفلوا معاً يطالب كلا منهم بمقدار حصته من الدين اي يتوزع الدين عليهم بالحصص.

و الى هنا كمل بيان القسمين و ما بقي في هذه المادة تكرار و اعادة لهما مع تطويل ممل و بلا فائدة كما هو واضح بأدنى مراجعة، و بقي القسم الثالث لم تشر إليه أصلا و هو العموم الترتيبي و هو ما لو قال كل واحد منهم: انا كفيل لفلان ان لم يدفع هو، أو ان لم يدفع كفيله الى الوقت الفلاني و هكذا و هذا هو الضمان المتسلسل المترتب و قد يدور حتى يرجع الى الأول فتدبر.

(مادة: 648) لو اشترط في الكفالة برأيه الأصيل تنقلب إلى الحوالة.

يعني يشترط الضامن في الضمان على المضمون له ان يبرء ذمة المضمون عنه الأصيل تبرأ و تنقلب الكفالة حوالة لأنها تحويل المال من ذمة إلى ذمة و هذا على مذهب الجماعة واضح و أما على مذهب الأصحاب فهذا الشرط تأكيد لا تأسيس لان طبيعة الكفالة- أي الضمان تقتضي ذلك بذاتها و لو لم يشترط، و لا تنقلب إلى الحوالة لأن الحوالة عند المشهور لدى فقهائنا تحويل المال من ذمة مشغولة إلى ذمة أخرى بخلاف الضمان فإنه تحويل إلى ذمة فارغة، و قد مرت الإشارة إلى انتقاد هذا الرأي و سيأتي أيضاً تحقيقه في الحوالة ان شاء اللّٰه.

و مما ذكرنا تتضح وجهة البحث في مادة (649) الحوالة بشرط

ص: 255

عدم برأيه المحيل كفالة بناء عليه إلخ .. فإنه يصح عندهم و يكون كفالة اي ضماناً و لا يصح عندنا لان لازم الحوالة برأيه المحيل و لازم الضمان ان يكون الضامن غير مديون.

(مادة: 650) لو كفل أحد دين أحد على ان يؤديه من المال المودع عنده يجوز

و يجبر الكفيل على أدائه من ذلك المال و لو تلف المال لا يلزم الكفيل شي ء و لكن لو رد ذلك المودع بعد الكفالة يكون ضامناً.

تطبيق هذا الفرع على القواعد المحكمة، و العقود المقررة المعروفة مشكل و باب الضمان و أخواته من الكفالة و الحوالة هو تعهد الذمم على نحو الكلي لا التعهد في المال المعين الخارجي و يشبه ان يكون توكيلا من المودع للودعي ان بقي دينه من وديعته التي عنده فلو تلفت الوديعة فالدين باق و الكفيل- اي الوكيل- لا شي ء عليه طبعاً الا مع التعدي أو التفريط.

(مادة: 651) لو كفل أحد آخر عن نفسه على ان يحضره في الوقت الفلاني

و ان لم يحضره في الوقت المذكور فعليه أداء دينه فإذا لم يحضره في الوقت المعين المذكور يلزمه أداء ذلك الدين، و إذا توفي الوكيل فان سلمت الورثة المكفول به الى الوقت المعين أو المكفول به ان سلم نفسه من جهة الكفالة لا يترتب على طرف الكفيل شي ء من المال و ان لم يسلم الورثة المكفول به أو هو لم يسلم نفسه يلزم أداء المال من تركة الكفيل و لو حضر الكفيل المكفول به و اختفى المكفول له أو تغيب فليراجع الكفيل الحاكم لينصب وكيلا عوضاً عنه و يستلمه.

تضمنت هذه المادة عدة أحكام.

ص: 256

1-: انه لو كفل ان يحضر نفساً فان لم يحضره في الوقت المعين دفع ما عليه من الحق و هذا مما لا اشكال فيه عند جمهرة فقهاء الإسلام بل لعله من مقتضيات عقد الكفالة و ان لم يشترطه كما سبق، و لكن مع كل هذا الوضوح قد حاول التشكيك فيه البعض بان ذلك ليس من مقتضيات عقد الكفالة بالنفس فلو لم يرض المكفول له الا بإحضار النفس طبقاً لصريح نصها كان له ذلك و لا سبيل إلى إلزامه بقبول المال عن النفس سيما لو كان له غرض بحضور ذات الشخص أو لم يكن هناك حق ثابت بل يريد حضوره للمرافعة معه أو التفاهم أو غير ذلك من من الأغراض الخاصة، و كل ما يقال في هذا المجال و ان أمكن دفعه و الجواب عنه و لكن الإنصاف ان مثل هذه الحوادث الشخصية و الخصومات الخصوصية لا يمكن إعطاء الحكم الكلي لها بل الأسد و الأصوب إرجاعها إلى الحاكم لينظر في خصوصياتها المقامية و يحكم بما يقتضيه العدل و الاستنباط النظري من القواعد الشرعية المنطبقة على المورد الخاص فتدبره تجده ألمع من نجمة الصباح في أفق التحقيق.

2-: إذا توفي الكفيل فان سلمت الورثة المكفول به الى الوقت المعين أو المكفول به ان سلم نفسه من جهة الكفالة لا يترتب على الكفيل شي ء من المال و ان لم يسلم الورثة المكفول به إلخ .. و هذه الجمل تشتمل على أمرين.

الأول-: ان الكفالة حق على الكفيل للمكفول له ينتقل بعد موته فيكون على وارثه فللمكفول له ان يطالبهم بإحضاره.

ص: 257

الثاني-: انهم إذا لم يحضروه أو لم يسلم هو نفسه وجب على الورثة دفع المال من تركة مورثهم الكفيل و في كلا الأمرين مجال للبحث و النظر يرتكز على ان هذا الحق أو لا ليس بحق مالي حتى يتعلق بالوارث له أو عليه و ثانياً لو سلم كونه حقا مالياً فهو حق خاص متعلق بذات الكفيل كحق القذف و حق القصاص و أمثالها و ملاك القضية هنا انه ثبت بالدليل العام ان كل حق مالي للميت فهو ينتقل بموته الى وارثه و لم يثبت بوجه العموم ان كل حق عليه يكون بموته على وارثه و الأصل عدم الانتقال الا ما قام عليه الدليل في كل مورد بخصوصه.

3-: و لو احضر الكفيل المكفول به و اختفى المكفول له أو تغيب فليراجع الكفيل الحاكم لينصب وكيلا عوضاً عنه و يستلمه، لان مثل هذه الأمور العامة مرجعها الى الحاكم العام- و المراد بالأمور العامة ما يبتلي أحياناً به عامة الناس و ليس لها مرجع خاص يقوم بحل عقدتها فكان من الحكمة و حفظ النظام جعل مرجع لتمشيتها و هو الحاكم.

نعم يمكن ان يقال هنا انه لا يلزم الرجوع الى الحاكم بل يشهد الكفيل شاهدين عدلين على انه أحضره في الوقت المعين و يسقط بذلك حق المكفول له المتغيب فليتدبر.

(مادة: 652) إذا كان الدين معجلا على الأصيل في الكفالة المطلقة

ففي حق الكفيل أيضاً يثبت معجلا و ان كان مؤجلا يثبت مؤجلا. و مثلها مادة (653) و قد رجع بهما إلى أحكام كفالة المال و لا شك ان ضمان الدين مع

ص: 258

الإطلاق ينطبق على وصف الدين من سائر جهاته و خصوصياته فان كان معجلا وجب على الضامن دفعه كذلك، و ان كان مؤجلا بقي على الضامن بهذا الوصف، نعم يصح ضمان المؤجل حالا و الحال مؤجلا حسب الشرط كما يصح في المؤجل تأجيله إلى أجل آخر. كما في مادة (654) كما تصح الكفالة مؤجلة بالمدة المعلومة التي أجل بها الدين كذلك تصح مؤجلة بأزيد من تلك المدة.

[مادة: 655] لو أجل الدائن طلبه في حق الأصيل يكون مؤجلا في حق الكفيل و كفيل الكفيل أيضاً

و التأجيل في حق الكفيل الأول تأجيل في حق الكفيل الثاني أيضاً و اما تأجيله في حق الكفيل فليس بتأجيل حق الأصيل.

و ذلك واضح لأن الأصيل هو الأصل و الكفيل تابع و التابع فرع و الفرع يتبع الأصل و الأصل لا يتبع الفرع و لذا لا يتم هذا الا على معنى الضمان بمعنى الضم، اما بناء على معنى النقل و التحويل فلا يأتي شي ء من ذلك ضرورة أن الفرع قد انقلب أصلا و لم يبق له بعد براءة ذمته أي علاقة له مع غريمه فلا معنى لتأجيله و عدمه في حق الكفيل و لا كفيل الكفيل.

نعم يبقى الكلام في ان تأجيل الدين في حق الكفيل على الرأي الأول كيف يتصور مع عدم سرايته إلى الأصيل مع ان الدين واحد؟ و توجيه ذلك يمكن ان يكون بتصوير ان ذمة الأصيل هي المشغولة بالدين حقيقة و ليس على الكفيل الا حق المطالبة فإذا تأجل أصل الدين تأجلت المطالبة طبعاً اما لو تأجلت المطالبة كما لو أجل الكفيل فالدين باق على حاله من

ص: 259

تعجيل أو تأجيل، و تأجيل الكفيل أقصى أثره انه لا يطالب هو بالدين و لا ينافي ذلك ان غيره يطالب به فتدبره جيداً فإنه يحتاج الى لطف قريحة.

(مادة: 656) المديون مؤجلا لو أراد الذهاب الى ديار اخرى

و راجع الدائن الحاكم و طلب كفيلا يكون مجبوراً على إعطاء الكفيل.

في هذه المادة إجمال و إبهام و تحرير هذا البحث ان المديون لو أراد السفر من بلاد فيها دائنه فالدين لا يخلو اما ان يكون حالا أو مؤجلا فإن كان حالا فقد وجب عليه دفعه ان كان ملياً فان طالبه الدائن و لم يدفع مع عدم العذر الشرعي كان للدائن أن يرفع امره الى الحاكم كي يمنعه من السفر حتى يؤدى دينه، بل لا يبعد انه لو يسافر و الحال هكذا كان سفره معصية لا يجوز فيه التقصير.

و (بالجملة) لا يجوز له السفر الا بإرضاء دائنه بالدفع أو بالكفيل أو بغيرهما، اما لو كان الدين مؤجلا فليس له حق المطالبة بالدين و لا بالكفيل و لا بغيره، فإطلاق (المجلة) انه يكون مجبوراً على إعطاء الكفيل غير سديد، اللهم الا ان يكون رأيهم- و لو استحسانا- ان له ذلك حتى مع عدم حلول أجل الدين مخافة ان يحل الأجل و هو مسافر فيتأخر أداء الحق فليتأمل.

و لعل ما ينسب إلى الحنفية من عدم الحق للدائن أن يحبس المديون عن السفر إلا في نفقة الزوجة ناظر الى الدين قبل حلول اجله و يبقى الاستثناء على ظاهره متصلا، و وجهه ان نفقة الزوجة بالنسبة إلى الأيام المستقبلة

ص: 260

و ان كانت من قبيل المؤجل و لكن لقرب اجله و حاجة الزوجة إليه في الغالب و أهميته يكون كالحال بل أشد منه فليتدبر.

(مادة: 657) لو قال أحد لآخر اكفلني عن ديني الذي هو لفلان

فبعد ان كفل و أدى عوضاً عن الدين بحسب كفالته لو أراد الرجوع على الأصيل يرجع بالشيئ الذي كفله و لا اعتبار للمؤدي، و اما لو صالح الدائن على مقدار من الدين يرجع ببدل الصلح و ليس له الرجوع بمجموع الدين مثلا- لو كفل بالمسكوكات الخالصة و ادى مغشوشة يأخذ من الأصيل مسكوكات خالصة و بالعكس لو كفل بالمسكوكات المغشوشة وادي خالصة يأخذ من الأصيل مغشوشة كذلك لو كفل مقداراً من الدراهم و أداها صلحاً بإعطاء بعض أشياء يأخذ من الأصيل المقدار الذي كفله من الدراهم و لكن لو كفل ألفاً وادي خمسمائة صلحاً يأخذ من الأصيل خمسمائة.

هذه أيضاً من مهمات مسائل الضمان و هي مسألة رجوع الضامن على المضمون عنه و متى يرجع و بأي مقدار يرجع عليه؟ و تحرير هذا المقام على وجه الإيضاح و الاختصار ان الضامن لا يستحق الرجوع على المضمون الا بشرطين.

(الأول) ان يكون الضمان باذنه كما أشارت إليه (المجلة) لو قال أحد لآخر اكفلني عن ديني فلو كفل من غير اذنه لم يستحق الرجوع عليه لانه متبرع، نعم يبقى الكلام فيما لو كفله بغير اذنه و اطلع هو و لم يصرح بالرضا و الاذن و لم يمنع فهل السكوب من الرضا أو الأصل برأيه

ص: 261

ذمته من الحق؟ المسألة مشكلة تحتاج إلى التأمل.

(الثاني) انه لا يستحق الرجوع الا بعد الأداء فلا حق له بمطالبته المضمون عنه قبل ان يدفع الحق للمضمون له سواء كان الدين حالا أو مؤجلا كلياً أو جزئياً.

ثم بعد تحقق الشرطين يستحق الرجوع و لكن بمقدار ما دفع لا بمقدار ما ضمن فلو صالح الضامن المضمون له بأقل من دينه لم يستحق الا مقدار الصلح لا بأصل الدين فلو صالحه عن الألف بخمسمائة لا يأخذ منه الا الخمسمائة و هذا الحكم ثبت بالدليل الخاص على خلاف القاعدة و الا فإن ذمة المضمون عنه حسب الفرض قد اشتغلت للضامن بمقدار الدين كما ان ذمة الضامن قد اشتغلت للمضمون له بذلك و الصلح أو الإبراء بين الضامن و المضمون معاملة أخرى جديدة بينهما لا علاقة لها بقضية الضمان.

و «بالجملة» فبعد ان اشتغلت ذمة المضمون عنه للضامن بالمقدار المعين بعقد الضمان كيف ينقلب الى البعض بالصلح بين الضامن و المضمون له و هي معاملة أخرى أجنبية فلا بد من الالتزام بأن الذمة و ان اشتغلت بالمقدار و لكن لا يستقر و لا يلزم الا بالأداء فيستقر ما يؤدي و يسقط ما عداه و قبل الأداء يبقى مراعى و ليس هذا بعزيز النظير و ان كان مخالفاً للقاعدة فإن المهر تشتغل به ذمة الزوج و يبقى مراعى بالدخول فيلزم الجميع أو الطلاق أو الموت قبله فيسقط النصف فلا محيص من المصير اليه بعد ورود الدليل، و يتفرع على المراعاة سقوطه عن المضمون

ص: 262

عنه اجمع لو أبرأ المضمون له الضامن من أصل الدين و هو أيضاً مخالف للقاعدة و لذا لو وهبه أو ورثه أو باعه بأقل لا يتسرى الحكم المزبور لانه على خلاف القاعدة فنقتصر على مورده الخاص و هو ما إذا صالحه عنه ببعضه، اما لو صالح عنه أو باعه بعين هي أقل قيمة فلا فضلا عن الهبة و الإرث كما انه لا يجري في الحوالة و هو المراد من قول (المجلة) كذلك لو كفل مقداراً من الدراهم و أداها صلحاً بإعطاء بعض أشياء يأخذ من الأصيل المقدار الذي كفله من الدراهم و لكن لو كفل ألفاً وادي خمسمائة صلحاً يأخذ من الأصيل خمسمائة، ا ه.

و تأتي هنا شبهة الربا فليتأمل.

(مادة: 658) لو أغفل أحد آخر في ضمن عقد المعاوضة يضمن ضرره

مثلا- لو باع أحد لآخر عرصة و بعد إنشاء بناء فيها لو ظهر لها مستحق و ضبطها فللمشتري أن يأخذ قيمة البناء حين التسليم ما عدا أخذ قيمة العرصة كذلك لو قال أحد لأهل السوق: هذا الصغير ولدي بيعوه بضاعة فاني آذنته للتجارة ثم بعد ذلك لو ظهر ان الصبي ولد غيره فلأهل السوق ان يطالبوه بثمن البضاعة التي باعوها للصبي.

هذه القضية أجنبية عن (كتاب الضمان) الذي هو بمعنى ضم ذمة إلى ذمة أو تحويله من ذمة إلى أخرى و انما هو هنا بمعنى الخسارة و الغرامة أو التدارك و هما و ان كانا يرجعان إلى أصل واحد و لكن الاحكام تختلف باختلاف الخصوصيات فضلا عن الفصول، و سبب الضمان أي الغرامة هنا قاعدة الغرور (المغرور يرجع على من غره) و أهل السوق

ص: 263

و ان كان لهم حق الرجوع على من غرهم لو أتلف الصبي أموالهم و لكن قرار الضمان على الصبي المتلف بقاعدة (من أتلف) يؤخذ منه بعد بلوغه.

ص: 264

(الباب الثالث) في «البراءة من الكفالة

اشارة

و يحتوي على ثلاثة فصول»

الفصل الأول في بيان الضوابط العمومية

(مادة: 659) لو سلم المكفول به من طرف الأصيل أو الكفيل الى المكفول له يبرء الكفيل من الكفالة.

(مادة: 660) لو قال المكفول له أبرأت الكفيل أو ليس لي عند الكفيل شي ء يبرأ الكفيل.

(مادة: 661) لا تلزم برأيه الأصيل ببراءة الكفيل.

(مادة: 662) برأيه الأصيل توجب برأيه الكفيل.

هذه المواد مع وضوحها قد تقدم أكثرها، و اتضحت مداركها، و ان برأيه الأصل تستلزم برأيه الفرع دون العكس، و ذلك محصل هذه المواد الأربع.

ص: 265

الفصل الثاني في البراءة من الكفالة بالنفس

(مادة: 663) لو سلم الكفيل المكفول به في محل يمكن فيه المخاصمة

كالمصر أو القصبة إلى المكفول له يبرء الكفيل من الكفالة سواء قبل المكفول له أو لم يقبل و لو كفل على ان يسلمه في مجلس الحاكم و سلمه في الزقاق لا يبرأ من الكفالة و لكن لو سلمه بحضور ضابط يبرأ.

العبارة كما يتذوقها صاحب الذوق السليم العربي- مشوهة الخلقة و التركيب، و حاصلها ان محل تسليم الكفيل المكفول للمكفول له مع الإطلاق- بلد أو قصبة يمكن فيه المخاصمة لوجود حاكم أو محكمة أو حكومة أو ما أشبه ذلك فلو سلمه في بلد هي كذلك برء، أما مع اشتراط تسليمه في بلدة معينة فلا يبرء حتى يسلمه فيها أو في مجلس الحاكم أو غيره حسب الشرط، و الأصح انه مع الشرط هو المتبع و مع الإطلاق فالبلدة التي وقع عقد الكفالة فيها سواء كان فيها حكومة أو حاكم أم لا.

(مادة: 664) يبرء الكفيل بمجرد تسليم المكفول به بطلب المطالب،

اما لو سلمه بدون الطلب فلا يبرء ما لم يقل: سلمته بحكم الكفالة.

هذا حكم أشل بل تحكم محض فان الكفيل لا يلزمه أكثر من

ص: 266

تسليمة المكفول للمكفول له في الوقت المعين و الزمن المخصوص ان شرط شي ء منهما في العقد و لا اثر للطلب وجوداً و لا عدما الا مع الشرط أيضاً كما لا اثر لقول انه سلمه بحكم الكفالة، و أغرب من هذا ما في مادة (665) لو كفل على ان يسلمه في اليوم الفلاني و سلمه قبل ذلك اليوم يبرء من الكفالة و ان لم يقبل المكفول له،،، و ما أبعد ما بين المادتين فالأولى جعلت ما ليس بمشروط شرطاً و الثانية جعلت الشرط كغير المشروط، و ما ادري كيف صار هذا الشرط لغواً مع انه شرط سائغ و قد يتعلق به غرض عقلائي و يكون له فائدة مهمة بإحضاره في اليوم المعين فلو أحضره في غير ذلك اليوم لم يحصل غرضه؟

و كيف يلزم به مع عدم قبوله؟ و هذا واضح جداً.

(مادة: 666) لو مات المكفول به كما يبرأ الكفيل من الكفالة

كذلك يبرأ كفيل الكفيل، كذلك لو توفي الكفيل كما برء هو من لكفالة كذلك يبرأ كفيله أيضاً و لكن لا يبرأ الكفيل من الكفالة بوفاة المكفول له و يطالب وارثه.

موت المكفول يوجب بطلان الكفالة لزوال الموضوع فيبرأ الكفيل و كفيل الكفيل، و هكذا موت الكفيل فان زواله يوجب زوال ذمته و تعهده و ليس هو حق مالي مباشرة حتى ينتقل كالدين على ورثته أو على تركته.

نعم لو مات المكفول له بقي الحق على الكفيل ان يسلمه الى ورثته فإنه حق مورثهم فينتقل الى ورثته بموته.

ص: 267

الفصل الثالث في «البراءة من الكفالة بالمال»

(مادة: 667) لو توفي الدائن و كانت الوارثة منحصرة في المديون يبرء الكفيل من الكفالة.

و هذا أيضاً من قبيل زوال الموضوع أو بحكم وصول الحق فلا موضوع للكفالة، اما لو كان له وارث آخر غير مديون لم يبرء من حصة الوارث الآخر الغير مديون و هو واضح.

(مادة: 668) لو صالح الكفيل أو الأصيل الدائن على مقدار من الدين يبرآن

اشترطت برائتهما أو برأيه الأصيل فقط أو لم يشترط شي ء و ان اشترطت برأيه الكفيل فقط يبرء الكفيل فقط و يكون الطالب مخيراً ان شاء أخذ مجموع دينه من الأصيل و ان شاء أخذ بدل الصلح من الكفيل و الباقي من الأصيل.

الكفالة- أي الضمان- و ان جعلناه كما عند القوم ضم ذمة إلى ذمة، و لكن الأصل فيه هو الأصيل أي المديون المضمون عنه و الكفيل فرع له فلو أن الدائن أبرأ الأصيل أو صالحه أو أمهله سرى كل ذلك الى الفرع- اي الكفيل الضامن- بمعنى انه إذا أبرأ الدائن ذمة

ص: 268

المضمون عنه (المدين) برئت قهراً ذمة الكفيل لسقوط الدين و زوال الموضوع، و كذا لو صالحه على مقدار منه يبرآن معاً من الزائد عن مال المصالحة، و هذا يترتب قهراً سواء اشترطا برائتهما أو لم يشترطا فان هذا من اللوازم القهرية للإبراء و الاسقاط و الصلح، نعم لو أبرأ الكفيل فقط لم يبرء الأصيل لما عرفت من ان الأصل لا يتبع الفرع و برأيه الكفيل لا تستلزم برأيه الأصيل، فلو صالح الدائن الكفيل على مقدار أخذه و طالب الأصيل بالباقي أو أخذ الجميع منه لان ذمته في الأصل هي المشغولة.

[مادة: 669] لو أحال الكفيل المكفول له على أحد و قبل المكفول له و المحال عليه يبرء الكفيل و المكفول عنه أيضاً.

يعني يبرء الأصيل و الكفيل لان تحويله مع قبوله بحكم الأداء كما سيأتي في باب الحوالة إن شاء اللّٰه.

(مادة: 670) لو مات الكفيل بالمال يطالب بالمال المكفول به من تركته.

لانه حق مالي كالدين فإذا بطلت ذمة الكفيل بالموت انتقل الحق و صار في أمواله كسائر الديون.

(مادة: 671) الكفيل بثمن المبيع إذا انفسخ البيع أو ضبط المبيع بالاستحقاق أو رد بعيب يبرء من الكفالة.

كل ذلك لسقوط الحق المضمون فتسقط كفالته و التعهد به.

(مادة: 672) لو استؤجر مال الى تمام مدة معلومة

و كفل أحد

ص: 269

بدل الإجارة التي سميت تنتهي كفالفته عند انقضاء مدة الإجارة.

هذا مع الإطلاق و بناء على ان استحقاق الأجرة يكون عند انتهاء المدة و الا فيتبع الشرط و مع الإطلاق فعند تسليم العين المستأجرة فتدبره جيداً.

و اما قوله: فان انعقدت اجارة جديدة بعد ذلك على ذلك المال- لا تكون الإجارة شاملة لهذا العقد- فهو مستدرك واضح لا حاجة الى بيانه.

ص: 270

الكتاب الرابع في الحوالة

اشارة

و يشتمل على مقدمة و بابين

ص: 271

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم و له الحمد

ص: 272

المقدمة في بيان الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالحوالة

اشارة

(مادة: 673)

الحوالة:

نقل الدين من ذمة إلى ذمة أخرى.

بعد ان كان الضمان عندهم ضم ذمة إلى أخرى يتجه تعريف الحوالة بالتعبير المزبور، و أوضح منه تعبير بعضهم: بأنها نقل الدين من ذمة إلى أخرى بدين مماثل له، اما بناء على ان الضمان هو نقل المال من ذمة إلى ذمة كما هو عند الإمامية فقد قيدوا الحوالة للفرق بينها و بين الضمان بأنها تحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة- أو تحويل المديون دائنه على مديونه، و ان أجزنا الحوالة على البري قلت: احالة المديون دائنه على غيره.

ص: 273

و «تحرير هذا البحث» القائم على وجه يتضح به فلق الحق و التحقيق- انه كما ان الضمان أو الكفالة باصطلاحهم كان يبتني على أربعة أركان- الضامن، و المضمون له، و المضمون عنه، و المال المضمون- فكذلك الحوالة تبتني على مثلها- المحيل، و المحال عليه، و المحال، و الحق المحال به- فالمحال عليه في باب الحوالة يوازي الضامن في باب الضمان سوى ان الضامن عندهم- كما عرفت سابقاً- يلزم ان يكون غير مشغول الذمة بما يضمنه بخلاف المحال عليه حيث يلزم ان يكون مشغول الذمة بما أحيل عليه، و جعلوا هذا هو الفرق بين الضمان و الحوالة بعد تساويهما في نقل المال من ذمة إلى أخرى و لكن في الضمان إلى ذمة بريئة و في الحوالة إلى ذمة مشغولة، و قد سبقت الإشارة إلى الخدشة في هذا الفرق و ان الضمان و الحوالة متباينان أو متغايران من حيث الجوهر و الذات و الفرق بينهما بالنحو المذكور عند الأصحاب يشبه ان يكون من قبيل التعليل بالعرضي مع وجود الذاتي فإن حقيقة الضمان تعهد و التزام اي جعل الإنسان سلطنة على نفسه سواء كان مشغول الذمة أو بريئا، و حقيقة الحوالة إزالة السلطنة عن نفسه و جعل سلطنة لغيره على غيره سواء كان أيضاً مشغول الذمة أو بريئاً و على مشغول الذمة أو بري ء، فالقضية ليست قضية اشتغال أو برأيه و ان كان الغالب في الضمان البراءة و في الحوالة الاشتغال، بل قضية الفرق بين العقدين ترجع الى جوهر الحقيقتين و ان اتفقا في أكثر الأثر، و على كل حال ففي التعريفات المزبورة للضمان أو للحوالة تسامحات واضحة، و يهون

ص: 274

الأمر ان الغرض منها الإشارة إلى الشي ء من بعض وجوهه لا الإشارة إليه من حيث حقيقته و كنهه أو كل وجوهه فليتدبر.

اما المواد من (674) إلى (677) فهي واضحة لا يتماسك عليها اي تعليق.

(مادة: 678)

الحوالة المقيدة:

هي التي قيدت بأن تعطى من مال المحيل الذي هو في ذمة المحال عليه أو في يده.

بناء على تعريفهم الحوالة بأنها نقل المال من ذمة إلى أخرى يخرج منها التحويل على مال المحيل الخارجي الذي هو في يد المحال عليه بل هو في الحقيقة ليس له أي علاقة بالحوالة و انما هو وكالة على الدفع و التسليم لا نقل مال من ذمة إلى أخرى كما هو واضح.

و اما مادة (679)

الحوالة المطلقة:

هي التي لم تقيد بأن تعطى من مال المحيل الذي هو عند المحال عليه.

هذا مبني على جواز الحوالة على البري، و تحرير البحث ان المحال عليه اما ان يكون مشغول الذمة للمحيل أولا، و الثاني هو الحوالة على البري و الأول اما ان يحيل على ذلك المال الذي له في ذمة المحال عليه أو بمال آخر مغاير، و الأول هو القدر المتيقن و المتعارف من الحوالة، و الثاني اما ان يكون الملحوظ بالمال المحول المال الذي له في ذمة المحال عليه أولا و الأول كما لو قال: أحلتك عليه بعشرة دراهم من الدنانير التي لي عليه، و يظهر من بعض اساتيذنا بطلانها و الأصح الصحة فيكون كوفاء الدين بغير الجنس كما لو كان له دنانير فوفاه بدراهم فإنه يكون كمعاملة ضمينة

ص: 275

مطوية يعني انه باعه الدراهم بالدنانير التي في ذمته، و كذا في المقام فإنه استبدل الدينار أو الدينارين بعشرة دراهم و أحال عليها و رضي الثلاثة بذلك فما المانع من صحته؟ اما لو أحال عليه بمال أخر من دون نظر الى المال الذي له بذمته فيكون كل من المحيل و المحال عليه مشغول الذمة لصاحبه فيتحاسبان فاما التهاتر أو يرد كل واحد منهما الزائد للآخر، و لو أحال عليه بمثل ما عليه جنساً و قدراً من دون نظر الى ما في ذمته فالتهاتر قهراً.

ص: 276

(الباب الأول) في بيان عقد الكفالة

اشارة

و يتسم الى فصلين

الفصل الأول (في بيان ركن الحوالة)

(مادة: 680) لو قال المحيل لدائنه: حولتك على فلان، و قبل الدائن تنعقد الحوالة.

المراد بهذا بيان ان الحوالة عقد يتركب من إيجاب المحيل بلفظ- حولتك- و قبول المحال و هو دائن المحيل و يكفي هذا في انعقاد الحوالة و كأنها تشير الى عدم اعتبار رضا المحال عليه و هو أحد الأقوال في المسألة عندنا و لكن المشهور عند فقهاء الإمامية اعتبار رضا الثلاثة بل قيل انه يعتبر قبول المحال عليه مع قبول المحال فيتركب العقد من إيجاب

ص: 277

و قبولين، و المتحصل من الأقوال هنا أربعة.

1-: اعتبار رضا الثلاثة بالإيجاب من المحيل و القبول من المحال و رضا المحال عليه و لعله المشهور.

2-: الإيجاب من المحيل و القبول من الآخرين.

3-: إيجاب المحيل و قبول المحال و عدم اعتبار رضا الثالث و لا قبوله، و هو ظاهر هذه المادة.

4-: كفاية إيجاب المحال له و المحال عليه و عدم التوقف على رضا المحيل أو قبوله كما هو صريح المادة اللاحقة.

هذا كله بناء على كون الحوالة عقداً بل من العقود اللازمة و الظاهر اتفاق جميع المذاهب على ذلك و لكن خالف فيه سيدنا الأستاذ قدس سره في عروته و جعلها هي و الضمان و الوكالة و الجعالة إيقاعات لا عقوداً فقال في (كتاب الحوالة) ما نصه:

و لكن الذي يقوى عندي انها من الإيقاع غاية الأمر اعتبار الرضا من المحتال أو منه و من المحال عليه، و هذا لا يصيره عقداً و ذلك لأنها نوع من وفاء الدين و ان كانت توجب انتقال الدين من ذمته إلى ذمة المحال عليه فهذا النقل و الانتقال نوع من الوفاء و هو لا يكون عقداً و ان احتاج الى الرضا من الآخر كما في الوفاء بغير الجنس فإنه يعتبر فيه رضاء الدائن و مع ذلك هو إيقاع، و من ذلك يظهر ان الضمان أيضاً من الإيقاع فإنه نوع من الوفاء و على هذا فلا يعتبر فيهما شي ء مما يعتبر في العقود اللازمة و يتحققان بالكتابة و نحوها، بل يمكن دعوى ان الوكالة

ص: 278

أيضاً كذلك كما ان الجعالة كذلك و ان كان يعتبر فيهما الرضا من الطرف الآخر الا ترى انه لا فرق بين ان يقول: أنت مأذون في بيع داري أو قال: أنت وكيل، مع ان الأول من الإيقاع قطعاً، ا ه.

و في هذا الكلام مواقع للنظر بارزة، و مخالفات للقواعد جاهزة، و بيان ذلك يستدعي تمهيد مقدمة و هي ان الضابطة التي يمتاز بها العقود عن الإيقاعات و هي: ان كل معاملة أو عمل ذي أثر شرعي ان توقف ترتب أثره عليه على طرفين فهو عقد و ان كفى طرف واحد فهو إيقاع فالبيع و الإجارة و نحوهما عقود لان أثرها و هو ملكية الثمن للبائع و المبيع للمشتري لا يتحقق إلا بطرفين و هما المشتري و البائع- اما العتق و الطلاق فلما كان ترتب الأثر من كل منهما لا يتوقف على طرفين بل يكفي في حصوله طرف واحد فيترتب الأثر قهراً رضي الآخر أم لا، جعلنا كل واحد منهما إيقاعاً.

و على هذه الضابطة فالضمان و الحوالة و الوكالة لما كان بالضرورة و الإجماع لا يكفي في حصول آثارها- و هو انتقال المال من ذمة إلى ذمة بعمل واحد بل لا بدّ من رضا الاثنين أو الثلاثة فهي عقد لا محالة، و ليت السيد رحمه اللّٰه جاءنا بضابطة غير هذه حتى نجعلها معياراً للفرق و التمييز و نحكم بموجبها على تلك المعاملات- هي عقود أم إيقاعات؟

إذا اتضح هذا نقول:

أولا- ان جعل الحوالة نوعاً من وفاء الدين ممنوع صغرى و كبرى ضرورة ان حقيقة الحوالة انتقال الحق من ذمة إلى أخرى كما عرفت،

ص: 279

و حقيقة وفاء الدين استيفاء الحق لا نقله و وفاء الدين معاملة بين الدائن و المدين و الحوالة بينهما و بين أجنبي ثالث بينهما ثم لو سلم انها من وفاء الدين فقد ينفرد بعض الأنواع عن بعض بحكم أو أحكام و كون بعض الوفاء إيقاعاً لا يستلزم ان يكون كل وفاء كذلك الا ترى انه لو باع المديون لدائنه طعاماً مثلًا أو غيره بالدين الذي عليه و دفعه له كان وفاءً لدينه و لكنه بنحو البيع و العقد لا بنحو الإيقاع.

ثانياً-: ان جعل الوفاء من الإيقاع أيضاً مما لا محصل له فإنه على التحقيق لا عقد و لا إيقاع بل هو عمل واجب و حق لازم الأداء، نعم أصل القرض عقد و لكن الوفاء من توابعه و آثاره كوجوب دفع العين المبيعة بعد البيع الذي هو من آثار العقد و ليس هو عقد و لا إيقاع.

ثالثاً-: ان جعل النقل و الانتقال من الوفاء واضح الضعف فان الوفاء عمل المكلف و النقل و الانتقال أثر توليدي للعقد يترتب عليه قهراً.

رابعاً-: ان الوفاء بغير الجنس- عند تدقيق النظر فيه- ليس إلا معاملة ضمنية، و عقد مطوي، و الا فكيف يعقل ان يكون الطعام مثلا وفاء للدراهم أو بالعكس مع ان الوفاء يلزم ان يكون بالمثل فلا بد ان يكون هناك مبادلة بين المالين برضا صاحبي الحقين؟

خامساً-: لو سلمنا ان هذه المعاملات إيقاعات فان الإيقاع أيضاً له صيغة خاصة لا يترتب الأثر المطلوب الا بها كالطلاق و العتق و غيرهما، و الظاهر اتفاق الأصحاب على ان الإيقاع كالعقد لا يتحقق بالكتابة

ص: 280

و لا الإشارة الا من الأخرس الذي لا يستطيع الكلام.

و [بالجملة] فجعل الضمان و الحوالة من الإيقاع و هم و دعوى تحققهما بالكتابة و هم في وهم.

سادساً-: ان دعوى عدم الفرق بين ما لو قال أنت مأذون ببيع داري أو قال أنت وكيل في بيعها مع ان الأول من الإيقاع قطعاً- غريبة جداً أما (أولا) فإن الإذن ببيع الدار أو غيرها ليس عقداً و لا إيقاعاً بل هو رخصة و إباحة بخلاف الوكالة فإنها عقد يتوقف على طرفين و الفرق بينهما جلي ألا ترى انه لو اذن له و المأذون رد و لم يقبل ثم باع كان البيع صحيحاً اما لو وكله ورد ثم باع كان بيعه باطلا فسنخ الأول سنخ الحكم و سنخ الثاني سنخ الحق و ما أبعد البون بينهما و (ثانياً) لو سلم التساوي بينهما و عدم الفرق و لكن تساويهما في جهة لا يوجب تساويهما في جميع الجهات أ لا ترى ان هبة الدين و الإبراء سواء و ان كان الأول عقداً اتفاقاً من القائلين بصحته و الثاني إيقاعاً بلا ريب، فتدبر هذه النتف فإنها من الطرف و باللّه التوفيق.

(مادة: 681) يصح عقد الحوالة بين المحال له و المحال عليه وحدهما،

مثلا- لو قال أحد لآخر: خذ مالي على فلان من الدين و قدره كذا قرشاً حوالة عليك، فقال له الآخر: قبلت، أو قال له: اقبل الدين الذي لك بذمة فلان و قدره كذا قرشاً حوالة على، فقبل تصح الحوالة حتى انه لو ندم المحال عليه بعد ذلك لا تفيد ندامته.

يعني يكون المحال هو المحيل كما في المثال الأول أو المحال عليه كما في

ص: 281

المثال الثاني فيتقوم العقد من اثنين فقط، و هذا كلام غير موضح و لا منقح فان المحال عليه في المثالين ان كان عنده مال للغائب المديون فلا يصح أن يدفع حقه لدائنه الا برضاه و بعبارة اجلى لا تبرأ ذمة المحال عليه من حق غريمه الا برضاه و تحويله و لا اثر لتحويل دائنه بغير علمه و رضاه كما هو واضح و ان لم يكن عنده مال له بل كان بقبوله متبرعاً فهو و ان صح بدون علم الغائب و رضاه و لكنه خارج عن باب الحوالة و يدخل في باب الضمان سواء جعلناه ضم ذمة إلى ذمة أو نقل حق من ذمة إلى أخرى، و حينئذ فالمثالان إما حوالة باطلة أو ضمان صحيح، و قد اعتبرت مادة (682) علم المحال عليه و رضاه حيث تقول: الحوالة التي أجريت بين المحيل و المحال له وحدهما إذا أخبر بها المحال عليه فقبلها صحت و تمت مثلا- لو أحال أحد دائنه على آخر و هو في ديار اخرى فبعد اعلام المحال عليه ان قبلها تتم الحوالة اعتبرت مادة (683) علم المحال و رضاه إذ تقول الحوالة التي أجريت بين المحيل و المحال عليه تنعقد موقوفة على قبول المحال له مثلا- لو قال أحد لآخر: خذ عليك حوالة ديني الذي بذمتي لفلان و قبل المحال عليه ذلك تنعقد الحوالة موقوفة فإذا قبلها المحال له تنعقد.

ص: 282

(الفصل الثاني) (في بيان شرط الحوالة)

اشارة

عرفت ان الحوالة كالضمان تقوم على خمسة أركان- المحيل، و المحال، و المحال عليه، و الحق المحال، و الصيغة أي الإيجاب و القبول- و أشارت (المجلة) إليهما في أول الفصل المتقدم و لا يلزم ان يكون الإيجاب من مادة الحوالة و مشتقاتها بل يكفي كل ما دل عليها دلالة صريحة مثل- خذ حقك على من فلان، أو جعلت دينك على على فلان و ما أشبه ذلك، و يكفي في القبول كما دل على الرضا مثل قبلت و رضيت و نحوهما، ثم تعرضت لشرائط المحيل و المحال بمادة (684) يشترط في انعقاد الحوالة كون المحيل و المحال له عاقلين، و اشتراط العقل في الثلاثة مما لا ريب فيه عند الجميع، و كذلك اشتراط البلوغ في الثلاثة أيضاً عند الإمامية، أما (المجلة) فقد جعلته شرطاً في المحال عليه فقط و اكتفت بالتمييز فيما عداه و انه يصح حوالة الصبي المميز و تحويله و لكن لا ينفذ شي ء منهما إلا بإذن وليه، اما التحويل عليه فلا يصح و المستفاد من مجموع مادتي (684 و 685) عدم الصحة مطلقاً يعني حتى مع اذن الولي و هو تحكم واضح، أما الملائة فليست شرطاً عندنا في صحة الحوالة، نعم لو أحاله على معسر فقبل و هو غير عالم بإعساره عند القبول

ص: 283

كان له الخيار بعد العلم بين فسخ الحوالة أو إمضائها.

(مادة: 686) لا يشترط ان يكون المحال عليه مديوناً للمحيل فتصح حوالته و ان لم يكن للمحيل دين على المحال عليه.

يريد بهذا صحة الحوالة على البري و قد عرفت ان المشهور عند أصحابنا اعتبار كونه مشغول الذمة فرقاً بينها و بين الضمان و وافقهم على ذلك عموم الشافعية و الا كانت من أداء الدين تبرعاً، و قد سبق تحقيق القول في هذا الموضوع فراجع.

(مادة: 687) كل دين لا تصح الكفالة به لا تصح الحوالة به.

لعلهم يريدون بهذه القاعدة ان مالا يصح ضمانه و كفالته كالديون الغير الثابتة فعلا مثل ما لو قال له: استقرض و علي ضمان قرضك أو ما تحقق سببه كنفقة الزوجة و أمثال ذلك أو الديون التي لا تلزم شرعاً كثمن الخمر و الخنزير في الذمة فإن جميع هذه الأموال لا يصح ضمانها فلا تصح حوالتها.

اما طرد هذه المادة و هي مادة (688) كل دين تصح به الكفالة تصح حوالته أيضاً فلا يخرج منها الا الدين المجهول مقداره أو صاحبه فإنه يجوز ضمانه و لكن لا يجوز حوالته فان الدين في الحوالة يلزم ان يكون ثابتاً قاراً معلوم الجنس و المقدار و الصاحب كما صرحت به في قولها: لكن يلزم ان يكون المحال به معلوماً فلا تصح حوالة الدين المجهول مثلا- لو قال:

قبلت دينك الذي يثبت على فلان لا تصح الحوالة.

(مادة: 689) كما تصح حوالة الديون المترتبة في الذمة أصالة كذلك تصح حوالة الديون التي تترتب في الذمة من جهتي الكفالة و الحوالة.

ص: 284

يعني كما تصح الديون المرتبة في ذمتك أصالة من غير جهة الحوالة فتحيل بكل دين منها على شخص كذلك يصح ان تحول ما لزم ذمتك ذمته بالحوالة أو بالضمان و الكفالة فإذا أحال عليك دائنك تحيل محاله على مديونك و هو يحيله على مديونه و هكذا فيترامى الضمان و الحوالة و يتسلسل فيعود أو يدور.

ص: 285

(الباب الثاني) في بيان أحكام الحوالة

(مادة: 690) حكم الحوالة هو كون المحيل و كفيله من الكفالة

ان كان له كفيل و يثبت للمحال له حق مطالبة ذلك الدين من المحال عليه و إذا أحال المرتهن أحدا على الراهن فلا يبقى له حق حبس الرهن و لا صلاحية توقيفه.

كل ذلك لان الحوالة نقل الحق من ذمة إلى أخرى و معنى انتقاله من ذمة المحيل برائتها فهو أداء أو كالأداء و إذا أبرأ برء كفيله أيضاً و انفك الرهن الذي كان على الحق فلا حق للراهن في حبسه و تشتغل ذمة المحال عليه بالحق للمحال و يكون كدين جديد عليه.

(مادة: 691) لو أحال المحيل حوالة مطلقة فان لم يكن له عند المحال عليه طلب يرجع المحال عليه على المحيل بعد الأداء و ان كان له طلب يقاضيه به.

مقتضى قولهم بعد الأداء انه ليس له حق المطالبة و الرجوع قبل الأداء و لكن مقتضى ما عرفت من انه كدين جديد و ان المحال عليه صار مديوناً للمحال و دائناً للمحيل ان له حق المطالبة ان كان الأجل حالًا و لو قبل الأداء للمحال إذ لا علاقة لأحد الدينين بالآخر بعد القبول فمقتضى القواعد

ص: 286

صحة الرجوع لأنه أصبح مشغول الذمة له.

نعم ثبت خلاف هذا في الضمان على خلاف القاعدة و انه لا حق للضامن في الرجوع إلا بعد الأداء كما انه لا حق له إلا بالرجوع بمقدار ما دفع لا بمقدار الدين، أما هنا فيرجع بما اشتغلت به الذمة سواء دفع ذلك المبلغ أم دفع الأقل على مقتضى القاعدة من انه اشتغال جديد لا علاقة له بسابقة بعد تحققه، هذا إذا كان المحال عليه بريئاً، اما لو كان مشغول الذمة للمحيل فإن أحال بمثل دينه سقط بالتهاتر قهراً و الا فيتحاسبان و يأخذ كل واحد منهما حقه من الآخر.

(مادة: 692) ينقطع حق مطالبة المحيل المحال به في الحوالة المقيدة و ليس للمحال عليه بعده ان يعطي المحال به للمحيل

و ان أعطاه يضمن و بعد الضمان يرجع على المحيل و لو توفي المحيل قبل الأداء و كانت ديونه أزيد من تركته فليس لسائر الغرماء حق في المحال به.

اشتملت هذه المادة على ثلاثة أمور.

الأول-: ان الحوالة على مشغول الذمة- و هي الحوالة المقيدة عندهم- توجب براءة ذمة المحيل من دين المحال و لا حق له بمطالبة حقه من المحيل حيث انه قد انتقل إلى ذمة المحال عليه.

الثاني-: انه يترتب على ذلك عدم جواز إعطاء المحال عليه الحق للمحيل لأنه صار للمحال فلو أعطاه له ضمن للمحال و دفع الحق له ثم استرجعه من المحيل طبعاً.

الثالث-: مما يترتب على ما تقدم من الانتقال انه لو مات المحيل قبل

ص: 287

أداء المحال عليه للمحال و كانت ديونه أكثر من تركته فليس للديان ان يتدخلوا في ذلك الحق المحال و ان يجعلوه من جملة تركته كي يضرب المحال معهم بالنسبة كسائر الغرماء لان الفرض انه قد انتقل الى المحال و ملكه على المحال عليه قبل موته و لا يتوقف ذلك على الأداء و عدمه و الجميع واضح.

(مادة: 693) لا تبطل الحوالة المقيدة بان يؤدى مما في ذمة المشتري للبائع من ثمن المبيع إذا هلك المبيع قبل التسليم و سقط الثمن

أو رد بخيار الشرط أو خيار الرؤية أو خيار العيب أو أقيل البيع و يرجع المحال عليه بعد الأداء على المحيل يعني يأخذ ما اداه للمحال له من المحيل اما لو تبين برأيه المحال عليه من ذلك الدين بان استحق و أخذ المبيع فتبطل الحوالة.

تضمنت هذه المادة أيضاً أمرين مهمين أحدهما-: ان البائع إذا أحال دائنه على المشتري بالثمن ثم حصل ما يوجب فسخ البيع بإقالة أو خيار أو تلف المبيع قبل القبض فإن الحوالة تبقي بحالها و لا تنفسخ بل غايته ان البائع يغرم للمشتري مثل الثمن ان كان مثلياً و قيمته ان كان قيمياً كما في سائر موارد التصرف في أحد العوضين الذي يتعقبه فسخ بأحد الأسباب.

ثانيهما-: انه لو ظهر بعد الحوالة بطلان البيع فإن الحوالة أيضاً تكون باطلة لأنه إنما أحال بالثمن على المشتري و الفرض انه قد انكشف ان ذمته غير مشغولة بالثمن لبطلان البيع.

و (تحرير هذا) انه اما ان يحول البائع أجنبياً على المشتري بالثمن

ص: 288

أو يحول المشتري البائع به على أجنبي، اما- الأول- فلا إشكال في ان الحوالة يظهر بطلانها بعد ظهور بطلان البيع فان كان الأجنبي لم يقبض فلا شي ء و ان كان قبض استرده المشتري منه و رجع المحال على البائع بحقه ان كان له عليه حق، و دعوى الصحة بناء على صحة الحوالة على البري مدفوعة بأنه لم يحول عليه بل أحال على المال الذي في ذمته و هو الثمن و احتمال كونه من قبيل الداعي واضح الفساد فإنه في صميم العقد فلا في القصد و حده فتدبره، و اما- الثاني- فلا ينبغي الإشكال أيضاً في ان الحوالة باطلة انما الكلام في ان الأجنبي الذي دفع للبائع هل برئت ذمته من دين المشتري لأنه قد دفعه الى البائع بإذنه بل يأمره فلا حق عليه و لكن يرجع على البائع فيأخذ منه ما استلمه من الأجنبي بتحويله؟ أو ان ذمته بعد مشغولة للمشتري لأنه أحال عليه باعتبار كونه مشغول الذمة للبائع و قد انكشف عدم اشتغال ذمته له فتبطل الحوالة لفقد شرطها و هو اشتغال ذمة المحيل للمحال- أي المشتري للبائع؟ و هذا هو الأقوى، و حينئذ فيرجع المشتري على الأجنبي بحقه و يرجع الأجنبي على البائع بما دفع له اشتباهاً و بغير حق

(مادة: 694) تبطل الحوالة المقيدة بان يؤدى من مال المحيل الذي هو في يد المحال عليه امانة

إذا ظهر مستحق و أخذ ذلك المال و يعود الدين على المحيل.

ليس هذا من الحوالة المصطلحة لأنها انتقال الأموال من الذمم الى الذمم، اما التحويل على مال الوديعة و نحوها فحقيقته انه توكيل على

ص: 289

الدفع و لكن الحكم على كل حال واحد، يعني انه لو ظهر ان المال مستحق للغير و كان المحال قد دفع رجع صاحب المال عليه و يرجع هو على المحيل لانه هو السبب لدفعه و هو ظاهر كظهور:

(مادة: 695) إذا كانت الحوالة مقيدة بان يؤدى من مبلغ المحيل الذي هو في يد المحال عليه فهلك ذلك المال

فان لم يكن مضموناً بطلت الحوالة و عاد الدين على المحيل و ان كان مضموناً لا تبطل الحوالة مثلا- لو أحال أحد دائنه على آخر على ان يؤدى من دراهمه التي هي عنده امانة ثم تلفت الدراهم قبل الأداء بلا تعد تبطل الحوالة و يعود دين الدائن على المحيل و اما لو كانت تلك الدراهم مغصوبة أو أمانة مضمونة بإتلافه فلا تبطل الحوالة.

و وجهه واضح فإن الحوالة تنقلب على عوض الامانة التالفة المضمونة فيجب ان يؤدي منها و لكن كل هذا ليس من الحوالة المصطلحة في شي ء مثل:

[مادة: 696] لو أحال أحد دائنه على آخر بان يبيع مالًا معيناً له و يؤدى الدين من ثمنه و قبل المحال عليه الحوالة بهذا الشرط تصح

و يجبر المحال عليه على بيع ذلك المال و أداء دين المحيل من ثمنه.

فإنها أجنبية عن الحوالة الشرعية و لا يلزم المحال عليه العمل بها، و له ان يرفضها حتى بعد القبول بل هي وكالة على البيع، و وكالة على الدفع، و الوكالة عقد جائز من الطرفين- كما سيأتي- و لكل منهما ان يحلها و يرفضها متى شاء، و الحوالة الصحيحة هي التي تشتغل بها الذمم

ص: 290

و ينتقل المال بها من ذمة لذمة، و هذه هي اللازمة التي لا يمكن رفضها و لا تزول إلا بأسباب خاصة كالبيع و الإجارة و أمثالها فتدبره جيداً.

(مادة: 697) الحوالة المبهمة أي التي لم يبين فيها تعجيل المحال به و تأجيله

ان كان الدين فيها معجلا على المحيل تكون حوالة معجلة على المحال عليه و يلزمه الأداء في الحال و ان كان الدين مؤجلا تكون حوالة مؤجلة و يلزم الأداء بحلول الأجل.

يريدون بالحوالة المبهمة- المطلقة- أي التي لم يذكر فيها تعجيل و لا تأجيل فتكون معجلة ان كان الدين معجلا، و ان كان مؤجلا تكون الحوالة مؤجلة، فالإطلاق ينصرف الى التعجيل أصالة الا ان يكون الدين من ذاته مؤجلا، و حينئذ فإن قيدوها بالتعجيل تعجلت و الا فهي على طبق الدين حسب واقعه.

[مادة: 698] ليس للمحال عليه ان يرجع على المحيل قبل أداء الدين

و لا يرجع الا بالمحال به يعني يرجع بجنس ما أحيل عليه من الدراهم و الا فليس له الرجوع بالمؤدى مثلا- لو أحيل عليه بفضة و اعطى ذهباً يأخذ فضة و ليس له ان يطالب بالذهب و كذلك لو أداها بأموال و أشياء أخر فليس له الا أخذ ما أحيل به عنه.

أوضحنا لك قريباً ان هذا الحكم مختص بالكفالة- أي الضمان- على خلاف القاعدة للخبر و الإجماع، اما الحوالة فهي باقية على ما تقتضيه القواعد من ان له المطالبة سواء أدى أو لم يؤدى بعد ان اشتغلت ذمته للمحال و اشتغلت ذمة المحيل للمحال عليه لو كان بريئاً فكل منهما له ان يطالب

ص: 291

الآخر يحقه عند حلول الأجل و لا يناط أحد الدينين بالآخر و لا علاقة بينهما فراجع و تدبر.

و منه تعرف ما اشتملت عليه هذه المادة من الأمر الثاني و هو قولهم: و لا يرجع الا بالمحال به يعني يرجع بجنس ما أحيل عليه الى آخره، يعني لو احاله بدراهم فتراضى المحال و المحال عليه ان يدفع عوضها دنانير أو ثوباً أو غير ذلك فلا يرجع المحال عليه على المحيل الا بالدراهم لا بما تراضيا عليه.

(مادة: 699) كما يكون المحال عليه بريئاً من الدين بأداء المحال به أو بحوالته إياها على الآخر

أو بإبراء المحال له إياه كذلك يبرء من الدين لو وهبه المحال أو تصدق به عليه و قبل ذلك.

حاصل هذه المادة ان براءة ذمة المحال عليه كما تكون بأدائه المبلغ المحال أو تحويله على آخر كذلك تحصل بإبراء المحال له أو هبته له أو التصدق به عليه، و الفرق بينهما قصد القربة، أو يحتسبه عليه من الحقوق الشرعية من خمس أو زكاة أو غيرهما.

و مثل هذه الوجوه تحصل ما لو مات المحال فورثه المحال عليه فان المال ينتقل اليه و تبرأ ذمته لأن الإنسان لا يملك على نفسه شيئاً كما في مادة (700) لو توفى المحال له و كان وارثه المحال عليه لا يبقى حكم الحوالة.

ص: 292

الكتاب الخامس في الرهن

اشارة

و يشتمل على مقدمة و ثلاثة أبواب

ص: 293

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم و له الحمد

ص: 294

المقدمة (في بيان الاصطلاحات الفقهية) (المتعلقة بالرهن)

اشارة

(مادة: 701)

الرهن:

حبس مال و توقيفه في مقابلة حق يمكن استيفاؤه منه و يسمى ذلك المال مرهوناً أو رهناً.

عرف الرهن فقهاؤنا بما هو أخصر من هذا و ألصق بحقيقته فقالوا:

هو وثيقة على الدين، أو- وثيقة على دين المرتهن، و الأقرب الى حقيقته انه سلطنة على العين من المالك لدائنه في استيفاء دينه منها عند عدم الدفع في الأجل فهو حق مالي يتعلق بالعين للمرتهن يوجب حبسها على الراهن الى ان يصله حقه أو يستوفيه منها.

(و بعبارة اجلى) ان الحق كما يكون في ذمة الإنسان و في عهدته كذلك قد يكون في عهدة المال و ذمته، يعني في ذمة العين المالية، فالرهن في الحقيقة ضم ذمة الأعيان إلى ذمة الإنسان فالمال الذي أقرضته لزيد تارة تتعهد لك ذمته به فقط و هو الدين المطلق و تارة ذمته و ذمة العين المرهونة و هو الدين الموثوق فلك في العين حق استيفاء المال منها لا ان

ص: 295

لك مثل المال فيها كما ينسب إلى الحنفية، و فرعوا على ذلك انها لو تلفت في يد المرتهن بغير تفريط كان التلف عليهما لو زادت على الدين أو نقصت و على المرتهن لو ساوته، مثلا- لو كانت قيمتها مائتين و كان الدين مائة سقط دينه و لم يغرم للراهن شيئاً فيكون تلفها عليهما، و لو كانت قيمتها مائة فتلفها على المرتهن فقط، و لو كانت ثمانين دفع له الراهن عشرين لأن التلف- كما عرفت- عندهم استيفاء، اما عند الإمامية و باقي المذاهب فالتلف بلا تفريط على الراهن فقط مطلقاً و دين المرتهن بحاله لا يذهب منه شي ء كما لو كفل المال كفيلين و مات أحدهما فتدبره.

اما- مادة (702) إلى مادة (705) فكلها واضحة و لا حاجة الى ذكرها.

ص: 296

الباب الأول في (بيان المسائل المتعلقة بعقد الرهن)

اشارة

(و ينقسم إلى ثلاثة فصول)

الفصل الأول في (بيان المسائل المتعلقة بركن الرهن)

(مادة: 706) ينعقد الرهن بإيجاب الراهن و المرتهن و قبولهما، و لكن لا يتم الرهن و لا يلزم ما لم يكن ثم قبض الرهن، بناء عليه للراهن ان يرجع عن الرهن قبل التسليم.

اشتملت هذه المادة على أمرين مهمين من مباحث الرهن.

الأول-: ان الرهن من العقود فيحتاج تحققه إلى إيجاب و قبول، و لكن إيجاب الراهن و قبول المرتهن لا كما في (المجلة) إيجابهما و قبولهما، و كونه من العقود مما لا ينبغي الريب فيه بل لعله مما اتفق عليه فقهاء

ص: 297

المذاهب اجمع، و لكن يكفي فيهما كل ما دل على إنشاء معناهما كما نص عليه في المادة التالية (707) إيجاب الرهن و قبوله هو قول الراهن:

رهنتك هذا الشي ء في مقابلة ديني أو لفظ آخر في هذا المال و قول المرتهن قبلت أو رضيت أو لفظ آخر يدل على الرضا و لا يشترط إيراد لفظ الرهن مثلا- لو اشترى أحد شيئا و اعطى للبائع مالا و قال له أبق هذا المال عندك الى ان أعطيك ثمن المبيع يكون قد رهن ذلك المال.

الثاني-: مما اشتملت عليه المادة السابقة اشتراط قبض العين المرهونة في الرهن، و هذه المسألة من مسائل الخلاف عندنا، و المعروف فيها ثلاثة أقوال.

(الأول) انه شرط في صحة الرهن فيكون نحو اشتراطه فيه نحو اشتراطه في الهبة فلا يكون للعقد اي اثر بدونه.

(الثاني) انه شرط في لزومه فيكون العقد قبل القبض مؤثراً لتعلق حق بالعين و لكن على نحو الجواز لا اللزوم فله ان يرجع قبل القبض فيبطل العقد بخلافه بعد القبض. و هذا هو الظاهر من عبارة (المجلة) في هذه المادة.

(الثالث) انه غير شرط لا في لزومه و لا صحته و حال القبض فيه حاله في سائر عقود المعاوضات مثل البيع و الإجارة حيث يجب على كل من المتعاقدين تسليم ما وقع عليه العقد الى الآخر بمقتضى حكم المعاوضة، و لعل هذا هو الأوفق بالقواعد، و الأقرب الى مفاد الأدلة و هي عمومات الرهن و عدم المخصص لها سوى ما يتوهم من قوله تعالى (فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ)

ص: 298

و في الحديث (لا رهن إلا مقبوضاً) و دعوى الإجماع الذي لم نتحققه، أما الآية فمن تدبر ما قبلها و ما بعد لا يجدها في مقام التعرض لشرائط الرهن و مقوماته و لا في مقام الوجوب و الا إلزام و انما هي في مقام الإرشاد إلى التوثق في الدين و أخذ الحائطة بالكتابة و الاشهاد و ما الى ذلك.

و لا يبعد ان المراد في الآية و الحديث بيان ان الرهن يلزم ان يكون عيناً يمكن قبضها حين العقد لا ديناً في الذمة، و لعل إليه الإشارة بتأنيثه في الآية أي عيناً مقبوضة.

و «بالجملة» فليس من دليل صريح في توقف عقد الرهن على القبض لا لزوماً و لا صحة، و ليس حاله بالنسبة إلى القبض الا حال سائر العقود فإذا جرى عقد الرهن إيجاباً و قبولا وجب على الراهن ان يقبض المرتهن العين المرهونة، ثم اما ان ينفقا على بقائها عنده إلى الأجل أو عند الراهن أو عند أمين ثالث بينهما، و لكن ليس للراهن بعد العقد الرجوع عن الرهن خلافاً لما في «المجلة» الموافق للمشهور عند فقهائنا، و عقد الرهن كسائر العقود يكفي فيه كل ما يدل عليه و لكن بالصراحة و لو بمعونة القرينة و لا ينعقد بالمجازات البعيدة، و الكنايات الغامضة، كما في مادة «707»

ص: 299

الفصل الثاني في «بيان شروط انعقاد الرهن»

«مادة: 708» يشترط ان يكون الراهن و المرتهن عاقلين و لا يشترط ان يكونا بالغبن حتى جاز رهن الصبي المميز و ارتهانه.

اما عند الإمامية فيشترطون البلوغ أيضاً قولا واحداً، و ان يكون مختاراً قاصداً، لا مكرهاً و لا هازلا.

«مادة: 709» يشترط ان يكون المرهون صالحاً للبيع بناء عليه يلزم ان يكون موجوداً، و مالا متقوماً، و مقدور التسليم في وقت الرهن.

لما كان الرهن بحسب حقيقته وثيقة على الدين فلازم ذلك ان يكون مالًا ذا قيمة يمكن عادة حصول الوثوق و الاطمئنان به في تأمين حق المرتهن الدائن، و حينئذ فلا يصح رهن مالا مالية له كالهوام و الحشرات، و لا رهن ما لا وجود له حال الرهن، فلا يصح رهن ما سيوجد كثمرة الشجرة و حمل الدابة و يلزم ان يكون ملكا طلقا، فلا يصح رهن الوقف و مال المفلس و تركة الميت التي تعلق بها حق الغرماء، بل لا يصح

ص: 300

أيضاً رهن العين المرهونة عند مرتهن آخر الا برضا المرتهن الأول و هكذا، و ان يكون مقدور التسليم حين الرهن، فلا يصح رهن العبد الآبق و الدابة الشاردة و المال الساقط في البحر و أمثال ذلك، و ان يكون عيناً فلا يصح رهن المنفعة، و قد جعلت «المجلة» ضابطة العين التي يصح رهنها هي العين التي يصح بيعها و لكنك عرفت في «الجزء الأول ص- 72-» التأجيل في صحة هذه الضابطة، و المناقشة في الكلية القائلة: ان «كل ما يصح بيعه يصح رهنه» و انها تنتقض بالدين الذي يصح بيعه اتفاقاً و لا يصح رهنه اتفاقاً و المشاع فإنه يصح بيعه و لا يصح رهنه اتفاقاً و المشاع فإنه يصح بيعه و لا يصح رهنه عند الأكثر إلا بعد قسمته كي يمكن قبضه فعلا، و المنافع لو قلنا بصحة بيعها و لكن لا يصح رهنها اتفاقاً و ان كان لا مانع منه عقلًا و اعتباراً.

نعم عكس القاعدة مسلم لا ريب فيه فان كل مالا يصح بيعه لا إشكال في انه لا يصح رهنه و ليس عندنا- ما يصح رهنه و لا يصح بيعه- هذا كله في شروط العين المرهونة.

و اما الحق الذي يصح الرهن عليه فقد اتفقوا على ان الحق الذي يصح الرهن عليه هو الكلي الذي استقر اشتغال الذمة به سواء كان قرضاً أو ثمن مبيع أو سلماً أو مهراً أو فدية خلع أو نفقة أو أرش جناية أو أرش معيب أو غير ذلك، هذا هو الأصل فيما يصح الرهن عليه، ثم توسعوا فجوزوه على العين كما أجازوه في الدين فقالوا: بصحة الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوب و درك المبيع و المقبوض بالسوم و بالعقد

ص: 301

الفاسد و هكذا سائر ما يتعلق به الضمان من الأعيان و لا يخرج إلا الأمانات لأنها غير مضمونة كما نصت عليه مادة (710) يشترط ان يكون مقابل الرهن مالًا مضموناً بناء عليه يجوز أخذ الرهن لأجل مال مغصوب و لا يصح لأجل مال الأمانة.

و تخصيصه بخصوص الديون- كما لعله الأشهر- ليس له حجة ظاهرة كتخصيصه بالحق الثابت فعلًا اي حال الرهن فلا يجوز الرهن على ما يستقرضه أو ما سيغرمه أو ما سوق يجنيه أو ما أشبه ذلك و عدم صحة الرهن على مثل هذه الحقوق المفترضة التي لم تحصل هي و لا أسبابها مما لا ريب فيه، انما الكلام فيما تحقق سببه و مقتضيه، كعقد الزواج الذي هو سبب لوجوب النفقة على الزوج و الطلاق الذي هو مقتض لوجوب نفقة العدة و أمثال ذلك، و الأصح صحة الرهن عليها و كفاية هذا المقدار من الاستعداد، لتعلق الحق، و بهذا الملاك صح الرهن على ضمان درك المبيع أو الثمن لو ظهر مستحقاً للغير.

(الفصل الثالث) في (زوائد الرهن المتصلة و في تبديل الرهن و زيادته بعد عقد الرهن)

(مادة: 711) كما ان المشتملات الداخلة في البيع بلا ذكر تدخل في الرهن

ص: 302

أيضاً كذلك لو رهنت عرصة تدخل في الرهن أشجارها و أثمارها و سائر مغروساتها و مزروعاتها و ان لم تذكر صراحة.

هذا مع الإطلاق أو العرف الخاص فواضح اما بدونهما فالمتبع التقييد.

«مادة: 712» يجوز تبديل الرهن برهن آخر،

مثلا- لو رهن أحد ساعة في مقابلة كذا دراهم دينه ثم بعد ذلك لو اتى بسيف و قال: خذ هذا بدل الساعة، و رد المرتهن الساعة و أخذ السيف يكون السيف مرهوناً مقابل ذلك المبلغ.

مدرك هذه المادة و اللتين بعدها «713 و 714» زيادة الرهن على الدين الواحد كزيادة الدين على الرهن الواحد يعني لو كان الرهن على مائة ثم أخذ من المرتهن مائة أخرى على ان يكون الرهن على المائتين أو ضم الساعة الى السيف على المائة الواحدة ان الحق بينهما فإذا تراضيا و أوقعا العقد ثانياً على الزائد أو الناقص صح ذلك لوجود المقتضى و عدم المانع.

«مادة: 715» الزائد الذي يتولد من المرهون يكون مرهوناً مع الأصل.

هذا مع الإطلاق مما لا اشكال فيه فان فوائد العين المرهونة تتبع الأصل انما الكلام انه هل يصح اشتراط إطلاقها على ان يتصرف بها الراهن كيف شاء أم لا يصح ذلك؟ وجهان من عموم أدلة الشروط و من انه مناف لمقتضى عقد الرهن فان مقتضى طبيعة عقد الرهن منع الراهن و المرتهن من التصرف و استيفاء المنافع من العين المرهونة تصرف فيها و هذا هو الأقوى.

ص: 303

(الباب الثاني) في (بيان مسائل تتعلق بالراهن) (و المرتهن)

اشارة

من خواص عقد الرهن الذي يعز النظير له فيها انه لازم من أحد الطرفين جائز من الطرف الآخر، فمن جهة الراهن لازم، و من جهة المرتهن جائز، و سره واضح لا يحتاج الى بيان، كما نصت عليه مادة (716) المرتهن له ان يفسخ الرهن وحده- اي و ان لم يرض الراهن و مادة (717) ليس للراهن فسخ عقد الرهن بدون رضا المرتهن- فإذا رضي انفسخ لأن الحق له و قد أسقطه فيسقط قهراً حتى مع عدم رضا الراهن، اما لو اتفقا معاً على الفسخ فبالطريق الاولى ينفسخ كما في مادة «718» إذا اتفق الراهن و المرتهن لهما فسخ الرهن، و لكن من الغريب قول «المجلة» هنا: و للمرتهن حبس الرهن و إمساكه الى ان يستوفى طلبه من الراهن بعد الفسخ فإنهما إذا اتفقا على الفسخ و فسخ المرتهن الذي هو صاحب الحق فأي حق له في حبس الرهن بعد الفسخ؟ و هل هذا إلا التناقض بعينه و التهافت بنفسه؟ فتدبرها جيداً فإنها نكراء.

و لازم صحة الفسخ ان يرد المرتهن العين المرهونة- لو كانت عنده- الى

ص: 304

الراهن، و يحرم عليه إمساكها بعد الطلب و يكون ضامناً لو تلفت مطلقاً، و لا يعقل ان يتوقف الفسخ على التسليم و هو من آثاره فتدبر.

(مادة: 719) يجوز ان يعطى المكفول عنه رهناً لكفيله.

هذا في كفالة المال- اى الضمان- واضح لان المكفول عنه مديون للكفيل بما كفل إذا كان بطلبه و اذنه، اما في كفالة النفس فمشكل حتى لو قلنا بصحة ضمان العين فتأمل.

(مادة: 730) يجوز ان يأخذ الدائنان من المديون رهناً ان كانا مشتركين في الدين أولا إلخ ..

هذه المادة و ما بعدها التي هي عكسها مدركهما واحد و هو حصول التوثق في كلا الصورتين و كان ينبغي جمعهما بمادة واحدة في عبارة موجزة فيقال: يصح رهن العين الواحدة على ديون متعددة لواحد أو متعدد كما يصح رهن الأشياء المتعددة على دين واحد أو متعدد لواحد أو متعدد، فتفيد معاني كثيرة في عبارة يسيرة فتدبر.

ص: 305

الباب الثالث في بيان المسائل التي تتعلق بالمرهون الرهن

اشارة

(و ينقسم الى فصلين)

الفصل الأول في (بيان مئونة المرهون)

«مادة: 722» على المرتهن ان يحفظ الرهن بنفسه أو بمن هو أمينه كعياله و شريكه و خادمه.

كان اللازم أولا بيان ان عقد الرهن ما الذي يقتضيه حسب طباعه و إطلاقه هل هو بقاء العين المرهونة عند الراهن أو المرتهن؟ أو عند ثالث أو لا اقتضاء له في شي ء من هذه الناحية؟؟ بل يتبع ما يتفقان عليه، و هذا هو الأصح و لا ينافيه اعتبار القبض عند الأكثر إذ لا ملازمة بين قبض المرتهن و بقائه عنده فان اتفقا بعد قبضه و انعقاده على وجه فهو، و ان تشاحا

ص: 306

رجعت القضية إلى حاكم الشرع فيضعه عند عدل مؤتمن و ان اتفقا على وضعه عند المرتهن وجب عليه حفظه كما في المتن في هذه المادة و مادة (723) المصارف التي تلزم لمحافظة الرهن كأجرة المحل و الناظر على المرتهن، و لكن انما تلزم على المرتهن بالشرط و الا فإطلاق العقد لا يقتضي ذلك بل الواجب عليهما ان يعينا ذلك و كون القبض لمصلحة لا يقتضي تعيين ذلك عليه ضرورة أن المصلحة مشتركة بينهما، نعم الإطلاق يقتضي كون العلف و اجرة الرعي و الراعي ان كان حيواناً- كما في مادة (724) على الراهن، و ان كان عقاراً فتعميره و سقيه و تلقيحه و تطهير خرقه و سائر مصارفه التي هي لإصلاح منافعه و بقائه عائدة إلى الراهن أيضاً فإن بذلها أو اذن المرتهن ان ينفقها استحق المرتهن الرجوع بها عليه و ان لم يأذن و لم يدفع استأذن المرتهن الحاكم و كان له حق الرجوع و ان أنفق بدون اذن الراهن و لا الحاكم كان متبرعا لا يستحق الرجوع على الراهن بشي ء كما ان الراهن لو أنفق ما يجب على المرتهن إنفاقه بدون اذنه لا يستحق الرجوع به أيضاً لأنه بحكم المتبرع كما في مادة (725) كل من الراهن و المرتهن إذا صرف على الرهن ما ليس عليه بدون اذن الآخر يكون متبرعاً و ليس له ان يطالب الآخر بما صرفه.

ص: 307

الفصل الثاني في الرهن المستعار

[مادة: 726] يجوز ان يستعير أحد مال آخر و يرهنه باذنه و يقال لهذا الرهن المستعار.

تقدم في (الجزء الأول) التعرض لهذه القضية و انها من معضلات فنّ الفقه إذ كيف يرهن إنسان على دينه مال غيره مع انه (لا رهن إلا في ملك)؟ ثم كيف بعد ذلك يباع مال إنسان قهراً عليه و يوفى به دين غيره؟ و كيف يدخل العوض في ملك غير من خرج منه المعوض؟

ثم ان العارية بطبيعتها عقد جائز للمعير ان يرجع بها متى شاء فكيف صارت هنا لازمة لا يقتدر المالك على الرجوع بها إلا بأداء الدين و هو غير مستدين، فالحكم بصحة الرهن هنا تحتاج الى علاج كل هذه المخالفات المنافية للقواعد الاساسية و محكمات الفقه، و قد سبق البحث في بعض هذه الجهات و سيأتي كثير من احكام الرهن المستعار في الفصل الثاني و كان اللازم ذكرها أجمع في هذا الفصل و كيف كان فلا ريب ان الرهن المستعار تابع سعة و ضيقا لاجارة المالك و مقدار رخصته في الإطلاق و التقييد فلو قيد ان يرهنه في زمن

ص: 308

معين أو على مقدار معين أو شخص معين يلزم الراهن الاقتصار على محل الرخصة فلو تجاوز بطل الرهن و ان أطلق المالك كان للراهن ان يرهنه كيف شاء كما نصت على ذلك مادتا (727 و 728)،، و كان ينبغي للمجلة التنبيه على ان المستعير لو تجاوز موضع الاذن و تلف المال عنده أو عند المرتهن ضمنه للمعير مطلقاً و الا فلا ضمان الا مع التعدي.

ص: 309

الباب الرابع في (بيان احكام الرهن

اشارة

و ينقسم إلى أربعة فصول)

الفصل الأول

(مادة: 729) حكم الرهن هو ان يكون للمرتهن حق حبسه الى حين فكه، و ان يكون أحق من سائر الغرماء باستيفاء الدين من الرهن إذا توفي الراهن.

إذا تم عقد الرهن يترتب عليه عدة أحكام تكليفية و وضعية، اما التكليفية فمثل حرمة تصرف كل من الراهن و المرتهن بالعين المرهونة مطلقاً الا ما يعود الى حفظ العين كسقي الدابة و علفها و نقل المتاع من محل الى آخر احفظ و أمثال ذلك، اما الوضعية فهي كثيرة (منها) حق حبس العين على الراهن و منعه من التصرف في ملكه الا برضا المرتهن، و ليس معنى الحبس ان يحبسها المرتهن عنده فان ذلك ليس من مقتضيات الرهن بل المراد حبس المالك عن التصرف فلا يصح بيعه و لا إيجاره و لا رهنه ثانياً و لا هبته إلا برضا المرتهن.

و (منها) ان الراهن لو فلسه الحاكم فالمرتهن لا يضرب مع الغرماء كاملًا فان زاد منه شي ء رده الى بقية الغرماء و ان نقص ضرب معهم

ص: 310

في بقية الأموال.

و (منها) انه لو مات الراهن فان فك الورثة الرهن و الا كان المرتهن أحق به من سائر الغرماء سواء قصرت التركة عن الديون أم لا.

و (منها) انه لو امتنع الراهن عن وفاء الدين كان للمرتهن ان يرفع امره الى الحاكم فيبلغ المرهون و يدفع له دينه و بدفع الباقي للراهن ان بقي شي ء سواء كان الامتناع عن عجز أو مماطلة.

و من هذا البيان تعرف خلل عبارة (المجلة) و قصورها عن الوفاء بما يجب في هذا البحث.

(مادة: 730) لا يكون الرهن مانعاً عن مطالبة الدين و للمرتهن صلاحية مطالبته بعد قبض الرهن أيضاً.

الرهن لا يغير الدين و لا يبدله، و لا يقدمه و لا يؤخره، فهو على حاله ان كان مؤجلا فمؤجل و ان كان معجلا فمعجل و له المطالبة بدينه عند حلول اجله و لا يمنعه وجود الرهن من ذلك.

(مادة: 731) إذا أوفى مقداراً من الدين لا يلزم رد مقدار من الرهن الذي هو في مقابله،

و للمرتهن صلاحية حبس مجموع الرهن و إمساكه الى ان يستوفى تمام الدين.

نسبة الرهن الى الدين تتصور على أنحاء يمكن ان يكون قصد المتراهنين متجهاً الى واحد منها.

(الأول) نحو مقابلة المجموع بالمجموع و لازم هذا ان يفك تمام الرهن بأداء جزء من الدين و لو قليل.

ص: 311

«الثاني» ان يكون على نحو مقابلة الجميع التي تقتضي التوزيع، و لازم هذا انه كلما ادى جزء انفك من الرهن بمقداره.

«الثالث» ان يكون بنحو مقابلة الكل بالجزء و هذا عكس الأول فإن لازمة ان يبقى تمام الرهن محبوساً الى أداء تمام الدين فلو ادى تمام الدين عدا جزء يسير منه بقي الرهن بتمامه على الجزء و هو الذي ذكرته «المجلة» و الأصح ان يقال: انه إذا ظهر من قصد الراهنين أحد تلك المعاني تعين و الا- أي مع الإطلاق- فالقاعدة تقتضي الوسط على القاعدة المعروفة عندهم من ان مقابلة الجمع بالجمع تقتضي التوزيع، و لكن المشهور عندنا على الظاهر هو النحو الأخير المختار للمجلة و لعل مدركهم أنه ألصق بالتوثق و الاحتياط لاسترداد الدين و هو و ان كان كذلك و لكن تعيين هذا النحو من التوثق يحتاج الى معين و هو مفقود فليتدبر.

نعم لا اشكال فيما لو كان عليه دينان و لكل منهما رهن فان دفع دين أحدهما انفك ما يقابله من الرهن و بقي الآخر كما ذكرته بقولها: و لكن لو كان المرهون شيئين و كان تعين لكل منهما مقدار من الدين إذا أدى مقدار ما تعين لأحدهما فللراهن تخليص ذلك فقط.

«مادة: 732» لصاحب الرهن المستعار أن يؤاخذ الراهن المستعير لتخليصه و تسليمه إياه،

و إذا كان المستعير عاجزاً عن أداء الدين لفقره فللمعير أن يؤدي ذلك الدين و يستخلص ماله من الرهن.

يعني لا حق له باسترداد الرهن من المرتهن الا بان يؤدي الدين هو أو المستعير أو متبرع، و بهذا خرجت هذه العارية عن بابها، و إذا أدى

ص: 312

المعير الدين لتخليص ماله رجع به على المستعير قطعاً. و كان من حق التحرير وضع هذه المادة و مادة «735» و «736» و «737» في الفصل المتقدم المعقود لأحكام «الرهن المستعار» و اقحامها في هذا الفصل مع عدم الربط و المناسبة خلل ظاهر و كيف كان فهذا الأثر أيضاً من الأوضاع التي خالفت الأصول و القواعد التي أشرنا إليها سابقاً، و هذه القضية و ذيولها هي و التبرع بوفاء دين الغير شعبتان من شجن واحد و من التأمل في تخريج وجهه يستخرج وجه تطبيقهما جميعاً على القواعد، فاستخرجها بفكرك الثاقب، و نظرك الدقيق و اللّٰه التوفيق.

«مادة: 733» لا يبطل الرهن بوفاة الراهن و المرتهن.

بل ينتقل حق الرهن و حبس العين إلى ورثة المرتهن. كما ينتقل الدين من ذمة الراهن الى تركته فيجب على الوصي و الورثة اما فكها بأداء الدين من تركته أو دفع التركة إلى المرتهن الدائن و ان كان الوارث صغيراً فوليه و ان كان غائباً كبيراً فالحكم ان لم يمكن حضوره أو توكيله، و مما ذكرنا يظهر الخلل في مادة «734» إذا توفي الراهن فان كان وارثه كبيرا يلزمه تأدية الدين من التركة و تخليص الرهن و ان كان صغيراً أو كبيراً غائباً بغيبة بعيدة فالوصي بإذن للمرتهن ببيع الرهن و يوفي الدين من ثمنه،،، بل الوصي و قيم الصغير أو الحاكم يتولون بيع الرهن بإذن المرتهن و وفاء الدين منه.

و مادة «735» تقدم مضمونها في طي مادة (732) و حاصله: ان المعبر لا حق له بأخذ الرهن الا بعد وصول دين المرتهن اليه سواء كان

ص: 313

المستعير الراهن حياً أو ميتاً، و لكن لا يجير على أداء الدين لأن الإنسان لا يجير على أداء دين غيره و انما يجير المستعير المديون فلو كان عاجزاً فقيراً تحرجت المسألة كثيراً و لا مناص من الحكم بان الرهن يبقى عند المرتهن فاما ان يخلصه المالك المعير بأداء الدين باختياره أو يرفع المرتهن امره الى الحاكم فيبيعه لوفاء الدين بمراجعة المعير المالك.

(مادة: 736) لو توفى الراهن المستعير حال كونه مفلساً مديوناً يبقى الرهن المستعار في يد المرتهن على حاله مرهوناً

و لكن لا يباع بدون رضا المعير و إذا أراد المعير بيع الرهن و إيفاء الدين فان كان ثمنه يوفي الدين فيباع من دون نظر الى رضا المرتهن و ان كان ثمنه لا يوفى الدين فلا يباع من دون رضا المرتهن.

قد تكرر بيان ان التصرف في العين المرهونة لا يجوز الا برضا الراهن و المرتهن و يزيد هنا انه لا بد أيضاً من رضا المالك المعير و اذنه لأن العين لا تزال في ملكه و ان كان للمرتهن حق فيها، اما لو توفى الراهن المستعير مفلساً انحصر الأمر بين المعير و المرتهن فلا بد من رضاهما معاً سواء كان الرهن يوفي أم لا فقول (المجلة) فيباع من دون نظر الى رضا المرتهن- غير سديد.

«مادة: 737» لو توفى المعير و دينه أزيد من تركته يؤمر الراهن بتأدية دينه و تخليص الرهن المستعار

«اي يأمره حاكم الشرع» و ان كان عاجزاً عن تأدية الدين بسبب فقره يبقى ذلك الرهن المستعار عند المرتهن مرهوناً على حاله و لكن لورثة المعير أداء الدين و تخليصه و إذا

ص: 314

طالب غرماء المعير بيع الرهن فان كان ثمنه يوفى الدين يباع من دون نظر الى رضا المرتهن و ان كان لا يوفي فلا يباع بدون رضاه.

في هذا الفرض تصبح العين متعلقاً لجملة حقوق حق المالك المعير الذي انتقل إلى غرمائه و حق الورثة و حق المرتهن و طريق التخلص بعد عجز الراهن ان يخير الورثة بين دفع الدين و تخليص العين و بين بيعها و أداء الدين من ثمنها فان زاد من الثمن شي ء يدفع الى الغرماء أو يتقبلوها بقيمتها و يدفعون حق المرتهن فان زاد فللغرماء، هذا بناء على ما هو الأصح عندنا من ان أعيان التركة تنتقل إلى الورثة و لكن محجور عليها بحق الغرماء فتشبه العين المرهونة.

إما مادة (738 و 739 و 740) فهي مع انها تقدمت في غاية الوضوح لا تحتاج الى اي تعليق.

و أما- مادتا (741 و 742) فالمقصود منهما بيان حكم تلف العين المرهونة فهي خداج لم تستوف صور التلف كلها.

و «تحرير هذا البحث» بوجه جامع- ان تلف العين المرهونة اما ان يكون سماوياً أو بشرياً، و التلف السماوي لا محالة يوجب بطلان الرهن لزوال موضوعه و لا يلزم الراهن شي ء و يبقى الدين طلقاً بلا رهن، و اما الثاني فالمتلف اما الراهن أو المرتهن أو أجنبي فإن كان هو الراهن وجب عليه غرامة المثل أو القيمة ليكون رهناً في مكان الرهن الذي أتلفه، و ان كان هو المرتهن فالغرامة عليه و مقتضى القاعدة ان يدفع المثل أو القيمة ليكون رهناً و لكنهم حكموا هنا: انه يسقط منه بمقدار دينه

ص: 315

و كأنهم جعلوه من أسباب التهاتر و هو مع كونه من جنس الدين ليس بالبعيد و في صورة الاختلاف مشكل إلا مع التراضي، أما لو كان المتلف أجنبياً فلا إشكال في الغرامة و تكون قيمته رهناً.

(الفصل الثاني) في (تصرف الراهن و المرتهن في الرهن)

[مادة: 743] يبطل رهن الخارج الرهن بدون اذن الراهن و المرتهن عند غيره.

لعل في النسخة غلطاً، و إلا فالعبارة كما ترى مشوهة الخلقة مع شديد التعقيد، و لعل المراد ان رهن كل واحد من الراهن و المرتهن العين المرهونة عند ثالث باطل إلا برضاهما معاً- أو ان رهن الأجنبي العين المرهونة باطل إلا بإذنهما، و الأول أنسب بالفصل المعقود لتصرف الراهن و المرتهن لا لنصرف الأجنبي، و كيف كان فقد مر مكرراً- ان الراهن و المرتهن ممنوعان من مطلق التصرف في العين المرهونة سواء التصرفات الناقلة كالبيع و الهبة أو غير الناقلة كاللباس و السكنى، اما التصرفات الاستغلالية كالإجارة و بيع الثمرة و جمع الحليب و الصوف و أمثالهما فلا ينبغي الإشكال في جوازه كما ربما يظهر من كلمات الفقهاء و لكن تعود القيمة رهنا مع الأصل، و من جملة التصرفات رهن العين المرهونة عند

ص: 316

ثالث فإنه لا يجوز الا باتفاقهما، و تحرير المسألة ان الراهن- اي المستدين ثانياً- اما ان يكون هو المالك- اي الراهن الأول- و هذا لا مانع منه فإنه كما لو رهن العين الواحدة ابتداء عند شخصين على دينين فيشتركان في ان لكل من المرتهنين بل الأكثر حق الاستيفاء من العين اما عرضاً أو مرتين الأول فالأول، و اما ان يكون الراهن هو المرتهن على دين له و هذا أيضاً لا مانع منه مع الاذن و يكون من باب الرهن المستعار و يشترك المرتهن الأول و الثاني فيها، و مثله ما لو كان الراهن أجنبياً بإذنهما على دين له، ثم المرتهن اما ان يكون هو المالك- اي الراهن- و هذا مما لا معنى له أصلا إذا لا يعقل رهن المال عند مالكه، و اما ان يكون هو المرتهن الأول و هذا معقول أيضاً و يكون كرهن العين الواحدة على دينين عند واحد، و مثله ما لو كان المرتهن أجنبياً و يكون كرهن العين الواحدة عند شخصين على دينين.

و من جميع ذلك تعرف فساد ما في مادة (744) إذا رهن الراهن الرهن بإذن المرتهن عند غيره يصح الرهن الثاني و يبطل الرهن الأول،،، بل يصحان معاً لعدم التزاحم بينهما سيما مع سعة العين لكلا الدينين و مع عدم السعة فيحتمل تقديم الأول أو تقديم الثاني أو التوزيع بالنسبة، كفساد مادة «745» إذا رهن المرتهن الرهن بإذن الراهن عند الغير يبطل الرهن الأول و يصح الثاني و يكون من قبيل الرهن المستعار،،، بل يصحان معاً فان فك الراهن الأول الزم المرتهن الأول بفكه و إلا جرى عليه احكام (الرهن المستعار) المتقدمة و الا فالمرتهن الأول يسد من دينه حق المرتهن

ص: 317

الثاني عليه فان زاد رده الى المالك و هو الراهن الأول، ثم ان مقتضى توقف تصرف كل منهما على اجازة الآخر انه لو باع الراهن فإن أجاز المرتهن نفذ و بقي الثمن رهنا و ان رد فالمشتري مخير بين الصبر الى فك الرهن و بين الفسخ فعلًا الا ان يدفع الدين فينفذ، و ان باع المرتهن فأجاز الراهن كان الثمن أيضاً رهناً و ان رد بطل، و هذا خلاصة ما ذكرته (المجلة) في مادة «746» و مادة «747» زيادة و اختصارا، و كما يصح البيع برضاهما تصح العارية أيضاً بل و غيرهما من المعاملات التعاوضية، اما المجانية كالهبة فهي إبطال للرهن بلا ريب، و كما يصح إعارته برضاهما للأجنبي كذلك يصح ان يعيره أحدهما للآخر، و معنى العارية هنا إباحة الانتفاع أو تمليك المنافع فان كلا منهما ممنوع منه بدون رضا الآخر كما سبق في مادة «748» لكل من الراهن و المرتهن اعارة الرهن بإذن صاحبه،،، و لكن إعارته لا تبطل رهينته حتى يحتاج إلى إعارته الى الرهينة فلا محل لقول «المجلة» و لكل منهما إعادته إلى رهينته بعد ذلك، بل لا معنى لهذا الكلام أصلا كما لا يخفى على المتأمل كما ان قولها في مادة «749» للمرتهن ان يعير الرهن للراهن، و بهذه الصورة لو توفى الراهن فالمرتهن يكون أحق بالرهن من سائر غرماء الراهن، فان هذا الكلام مستدرك إذ العارية لم تبطل الرهن و لا اختصاص لهذه الصورة بالحكم المذكور بل في جميع صور الرهن يجري الحكم المزبور، اما الانتفاع فقد عرفت انها أيضاً محبوسة عن كل واحد منهما الا برضا الآخر فلو أباحها الراهن للمرتهن فان أباحها بثمنها حسبت من دينه و الا كانت له مجاناً فقول (المجلة)

ص: 318

و لا يسقط من الدين شي ء في مقابل هؤلاء- على إطلاقه غير صحيح- كعدم صحة الإطلاق في مادة «751» إذا أراد المرتهن الذهاب الى بلد آخر فله ان يأخذ الرهن معه إذا كان الطريق آمناً،،، بل و الصحيح انه لا يجوز ان يأخذ الرهن معه مطلقاً الا إذا خاف عليه لو أبقاه في محله و كان نقله الى بلد آخر أو محل آخر احفظ فليتدبر.

(الفصل الثالث) في بيان احكام الرهن الذي هو في يد العدل

(مادة: 752) يد العدل كيد المرتهن

يعني لو اشترط الراهن و المرتهن إيداع الرهن عند من ائتمنه و رضى الأمين و بقبضه يتم الرهن و يلزم و يقوم ذلك الأمين مقام المرتهن.

«مادة: 753» لو اشترط حين العقد قبض المرتهن الرهن

ثم لو وضعه الراهن و المرتهن بالاتفاق في يد عدل يجوز.

«مادة: 754» إذا كان الدين باقياً فليس للعدل ان يعطى الرهن الى الغير

ما لم يكن لأحد الراهن و المرتهن رضا و إذا أعطاه فله صلاحيته استرداده و إذا تلف قبل الاسترداد فالعدل يضمن.

ص: 319

«مادة: 755» إذا توفي العدل يودع الرهن عند عدل غيره

بتراضى الطرفين و إذا لم يحصل بينهما الاتفاق فالحاكم يضعه في يد عدل.

خلاصة هذا الفصل يبتني على ما سبق بيانه من ان طبيعة عقد الرهن لا تقتضي كون بقاء الرهن عند الراهن أو المرتهن أو عند ثالث فهو من هذه الجهة لا اقتضاء فان اتفقا على بقائه عند أحدهما تعين و ان تشاحا وضعه الحاكم عند عدل و لا يجوز له ان يدفعه إلى أحدهما بدون رضا الآخر بل يدفعه إليهما أو الى الحاكم لو تعذر مراجعتهما أو اتفاقهما و لو دفعه الى أحدهما و تلف ضمن للآخر، و لو مات العدل فان اتفقا فهو و الا وضعه الحاكم عند عدل آخر هذا كل ما اشتملت عليه مواد هذا الفصل مع الاختصار و حذف الفضول فإنه معاني قليلة في عبارات طويلة.

(الفصل الرابع) في (بيع الرهن)

(مادة: 756) ليس لكل من الراهن و المرتهن بيع الرهن بدون رضا صاحبه.

و هذا واضح معلوم.

(مادة: 757) إذا حل وقت أداء الدين و امتنع الراهن عن أدائه

ص: 320

فالحاكم يأمره ببيع الرهن و أداء الدين فان ابى و عائد باعه الحاكم وادي الدين.

أو يتقبله المرتهن و يحتسبه من دينه و يدفع الزائد لو كان، و مع غيبة الراهن و عدم إمكان الوصول و حلول الأجل فالمرجع الحاكم في البيع و الوفاء لولايته العامة كما في مادة (758) إذا كان الراهن غائباً و لم تعلم حياته و لا مماته فالمرتهن يراجع الحاكم على ان يبيع الرهن و يستوفي الدين.

(مادة: 759) إذا خيف فساد الرهن فللمرتهن بيعه و إبقاء ثمنه رهناً في يده

بإذن الحاكم و إذا باعه بدون اذن الحاكم يكون ضامناً كذلك لو أدرك ثمر البستان المرهون و خضرته و خيف تلفه فليس للمرتهن بيعه إلا بإذن الحاكم و إذا باعه بدون اذن الحاكم يضمن.

كل ذلك حفظاً للمال من الضياع، و الحاكم هو الولي العام.

(مادة: 760) إذا حل وقت أداء الدين يصح توكيل الراهن المرتهن

أو العدل أو غيرهما ببيع الرهن و ليس للراهن عزل ذلك الوكيل من تلك الوكالة و لا ينعزل بوفاة أحدهما أيضاً.

الوكالة عقد جائز اتفاقاً- كما سيأتي فللوكيل ان يعزل نفسه كما للموكل ان يعزله و لا دليل على لزومها هنا بالخصوص غايته انه لو عزل الوكيل يلزمه الحاكم بالبيع أو توكيل غيره و بهذا يحصل الجمع بين الحقوق كما ان الوكالة تبطل بالموت عندنا اتفاقاً سواء موت الوكيل أو الموكل و لا معنى لبقائها بعد الموت بل يلزم الورثة مع الوصي وفاء الدين من

ص: 321

التركة أو بيع العين المرهونة و الوفاء من ثمنها و ان لم يفعلوا تولى الحاكم ذلك.

«مادة: 761» الوكيل ببيع الرهن يبيع الرهن إذا حل وقت أداء الدين و يسلم ثمنه الى المرتهن فان أبي الوكيل يجبر الراهن على بيعه.

اما الوكيل فقد عزل نفسه بامتناعه عن أداء عمل الوكالة فيتعين إلزام الراهن بذلك فان ابى فالحاكم كما في «المجلة»: و إذا ابى و عاند باعه الحاكم و إذا كان الراهن أو ورثته غائبين يجبر الوكيل على بيع الرهن فإن عائد باعه الحاكم:

الى هنا انتهت مواد «المجلة» في (كتاب الرهن)، و قد أهملت بحثين مهمين من مباحثه (أحدهما) مسقطات الرهن، و (ثانيهما) باب التنازع و الخصومة، و من الحق ان تشير الى بعض مسائل كل من البحثين على سبيل الإيجاز إتماماً لفائدة.

اما- الأول- فمعلوم ان أسباب سقوط الرهن و زواله مهما تعددت و تنوعت فهي ترجع الى سببين، و هما- سقوط الدين أي براءة ذمة الراهن منه أو إسقاط المرتهن حقه من الرهن مع بقاء الدين، و حيث ان أسباب سقوط الدين كثيرة لذا تكثرت أسباب سقوط الرهن.

أولها-: الوفاء و الأداء.

ثانيها-: الاسقاط و الإبراء.

ثالثها-: موت الراهن و المرتهن هو الوارث.

رابعها-: عكسها- موت المرتهن و الراهن هو الوارث.

ص: 322

خامسها-: حوالة الدين على آخر.

سادسها-: ضمان الدين و انتقاله إلى ذمة أخرى سابعها-: بيع الدين لآخر.

ثامنها-: هبته لآخر، و ان كانت الهبة هنا ترجع إلى الإسقاط.

و ربما توجد أسباب اخرى لسقوط الدين تظهر بالاستقصاء و التأمل.

اما الثاني و هو إسقاط المرتهن حقه من الرهن فهو معنى واحد و لكن يظهر بصور مختلفة من قول أو فعل أو إشارة، بل و قد يتحقق بالكتابة أيضاً فإنه و ان كان أشبه بالإيقاع، بل هو الإيقاع حقيقة، و الإيقاع كالعقد عندنا لا يتحقق بالكتابة، و لكن حيث ان الشارع كالعرف لم يعتبروا فيه صيغة خاصة- كما اعتبروها في الطلاق و العتق و غيرهما- كفى كل ما دل عليه.

البحث (الثاني) في التنازع و الخصومة و يقع المهم منه في مسائل.

(1) إذا ادعى الدائن الرهن و أنكره المديون فالقول قوله للأصل.

(2) إذا ادعى المرتهن ان الرهن الثوب و الكتاب مثلًا و لم يعترف الراهن الا بالثوب فالقول قوله للأصل أيضاً.

(3) إذا ادعى المرتهن ان الرهن هو الثوب مثلا و قال الراهن بل الكتاب، فهذا و أمثاله يدخل في باب التداعي و يخرج من باب المدعى و المنكر فان كان لكل منهما بينة فهو من باب تعارض البينات و المرجع فيهما الى المرجحات، و ان لم تكن فالتساقط و التخيير و القول الفصل حكم الحاكم الذي ترفع اليه الدعوى المزبورة، و ان كانت البينة لأحدهما فقط كان

ص: 323

العمل عليها بلا ريب، و ان لم تكن لأحدهما بينة فالتحالف فمن حلف حكم له و ان حلفا معاً تساقطا و حكم بعدم رهن شي ء منهما و هو المعروف عندنا بالانفساخ القهري.

(4) إذا ادعى المالك المديون ان العين وديعة عند دائنه و ادعى الدائن انها رهن فالقول قول المالك بيمينه للأصل.

(5) لو ادعى المالك انها اجارة و ادعى الآخر انها رهن، فالأقرب انه من باب التداعي ان كان النزاع قبل القبض أو بعد قبض العدل، اما لو كان بعد قبض مدعي الرهينة فالأقرب ان القول قوله.

(6) إذا ادعى المرهن رد العين المرهونة و أنكر الراهن فالقول قوله للأصل.

(7) إذا ادعى المرتهن التلف و أنكر الراهن فالقول قول المرتهن بيمينه لأنه الأمين.

(8) لو اعترف بالتلف و ادعى عليه التفريط فالقول قول المرتهن أيضاً للأصل أيضاً و لأنه أمين.

(9) لو ادعى الراهن ان المرتهن أسقط حق الرهن و أنكر المرتهن فالقول قوله أيضاً.

(10) لو ادعى المرتهن ان العين رهن على الدينين و أنكر الراهن فالقول قوله للأصل أيضاً (11) لو تداعى شخصان على عين فادعى كل منهما انها رهن عنده فقط فلا يخلو اما ان تكون في يد أحدهما أو في يدهما معاً أو في يد ثالث

ص: 324

و على كل التقادير فالمالك اما ان يصدق أحدهما أو ينفيهما معا أو لا يصدق و لا ينفى أو لا يمكن مراجعته لغيبة و نحوها، فالقضية ذات صور متشعبة يدور محورها على أمرين الأول-: ان من صدقه المالك فالقول قوله بيمينه مطلقاً.

الثاني-: انه حيث لا تصديق من المالك اما لغيبة أو لسبب آخر فالقول قول صاحب اليد، و اما ان كانت اليد لهما فهو باب التداعي فمن كانت له بينة يقدم قوله و ان لم يكن بينة أو تعارضت البينتان و لا مرجح فالتحالف فمن حلف قدم قوله مع نكول الآخر و إذا حلفا حكم بالانفساخ القهري و رجعت العين الى مالكها، و مثلها ما لو كانت في يد ثالث فإنه أيضاً من باب التداعي اما البينة و اما التحالف.

[12] إذا ادعى ان العين رهن عنده فقط فادعى الآخر انها رهن عنده أيضاً كانت من باب المدعي و المنكر و الصور المتقدمة جارية هنا أيضاً و المالك مصدق حتى على صاحب اليد لأنه أحق بماله، و اعرف بنفسه، و تنقلب الخصومة بينه و بين الآخر فان كان غائباً أو لا يصدق واحداً منهما فصاحب اليد مقدم بيمينه الا ان يقيم الآخر- و هو المدعي- البينة.

هذا قليل من كثير من صور النزاع و الخصومة و المتتبع يجد أكثر من ذلك، هذا في خصوص النزاع في الرهن، اما الخصومة في الدين الذي عليه فهي أيضاً كثيرة و لكنها خارجة من هذا الكتاب و محلها [كتاب الدين].

ص: 325

و لنختم هنا (كتاب الرهن) سائلين من الحق جل شأنه أن يفك رهائن أنفسنا يوم تغلق الرهون، و تطبق السجون، و (لٰا يَنْفَعُ مٰالٌ وَ لٰا بَنُونَ إِلّٰا مَنْ أَتَى اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

تم الجزء الثاني و يليه الجزء الثالث إن شاء اللّٰه و اوّله (كتاب الأمانات الوديعة و العارية)

ص: 326

(استدراكات و ملاحظات)

كنا نحسب أو نأمل عند انتشار (الجزء الأول) من هذا الكتاب (تحرير المجلة)، و بعد إنجاز طبعه، و وقوعه بأيدي أهل الفضل، ان يكثر النقد عليه، و البحث و التنقيب في بحوثه و فوائده، نظراً لاشتراك الفقيه فيه مع الحاكم، و الحقوقي و القانوني، و الأستاذ و التلميذ، و انتفاع أكثر الطبقات به، فلم نجد شيئاً من ذلك، و لا اجعل اللوم في ذلك الا على الظروف القاسية، و الحوادث الزمنية، التي اشغلت أفكار اولي الفضل و المتخصصين بمسائل الفقه و الحقوق عن التوسع و الاضطلاع بمهمتهم و ما هو المتعين عليهم، و لا ريب ان الاضطرابات العالمية، و هذه الحروب الطاحنة، أقل تأثيرها حدوث الفتور، و خمود العزائم عن النشاط الى البحث و الاستقصاء، في المسائل النظرية و المباحث الجوهرية، الأعلى النادر ممن لا يجد لذة إلا في العلم و البحث و المطالعة و المراجعة، و لا يعوقه

ص: 327

عن تلك الشئون عائق، و لا يشغله عن تلك العوالم و المعالم شاغل، و لكنهم كانوا قليلا و (قد صاروا أقل من القليل).

و نحن- و المنة للّٰه وحده- لم يقعد بعزيمتنا، عن مواصلة البحث و الكتابة عواصف الزمن، و لم تخمد جمرة اشوافنا، لنشر العلوم، نكبات المحن، و لا عاقبا عن النشر و الطبع أزمة الورق، و ضيق مواد الاقتصاد، و ضعف الرغبات و خمود العزمات، و كان أقصى ما سمعنا من بعض الهنات، أو وجدنا من النقد في بعض الصحف التعرض لأمور تافهة لا تستحق الذكر، أسمعنا بعض عوض فلي نواصي التحقيقات الأبكار التي نشرها (الجزء الأول) في حقيقة البيع و الملكية، و الماضي و المضارع، و الأموال و العهود و الالتزامات.

نعم اسمعونا بدل التعمق في هذه الدقائق الاعتراض على قولنا ص (7) فالامامية فتحوا باب الاجتهاد على مصراعيه- حتى صار يدعيه من لا يصح ان يطلق عليه اسم المتفقة فضلا عن الفقيه، وليتهم علموا باننا قد كبحنا جماح القلم هنا و هناك و اكتفينا بقليل من كثير، و جرعة من غدير من ويلات هذا البلاء المبرم، و المقام مقام الشكر في اننا أسدلنا الستار، عن موبقات تلك الأطوار، و أخذنا بأدب الفرقان المجيد «خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِينَ» و صرفنا أو تصرفنا في كريمة قوله عز شأنه «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» بقوله تعالى «إِنَّكَ لٰا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ».

و ليس بت هذه النفثة من القصد في شي ء و انما استطردها بيان دواعي

ص: 328

الحرمان من فوائد النقد، و أسباب انصراف الهمم و العزائم عن هذه المغانم و ان أحد تلك الأسباب اليوم هي الظروف القاهرة، و المعارك الدائرة في أمم الغرب التي أصبحت تخرب بيوتها بأيديها و عادت مدنيتها و ثقافتها وبالًا على العالم و عليها، و لو انطباع أهل العلم على سجيتها الاولى و نفسيات أرباب الفضيلة و علماء الحقوق على رسلها السابق و نهجها القويم قبل هذه الأوضاع العالمية لما أهملت مهمة النقد الصحيح، مع غزارة فوائدها و عظيم منافعها و الحقيقة- كما يقولون- نبت البحث و اضرب الرأي بالرأي يبدو لك وجه الصواب، و تمام عقلك مع أخيك و العصمة و الكمال للّٰه وحده.

و حقاً- إن زينة الكتاب و حيلته نقده و تمحيصه، بل هو كماله و جماله، و تمامه ان يبدو عوزه و نقصه و يستقصى فليه و فحصة، سيما في مثل مؤلفنا هذا الذي كتبناه على جري القلم، و عفو الخاطر، من دون تجديد نظر أو نتيجة مباحثه أو مدارسه، بيد انه صدر في مثل هذه الظروف المزعجة، و الصروف المحرجة، و أنواع المحن و الأرزاء التي تبلد الأذهان، و تطبع الإنسان بطابع الذهول و النسيان، و بعض هذا ما يكفي للغفلة و السهو، و عروض الخطاء و الهفوات فكيف بما هو أعظم و أفظع؟ و لما نظرنا فيه بعد طبعه و نشره وجدنا فيه ما يجدر التنبيه عليه فأحببنا هنا الإشارة الى بعض ذلك على سبيل الحديث المستظرف و القول المستطرف، و نترك الباقي لأهل الفضل إذا نشطت عزائمهم، و حفزتهم عبقريتهم.

فمن ذلك في (الجزء الأول) ص 30 مادة [34] ما حرم أخذه حرم

ص: 329

إعطاؤه و قد حملنا القاعدة هناك على أخذ المال المحرم فان التصرفات فيه تكون محرمة فيحرم إعطاؤه لأنه تصرف فيه و هذا الوجه و ان كان صحيحاً في ذاته و لكنه ليس هو المقصود من القاعدة قطعاً بل القصد غيره أومأ هو أوسع منه نظراً، و أبعد أثرا.

و الذي يليق ان تحمل عليه من المعنى المفيد فائدة جديدة- هو ان الذي يحرم أخذه كالربا مثلا أو الرشوة أو القمار و إضراب ذلك كما يحرم أخذه يحرم أعطوه- فكما يحرم عليك ان تأخذ الرشوة يحرم عليك ان تعطيها للمرتشي و كما يحرم عليك ان تأخذ الربا يحرم عليك ان تستدين أو تبيع و تعطي الربا- يحرم عليك تبع وزنة حنطة بوزنه و نصف فتأخذ زيادة نصف و انه كما يحرم عليك هذا يحرم ان تشترى كذلك فتعطي نصف وزنة زيادة و تكون هذه القاعدة قريبة الأفق من معنى أختها التالية لها (ما حرم فعله حرم طلبه).

يعني كما يحرم عليك فعل الربا و الرشوة يحرم عليك ان تطلبه من غيرك و كما يحرم عليك شرب الخمر يحرم عليك ان تطلبه من غيرك و هكذا في كل حرام الا ما استثنى كما سبق.

و من ذلك إهمال جملة من القواعد المهمة.

مثل قاعدة الميسور و قاعدة الحر لا يضمن و لا يدخل تحت اليد، و قاعدة (إذا اجتمع الحرام و الحلال غلب الحرام- التي و بما ترجع إلى قاعدة درء المفاسد اولى من جلب المنافع.

و قاعدة (الدفع أهون من الرفع) و الفرض أفضل من النفل، و ما

ص: 330

كان أكثر فعلًا، فهو أكثر فضلًا.

الى كثير من أمثالها و لكن يدفع النقد في إهمالها ان جملة منها تختص بالعبادات.

و بعضها قليل الجدوى نادر المثال.

و من موارد النقد أيضاً ان بعض المباحث المهمة جاء البيان فيها ناقصاً مبتوراً و كان من حقة البسط و الإحاطة بالموضوع من جميع أطرافه و عموم اقسامه.

(مثل قاعدة التلف قبل القبض) في الجزء الأول صفحة (69) و حق تحريره ان يقال ان زوال المبيع أو الثمن بحيث يمتنع قبضه حقيقة أو حكما لا يخلو اما ان يكون من جهة التلف أو الإتلاف، و على الأول، فقد اتفقوا على ان تلف المبيع من البائع و تلف الثمن قبل إقباضه للبائع من المشتري، و النبوي المشهور «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه» و إن كان واردا في المبيع فقط و لكن الأصحاب اتفقوا ظاهرا على إلحاق الثمن به في الحكم و ربما يظهر هذا من رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّٰه الصادق سلام اللّٰه عليه في رجل اشترى من رجل متاعا و أوجبه غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه فسرق المتاع من مال من يكون قال من مال صاحب المتاع حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته. فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد اليه ماله.

فان قوله «عليه السلام» حتى يرد اليه ماله ظاهر في الثمن و انه في ضمان

ص: 331

المبتاع أي المشتري حتى يوصله إلى البائع.

هذا في تلف الجميع اما تلف البعض ثمنا أو مثمنا فان كان المبيع حسب اعتبار العقلاء ذو أجزاء يتقسط عليها الثمن انفسخ في التالف بنسبته من الثمن و صح في الباقي و ان كان بنظر العرف مما لا يتقسط الثمن عليها بان يكون ذلك الجزء التالف كالأوصاف التي لا تقابل بالاعواض فهو موجب لخيار المشتري بين الرد و الإمساك بمجموع الثمن و يحتمل تخييره بين الرد و بين الإمساك بالأرش و يكون كالعيب الحادث قبل العقد و ليس ببعيد هذا في التلف قبل القبض اما التلف بعده في زمن الخيار فقد تقدم البحث فيه مفصلًا.

هذا كله في التلف السماوي اعني القهري [أما الإتلاف] فإن كان المتلف هو المشتري فلا ينبغي الإشكال في انه كالقبض و مسقط لضمان البائع و يجب عليه دفع الثمن اليه قطعاً و هذا مع علمه واضح اما مع جهله فان كان مغروراً من البائع كما لو كان طعاماً و قدمه إليه بصورة الإكرام فأكله و ظهر انه هو الذي ابتاعه منه فلا ينبغي الإشكال في انه كالتلف السماوي مضمون على البائع على خلاف فيه و ان لم يكن مغروراً كما لو اكله جهلًا منه من دون ان يقدمه البائع إليه فالقضية مشكلة و الحكم بأنه من ماله و انه قبض مشكل و جعل الضمان على البائع أشكل.

و دعوى انصراف النص في القبض الى غير هذا القبض فيكون من التلف قبل القبض فضمانه على البائع- عهدتها على مدعيها و هي قابلة للمنع.

و ان كان المتلف البائع فالمسئلة ذات وجوه متعارضة بل و متكافئة

ص: 332

فاما الحكم بالانفساح و يكون الضمان على البائع تنزيلًا للإتلاف منزلة التلف و ان مرجعهما الى تعذر الإقباض و هو ملاك الحكم سواء كان من حيوان أو إنسان بحادثة سماوية أو ارضية، و اما الحكم بإبقاء العقد و تضمين البائع المثل أو القيمة لأن الحكم بالانفساخ على خلاف القاعدة فيقتصر على مورده المتيقن و هو التلف لا الإتلاف و يكون من باب إتلاف مال الغير الموجب للضمان بالمثل أو القيمة.

و اما الحكم بتخيير المشتري في باب إتلاف البائع المبيع أو البائع في إتلاف المشتري الثمن بين إمضاء العقد فيطالب بالقيمة أو فسخه فيأخذ الثمن لو أتلف المبيع أو المبيع لو أتلف الثمن.

و مدرك هذا التخيير اما ان تحقق سبب الانفساخ مع سبب الضمان يقتضي التخيير بينهما بعد عدم إمكان الجمع و اما لان التلف إذا خرج عن قاعدة التلف قبل القبض صار المبيع متعذر التسليم فيثبت الخيار اما للمشتري في تلف المبيع أو للبائع مع العكس و هو معنى التخيير بين الفسخ و استرداد ما دفع أو المضاء و المطالبة بالمثل أو القيمة و هذا هو الأوفق بالقواعد، و تجري الوجوه الثلاثة في إتلاف الأجنبي- هذا هو التحرير الوافي لهذه المسألة على اختصاره، و هكذا يجب ان تحرر المسائل و يكفي هذا المقدار من الملاحظة على الجزء الأول على سبيل النموذج و العنوان.

اما الجزء الثاني فقد تركنا إبداء الملاحظات فيه الى من ينشط له من أهل هذا الفن الشريف فن الفقه و علم الحقوق.

ص: 333

و منه نستمد التوفيق للجميع و ان يسهل لنا متابعة التأليف و النشر الى خاتمة هذا الكتاب إن شاء اللّٰه و لا شك انه يحتاج الى عدة أجزاء اخرى فعسى ان يفسح اللّٰه عز شأنه في العمر إلى إكمالها بلطفه و عناياته انه الكريم المنان و به المستعان

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.